عرفت المادة (73) مدني عراقي، العقد بأنه (هو ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه). فالعقد توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني معين، يستوي أن يكون هذا الأثر إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه. والإرادة المشتركة للمتعاقدين يجب أن تتجه لإحداث أثر قانوني معين كي يعتد به القانون ويضفي عليه حمايته بفرض جزاء على مخالفته وهذا ما يعبر عنه بتوافر نية التعاقد أو نية إنشاء علاقات قانونية(1). وليس كل اتفاق يراد به إحداث أثر قانوني هو عقداً، وإنما ما نعنيه يجب أن يكون واقعاً في نطاق القانون الخاص وفي دائرة المعاملات المالية(2). ونحن إذ نقول أن العقد نطاق لفكرة عدم القابلية للتجزئة، فهذا لا يعني أن جميع العقود لاتقبل التجزئة، وأن هذا المفهوم مطلق في تطبيقه على العقود كافة، بل أن المرجع في ذلك القانون وما يتفق عليه المتعاقدان صراحة أو ضمناً. فالمادة (720 مدني عراقي) تنص صراحة على (1- الصلح لا يتجزأ فبطلان جزء منه يقتضي بطلان العقد …). إذ القانون ينص صراحة على إن عقد الصلح لا يقبل التجزئة، ولا يجوز كذلك تجزئة العقد عند الأخذ بالشفعة فليس للشفيع أن يجزأ العقد المبرم بين البائع والمشتري حيث تنص (م1135 مدني عراقي) على (الشفعة لا تقبل التجزئة فليس للشفيع أن يطلب بالشفعة بعض العقار المشفوع ويترك بعضه ..). إلا أن المهم في فكرة عدم التجزئة هو الإرادة المشتركة لطرفي العقد، حيث لا يمكن إلزام المتعاقد إلا بما ارتضته إرادته الصريحة أو الضمنية. فلا مناص من القول بعدم قابلية العقد للتجزئة إذا ورد بذلك نص صريح في صلب العقد أو في اتفاق سابق أو لاحق لإبرام العقد ما دام قد ارتضاه الطرفين، ويمكن أن تكون الإرادة ضمنية غير صريحة لكن بالإمكان أن تستشف نية المتعاقدين في عدم التجزئة من خلال عبارات العقد بمجموعها وطبيعة العقد وظروف التعاقد.وعلى العكس مما سبق فقد ترد عبارات العقد صريحة في أن العقد يقبل الانقسام والتجزئة والقانون قد ينص على مثل هذه التجزئة استناداً إلى ما أراده المتعاقدان فالمادة (139 مدني عراقي) تقرر بأنه في حالة البطلان الجزئي للعقد فأنه يسقط الجزء الباطل ويبقى الجزء الصحيح هذا كقاعدة عامة وهي تجزئة للعقد ثم تقول المادة في أعلاه (إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً). والمادة (1135 مدني عراقي) تقرر أنه (…إذا تعدد المشترون وأتحد البائع فللشفيع أن يأخذ نصيب بعضهم ولو كان شائعاً ويترك الباقي) وفي هذا تجزئة للصفقة. وتقرر المادة (561 مدني عراقي) بشأن العيب الخفي (ما بيع صفقة واحدة إذا ظهر بعضه معيباً فإذا لم يكن في تفريقه ضرر كان للمشتري رد المعيب …) وفي ذلك تجزئة للعقد. على أن المرجع الأساس في كل ما تقدم هو نية المتعاقدين وظروف التعاقد للتعرف عما إذا كان في تفريق الصفقة ضرر أو لا أو أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً أو لا، بل أن المادة 720 مدني تنص صراحة على ذلك فبعد أن قررت الفقرة الأولى منها أن الصلح لا يقبل التجزئة تقرر الفقرة الثانية ما يلي (2- على أن هذا الحكم لا يسري (أي عدم التجزئة) إذا تبين من عبارات العقد أو من الظروف أن المتعاقدين قد توافقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن بعض). ولا نجد أن الفقه الإسلامي يختلف عن القانون في ذلك، سواء أكان في التجزئة أم عدمها، والأصل في كل ذلك ما ارتضاه المتعاقدين وظروف التعاقد، (فقد اتفق الفقهاء على ضرورة اتحاد الصفقة من حيث المبدأ وأن كان هناك اختلافات جزئية في تحقيق هذا المبدأ)(3). جاء في المادة (224) في مجلة الأحكام العدلية ما يأتي (لو باع مجموعاً من الموزونات التي في تبعيضها ضرر وبين قدره وذكر ثمن مجموعه فقط، وحين وزنه وتسليمه ظهر ناقصاً عن القدر الذي بينه فالمشتري مخير إن شاء فسخ البيع وإن شاء أخذ القدر الموجود بجميع الثمن المسمى …) فشراء مجموعة من الموزونات وذكر ثمنها بالمجموع دلالة على إن المتعاقدين قصدا عدم تجزئة العقد، فليس للمشتري إذا ظهر نقص في المبيع إن يجزأ العقد، وهو أما أن يطلب فسخ العقد بأكمله أو أن يأخذ المتبقي بجميع الثمن المسمى ولا يتحلل من التزاماته. ونصت المادة (351) من المجلة أيضاً على (ما بيع صفقة واحدة إذا ظهر بعضه معيباً فأن كان قبل القبض كان المشتري مخيراً إن شاء رد مجموعة وأن شاء قبله بجميع الثمن وليس له أن يرد المعيب وحده ويمسك الباقي).

وفي الصفقة الواحدة التي تجمع بين الحلال والحرام، يذهب جانب من الفقه الإسلامي إلى القول ببطلان الكل، والعلة في ذلك أن الحرام يغلب على الحلال والصفقة واحدة فيبطل الكل(4). فالبيع يبطل برمته سواء فيما ينقسم الثمن فيه على الأجزاء كالعبد الواحد نصفه للبائع ونصفه لغيره، أم فيما ينقسم الثمن فيه على القيمة كالعبدين المبيعين صفقة واحدة(5). وهناك شروط إذا اقترنت بالعقد وكانت فاسدة تبطل العقد بأكمله وهو اتجاه للجعفرية(6). وهو اتجاه أخذت به م (323) من مرشد الحيران بقولها (كل ما كان مبادلة مال بمال كالبيع والشراء والصلح على مالا يصح اقترانه بالشرط الفاسد ولا تعليقه به تفسد إذا اقترنت أو علقت به) لكن هناك اتجاه آخر يقول بالعكس، فإذا جمع البيع وقفاً وملكاً، فالفساد لا يسري في الملك بل يبطل بيع الوقف ويبقى الباقي صحيحاً(7). … فالعقد إذا كان بسيطاً وهو (ما كان عقداً واحد متميزاً ومستقلاً)(8). أي لم يكن مزيجاً من عقود عدة كالبيع والإيجار(9). يكون أوضح في أركانه وشروطه والالتزامات الناشئة عنه والآثار المترتبة عليه بصورة عامة. لكن هناك عقوداً مركبة من أكثر من عملية قانونية، كأن يضم العقد الواحد بيعاً وإيجاراً أو مقاولةً وإيجاراً وهكذا فما هو مدى اندراج مثل هذه العقود تحت نطاق عدم التجزئة.

__________________

– أنظر د. عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام وفقاً للقانون الكويتي، ط1، جامعة الكويت، الكويت ، 1982، ص256. وأنظر في نفس المعنى د. إبراهيم الدسوقي أبو الليل، العقد والإرادة المنفردة (التصرف القانوني)، جـ1، مؤسسة دار الكتب، الكويت، 1998، ص47.

2- أنظر د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، جـ1، ط2، دار النهضة العربية، 1964، ص151.

3- د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، جـ5، مرجع سابق، ص3331.

4- أنظر د. مصطفى الزلمي، الضمان في الفقه الإسلامي، مرجع سابق.

5- أنظر أبو أسحق إبراهيم بن علي الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، جـ1، مطبعة دار الكتاب العربي، بلا، 269.

6- أنظر محمد جواد مغنية، فقه الإمام جعفر الصادق، جـ3، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، إيران، ط2002، ص182.

7- أنظر فخر الدين الزيلعي، تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، جـ4/ ط2، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، بلا، ص60.

8- أنظر د. عبد المنعم البدراوي، عقد البيع في القانون المدني، ط2، دار الكتاب العربي، مصر، 1958، ص16.

9- أنظر الدكتور عبد الرزاق السنهوري، نظرية العقد، المجمع العلمي العربي، بيروت، بلا، ص125.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .