للسند الرسمي حجية من حيث الرسمية وحجية بالنسبة للأشخاص .. كما للبيانات المدونة في السند حجية، وكذلك لصور السند الرسمي حجية في حالتي وجود الاصل او عدمه ونبحث هذه المسائل تباعا.

أولا – حجية السند الرسمي من حيث الرسمية.

ان هناك شروطا معينة ينبغي توفرها لكي ينشأ السند الرسمي ويكتسب الصفة الرسمية، فاذا كان المظهر الخارجي للسند، لا يبعث على الشك فيه كوجود كشط او محو او اضافة، فعند ذاك تتوفر في السند قرينة قانونية على اعتباره سندا رسميا صحيحا واعفي من يتمسك به من اثبات صحة صدوره ممن يحمل تواقيعهم وهم الموظف العام وذوو الشأن اولا ومن اثبات خلوه من التغييرات اللاحقة على انشائه ثانيا (1). واذا قامت قرينة الرسمية للسند، بقيت الى ان يثبت العكس ويكون ذلك بالطعن بتزوير السند الرسمي، اذا لا يعمل بالسند الا اذا كان سالما من شبهة التزوير والتصنيع (2). ونصت المادة (22 / أولا) من قانون الاثبات على ان السندات الرسمية حجة على الناس بما دون فيها من أمور قام بها موظف عام او شخص مكلف بخدمة عامة في حدود اختصاصه او وقعت من ذوي الشأن في حضوره ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانونا (3). واذا كانت جميع شروط السند الرسمي متوفرة في الظاهر. ثم طعن فيه بالتزوير في جزء من اجزاء السند وثبت هذا التزوير، كثبوت تزوير تاريخ تحرير السند او توقيع بعض الشهود، فينبغي في هذه الحالة التفريق بين التزوير في جزء لا يعتبر جوهريا كتزوير البيان الخاص بدفع الثمن او الإقرار بدفعه، حيث يترتب عليه بطلان الجزء الذي ثبت تزويره ويبقى السند الرسمي صحيحا ومحتفظا بحجيته فيما عداه (4). اما اذا تبين ان السند الرسمي فيه كشط او محو او شطب او تحشية وغير ذلك من العيوب المادية، فللمحكمة ان تقدر ما يترتب على هذه العيوب من اسقاط لقيمة السند في الاثبات او انقاص هذه القيمة، على ان تدلل على صحة وجوب العيب في قرارها بشكل واضح (5). واذا كان السند الرسمي محل شك في نظر المحكمة، ولم تطمئن الى صحته، كما لم تتثبت من بطلانه، ورأت ان من المفيد لا ظهار الحقيقة سماع شهادة الموظف الذي صدر عنه السند. فلها، من تلقاء نفسها، او تدعو هذا الموظف او الشخص الذي حرره ليبدي ما يوضح حقيقة الأمر فيه (6).

ثانيا – حجية السند الرسمي بالنسبة للأشخاص :

يفهم من نص المادة (22 / أولا) من قانون الاثبات ان السند الرسمي يعد حجة على الناس بما دون فيها من أمور قام بها موظف عام او شخص مكلف بخدمة عامة في حدود اختصاصه او وقعت من ذوي الشأن في حضوره ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانونا، وبذلك فان السند الرسمي يعد حجة على الموقعين عليه وعلى الغير وعلى الناس كافة، ومن ثم فليس لمن يحتج عليه بسند رسمي، ان ينكر وجود السند ذاته، او بيانا من البيانات الواردة فيه على لسان الموظف المختص، او ينكر صدوره عن ذلك الموظف، الا عن طريق الادعاء بالتزوير (7) ولا يعد السند الرسمي حجة على الغير، الا فيما اعد له هذا السند لاثباته، فكل بيان او اقرار وارد فيه لا علاقة له بما اعد من أجله السند، فلا يكون للسند في هذه الحدود حجة على الغير، كان يدون في محضر سماع شهادة شاهد، عمره، فان ذلك لا يفيد في تثبيت عمر الشاهد، لان المحضر حرر لتدوين اقوال الشاهد وليس تثبيت عمره (8).

ثالثا – حجية البيانات المدونة في السند الرسمي :

تنقسم البيانات الواردة في السند الرسمي الى بيانات دونها الموظف العام او الشخص المكلف بخدمة عامة عن أمور قام بها، في حدود اختصاصه وبيانات وقعت من ذوي الشأن في حضور الموظف العام او الشخص المكلف بخدمة عامة، وهناك بيانات وردت على لسان ذوي الشأن ونرى فيما يأتي هذه البيانات تباعا.

1- بيانات ينحصر نطاقها في الأمور المادية التي تصدر من الموظف العام تنفيذا لواجباته الرسمية او الوقائع التي قام بها، او تحقق منها بنفسه في حدود مهمته الرسمية (9). وهذه البيانات حجة على أطراف المعاملة وعلى الناس كافة الا اذا ثبت تزويرها وبهذا قضت المادة (22 / اولا) من قانون الاثبات (م7 بيانات اردني) ومن هذه البيانات، تاريخ العقد، وختم الدائرة الرسمية، وتوقيع الموظف المختص، وبيان مكان تلقي الكتابة وحضور ذوي الشأن والشهود وتوقيعهم، فلا يجوز اثبات خلاف هذه البيانات الا عن طريق الادعاء بالتزوير (10). وان قيام الكاتب العدل بالتثبيت من شخصية أصحاب العلاقة سواء كان بشهادة شهود او وثيقة رسمية او اسماء المتعاقدين والشهود، وقراءة محتويات السند على اصحاب العلاقة بحضور الشهود وتواقيعهم على السند، وغير ذلك من الأمور المادية التي قام بها الموظف العام بنفسه، مما يدخل ضمن حدود واجباته الوظيفية، فمثل هذه البيانات لا يجوز الطعن فيها الا عن طريق الادعاء بالتزوير (11).

2- بيانات صدرت من ذوي العلاقة، وجرت بحضور الموظف العام المختص، ووقعت تحت سمعه وبصره، وعلى هذا نصت المادة (22 / أولا) من قانون الاثبات (م7 / 1 بيانات اردني) فاذا دون الكاتب العدل ان المستأجر سلم بدل الايجار الى المؤجر في حضوره او ذكر في عقد وديعة ان تسليم الوديعة من المودع الى الوديع حصل أمامه، او ان المشتري سلم الثمن الى البائع بحضوره، فهذه بيانات وأمور مادية وقعت من ذوي الشأن في حضور الموظف العام المختص، لذلك تكتسب صفة الرسمية وتعد حجة على أطراف المعاملة وعلى الناس كافة، بما جاء فيها، ومن ثم فلا يجوز انكارها او اثبات ما يخالفها الا عن طريق الادعاء بالتزوير، اما كون التعاقد كان صحيحا او صوريا أو أن التسليم او القبض بين المتعاقدين مطابق للواقع او غير مطابق، كل ذلك لا يدخل ضمن مهمة الموظف، وليس في امكانه التحقق من صحته، ومن ثم فللغير ان يثبت صورية التصرف بجميع طرق الاثبات ومنها الشهادة والقرائن لانه من الغير في حين ان الطرفين لا يستطيعان اثبات ما يخالف او ما يجاوز الكتابة الا بالكتابة الا في حالة الاحتيال على القانون (12).

3- واذا أثبت الموظف العام بيانا يخرج عن حدود مهمته الرسمية، كان يثبت الكاتب العدل بأن احد العاقدين كان في حالة سكر او كان مضطرباً مثلا، فلا تكون لهذه الوقائع والبيانات حجية رسمية في الاثبات، ومن ثم يتم اثبات خلاف هذه الوقائع والبيانات وفق القواعد العامة في الاثبات (13).

4-بيانات واقرارات يدلي بها ذوو الشأن الى الموظف العام عن أمور لم تقع بحضوره وانما قام بتدوينها على مسؤولية ذوو العلاقة وتبعا لا قراراتهم، ولا يقوم الموظف العام بالتحري عن صحتها والتحقق منها، كان يقر المشتري انه شاهد المبيع وكان خالياً من اي عيب، فقيام الموظف العام بأثبات هذا الإقرار يدل على صحة صدور الإقرار، وليس على صحة الواقعة ذاتها (14) فالرسمية تلحق صدور البيان او الإقرار من ذوي العلاقة اما البيان او الإقرار ذاته فلا يلحقه وصف الرسمية من حيث الدلالة على صحته او ان ما ورد في البيان او الإقرار مطابق للحقيقة والواقع، ومن ثم يجوز اثبات خلاف هذا البيان او الإقرار وفقا لما تقرره قواعد الاثبات ومنها عدم جواز اثبات ما يخالف الكتابة الا بالكتابة او بمبدأ الثبوت بالكتابة المعززة بالشهادة والقرائن ما لم يكن هناك مانع مادي او أدبي (15). ولا يلحق وصف الرسمية البيانات الواردة على لسان ذوي العلاقة والتي لم يعد السند الرسمي لا ثباتها، كأن يرد في عقار الايجار او المأجور كان مؤجرا اقبل هذا للغير ببدل الايجار ذاته، فمثل هذا البيان ليس مما أعد هذا السند لاثباته ومن ثم فلا يكون له الا قيمة مبدأ الثبوت بالكتابة (16).

رابعا – حجية صور السند الرسمي :

من دراسة أحكام المادتين 23 و 24 من قانون الاثبات، يتضح ان حجية صور السند الرسمي تختلف فيما اذا كان اصل السند موجود او غير موجود وندرس هاتين الحالتين تباعا :

1. وجود اصل السند الرسمي :

اذا كان اصل السند الرسمي موجودا فتكون لصورته الرسمية خطية كانت او مصورة، حجية السند الرسمي الاصلي بالقدر الذي تكون مطابقة للأصل، والقاعدة، ان الصور تعتبر مطابقة للأصل الا اذا نازع في ذلك من يحتج عليه بها، وفي هذه الحالة يتعين مراجعة الصور على الاصل (17). ونقضت محكمة استئناف منطقة التأميم قرار محكمة بداءة الشرقاط، لعدة اسباب منها، ان المحكمة قبلت صورة للمستمسكات المبرزة في الدعوى دون ان تكلف وكيل المدعي بإبراز اصل تلك المستمسكات او صورة مصدقة منها الا ان تكتفي بالصورة المأخوذة بالدفلوب ولا يعتمد بصور المستمسكات ان لم تكن مصدقة من الجهة المعنية (18). وان مجرد عدم المنازعة في مطابقة الصورة للاصل، يعتبر اقرار من الخصم بهذه المطابقة (19). واذا حدثت المنازعة، فان الخصم الذي نازع في المطابقة يكلف بتقديم الاصل، او ان المحكمة تقرر اجراء المضاهاة على الاصل المدون في سجلات الدائرة التي جرى تحرير السند لديها (20). وبذلك يتضح ان صورة السند الرسمي تستمد حجيتها من مطابقتها لا صل السند الرسمي، ويلاحظ ان المادة 23 من قانون الاثبات ساوت بين الصورة الخطية والمصورة.

2.عدم وجود اصل السند الرسمي :

الصورة الرسمية الاصلية : هي الصورة الصادرة من الموظف العام المختص، وأخذت مباشرة عن اصل السند الرسمي، ففي حالة فقدان او تلف او احتراق اصل السند الرسمي، تكون للصورة الرسمية الاصلية حجية الاصل اذا كان مظهرها الخارجي لا يتطرق إليه الشك في مطابقة الصورة للاصل، اي ان لا يكون في مضمونها او في شكلها عيوب أو آثار مادية من كشط او حك او تحشية وما الى ذلك مما يبعث الشك في صحتها (21). ويلاحظ ان المادة (137 / أ) من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971نصت على أنه لا يجوز اعطاء صور السندات في حالة فقدان سجلاتها، والسند هو الصورة المطابقة للسجل الذي هو الاساس الذي يستند إليه في اصدار السندات، ويستمد حكمه القانوني من السجل فعند فقدان السجل الذي هو ركيزته الاساس وأصله لا يبقى له حجية اثبات مطلقة، الأمر الذي حدى بالمشرع الى اخضاع السند الذي فقد سجله الى مراسيم التأييد المنصوص عليها في المواد (58 – 63) من القانون، واشترط القانون لتأييد السند في هذه الحالة ان يكون المالك واضع اليد على الحق العيني المثبت في السند، ويعني ذلك بان السند لا يقوى تجاه التقادم بعكس السند الذي سجله موجو دفلا يسري عليه التقادم، فعليه في حالة فقدان السجل لا يجوز اصدار السند به استنادا الى سند آخر ولا يجوز تزويد ذوي العلاقة بصورة من السند المفقود سجله لتعذر تأييد مطابقته للسجل (22).

ب-الصورة الرسمية المأخوذة من الصورة الرسمية الاصلية، هي الصورة الرسمية الصادرة عن الموظف العام المختص، والمنقولة مباشرة عن الصورة الرسمية الاصلية (الحالة أ) ولها الحجية نفسها التي للصورة المأخوذة منها، الا انه يجوز لمن يحتج عليه بهذه الصورة ان يطلب مراجعتها على الصورة الرسمية الاصلية التي اخذت منها (23). فاذا وجدت مطابقة كان لها حجية الاصل، والا فان هذه الصورة تستبعد، وتعتبر الحجية للصورة الاصلية (24). واذا كانت الصورة الرسمية الاصلية مفقودة؟ ثار خلاف حول هذا الموضوع.

الرأي الأول : يمكن اعتبار الصورة غير الاصلية بمثابة صورة اصلية عن الصورة الاصلية المفقودة، ولها حجية الصورة الاصلية من كان مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك في مطابقتها لها (25).

الرأي الثاني : للصورة قيمة مبدأ ثبوت الكتابة (26).

الرأي الثالث : ليس لهذه الصورة الا حجية محدودة ولا يعتد بها الا لمجرد الاستئناس (27).

الرأي الرابع : ان تقدير حجية هذه الصورة يعود الى المحكمة، فلها ان تعتبرها بمثابة الصورة المأخوذة عن الصورة الاصلية، او مبدأ ثبوت بالكتابة، او ان لا تعتد بها الا على سبيل الاستئناس حسبما يتضح لها من ظروف الدعوى، وحالة الصورة، وعما اذا كان مظهرها الخارجي سليما لا شائبة فيه، او كان يدعو الى الشك في صحتها (28).

ج. الصورة المنقولة عن صورة رسمية غير اصلية : هذه الصورة وأية صورة بعدها، ليست لها حجية في حد ذاتها ويعتد بها لمجرد الاستئناس تبعا للظروف (29) وبذلك لا تصلح الا ان تكون قرائن يستنبط منها القاضي ما يراه (30).

______________________

1- الدكتور سعدون العامري. موجز نظرة الاثبات، ص44.

2- المادة (35 / أولا) من قانون الاثبات.

3- قضت محكمة استئناف منطقة البصرة بصفتها التمييزية (ان سجلات المرور تعتبر حجة على الكافة بما دون فيها ما لم يثبت خلافه بحكم صادر من محكمة مختصة) القرار المرقم 26 / ت / 1979 في 6/ 10/ 1979. مجلة الوقائع العدلية العددد (7) 1979 ص154 – 155 ويعتبر محضر الكشف المستعجل حجة على الناس كافة ويصح الاستناد عليه حتى ولو تم اجراؤه بطلب شخص آخر. القرار التمييزي المرقم 345 / م1 / 1975 في 9/17/1975. انظر الاستاذ ابراهيم المشاهدي. قسم الاثبات ص47 وانظر المادة (7) بينات اردني.

4- السنهوري، فقرة 86 ص137. مرقس. اصول الاثبات فقرة 53 ص158 – 159.

5-المادة (35 / ثانيا) من قانون الاثبات.

6- المادة (35 / ثالثاً) من قانون الاثبات.

7- حسين المؤمن. ج3 المحررات ص266 وقضت محكمة النقض المصرية ان (محضر الجلسة يعتبر ورقة رسمية وما أثبت فيه حجة على الكافة فلا يجوز للخصم ان ينكر ما جاء به الا بالطعن فيه). نقض 20 / 4/ 1977 الطعن رقم 15 س 43 ق. أنور طلبة ص 403.

8- مرقس. الادلة الخطية فقرة 59 ص 138.

9- مرقس الأدلة الخطية فقرة 58 ص134. السنهوري، ج2، فقرة 91 ص147.

10- مرقس. اصول الاثبات فقرة 58 ص169.

11- السنهوري. فقرة 91 ص147. حسن المؤمن ج3 ص247.

12- الدكتور سعدون العامري ص36 – 47. مرقس. اصول الاثبات فقرة 58 ص171 – 172.

13- حسين المؤمن ج3 ص252.

14- مرقس. اصول الاثبات فقرة 48 ص59.

15- حسين المؤمن ج3 ص255. محمد علي الصوري، التعليق المقارن ج1 ص210. تناغو. نظرية الالتزام. فقرة 489 ص693.وانظر المادة (18/ثانيا) والمادة 78 والمادة (79 / أولا) من قانون الاثبات والمادة (29 / 1) و (30) بيانات اردني.

16- مرقس. الادلة الخطية فقرة 58 ص 137.

17- المادة (23) من قانون الاثبات والمادة (8) بيانات اردني.

18- قرار محكمة استئناف منطقة التأميم بصفتها التمييزية المرقم 51 / ح / 1990 في 24 / 1 / 1990 (غير منشور).

19- مرقس. اصول الاثبات فقرة 62 مكرر ص 182.

20- الصدة فقرة 94 ص101.

21- السنهوري فقرة 100 ص 166 – 168 الصدة فقرة 95 ص103.

22- الاستاذ مصطفى مجيد عزيز. شرح قانون التسجيل العقاري ج2 بغداد مطبعة المعارف 1978 ص101 – 102.

23- المادة(24 / ثانيا) من قانون الاثبات والمادة (9) بينات اردني.

24- مرقس. الادلة الخطية فقرة 62 ص 152.

25- مرقس. اصول الاثبات فقرة 62 مكرر ص 188. الصدة ص 104.

26- أحمد نشأت. رسالة الاثبات ج1 فقرة 173 ص162.

27- السنهوري فقرة 101 ص169 – 170. الديناصوري وعكاز ص25.

28- حسين المؤمن ج3 ص287.

29- المادة (24 / ثالثا) من قانون الاثبات المادة (9 / 3) بينات اردني.

30- مرقس. اصول الاثبات فقرة 62 مكرر ص189. السنهوري فقرة 102 ص170 – 171.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .