رغم أن دائنية المحال له في مرحلة ما قبل نفاذ الحوالة، تعد دائنية محدودة للمحال عليه وذلك لعدم نفاذ الحوالة في مواجهة الأخير الأمر الذي يجعل من مديونيته للمحال له محدودة الآثار لأن معيار اكتمالها هو نفاذ الحوالة، إلا أنه ومع ذلك تترتب مجموعة من الآثار القانونية في هذه المرحلة أبحث فيها من خلال الفروع التالية.

الفرع الأول: الإجراءات التحفظية التي تثبت للمحال له

نصت المادتان ( 306 ) مدني مصري و( 333 ) مشروع مدني فلسطيني على أنه: “يجوز قبل إعلان الحوالة أو قبولها أن يتخذ الدائن المحال له من الإجراءات ما يحافظ به على الحق الذي انتقل إليه” (1) وفقا لما جاء بالنص أعلاه فإن الحوالة وإن لم تنفذ بعد في حق المحال عليه ولكنها انعقدت صحيحة، فإن ذلك يرتب للمحال له الحق باتخاذ ما يلزم من الإجراءات للحفاظ على الحق المحال له باعتباره صاحب المصلحة الأولى فيه وذلك بأن يتخذ ما يلزم من إجر اءات لقطع التقادم، كأن يعمد منذ البداية إلى مطالبة المحال عليه مطالبة قضائية تحقق له المحافظة على حقه من السقوط أو الانقضاء، وتؤدي في نفس الوقت إلى إعلان المحال عليه بالحوالة وبالتالي نفاذها في حقه (2) ويستطيع المحال له أن يتلقى من المحال عليه اعترافا بحقه في الحق المحال به وهو بذلك يقطع التقادم أيضا، ويكون ذلك قبل أن يقبل المحال عليه الحوالة، فهو يقر بالحق الذي في ذمته للمحال له، ولكنه لا يريد أن يقبل الحوالة مباشرة، متريثا في ذلك تحوطا من النتائج التي . قد تترتب على قبوله لا سيما أثر القبول على حقه بالتمسك بالمقاصة (3) وللمحال له أن يوقع حجزا تحفظيا تحت يد مدين المحال عليه،أو قيد رهن ضامن للحق المحال به أو تجديد هذا القيد إلى أن يستصدر حكما بصحة هذا الحجز، فيكون الحجز عندئذ إجراءا تنفيذيا لا تحفظيا، فلا يستطيع المحال له الاستمرار فيه، قبل أن يحصل على إعلان من المحال عليه، يجعل الحوالة نافذة في حقه وفي حق الغير أيضا (4)

الفرع الثاني: التزام المحال عليه بعدم الإضرار بالمحال له

أن انعقاد الحوالة لا يشترط فيه علم المحال عليه، بل تنعقد صحيحة رغم عدم علمه لأن علمه بذلك ليس شرطا للانعقاد، ولذلك إذا وفى المحال عليه للمحيل بعد انعقاد الحوالة وقبل نفاذها، عد وفاؤه صحيحا مبرءا لذمته، ولأن المحيل هو صاحب هذا الحق ولا يزال كذلك فله أن يتصرف به باعتباره مالكه، وله من باب أولى أن يتخذ من الإجراءات التحفظية ما يراه مناسبا للحفاظ على حقه قبل المحال عليه (5) ورغم ما سبق حول صحة وفاء المحال عليه للمحيل، وحق الأخير في اتخاذ ما يلزم من إجراءات للحفاظ على حقه، فإن المحال عليه إذا تعمد وبعد علمه بالحوالة ورغم أنها لا تزال غير نافذة في حقه الوفاء للمحيل قاصدا بذلك غش المحال له بالتواطؤ مع المحيل، فإن للمحال له في هذه الحالة حق مقاضاته لا على أساس الحوالة باعتباره ليس طرفا فيها، وإنما استنادا إلى الغش، باعتباره يفسد التصرفات ويقضي لمن وقع عليه الغش حق اللجوء للقضاء(6) أما إذا كان المحال عليه قد وفى للمحيل رغم علمه بالحوالة ولكنه كان مجبرا على ذلك من المحيل، باعتباره لا يزال دائنه، فلا تقوم مسؤوليته، وليس للمحال له الرجوع عليه وإنما يرجع على المحيل وله إثبات حقه في ذلك بكافة طرق الإثبات المشروعة، ذلك لأن المحال عليه لا يزال أجنبيا وليس من سبيل أمامه سوى الوفاء لدائنه حيث أنه في هذه المرحلة ليس جزءا من أية عقود يبرمها دائنه مع الغير، فميعاد النفاذ هو الذي يحدد دخول المحال عليه في الحوالة من عدمه، طبعا باستثناء أحوال الغش أو التواطؤ مع المحيل أو محال له ثان، بقصد الإضرار بالمحال له(7) ويرى الفقيه السنهوري “أنه ومنذ صدور الحوالة إلى حين إعلانها يكون هناك دائنان للمحال عليه، أي المحيل والمحال له، ولكل منهما أن يطالبه بالدين، وله أن يوفي الدين لأي منهما، وهما مع ذلك ليسا متضامنين بالدين” (8) أرى أن ما يشير إليه السنهوري رحمه الله، من الصحة بمكان، مع ملاحظة أن المحيل هو الدائن الأول للمحال عليه، وهو صاحب حق الامتياز في استيفاء دينه منه، وبالتالي فهو يتقدم على المحال له، ومعيار الغش في الوفاء هو الذي يقيم حق المحال له بالرجوع على المحال عليه وبدون ذلك يبقى وفاء المحال عليه للمحيل صحيحا ومبرءا للذمة.

___________

1- المادتان 306 / مدني مصري، و 333 / مشروع مدني فلسطيني، ص 387.

2- سعد، نبيل إبراهيم، النظرية العامة للالتزامات، أحكام الالتزام، بدون طبعة، مكتبة دار الجامعة العربية الجديدة للمنشورات، 2003 ، ص 266 ، وطلبة، أنور، انتقال وانقضاء الحقوق والالتزامات، بدون طبعة، المكتب الجامعي الحديث للنشر، 2006، ص 49 ، و الأهواني، حسين الدين كامل، النظرية العامة للالتزامات، الجزء الثاني، أحكام الالتزام، بدون طبعة، بدون دار نشر، 1996، ص 333

3- تناغو، سمير وآخرين، القانون والالتزام، نظرية الحق، نظرية العقد وأحكام الالتزام، مكتبة دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1997 ، ص 304 ، والعدوي، جلال، أحكام الالتزام، دراسة مقارنة في القانونين المصري واللبناني، بدون طبعة، الدار الجامعية للنشر والتوزيع، بدون سنة نشر، ص 300

4- السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثالث، الالتزام بوجه عام، الأوصاف، الحوالة، الانقضاء، تنقيح أحمد مدحت المراغي، طبعة تحتوي على آخر المستجدات في التشريع والفقه، والقضاء الناشر منشأة المعارف، الاسكندرية، مصر2004 ، ص461

5- سعد، نبيل إبراهيم، المرجع السابق، ص 267 ، ودواس، أمين، القانون المدني، أحكام الالتزام، دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، دار الشروق للنشر والتوزيع، رام الله، فلسطين، 2005، ص 171

6- الشرقاوي، جميل، دروس في النظرة العامة، للالتزامات، الكتاب الثاني، احكام الالتزام، مكتبة دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1997 ، ص 240 ، و قاسم، محمد حسن، الوجيز، في النظرية العامة، للالتزامات، المصادر والأحكام، بدون طبعة، دار الجامعة الجديدة للنشر، 1994 ، ص 230 ، الجبوري، ياسين محمد، الوجيز في شرح القانون المدني الأردني، ج 2، أحكام الإلتزامات، دراسة مقارنة، ط 1، الدار العلمية للنشر والتوزيع، ودار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2003، ص 607 ، وعبد الله، فتحي عبد الرحيم وآخرين، شرح في النظرية العامة للالتزامات، الكتاب الثالث، الآثارالأوصاف، الانتقال، الانقضاء، الاثبات، بدون طبعة، بدون دار نشر، 2000، ص 236

7- الذنون، حسن، شرح القانون المدني العراقي، أحكام الالتزام، بدون ط، مطبعة المعارف، بغداد، 1952 ، ص 281 ، والشرقاوي، جميل، المرجع السابق، ص 240 ، والدجاني، محمد، سليمان، موجز الأحكام العامة للالتزام، في القانون المدني المصري، ط 1، دار الفكر العربي للطبع والنشر، 1985، ص 231- 232 ، مرقس، سليمان، الوافي في شرح القانون المدني، ج 2، في الالتزامات، المجلد الرابع، أحكام الالتزام، ويشمل آثار الالتزام وأوصافه وانتقاله، وانقضائه، ط 3، أسهم في تنقيحها وتزويدها بأحدث الآراء والأحكام الدكتور حبيب إبراهيم الخليلي، لبنان، دار الكتب القانونية، شتات، مصر، المنشورات الحقوقية، صادر 1992، ص 649 .

8- السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط، ج 3، تنقيح أحمد المراغي، المرجع السابق، ص643.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .