لا يثبت خيار الغبن لمن يقول به  إلاَ إذا توافرت الشروط التالية:

١- جهل المغبون بالقيمة: ذلك أنه لو علم بها لأنعدم خياره لعدم وجود الغبن وهذا لا خلاف فيه لأن مدع الغبن يكون في هذه الحالة قد أقدم على الضرر وهو عارف حقيقة الأمر فعليه أن يتحمل ذلك لا أن يحمله للطرف الآخر. كذلك إذا أقدم على المعاملة ضاناً بعدم الزيادة و النقيصة أو الظن بهما أو حتى مجرد الشك. فالذي يقدم على معاملة بانياً ذلك على المسامحة في الزيادة أو النقيصة فهو كالعالم بها.[بل الشاك في الشيء إذا أقدم عليه بانياً على تحمله فهو في حكم العالم من حيث استحقاق المدح عليه أو الذم ومن حيث عدم مغروريته لو كان ذلك الشيء مما يعذر الفاعل فيه والحاصل أن الشاك الملتفت إلى الضرر مقدم عليه]( 1). ولكن ينبغي أن يلاحظ أنه إذا أقدم المتعاقد على معاملة عالماً بغبن يتسامح به الناس يحتفظ بخياره أن ظهر مما لا يتسامح به كما أن الجاهل يحتفظ بخياره وأن كان قادراً على السؤال والأمامية –أما الظاهرية( 2)فإن البيع عندهم باطل إذا كان بأكثر أو أقل مما يساوي المبيع إذا أشترط البائع أو المشتري السلامة أو لم يعلما بالغبن أو علم الغابن ولم يخير المغبون. فإن لم يشترطا أو احدهما السلامة ثم وجد غبن لم يعلمه المغبون كان له أمضاء العقد أو فسخه فإن فات المبيع رجع المغبون منهما بقدر الغبن فإن علما بمقدار الغبن فأقدما عليه فبيعهما صحيح ولا خيار فيه. وقال القاضي أبو محمد من المالكية أختلف أصحابنا في ذلك فمنهم من يرى أن الخيار يثبت للمغبون ومنهم من قال لا خيار له أن كان من أهل الرشاد والتبصر بتلك السلعة وتبعه بذلك القرافي وأبن الحاجب ويقول الأمام أبو عبد الله أن المغبون إذا علم بالقيمة فزاد عليها فهو كالواهب لا خيار له وكذا إذا فعل ذلك لغرض في نفسه أما إذا أستسلم إلى البائع وأخبره أنه غير عالم بها فذكر له ما غره به كان له الخيار. وينظر إلى وجود أو عدم وجود الغبن استناداً إلى قيمة المبيع وقت العقد فإن زادت بعده وقبل اطلاع المغبون إلى النقص حين العقد أحتفظ المغبون بخياره لأن الزيادة . حصلت في ملكه والمعاملة وقعت على الغبن(3) ويحتمل سقوط الخيار في هذه الحالة لأن الزيادة حصلت قبل الرد قياساً على حالة ما إذا برئ المعيب من عيبه قبل اطلاع المشتري عليه. فالعيب إذا زال قبل العلم أو بعده سقط الرد( 4 ) أما إذا توقف انتقال الملك على القبض وكان هناك غبن قد زال قبله فلا خيار لأن الملك قد انتقل إليه خالياً من النقص. وإذا تم التعاقد وكالةً فإن علم الوكيل لا يغني عن علم الموكل إلاَ إذا كان وكيلاً في المعاملة والمساومة عندها يسقط علمه خيار موكله ويثبت بجهله الخيار لذلك الموكل إلاَ إذا كان هذا عالماً بقيمة المبيع وبأن موكله يعقد على أكثر منها ويقره على ذلك. وإذا ثبت الخيار في عقد الوكيل كان خاصاً بالموكل فله الرد أو الإمساك إلاَ إذا كان الوكيل عاماً يملك حق الفسخ ويثبت جهل المغبون باعتراف الغابن وبالبينة المعتبرة وفي حالة عدم وجودها فبقول مدعيه مع يمينه لأن الأصل عدم العلم. وكل ذلك بشرط إلاَ يكون المغبون من أهل الخبرة فإن كان منهم بحيث لا يصعب عليه معرفة القيمة الحقيقية للمبيع إلاَ لعارض أصابه أو غفلة وجد فيها. فلا يقبل قوله لتعارضه مع الظاهر ولو اختلفا في القيمة وقت العقد فالقول قول منكر الغبن لأصالة اللزوم.

٢- يجب أن يكون التفاوت فاحشاً: فإن لم يكن كذلك أنعدم الغبن وحد التفاوت الفاحش عند الأمامية هو ما لا يتغابن الناس بمثله لأن الغبن عندهم كما عند غيرهم أما يسير يتسامح فيه الناس عادةً وهذا لا يشكل عقبة في المعاملات ولا يمثل عيباً يعطي من وقع فيه خياراً لا بل أنه مطلوب أحياناً لانتعاش الحياة الاقتصادية و ازدياد تداول السلع والبضائع بين الناس وأما فاحش لم تجر عادة الناس على التسامح فيه فتترتب عليه أحكام هذه الحالة. ومرجعهم عند الشك هو أصالة ثبوت الخيار لأنه ضرر غير متسامح فيه ومعيارهم في ذلك معيار موضوعي ينظر فيه إلى الضرر الذي يوجب الخيار دون النظر إلى أشخاص المتبايعين( 5 ).على أن البعض( 6 ) قد قال بوجوب أن يكون المعيار شخصياً ينظر فيه إلى شخص المغبون لا إلى المعاملة مستدلين في ذلك على وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كبير إذا لم يضر بالمكلف. وعدم وجوبه إذا أضر به. إلاَ أن الأرجح هو المعيار الموضوعي الذي يأخذ بتحقق الضرر المالي أما القياس على حالة وجوب شراء ماء الوضوء لمن يقدر عليه حتى وأن كان بأضعاف قيمته فلا محل له إذا ما نظرنا إلى الأجر العظيم الذي يحصل عليه المكلف إزاء ذلك. ثم أن نفي الضرر المالي في التكليف يتحقق بأدلة نفي الحرج لا نفي الضرر( 7 ).وقريب من هذا ما ذهب إليه الحنفية في أن الغبن الفاحش هو كل ما لا يدخل ضمن تقويم المقومين فإن دخل في ذلك كان يسيراً لا يعتد به وهو بلا شك معيار موضوعي نرجع فيه إلى أهل الخبرة. وهؤلاء من الناس يتبعون ما تعارفوا عليه في معاملاتهم ونقل عن المالكية أن الغبن يعد فاحشاً أن زاد على الثلث فإن قل عن ذلك كان يسيراً لا يثبت به خياراً( 8) وهكذا نرى أن المعيار الغالب في الفقه الإسلامي هو الرجوع إلى ما جرت عادة الناس على التسامح أو عدم التسامح به.وهو معيار موضوعي يصلح لكل زمان و مكان.

_________________

1- راجع في ذلك الشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي كشاف القناع –ط ١ دار الكتب العلمية بيروت ١٤١٨ ه ١٩٩ ص ٢٤٤ ص ٢٤٦ .عبد الرحمن الجزیري الفقه على المذاھب الأربعة ج ٢ ص ٢٧٢ وما بعدھا. أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي روضة الطالبين –ج ١ دار الكتب العلمية – بيروت بدون سنة طبع ص ١٣٢ . موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه –المغني ج ٤ دار الكتاب العربي – بيروت لبنان ١٩٧2. ص ٧٨

2- الشيخ مرتضى الأنصاري –المكاسب ج ٥ ط ٤ / 1424 ص ١٦٦ .

3- أبن حزم الظاهري –المحلَى ج ٨ المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع بيروت بدون سنة طبع ص ٤٣٩ مسألة ١٤٦٢ .

4- الشیخ مرتضى الأنصاري المكاسب ج ٥ مصدر سابق ص ١٦٧ .

5 العلامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي –تذكرة الفقهاء ج ١ المكتبة الرضوية بدون سنة طبع ص ٥٤١ .

6- الشیخ مرتضى الأنصاري المكاسب ج ٥ مصدر سابق ص ١٧٠ .

7- السيد علي الطباطبائي رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل ج ٢ ط ١ مؤسسة النشر الإسلامي بدون سنة طبع ص ٢٩٣ .

8- الشیخ مرتضى الأنصاري المكاسب ج ٥ مصدر سابق ص ١٧١ و ص ١٧٢ .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .