الطعن 443 لسنة 45 ق جلسة 27 / 2 / 1984 مكتب فني 35 ج 1 ق 105 ص 551

برياسة السيد المستشار/ الدكتور سعيد عبد الماجد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: د. أحمد حسني، محمد طموم، زكي المصري ومنير توفيق.
————–
– 1 نقض “الخصوم في الطعن”. حجز “حجز ما للمدين لدى الغير”. دعوى “المصلحة”.
اختصام المحجوز لديه في دعوى صحة الحجز أو في دعوي رفعه . أثره . اعتباره خصما ذا صفة يحاج بالحكم الصادر فيها فيما يتعلق بصحة إجراءات الحجز أو رفعه . اختصامه في الطعن بالنقض علي الحكم الصادر في هاتين الدعويين . صحيح .
النص في المادتين 334 ، 335 من قانون المرافعات يدل على أن للدائن الحاجز مصلحة في اختصام المحجوز لديه كما أن للمحجوز عليه مصلحة في اختصام المحجوز لديه في دعوى طلب رفع الحجز لمنعه من الوفاء بما تحت يده للحاجز ، ومن ثم فإنه إذا ما اختصم المحجوز لديه فبأي من هاتين الدعوتين يصبح خصماً ذا صفة يحاج بالحكم الذى يصدر فيها فيما يتعلق بصحة إجراءات الحجز أو رفعه ويلتزم بتنفيذه في هذا الصدد ، لما كان ذلك وكان البنك الطاعن قد اختصم المطعون ضدهما الثاني والثالث في دعوى رفع الحجز والطعن بالنقض في الحكم الصادر فيها بصفتهما محجوزاً لديهما وباعتبارهما الخصمين المناط بهما تنفيذ الحكم الذى يصدر في هذا الشأن فإن الدفع المبدى من النيابة العامة بعدم قبول الطعن بالنسبة لهما يضحى على غير أساس .
– 2 اختصاص “الدعاوى التي ترفع على أجنبي”. موطن “الموطن المختار”. قانون “القانون الواجب التطبيق”.
اختصاص المحاكم المصرية بالدعاوي التي ترفع علي الأجنبي الذي ليس له موطن في مصر . م 3 / 2 مرافعات قديم . تحديد البنك الأجنبي لمراسل له في خطاب الاعتماد وتفويضه دون غيره في القيام بكل ما يتعلق به . مؤداه . اختصاص المحاكم المصرية وانطباق القانون المصري .
لما كانت المادة 2/3 من قانون المرافعات السابق الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949 – الذي رفعت الدعوى في ظله – تنص على اختصاص المحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو مسكن في مصر “إذا كانت الدعوى تتعلق بمنقول أو بعقار موجود في مصر أو كانت ناشئة عن عقد أبرم أو نفذ أو كانت الدعوى ناشئة عن واقعة حدثت فيها ” كان البنك الطاعن قد عزز الاعتماد المستندي الذي فتح لصالح الشركة المطعون ضدها الأولى وأخطرها بذلك عن طريق مراسله المحدد في خطاب الاعتماد والذي فوضه دون غيره في القيام بكل ما يتعلق بالاعتماد وهو بنك مصر فرع بورسعيد. فإن هذا البنك الأخير يعتبر الموطن المختار المعين لتنفيذ الاعتماد وكل ما يتعلق به بما في ذلك إجراءات التنفيذ الجبري وهو ما تكون معه المحاكم المصرية هي المختصة بنظر أي نزاع ينشأ عن هذا التنفيذ كما يكون القانون المصري هو الواجب التطبيق على النزاع المعروض باعتباره قانون محل التنفيذ الذي يحكم العقد ويكون صحيحاً إعلان الطاعن بالحجز في موطن هذا المراسل باعتباره موطناً مختاراً.
– 3 اختصاص “الاختصاص المحلي”. حكم “تسبيب الحكم”: “الفساد في الاستدلال”.
الدفع بعدم الاختصاص المحلي . عدم تعلقه بالنظام العام . م 133مرافعات قديم . اعتبار الحكم أن إبداء الدفع ببطلان إجراءات الحجز دفاع موضوعي يسقط به الحق في التمسك بالدفع بعدم الاختصاص المحلي . استخلاص سائع له أصله الثابت في الأوراق .
النص في المادة 133 من قانون المرافعات السابق – المنطبق على إجراءات الدعوى – إذ نصت على وجوب إبداء الدفع بعدم الاختصاص المحلى قبل الدفع ببطلان ورقة التكليف بالحضور وقبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى وإلا سقط الحق فيه فقد دلت على أن هذا الدفع لا يتعلق بالنظام العام وإنما يتعين التمسك به قبل غيره من الدفوع وقبل التكلم في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق فيه كما يجوز النزول عن التمسك به صراحة أو ضمناً . لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن ساق في صحيفة تظلمه من أمر الحجز أسباباً من بينها الدفع بعدم اختصاص محكمة القاهرة الابتدائية محلياً بإصدار أمر الحجز ثم تقرر في حضوره إحالة التظلم إلى الدائرة الذى تنظر أمامها الدعوى الموضوعية فقررت بجلسة تالية ضم الدعويين للارتباط وفي جلسة أخرى دفع الطاعن ببطلان إجراءات الحجز لعدم إعلانه به إعلاناً ” وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر إبداء هذا الدفع دفاعاً موضوعياً ينطوي على نزول الطاعن عن التمسك بالدفع بعدم الاختصاص المحلى الذى أورده بصحيفة التظلم وكان هذا الاستخلاص سائغاً وله أصله الثابت في أوراق فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بهذا السبب من تناقض ومخالفة الثابت بالأوراق وفساد في الاستدلال يكون على غير أساس .
– 4 بنوك “فتح الاعتماد”. بيع. حكم “عيوب التدليل” “التناقض” “ما لا يعد قصورا”.
قيام البنك بفتح اعتماد للوفاء بثمن صفقة بين تاجرين . عدم اعتباره وكيلا عن المشتري . التزام البنك مستقل عن العقد القائم بين البائع والمشتري . أثره . وجوب الوفاء بقيمة الاعتماد متي تطابقت مستندات البائع تماما مع شروط فتح الاعتماد ، دون أدني سلطة في التقدير أو التفسير أو الاستنتاج .
جرى قضاء هذه المحكمة على أن للبنك الذي يفتح اعتمادا مستندياً للوفاء بثمن صفقة تمت بين تاجرين لا يعتبر وكيلاً عن المشترى في الوفاء للبائع بقيمة الاعتماد كما لا يعتبر ضامناً أو كفيلاً يتبع التزامه التزام عميلة المشترى بل يعتبر التزامه في هذه الحالة التزاما مستقلاً عن العقد القائم بين البائع والمشترى يلتزم بمقتضاه الوفاء بقيمة الاعتماد متى كانت المستندات المقدمة إليه مطابقة لما تضمنه خطاب الاعتماد دون أن يكون للبنك في ذلك أدنى سلطة في التقدير أو التفسير أو الاستنتاج.
– 5 بنوك “فتح الاعتماد”. بيع. حكم “عيوب التدليل” “التناقض” “ما لا يعد قصورا”.
ليس للبنك فاتح الاعتماد أن يدخل في اعتباره شروط عقد البيع ولا شروط عقد الاعتماد أو علاقته بعميله المشتري ، كما أن محافظة البنك علي مصلحته لا يمكن أن تكون أساسا للخروج علي عبارات خطاب الاعتماد التي تحدد وحدها علاقته بالمستفيد من الاعتماد .
ليس للبنك فاتح الاعتماد أن يدخل في اعتباره شروط عقد البيع ولا شروط عقد الاعتماد أو علاقته بعميلة المشترى كما أن محافظة البنك على مصلحته لا يمكن أن تكون أساساً للخروج على عبارات خطاب الاعتماد التي تحدد وحدها علاقته بالمستفيد من الاعتماد.
– 6 بنوك “فتح الاعتماد”. بيع. حكم “عيوب التدليل” “التناقض” “ما لا يعد قصورا”.
التناقض في الحكم. ماهيته.
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما تتعارض به الأسباب وتتهاتر فتتماحى ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإلزام البنك الطاعن بقيمة الاعتماد على أن سند الشحن المقدم من المطعون ضدها الأولى يتطابق مع ما ورد بشأنه في خطاب الاعتماد وأن المنازعة في شأن المسئول عن غرامة التأخير يخرج عن نطاق الاعتماد المستندي، فإن النعي على الحكم بالتناقض يكون وارداً على غير محل.
– 7 بنوك “فتح الاعتماد”. بيع. حكم “عيوب التدليل” “التناقض” “ما لا يعد قصورا”.
انتهاء الحكم صحيحا إلى حق البائعة في صرف الاعتماد المستندي لمطابقة مستنداتها لشروط خطاب الاعتماد . إغفاله مطالبتها بتقديم فواتير البيع لتحديد الضرر الذي أصابها . لا قصور . علة ذلك .
انتهاء الحكم صحيحا إلى حق المطعون ضدها البائعة في صرف قيمة الاعتماد حيث قدمت المستندات المطابقة لشروط فتح الاعتماد فإن هذا الحق لا يتأثر بالعلاقة الناشئة عن عقد البيع أو أن علاقة البنك الطاعن بالمطعون ضدها البائعة المفتوح لمصلحتها الاعتماد منفصلة عن علاقته بعميله المشتري، كما أنها منفصلة عن علاقة هذا العميل بالمطعون ضدها البائعة وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون فيما أورده ردا على دفاع الطاعن مما يكون معه النعي عليه بالقصور في التسبيب على غير أساس.
———–
الوقائع
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن شركة …. – المطعون ضدها الأولى – تقدمت بطلب إلى محكمة القاهرة الابتدائية لتوقيع الحجز التحفظي على أموال بنك …. – الطاعن – تحت يد بنك … وفروعه – المطعون ضده الثاني – وفاء لمبلغ 48 ألف جنيه إسترليني وصدر أمر الحجز التحفظي رقم 107 لسنة 1965 تجاري كلي القاهرة في 22/9/1965 ثم تقدمت الشركة ذاتها بطلب لاستصدار أمر أداء بالمبلغ المذكور وأعلنت البنك الطاعن في مواجهة بنك … المطعون ضده الثاني كما أعلنت هذا الأخير باعتباره محجوزاً لديه طالبة إلزامهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 48 ألف جنيه إسترليني وفوائده القانونية بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية وبصحة إجراءات الحجز التحفظي الموقع في 26/9/1965 واعتباره حجزاً تنفيذياً. وقالت المطعون ضدها الأولى بياناً لذلك أنه بمقتضى عقد مؤرخ 10/5/1965 باعت إلى السادة …… بهولندا 8 آلاف طن من البطاطس “فوب” تسليم ظهر السفينة تشحن من بورسعيد أو الإسكندرية على أربعة دفعات بسعر 24 جنيهاً إسترلينياً للطن الواحد ونص في عقد البيع على التزام المشترين بفتح اعتماد مستندي غير قابل للإلغاء ومعزز بثمن ألفي طن على أن يدور هذا الاعتماد أربع مرات ليغطي القيمة الكاملة للكمية المتعاقد عليها ومقدارها 8 آلاف طن. وتنفيذاً لعقد البيع قام المشترون بتكليف بنك هولندي بفتح اعتماد غير قابل للإلغاء لدى بنك …. بلندن (الطاعن) بمبلغ 48 ألف جنيه إسترليني وقام البنك الأخير بإخطار الشركة المطعون ضدها الأولى بتعزيز الاعتماد المفتوح لصالحها عن طريق بنك … فرع بورسعيد (المطعون ضده الثالث) كما أرسل لها البنك الطاعن خطاب الاعتماد وتولى بنك … فرع بورسعيد بدوره إخطارها بهذا الخطاب الذي نص فيه على دفع الاعتماد بمجرد تقديم المستندات المنصوص عليها به وقد قامت الشركة المطعون ضدها الأولى بشحن البضاعة وقدمت المستندات إلى بنك … فرع بورسعيد في 31/5/1965 تطبيقاً لشروط الاعتماد إلا أن البنك الطاعن رفض دفع الاعتماد بحجة عدم مطابقة المستندات المقدمة لشروط الاعتماد بمقولة أن سند الشحن قد حمل المشترين غرامة تأخير مقدارها 442 جك و10 شلن على خلاف شروط الاعتماد المستندي الأمر الذي دعا الشركة المطعون ضدها الأولى إلى اتخاذ إجراءات الحجز ثم تقدمت بطلب لاستصدار أمر أداء بقيمة الدين وإذ رفض هذا الطلب قيدت الدعوى برقم 848 لسنة 1965 تجاري كلي القاهرة بذات الطلبات. وتظلم البنك الطاعن من أمر الحجز وقيدت دعواه برقم 970 لسنة 1965 تجاري كلي القاهرة طلب فيها قبول التظلم شكلاً والحكم بعدم اختصاص المحاكم المصرية دولياً بإصدار الأمر واحتياطياً بعدم اختصاص محكمة القاهرة بذلك ومن باب الاحتياط الكلي بإلغاء الأمر واعتباره كأن لم يكن. وبعد ضم الدعويين قضت محكمة أول درجة بتاريخ 27/6/1970 بسقوط حق البنك الطاعن في الدفع بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى وباختصاصها، وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى للاتفاق على التحكيم وبقبولها. وبعد تداول القضية بالجلسات عادت وقضت بتاريخ 30/1/1971 أولاً: في التظلم رقم 970 لسنة 1965 تجاري كلي القاهرة بقبول التظلم شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت البنك الطاعن (…..) المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ثانياً: في الدعوى رقم 848 لسنة 1965 تجاري كلي القاهرة بإلزام البنك الطاعن بأن يؤدي إلى الشركة المطعون ضدها الأولى مبلغ 48 ألف جنيه إسترليني والفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 4/10/1965 حتى تمام السداد. وأمرت بصحة إجراءات الحجز الموقع في 26/9/1965 تحت يد بنك … وجعله حجزاً تنفيذياً ورفضت الدعوى بالنسبة لبنك … فرع بورسعيد (المطعون ضده الثالث). استأنف البنك الطاعن عن هذا الحكم بالاستئناف رقم 135 لسنة 88ق القاهرة. وبتاريخ 27/2/1975 قضت محكمة استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها عدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث ونقض الحكم بالنسبة للمطعون ضدها الأولى عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
————
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة أن بنك مصر لم يكن خصما حقيقيا في المرحلة الاستئنافية للدعوى كما أن الطعن أقيم على أسباب لا تتعلق به.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أن النص في المادتين 334، 335 من قانون المرافعات يدل على أن للدائن الحاجز مصلحة في اختصام المحجوز لديه كما أن للمحجوز عليه مصلحة في اختصام المحجوز لديه في دعوى طلب رفع الحجز ليمنعه من الوفاء بما تحت يده للحاجز، ومن ثم فإنه إذا ما اختصم المحجوز لديه في أي من هاتين الدعويين يصبح خصما ذا صفة يحاج بالحكم الذي يصدر فيها فيما يتعلق بصحة إجراءات الحجز أو رفعة ويلتزم بتنفيذه في هذا الصدد، لما كان ذلك وكان البنك الطاعن قد اختصم المطعون ضدهما الثاني والثالث في دعوى رفع الحجز والطعن بالنقض في الحكم الصادر فيها بصفتهما محجوزا لديهما وباعتبارهما الخصمين المناط بهما تنفيذ الحكم الذي يصدر في هذا الشأن فإن الدفع المبدى من النيابة العامة بعدم قبول الطعن بالنسبة لهما يضحى على غير أساس.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بني على ثمانية أسباب ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالأسباب الأول والثالث والسابع منها مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول أنه دفع بعدم اختصاص المحاكم المصرية دوليا بنظر النزاع تأسيسا على أنه ليس له موطن في مصر إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع استنادا إلى المادة الثالثة من قانون المرافعات السابق، وإلى ثبوت وجود أموال للطاعن لدى بنك مصر مع أن ذلك لا يكفي لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية إذ أن النزاع لا يتعلق بأموال الطاعن لدى بنك مصر وإنما يدور حول استحقاق المطعون ضدها الأولى لقيمة الاعتماد وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خلط بين أصل الحق موضوع النزاع ومحل تنفيذه كما أخطأ في تطبيق القانون بإخضاعه النزاع لاختصاص القضاء المصري استنادا إلى أن أحد المختصمين في الدعوى- وهو المطعون ضده الثاني – له موطن في مصر في حين أنه يشترط في هذه الحالة أن يكون تعدد الخصوم تعددا حقيقيا لا صوريا مما يقتضي وحدة الموضوع والسبب بالنسبة لهم وهو ما لم يتحقق لأن المطعون ضده الثاني اختصم بصفته محجوزا لديه ليصدر الحكم في مواجهته، ومن ناحية أخرى فإن عقد فتح الاعتماد أبرم في لندن وكان من المفروض تنفيذه فيها بتقديم مستندات الشحن إلى الطاعن في مقره بها وهو ما يستوجب تطبيق القانون الإنجليزي على النزاع إعمالا للمادة 19 من القانون المدني لأنه يدور حول عقد فتح الاعتماد. فضلا عما شاب الحكم من فساد في الاستدلال إذ اعتبر إعلان الحجز إلى بنك مصر (المطعون ضده الثاني) صحيحا باعتباره محلا مختارا للطاعن في حين أن هذا لبنك الأخير لا يعدو أن يكون مراسلا للطاعن وليس وكيلا ولا يكفي لاعتباره كذلك مجرد تكليف الشركة المطعون ضدها الأولى بتقديم المستندات إليه لتوصيلها إلى الطاعن.
وحيث إن هذا النعي برمته مردود، ذلك أنه لما كانت المادة 3 /2 من قانون المرافعات السابق الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949- الذي رفعت الدعوى في ظله – تنص على اختصاص المحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو مسكن في مصر “إذا كانت الدعوى تتعلق بمنقول أو بعقار موجود في مصر أو كانت ناشئة عن عقد أبرم أو نفذ أو كان مشروطا تنفيذه في مصر أو كانت الدعوى ناشئة عن واقعة حدثت فيها” وكان البنك الطاعن قد عزز الاعتماد المستندي الذي فتح لصالح الشركة المطعون ضدها الأولى وأخطرها بذلك عن طريق مراسله المحدد في خطاب الاعتماد والذي فوضه دون غيره في القيام بكل ما يتعلق بالاعتماد وهو بنك مصر فرع بورسعيد (المطعون ضده الثالث)، فإن هذا البنك الأخير يعتبر الموطن المختار المعين لتنفيذ الاعتماد وكل ما يتعلق به بما في ذلك إجراءات التنفيذ الجبري وهو ما تكون معه المحاكم المصرية هي المختصة بنظر أي نزاع ينشأ عن هذا التنفيذ كما يكون القانون المصري هو الواجب التطبيق على النزاع المعروض باعتباره قانون محل التنفيذ الذي يحكم العقد كله ويكون صحيحاً إعلان الطاعن بالحجز في موطن هذا المراسل باعتباره موطناً مختاراً. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإن النعي عليه بهذه الأسباب الثلاثة يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني مخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال والتناقض وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه تمسك في عريضة التظلم من أمر الحجز بعدم اختصاص محكمة القاهرة الابتدائية محليا ذلك أنه بفرض اعتبار بنك مصر فرع بور سعيد موطنا مختارا له فإن الاختصاص بإصدار أمر الحجز يكون للمحكمة التابع لها هذا الفرع وليس لمحكمة القاهرة الابتدائية إلا أن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد في مدوناته أن الطاعن دفع ببطلان الحجز لصدوره من محكمة ليس لها الولاية دوليا ومحليا عاد وتناقض إذ قرر أن الطاعن تمسك بجلسة 21 /5 /1966 ببطلان إجراءات الحجز لعدم إعلانه إعلانا قانونيا وأنه بذلك يكون قد أسقط حقه في التمسك بالدفع بعدم الاختصاص المحلي وهو ما يخالف الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المادة 133 من قانون المرافعات السابق- المنطبق على إجراءات الدعوى- إذ نصت على وجوب إبداء الدفع بعدم الاختصاص المحلي قبل الدفع ببطلان ورقة التكليف بالحضور وقبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى وإلا سقط الحق فيه فقد دلت أن هذا الدفع لا يتعلق بالنظام العام وإنما يتعين التمسك به قبل غيره من الدفوع وقبل التكلم في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق فيه كما يجوز النزول عن التمسك به صراحة أو ضمنا، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن ساق في صحيفة تظلمه من أمر الحجز أسبابا من بينها الدفع بعدم اختصاص محكمة القاهرة الابتدائية محليا بإصدار أمر، الحجز، وبجلسة 29 /12 /1965 تقرر في حضوره إحالة التظلم إلى الدائرة التي تنظر أمامها الدعوى الموضوعية. فقررت بجلسة 12 /3 /1966 ضم الدعويين للارتباط وفي جلسة 21 /5 5/1966 دفع الطاعن ببطلان إجراءات الحجز لعدم إعلانه به إعلانا قانونيا، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر إبداء هذا الدفع دفاعا موضوعيا ينطوي على نزول الطاعن عن التمسك بالدفع بعدم الاختصاص المحلي الذي أورده بصحيفة التظلم وكان هذا الاستخلاص سائغا وله أصله الثابت في الأوراق فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بهذا السبب من تناقض ومخالفة الثابت بالأوراق وفساد في الاستدلال يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الرابع والخامس الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ خلط بين قواعد الاعتمادات المستندية وبعض المبادئ التي استخلصها من فقه القانون البحري إذ رغم تسليمه بأن البائع في البيع “فوب” لا تنتهي التزاماته إلا بتسليم البضاعة على ظهر السفينة فقد ناقض نفسه وقرر أن غرامة التأخير يلتزم بها المشتري على اعتبار أنه الملتزم بدفع أجرة النقل في حين أن البائع “فوب” هو الذي يتحمل المصاريف والمخاطر حتى لحظة وضع البضاعة على ظهر السفينة بما في ذلك ما يترتب على التأخير في الشحن، كما خالف الحكم شروط الاعتماد عندما اعتبر غرامة التأخير جزء من الأجرة في حين أنها من قبيل التعويض عن التأخير في تنفيذ الالتزام. ولئن كان البنك الطاعن قد التزم بدفع قيمة الاعتماد بمجرد تقديم المستندات المطلوبة فإن ذلك مشروط بأن تكون هذه المستندات مطابقة لما جاء بخطاب الاعتماد، فإذا كان خطاب الاعتماد قد تضمن التزام المطعون ضدها الأولى بتسليم البضاعة “فوب” فإن ظهور غرامة التأخير في سند الشحن يدل على تراخيها في تنفيذ الشحن مما ترتب عليه تعطيل السفينة لمدة 28 ساعة وكان يتعين عليها دفع هذه الغرامة بدلا من إضافتها إلى أجرة النقل المثبتة بسند الشحن على خلاف ما جاء بخطاب الاعتماد. فضلا عن أن تحميل سند الشحن بغرامة التأخير ينطوي على انتقاص لضمانات البنك الطاعن إذ من حقه أن يحبس المستندات حتى يستوفي قيمة الاعتماد ولا يكون لإعمال هذا الحق قيمة إلا باستلام البضاعة الذي لا يتحقق إلا بدفع غرامة التأخير ورغم تمسك الطاعن بهذا الدفاع فإن الحكم المطعون فيه لم يتناوله بالتمحيص والرد مما يعيبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن البنك الذي يفتح اعتمادا مستنديا للوفاء بثمن صفقة تمت بين تاجرين لا يعتبر وكيلا عن المشتري في الوفاء للبائع بقيمة الاعتماد كما لا يعتبر ضامنا أو كفيلا يتبع التزامه التزام عميله المشتري بل يعتبر التزامه في هذه الحالة التزاما مستقلا عن العقد القائم بين البائع والمشتري يلتزم بمقتضاه الوفاء بقيمة الاعتماد متى كانت المستندات المقدمة إليه مطابقة تماما لما تضمنه خطاب الاعتماد دون أن يكون للبنك في ذلك أدنى سلطة في التقدير أو التفسير أو الاستنتاج، لما كان ذلك وكان الثابت من خطاب الاعتماد المقدم ضمن مستندات الطعن أنه تطلب في سند الشحن الواجب تقديمه أن يتضمن النص على أن “أجرة النقل تدفع عند الوصول Freighr payableat destination دون أي بيان آخر يتعلق بالأجرة، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن سند الشحن المقدم من المطعون ضدها يتضمن هذا البيان وكان البنك الطاعن لا يجادل في ذلك فلا يكون له أن يبحث وراء هذه العبارة ويفسرها على ضوء أحكام البيع “فوب” والتزامات كل من البائع والمشتري في هذا البيع ليتوصل إلى رفض الوفاء بقيمة الاعتماد إذ الأصل أن المرجع في تحديد الشكل الذي يفرغ فيه سند الشحن هو خطاب الاعتماد ذاته، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن سند الشحن المقدم من المطعون ضدها الأولى يطابق ما جاء بشأنه بخطاب الاعتماد ورتب على ذلك عدم أحقية البنك الطاعن في الامتناع عن الوفاء بقيمة الاعتماد المبني على منازعته في غرامة التأخير وإضافتها إلى أجرة النقل فإنه لا يكون قد أخطا في تطبيق القانون. أما بالنسبة لما يثيره البنك الطاعن من أن تحميل سند الشحن بغرامة التأخير ينطوي على انتقاص لضماناته فمردود بأنه ليس للبنك فاتح الاعتماد أن يدخل في اعتباره شروط عقد البيع ولا شروط عقد الاعتماد أو علاقته بعميله المشتري كما أن محافظة البنك على مصلحته لا يمكن أن تكون أساسا للخروج على عبارات خطاب الاعتماد التي تحدد وحدها علاقته بالمستفيد من الاعتماد.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب السادس التناقض في الأسباب وفي بيان ذلك يقول أن الحكم رغم تسليمه أن من حق البنك أن يمتنع عن الوفاء بقيمة الاعتماد إذا كان هناك ما يدل على عدم تنفيذ البائع لالتزاماته إلا أنه شابه التناقض إذ رفض إقرار الطاعن على سلوكه في الامتناع عن الوفاء بقيمة الاعتماد رغم ما ثبت من تراخي الشركة المطعون ضدها الأولى في شحن البضاعة مما استتبع إضافة غرامة التأخير إلى سند الشحن.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما تتعارض به الأسباب وتتهاتر فتتماحى ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله، ولما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه – على النحو السالف بيانه في صدد الرد على السببين الرابع والخامس – أنه أقام قضاءه بإلزام البنك الطاعن بقيمة الاعتماد على أن سند الشحن المقدم من المطعون ضدها الأولى يتطابق مع ما ورد بشأنه في خطاب الاعتماد وأن المنازعة في شأن المسئول عن غرامة التأخير تخرج عن نطاق الاعتماد المستندي، فإن النعي على الحكم بالتناقض يكون وارداً على غير محل.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثامن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وبيانا لذلك يقول أنه تمسك في دفاعه بأن رفض المستندات من شأنه أن يعيد البضاعة المبيعة إلى الشركة المطعون ضدها الأولى ومن ثم فلا يجوز لها أن تطالب بثمن البضاعة كاملا وهو قيمة الاعتماد وكل ما لها أن تطالب به هو الفرق بين ثمن البضاعة المتمثل في قيمة الاعتماد وثمن بيعها في ميناء الوصول إذا كان ثمة ضرر قد لحقها من جراء ذلك وإلا أثرت بغير سبب على حساب الطاعن إلا أن الحكم المطعون فيه اعتبر ذلك من الطاعن قولا مرسلا رغم أن المطعون ضدها الأولى لم تنكر استلامها للبطاطس وبيعها وكان على المحكمة أن تطالبها بتقديم فواتير البيع لتحديد الضرر الذي أصابها وقصر التعويض على ما يعادل هذا الضرر إن وجد.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان أساس نظام الاعتماد المستندي الغير قابل للإلغاء هو استقلاله عن عقد البيع، فإن التزام البنك بدفع قيمة الاعتماد – ينشأ – متى كانت المستندات المقدمة له مطابقة تماما لشروط خطاب الاعتماد، وهو في سبيل تنفيذ التزامه الدقيق هذا يجب أن يستوحي عبارات خطاب الاعتماد فقط دون عقد البيع لأنه غريب عن هذا العقد ولا شأن له بشروطه – لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه – كما سبق البيان عند الرد على السببين الرابع والخامس – قد انتهى صحيحا إلى حق المطعون ضدها الأولى – البائعة – صرف قيمة الاعتماد حيث قدمت المستندات المطابقة لشروط فتح الاعتماد فإن هذا الحق لا يتأثر بالعلاقة الناشئة عن عقد البيع إذ أن علاقة البنك الطاعن بالمطعون ضدها الأولى المفتوح لمصلحتها الاعتماد منفصلة عن علاقته بعميله – المشتري – كما أنها منفصلة عن علاقة هذا العميل بالمطعون ضدها الأولى – البائعة – وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وأورد في ذلك قوله “العبرة بالنظر إلى قيام البائعة بتنفيذ الشروط الواردة بخطاب الاعتماد فمتى نفذها البائع وجب على البنك الوفاء له أيا كان موقفه من تنفيذ البيع ذاته وذلك لاستقلال الاعتماد عن البيع ولأن القول بعكس ذلك يؤدي إلى زلزلة الثقة في الاعتماد وفتح الباب على مصراعيه للتواطؤ أو على المماطلة في الوفاء “فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون فيما أورده ردا على دفاع الطاعن مما يكون معه النعي عليه بالقصور في التسبيب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .