– الطعن الاستئنافي المتقابل :

وهو الطعن الذي يتقدم به المستأنف عليه عن حكم سبق وأن استأنفهُ خصمه، ويلجأ المستأنف عليه لتقديم الاستئناف المتقابل عندما يكون الحكم البدائي قد حكم ببعض طلباته ورفض البعض الآخر منها (1)، ولهذا فإنه يتريث حتى إذا رفع خصمه استئنافاً أصلياً، فإنه يقوم بدوره برفع استئنافٌ متقابل للطعن بالفقرة الحكمية التي خسرها من الدعوى، لكي يحصل من محكمة الاستئناف على حكم بما خسرهُ من محكمة البداءة (2).. لقد نص المشرع العراقي على هذا النوع من الاستئناف(3)، على اشتراط وجود استئنافٌ أصلياً لقبول الاستئناف المتقابل، إذ لا يجوز أن يرفع المستأنف عليه استئنافاً متقابلاً على حكم بدائي لم يسبق أن رفع عنه استئناف أصلي فضلاً عن لزوم توفر المصلحة من جانب المستأنف في الاستئناف المتقابل(4)، وتتحقق هذه المصلحة إذا كانت قد وردت محكمة الاستئناف الفقرة الحكمية التي خسرها من الدعوى.. ومن الجدير بالذكر أن تقديم الاستئناف المتقابل من قبل المستأنف عليه قبل انتهاء الجلسة الأولى المعينة للمرافعة في الاستئناف الأصلي، يعد من أهم شروطه، وإذا قدم بعد ذلك فلا يقبل منه(5).

وبهذا الصدد قضت محكمة التمييز في العراق في قرار لها بهذا الصدد والذي جاء فيه “ لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعنين المتميزين المشار إليهما مقدمان ضمن المدة القانونية فقرر قبولهما شكلاً ولدى النظر في موضوعهما وجد أن القرار المتخذ في الجلسة المؤرخة 15/4/1990 في الدعوى الاستئنافية المرقمة 35/س/989. بجعل دعوى الاستئناف الأصلي مستأخرة إلى نتيجة التمييز في الاستئناف المتقابل القاضي برده شكلاً استناداً لأحكام المادة (83/ف1) مرافعات صحيح وموافق للقانون لذا قرر تصديقهُ.. أما بالنسبة للطعن التمييزي المتعلق برد الاستئناف المتقابل شكلاً لوقوعه بعد مضي المدة القانونية اللازمة لتقديمهُ فغير صحيح حيث أن المستأنف عليه وإلى ما قبل انتهاء الجلسة الأولى المعينة للمرافعة في الاستئناف الأصلي له أن يستأنف استئنافاً متقابلاً لما يمس حقوقه من حكم البداءة ولو انقضت مدة الاستئناف بالنسبة إليه عملاً بحكم المساواة 191، مرافعات، إذ المقصود بالجلسة الأولى للمرافعة هو اليوم الذي يتم تبليغ الطرفين عليه وتجري المرافعة فيه وهو بالنسبة لهذه الدعوى يصادف 21/1/1990 وليست الجلسة 29/10/1989 التي اعتبرتها المحكمة هي الجلسة الأولى ولا الجلسات اللاحقة التي لم يبلغ بها المستأنف عليه (المستأنف) استئنافاً متقابلاً وحيث تبين أن المستأنف استئنافاً متقابلاً قد قدم استئنافاً ودفع الرسم عنه بتاريخ 21/1/1990 فيكون استئنافه مقدماً ضمن المدة القانونية لهذا كان علــى محكمــة الاستئناف أن تقرر قبوله شكلاً وتمضي في رؤية الدعوى على وفق الأصول وعليه قرر نقض الحكم المميز..“(6) .

ويتضح من هذا القرار أن القضاء العراقي أعطى مفهوم الجلسة الأولى للمرافعة، وحسنٌ فعل القضاء العراقي عندما أكد على شرط تقديم الاستئناف المتقابل من قبل المستأنف عليه قبل انتهاء الجلسة الأولى بحسب هذا المفهوم .. ويؤخذ على المشرع العراقي أنه وعلى الرغم من النص الصريح منه على جواز تقديم الاستئناف المتقابل ولو انقضت مدة الاستئناف(7).. إلا أن الشراح وفقهاء قانون المرافعات المدنية العراقي لم يتناولوا هذا النوع من الاستئناف في تسميته المعتادة لانهم قد عدوه استئنافاً فرعياً(8).. وهذا يدعونا الى القول أن الاستئناف الفرعي في التشريع العراقي يدخل ضمناً مع الاستئناف المتقابل، ويفهم مما تقدم أن المشرع العراقي عرف الاستئناف المتقابل بمفهوم شامل يتضمن الاستئناف المتقابل والفرعي بدليل أنه يجيز تقديم الطعن الاستئنافي المتقابل إلى ما قبل انتهاء الجلسة الأولى المعينة للمرافعة (9).. وهناك من يرى جواز رفع الاستئناف المتقابل بصورة شفهية في الجلسة الأولى للمرافعة(10)، ولكن قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ حسم هذه المسألة بإجازته تقديم الاستئناف المتقابل بعريضة مشتملة على أسباب استئنافه(11)، وبإجازته أيضاً تقديم الاستئناف بعريضة إلى محكمة الاستئناف(12).. وتبدو لنا صراحة هذه الحالات التي نص عليه المشرع العراقي، والتي يفهم منها أنها شاملة لأنواع الطعن الاستئنافي كافة.. ومما تجدر الإشارة اليه أن القضاء العراقي، قد طبق الاستئناف المتقابل في الكثير من قراراته، فقد قضت محكمة استئناف كركوك في قرار لها بهذا الصدد جاء فيه “لدى التدقيق والمداولة والمرافعات الجارية أمام هذه المحكمة ومحكمة بداءة كركوك فقد وجد أن الحكم البدائي المستأنف الصادر عن محكمة بداءة كركوك يشوبه نقص وإكمالاً له فقد كلفت المحكمة وكيل المستأنف عليها/ المستأنف استئنافاً متقابلاً، تقديم البيانات التي تعتمدها موكلته في دعواها، وأحضر الشاهدين واستمعت المحكمة إلى أقوالهما واكتفت على لسان وكيلها بالبينات المقدمة في المرحلة البدائية وأمام هذه المحكمة فاقتنعت المحكمة بأن المواد المردودة عنها الدعوى لا تعود لها، عليه قررت المحكمة تأييد الحكم المستأنف الصادر عن محكمة بداءة كركوك المذكور آنفاً ورد الاستئنافين الأصلي والمتقابل..” (13) .

أما فيما يتعلق بموقف القوانين المقارنة من الطعن الاستئنافي المتقابل، فقد اختلفت التشريعات المقارنة في تسمية هذا النوع من الطعن، ومن أهم تلك التسميات الاستئناف القابل أو الفرعي(14)، أو التبعي(15)، أو الطارئ (16).. وقد عُد الاستئناف المتقابل في تلك القوانين المقارنة استئنافاً قائماً بذاته، نظراً لأنه قد رفع في الميعاد القانوني للاستئناف ومن المحكوم عليه في الخصومة البدائية الأولى.. واستثناءً من القواعد العامة فقد أجازت جميع القوانين المقارنة(17) ، وبصورة صريحة للمستأنف عليه أن يرفع استئنافاً متقابلاً في مواجهة المستأنف ولو بعد مضي ميعاد الاستئناف في حق رافعهِ أو بعد قبوله للحكم المستأنف إذا كان ذلك القبول قد تم قبل رفع الاستئناف الأصلي، ويحصل هذا النوع من الاستئناف المتقابل في حالة ارتضاء أحد طرفي الدعوى بالحكم الصادر عن محكمة البداءة ويفوت ميعاد الاستئناف على نفسه اعتماداً على أن خصمه لم يستأنفه أو أنه قد رضي بالحكم ، ولكن في بعض الأحيان يخيب ظنهُ وتقديرهُ ويرفع خصمه استئنافاً في اللحظات الأخيرة من الميعاد بحيث يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه ومن الظلم أن يبقى فيه، لذلك أباح المشرع في القوانين المقارنة على الرغم من تفويته لميعاد الاستئناف أو رضاءه بالحكم أن يعود ويرفع استئنافاً متقابلاً أسماهُ استئنافاً فرعياً بسبب ارتباطه بالاستئناف الاصلي(18).. وجدير بالإشارة أن قانون الإجراءات المدنية الفرنسي النافذ انفرد عن بقية القوانين المقارنة بإيراده أنواعاً جديدة من الاستئناف، ومن أهمها الاستئناف الفرعي المرفوع من مستأنف عليه على مستأنف آخر(19)، والاستئناف المثار بوساطة الاستئناف الأصلي(20) ، والاستئناف التعسفي أو التأخيري(21) . هذا ويرتبط الاستئناف المتقابل ارتباطاً وثيقاً بالاستئناف الاصلي ، فرد الاستئناف الاصلي بسبب انعدام اسباب قبوله شكلاً يؤدي الى سقوط الاستئناف المتقابل تبعاً له ، اذا كان قد رفع بعد انقضاء مدة الاستئناف ، اما اذا رفع ذلك الاستئناف خلال مدة الاستئناف الاصلي فأنه لا يسقط برد الاستئناف الاصلي بل يعد استئنافاً اصلياً(22)، اما عند قبول الاستئناف الاصلي شكلاً واذا ما قررت المحكمة بعد ذلك رده بسبب اخر ليس له علاقة بمدة الاستئناف؛ فأن ذلك لا يتسبب في سقوط الاستئناف المتقابل ، بل يتوجب على المحكمة ان تفصل فيه وفقاً للقانون(23).

_______________

1-ضياء شيت خطاب، الوجيز في شرح قانون المرافعات المدنية ، ج3 ، ط1، مطبعة بابل ، بغداد ، 1977، ص304، و د. آدم وهيب النداوي ، قانون المرافعات المدنية ، دار الكتب للطباعة والنشر ، بغداد، 1988، ص371.

2- ضياء شيت خطاب، بحوث ودراسات، مصدر سابق، ص304.

3- المادة (191) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ..

4- استاذنا الدكتور عباس العبودي ، شرح احكام قانون المرافعات المدنية ، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل ، 2000، ص413.

5- المادة (191) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ..

6- قرار محكمة التمييز المرقم 406/422/ مدنية أولى/90 في 18/11/1990 مشار إليه عند ابراهيم المشاهدي ، المختار من قضاء محكمة التمييز، مصدر سابق، ص ص65-66.

7- المادة (191) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ..

8- والمقصود بالاستئناف الفرعي هو الاستئناف المتقابل المرفوع بعد قبول الحكم البدائي أو تفويت الميعاد استناداً للاستئناف الأصلي وتبعاً له، والذي يُعدّ مبرراً لوجوده.. لمزيد من التفصيل انظر د. أحمد السيد صاوي، مصدر سابق، ص688.

9- انظر المادة (191) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ، وتجدر الإشارة إلى أن قانون المرافعات المصري سمح في المادة (237) منه للمستأنف عليه إلى ما قبل إقفال باب المرافعة أن يرفع استئنافاً متقابلاً، ونتفق مع استاذنا الدكتور عباس العبودي، مصدر سابق، 414، هامش (1)، و الأستاذ ضياء شيت خطاب، الوجيز، مصدر سابق، ص305، إن اتجاه القانون العراقي أكثر سداداً من الاتجاه المصري لأنه يمنع المماطلة وتأخير حسم الدعوى إذ لا يكفي أن يصدر القرار عادلاً وإنما يجب أن يصدر في وقته المحدد لأن العدل البطيء نوع من أنواع الظلم..

10-عبد الجليل برتو، شرح قانون أصول المرافعات المدنية والتجارية، الشركة الإسلامية للطباعة، بغداد، 1975، ص448، و د. أحمد أبو الوفا، التعليق على نصوص قانون المرافعات، مصدر سابق، ص917.

11- المادة (191) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ..

12- المادة (188) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ..

13- قرار محكمة استئناف كركوك المرقم 209/س/2000 في 5/4/2001 (غير منشور) وبالاتجاه ذاته، انظر قرارها المرقم 33/س/2001 موحدة مع 34/س/2001 في 19/4/2001 (غير منشور)، وكذلك قرار محكمة استئناف منطقة بغداد، الرصافة المرقم 1082/1083/س/2001 في 25/12/2001 (غير منشور).

14-المرافعات والتنفيذ المدني اليمني النافذ، وكذلك في قانون المسطرة المدنية المغربي النافذ، وكذلك في قانون الإجراءات المدنية الفرنسي النافذ عليها ..

15- وهي التسمية التي نص قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني النافذ عليها ، وفي قانون أصول المحاكمات الحقوقية السوري لسنة 1953 النافذ..

16- وهي التسمية التي نص قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني النافذ عليها ..

17- المادة (237/ف 2) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري، والمادة (179) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني النافذ، والمادة (646) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني النافذ، والفصل (135) من قانون المسطرة المدنية المغربي النافذ، والمادة (550) من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي النافذ..

18- أو بحسب ما درجت عليه القوانين من تسمية لهذا الطعن.. للتوسع في تلك الحالة انظر محمد أحمد عابدين، خصومة الاستئناف أمام المحكمة المدنية، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1987، ص112، و د. محمد الكيلاني ، شرح قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني رقم 24 لسنة 1988 المعدل ، دار وائل للنشر ، عمان ، الاردن ، 2001 ، ص376، و د. أحمد أبو الوفا، أصول المحاكمات المدنية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1983، ص744.

19- انظر المادة (548) من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي النافذ، والتي تنص على أن “الاستئناف من الممكن أن يرفع بصورة فرعية من المستأنف عليه سواء أن في مواجهة المستأنف أو مواجهة المستأنف عليهم الآخرين”.

20- انظر المادة (549) من القانون ذاته، والتي تنص على أن “الاستئناف الفرعي يمكن أن يرفع بناء على رفع استئناف أصلي أو استئناف فرعي يثيرهُ من أي شخص غير مستأنف عليه كان طرفاً في خصومة أول درجة”.

21- انظر المادة (550) من القانون ذاته، والتي تنص على ما يأتي “يمكن ان يرفع الاستئناف الفرعي في جميع الأحوال، حتى من قبل الشخص الذي يمكن أن يتصرف بصورة أصلية.. وفي هذه الحالة الأخيرة لا يمكن قبول استئنافه إذا لم يكن الاستئناف الأصلي نفسهُ مقبولاً، وتستطيع المحكمة أن تحكم بغرامة على أولئك الذين يمتنعون عن ذلك بنية تأخير أو تأجيل تكوين استئنافهم الفرعي بصورة كافية”.. ولمزيد من التفصيل حول هذه الأنواع. انظر Jean Vincent et Serge Guinchard، Op. Cit، 1996، P:833 وكذلك

Rene Morel، Op. Cit، P:484; وكذلك PERROT: Appel provoque par lappel principal. Colloque aix. En. Provence، 1963، p:93.

22- د. سعيد عبد الكريم مبارك ود. ادم وهيب النداوي ، المرافعات المدنية ، مطابع جامعة الموصل ، بغداد ، 1984، ص190 .

23- المادة (191) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .