الخصائص المميزة لقانون العمل :

1- الصفة الإمرة لقواعد قانون العمل :

تعتبر الصفة الامره لقواعد قانون العمل من أهم الخصائص التي تميزه عن القانون المدني فهذه القواعد تعتبر من النظام العام التي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها إلا إذا كانت المخالفة في مصلحة العامل . إن قواعد قانون العمل قد وضعت في الأساس بهدف حماية العامل ،ولهذا فان هذه الحماية لا يتحقق متى ماكان في إمكان العامل وصاحب العمل الاتفاق على ما يخالف قواعد القانون المذكور ،وبعبارة أخرى إن الحماية لا تكون فعالة إلا إذا كانت تلك القواعد إمرة. إن حماية العامل يمكن اعتبارها الغاية التي تهدف إليها المشرع في قواعد قانون العمل بحيث تقع باطلة كل مخالفة إذا ما انتقضت من الحد الأدنى المقرر لحماية العامل ، فيحين تعتبر صحيحة كل مخالفة تزيد من هذه الحمية. وقد نصت المادة (9)من قانون العمل النافذ على مايلي :

((تمثل الحقوق الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وحيثما وجد تنظيم خاص لعلاقات العمل تطبق على العمال إحكام هذا القانون أو إحكام التنظيم الخاص أيهما أفضل ))

كما نصت المادة (11)على مايلي : (يقع باطلا كل صلح او تنازل او براء عن الحقوق المقررة للعامل بموجب أحكام هذا القانون خلال فترة قيام علاقة العمل وحتى انقضاء ستة اشهر على انتهائها)). وقد عالج القانون السوري رقم 91 لسنة 1959 هذا الموضوع إذ قررت المادة (6)منه بطلان كل شي يخالف احكام قانون العمل واستثنت الشروط المخالفة لاحكام قانون العمل الفردي إذا كانت الشروط المخالفة أكثر فائدة للعامل كما نصت على بطلان كل مصالحة أو براء عن الحقوق الناشئة عن عقد العمل سواء تمت هذه المصالحة أو هذا الإبراء خلال سريان عقد العمل أو خلال شهر من تاريخ انتهاء مادمت هذه المصالحة أو الإبراء تخالف إحكام القانون إلى ما هو ضار بالعامل ذلك لان العامل يكون في الواقع عند إبراء صاحب العمل من حقوقه أو التصالح معه تحت تأثير الحاجة فيبرم كارها ذلك الإبراء أو تلك المصالحة .إما إذا مضى الشهر على انتهاء عقد العمل فتعتبر الحاجة العاجلة بالعامل إلى الحصول على بعض حقوقه منتفية كما نه يتحرر من الرهبة التي تولدها لديه رابطة التبعية التي تربطه بصاحب العمل إثناء نفاذ العقد وذلك فانه يلتزم بالصالح أو الإبراء الذي يتم بعد الشهر اللهم إلا إذا كان الصلح باطلا وفقا للقواعد العامة .ولا شك فان في تدخل المشروع بتقريره بطلان مثل هذه المصالحات والإبراء جائز في القانون لان هدف المشروع من وضع إحكام خاصة بالعمال التدخل في حرية التعاقد بينهم وبالتالي فيمكن القول بعدم الاعتداد بأي شرط يتنافى وهذه الإحكام إذا كان فيه غبن للعامل الذي يهدف المشرع إلى حمايته. ويذهب القضاء الفرنسي وجانب من الفقه إلى التفرقة مابين التنازل أو التصالح الواقع إثناء سريان العقد فيعتبره باطلا ،والواقع بعد انتهاء العقد فيعتبره صحيحا (1). ومع ذلك فقد ذهبت بعض المحاكم المصرية في نفس الاتجاه قبل نفاذ قانون العمل الموحد ولعلها تأثرت في ذلك بمركز العامل الضعيف قبل صاحب العمل إثناء سريان العقد.إن التنازل أو التصالح يضر بمصلحة العامل سواء تم إثناء سريان العقد أو بعد انتهائه مباشرة إذ يكون العامل في إثناء تنفيذ العقد واقعا تحت سلطة صاحب العمل كما يكون في الوقت التالي مباشرة لانتهاء العقد في حالة من التعطيل تجعله محتاجا إلى المال وهو ما يدفعه إلى ((تفضيل الاكتفاء باقتضاء حقوقه ناقصة ولكن معجلة على اقتضائها كاملة مؤجلة ))ولهذا السبب نص قانون العمل الموحد على توفير الحماية للعامل في الحالتين طالما أن ظروفه فيها تضطره إلى التنازل أو التصالح (2). أن الانتقاص من الحقوق الواردة في قانون العمل المعتبرة كحد أدنى يعتبر باطلا ،ألا انه ليس هناك ما يمنع قانونا من الاتفاق على زيادة هذه الحقوق إذ يقع هذا الاتفاق صحيحا ولا يجوز مخالفة إحكام قانون العمل التي لاتنظم حقوقا فردية وان كانت هذه المخالفة في مصلحة العامل وتوضيح ذلك أن بعضا من إحكام قانون العمل قد وضعت لحماية المصلحة العامة وتحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة لأصحاب العلاقة ،فالقواعد المتعلقة بتنظيم الإضراب وقضاء العمل وسن العمل لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها وكل اتفاق من هذا القبيل يعتبر باطلا ولو كان ذلك في مصلحة العامل (3). وإذا تضمن العقد شروطا أكثر فائدة للعامل وأخرى تنتقض من حقوقه المقررة في قانون العمل والمعتبرة كحد أدنى فانه في هذه الحالة تبطل الشروط الأخيرة دون أن يبطل العقد ويحل محلها الشروط الواردة في قانون العمل ، فيجب إذن النظر إلى كل شرط منفردا دون التفات إلى باقي الشروط ومهما كان في هذه الشروط من مزايا بحيث تعوض العامل عما فقده بموجب الشروط الأخرى (4). إما بالنسبة لمشكلة تنازع قوانين العمل من حيث الزمان فتظهر هنا أهمية الصفة الآمرة لقواعد قانون العمل حيث تقتضي القواعد العامة في سريان القانون بان القواعد الآمرة تسري بأثر مباشر عل الآثار المستقبلة للعقود التي أبرمت قبل نفاذها .أن الأثر المباشر هو غير الأثر الرجعي فالأثر الرجعي للقانون الجديد يعني انه يحكم العلاقات والعقود التي أبرمت وانقضت قبل نفاذه .

الأصل أن القانون لا يسري ألا على العلاقات التي تنشا بعد نفاذه ألا أن قانون العمل قد خرج على هذه القاعدة حيث تكيف علاقات العمل وفق إحكام هذا القانون اعتبارا من تاريخ تنفيذه … وان تكييف علاقات العمل المنوه عنه لا يعني تجديدا لعقود العمل بل تعتبر جميع عقود العمل القائمة إثناء صدور هذا القانون مستمرة . على أن الحقوق الجديدة أو الإضافات التي أدخلت على بعض الحقوق لا يكون لها إي اثر ألا من تاريخ نفاذ القانون .

أن التكييف المنوه عنه يعني تعديل شروط العمل سواء أكانت مقررة بموجب عقد العمل أو بموجب أنظمة العمل النافذة أو إحكام قانون العمل الملغي ، في ضوء ما قررته إحكام القانون النافذ . ويقتضي في هذه الحالة المحافظة على الحقوق المكتسبة للعامل وهذا يتضح من نص المادة التاسعة التي تقضي باعتبار الحقوق الواردة في القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وحيثما وجد تنظيم لعلاقات العمل تطبق على العمال إحكام هذا القانون أو إحكام التنظيم الخاص أيهما أفضل . فإذا وجد شروط العمل متفقة مع إحكام القانون أو كانت أفضل منه فأنها تبقى نافذة بدون حاجة إلى تكييف . إما إذا كانت الشروط المذكورة اقل مما هو في القانون ففي الحالة يقتضي تعديلها بحيث ترتفع إلى المستوى المقرر فيه والمعتبر كحد أدنى لحقوق العمال . ان التكييف المذكور لا يعني تجديدا لعقود العمل وإنما تعتبر هذه العقود مسمرة واستمرار العقود لا يعني سريان التعديل فيها فيما يتعلق بالحقوق الجديدة ألا من تاريخ نفاذ القانون فلا يحق للعامل المطالبة بالحقوق الواردة في القانون الجديد عن الفترة السابقة لنفاذه . أن الصفة الآمرة لقواعد قانون العمل تقترن بفرض جزاء جنائي على كل من يخالف هذه القواعد إلى جانب الجزاء المدني المتمثل في البطلان ويتشدد المشروع في شان الحكم بهذا الجزاء الجنائي كما هو الحال في حالة العود كما تتعدد العقوبة بقدر عدد العمال الذين وقعت المخالفة بشأنهم أو بتكرار المخالفة بالنسبة للعامل ذاته (1). أن الصفة الآمرة لقواعد العمل أكدتها قرارات قضائية كثيرة فقد ذهب القضاء المصري إلى تأكيد ذللك : ((وحيث ان القاعدة هي عدم رجعية القوانين بمعنى انه لا يسوغ للقاضي أن يطبق قانونا على وقائع حدثت قبل نفاذه غير أن هذه القاعدة لاتنصرف إلى قوانين العمل لتعلقها بالنظام العام ذلك ترديد لمبدأ هو أن القوانين المتعلقة بالنظام العام تكون ذات اثر مباشر يبدأ من وقت صدورها بحيث تخضع لها كافة اثأر العقود التي أبرمت قبل صدورها حتى ولو أدى ذلك إلى تعديل الروابط القانونية التي استقرت إعمالا لإحكام القانون القديم ))(2). كما ذهبت محكمة التمييز العراقية إلى ذلك كما يلي : ((…أن قانون العمل هو من القوانين الآمرة المتعلقة بالنظام العام وان قاعدة عدم الرجعية القوانين لا تنصرف إلى قوانين العمل لتعلقها بالنظام العام ))(3).

2-تفسير قانون العمل :

يعتبر قانون العمل مستقلا قائما بذاته ومتميزا بخصائص تختلف عن الخصائص التي يتميز بها إي قانون أخر كالقانون المدني ولذلك فلا يخضع تفسيره للقواعد التي تحكم تفسير القانون المدني .وقد قضى بهذا الصدد مايلي :

((من المعروف أن قانون عقد العمل أصبح الآن قائما بذاته مميزا بصفاته واتجاهاته الخاصة ومن ثم فان من القواعد المهمة التي يستهدف بها في تفسير نصوصه أن جميع النصوص الاجتماعية تعبير وحدة واحدة يكمل بعضها بعضا ،وان من اللازم احترام المبادئ الأساسية في تشريعات العمل كمبدأ الحرية الشخصية ومبدأ حرية العمل وان التفسير الأصلح للعمال كقاعدة هو الذي يتبع عند وجود غموض في تحديد مقصود احد النصوص القانونية ، وهذا يتفق مع قصد الشارع فات الكثير من التشريعات العمالية وضع لحماية العمال فيجب أن تحترم هذه الإرادة عند التفسير ))(4). أن من خصائص قانون العمل هو خروجه من نطاق التعاقد الذي يحكمه مبدأ سلطان الإرادة ودخوله في نطاق أخر هو الخضوع للقواعد الآمرة ، فلم يعد صاحب العمل حرا في إملاء شروط العمل حسب مايريد بل أصبح مقيدا بتلك القواعد الآمرة التي تعتبر من النظام العام لا يجوز مخالفتها ، آذ أن هدف القانون هو حماية العمال من تعسف أصحاب العمل (5) هذه الحماية التي تعتبر من أهم ما قصده المشرع من تشريع قانون العمل لذلك فان الرأي الراجح في الفقه والقضاء هو وجوب الأخذ بالتفسير الأصلح للعامل في حالة غموض النص ( إي انصرافه إلى أكثر من معنى واحد )، او تناقضه مع نص أخر أو في حالة وجود خطا يشوب النص كإغفال شرط أو مخالفته للواقع أو في حالة انعدام النص حيث أن الأخذ بهذا المبدأ هو احترام لمقاصد المشرع وقد ذهبت محكمة العمل العليا الملغاة بصدد ذلك إلى ما يلي : ((…حين لا يكون النص التشريعي في قانون العمل أو في قانون التقاعد والضمان الاجتماعي صريحا بل يحتمل التأويل والشك توجب تفسيره بما هو أصلح للعامل …الخ ))(6). ألا انه لا ينبغي عدم إطلاق هذه القاعدة بما يودي إلى الخروج بالتفسير عن الغرض الحقيقي من النص وذلك لأنه إذا كان قانون العمل يستهدف أساسا حماية العمال ويجب لهذا أن يفسر عند الشك لمصلحتهم ألا انه حيث تقصد بعض قواعده حماية أصحاب العمل أو تحقيق التوازن بين مصلحة العمال وأصحاب العمل فمن غير المعقول أن تفسر عند الشك لمصلحة العمال إنما يقتضي تفسيرها في ضوء الغرض من تقريرها (7). فلا يكون للتفسير محل في حالة وضوح النص وصراحته آذ لا يجوز الخروج عن معناه الواضح وقد قضى بهذا الصدد ما يلي :

((بانه متى ماكانت نصون القانون واضحة جلية المعنى فالبحث عن حكمة التشريع ودواعيه لا يكون له محل وإنما يكون ذلك عند غموض النص او وجود لبس فيه مما يكون معه القاضي مضطرا في سبيل تعرف الحكم الصحيح إلى تقصي الغرض الذي رمى اليه والقصد الذي الاه ))(8). وقد قضى كذلك بأنه (يتعين بالنسبة لقوانين العمل أن يتحرى في تطبيقها أو تفسيرها الابتعاد عن الجمود والتقيد المطلق بالنصوص آذ يجب الاعتداد دائما بقصد الشارع وحكمة النص مع الالتفات إلى حل النزع على وجه يضمن تحقيق مصلحة الفريقين معا وهذا بعينه هو ما يستفاد من النصوص وما تدل عليه روح القوانين وظروف وضعها ولا شك أن العامل الأول في تطبيق هذه القوانين أو تفسيرها تغليب روح العدالة وما تقضي به الظروف العامة على جمود النصوص والتزام حرفيتها )(9).

3- الطابع الواقعي لقانون العمل :

يتميز قانون العمل بطابعه الواقعي حيث تتكيف أحكامه مع ظروف الواقع فلا تطبق بصورة موحدة بل يختلف تطبيقها باختلاف صور العمل وظروفه وقدرة أصحاب العمل الاقتصادية وقدرة العمال على العمل فلا يخضع خدم المنازل مثلا لنفس الإحكام التي تطبق على عمال الصناعة والتجارة بل أن هناك استثناءات بالنسبة لهم من إحكام معينة وهي الإحكام الخاصة بتنظيم أوقات العمل والراحة (10)،كما يخضع فئات معينة كالأحداث والنساء لإحكام خاصة تتفق مع ظروف هؤلاء(11)،فلا يجوز تشغيل النساء في الإعمال المرهقة والضارة بالصحة وكذلك الحال بالنسبة الإحداث فيما يتعلق بعدم جواز تشغيلهم دون سن معينة مراعاة لصحتهم وسلامة نموهم كما لا يجوز تشغليهم في الإعمال الليلية والإعمال المرهقة والضارة بالصحة كما يحدد القانون الحد الأقصى لساعات عملهم . كما توضح للأعمال الشاقة كالعمال المقالع أحكام خاصة كتحديد حد أقصى لساعات العمل وتعيين فترات للراحة وكذلك الاحتياطات الواجب اتخاذها في هذا المجال كما يراعي المشروع قدرة أصحاب العمل المالية فيفرض عليهم أعباء والتزامات بما يتناسب مع هذه القدرة …الخ . أن الطابع الواقعي لقانون العمل هو الذي أملى على المشرع تخويل الجهة الإدارية صلاحية إصدار الأنظمة والتعليمات والبيانات لتسهيل تنفيذ إحكام القانون . ألا أن هذا الطابع الواقعي يجعل القانون المذكور دائما عرضه للتغير وهو بذلك ينتقص مما يجب أن يتوفر لإحكامه من استقرار (12).

___________________

1- دوران وفيتو :المطول في قانون العمل ،واللوز،باريس،ط2،سنة1950 ص 408-409.

2- د. حسن كيره أصول قانون العمل . عقد العمل . الإسكندرية 1979،ص79.

3- القضية 2242 لسنة 1962 ،عصمت الهواري ، الوسومة القضائية في منازعات العمل سنة 1964 ،ص2-3.

4- قرار رقم 1508 -حقوقية -66 في 4-12-1966 . (4) محكمة الجيزة الابتدائية في القضية رقم 914 لسنة 1953 ، انظر عصمت الهواري وفهمي كامل ، المرشد في قانون العمل الموحد ، الجزء الأول ، القاهرة سنة 1959 ، ص 22.

5- برن وكالان ، قانون العمل ، باريس سنة 1958،ص130.

6- انظر قرار محكمة العمل العليا رقم 73-عليا أولى -1971 في 16-1=.1972

7- استثناف الإسكندرية 91 يناير 955 مدونة الفكهاني ج 1-1 رقم 21 ص48 .

8- انظر كامل محمد بدوي ، المرجع في التشريعات العمالية الموحدة للجزء الاول ، عقد العمل الفردي وتامين اصابات العمل 19959 القاهرة ،ص7.

9- محكمة استئناف القاهرة ،هيئة تحكيم في النزاع 44 لسنة 1953، كامل محمد بدوي ، المرجع السابق ،ص7م

10- انظر م 22 من قانون العمل .

11- الدكتور . رمضان أبو السعود : الوسيط في شرح قانون العمل المصري واللبناني . النظرية العامة لقانون العمل ، سنة 1983ص187.

12-د. حسن كيره ، المرجع السابق ، ص 82 ،ريفيرو وسافاتييه قانون العمل باريس 1972. ص 12 .

أسباب ظهور قانون العمل :

لمعرفه أسباب ظهور قانون العمل يقتضي الرجوع إلى الماضي إي إلى الفترة التي لم يكن لعلاقات العمل فيها إي وجود ثم نستعرض ظهور هذه العلاقات وتطورها على مدى العصور

1-علاقات العمل في العصور القديمة.

في العصر القديم الذي امتد إلى أواخر عهد الإمبراطورية الرومانية الغربية كان النظام الاقتصادي يقوم أساسا على الرق الذي يقتضي وجود علاقة تبعية دائمة بين العبد والسيد (1) العبد كان مجردة من الشخصية القانونية حيث كان يعتبر مجرد شيء او سلعة كسائر السلع يتصرف فيها السيد المالك كتصرفه بممتلكاته الخاصة فكان السيد يستخدمه مباشرة أو يؤجر خدماته ولا يطعمه إلا عند جوعه وبالقدر الضروري لاستغلال قواه الجسدية والعقلية (2) (إن الرقيق في القانون الروماني كان لا يفترق عن غيره من منقولات مالكه ويرد عليه من العقود مايرد عليه ولذلك كان إيجار الرقيق بالمعنى الحقيقي لهذا الاصطلاح مثل إيجار الحيوان سواء بسواء وعلى ذلك فشخص الرقيق أو جسمه هو الذي يكون موضوعا تحت تصرف المستأجر وان كان حقه هذا الأخير لا ليرد في الواقع إلا على عمله أو خدماته)(3) وكان العمل العقلي في روما يقدم تفصيلا بدون مقابل لذلك فان العقد الوارد عليه كان يدخل في عداد الوكالة إما العمل المادي الذي يؤدي العبد لسيده فلم يكن ينشىء أية رابطة قانونية مستقلة عن رابطة الاسترقاق إما إذا كان العمل يقوم به العبد لمصلحة شخص أخر فكان يؤديه بموجب عقد إيجار الأشياء المبرم بين السيد وبين هذا الشخص (4) . وقد اعتبر القانون الروماني إجارة الرق نوعا من إجارة الأشياء وحيث كان السيد يؤجر قوة عمل الرقيق مقابل عرض وبذلك فقد أعطى القانون المذكور للعمل مفهوما ماديا باعتباره سلعة يرد عليها التعامل وتخضع لسوق العرض والطلب (5) .

2- علاقة العمل في العصور الوسطى :

بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية قامت على أنقاضها دويلات عديدة (6) وظهرت فيها نظم اقتصادية وهي النظام الإقطاعي في الزراعة ونظام الطوائف في الصناعة والتجارة . لقد ظهر في ظل النظام (الإقطاعي) نظام خاص هو نظام الاقنان الذي لم يكن الفن بموجبه تابعا للسيد الإقطاعي كما كان الحال بالنسبة للعبد في عهد الرق بل كان ملحقا بأرض السيد تنتقل ملكيته تبعا لانتقال ملكية الأرض إذ لم يكن يتمتع بحرية تركها أو تغيير عمله إلا بموافقة السيد (7) . إن طبيعة العمل الذي كان يقوم بع الفن للإقطاعي لم يكن ليحتاج إلى أي تنظيم قانوني لعلاقة العمل لذلك فلم تظهر في ظل نظام الاقنان قواعد قانونية خاصة بالعمل (8) .

نظام الطوائف :

لقد كان هذا النظام يهدف إلى تنظيم كل حرفة من الحرف فيحدد قواعد الالتحاق بها وأصول التدرج فيها حيث كانت لكل حرفة مراتب تتدرج على أساس التسلسل الهرمي اعتبارا من شيخ الطائفة إلى المعلمين إلى العرفاء أو العمال إلى الصبيان تحت التمرين (9) . لقد مارست الطوائف إعمالا شبيهه بإعمال النقابات وظهرت في ظلها مجموعة من القواعد كتحديد ساعات العمل اليومية وتحريم العمل الليلي وتقرير عطلة في أيام الآحاد كما مارست بعض الأعمال الخيرية كمنح المساعدات المالية في حالة مرض احد أعضائها (10) . كما قررت منع العرفاء من العمل في منازلهم إلا انه يلاحظ إن بعض هذه القواعد كانت تهدف أساسا إلى حماية أصحاب العمل وبعضها الأخر كانت أغراض أخرى فمنع العرفاء من العمل ي منازلهم كان هدفه حماية المعلمين من المنافسة غير المشروعة ومنع العمل الليلي كان يهدف إلى توقي مخاطر الحريق أما تقرير عطلة في يوم الأحد من كل أسبوع فكانت أغراضه دينيه محضة . إن علاقة العمل في ظل نظام الطوائف كانت تقوم على أساس تنظيمي وليس عقديا ولذلك فلم تكن هناك حاجة لتدخل المشرع في تنظيم هذه العلاقة (11) .

3 -علاقات العمل في ظل مبدأ الحرية الاقتصادية وبعد الثورة الصناعية :

تهتم الثورة الفرنسية بالتدخل في تنظيم علاقات العمل وذلك لأنها نادت الى الحرية والمساواة والإخاء فأطلقت الحريات السياسية والحريات العامة وتبنت مبدأ سلطان الإرادة في القانون والمبدأ الحر في الاقتصاد فساد مبدأ الحرية الفردية والاقتصاد الحر جنبا الى جنب مع قاعدة العقد شريعة المتعاقدين مما أدى إلى التأثير على علاقة العمل وذلك بتأكيد حرية الإفراد في مجال العمل وعدم التدخل في نظامه .لقد كان نتيجة إعلان الحريات السياسية إن أطلقت الحريات العامة وفي مقدمتها حرية العمل فأصبح لكل فرد بمقتضى ذلك إن يشترط بحرية والمساواة إلى منع التكتلات العمالية كالجمعيات المهنية والنقابات وذلك إن يشترط بحرية والمساواة إلى منع التكتلات العمالية كالجمعيات المهنية والنقابات وذلك بموجب قانون (لوشابليه) الصادر عام 1791 على اعتبار إن هذه التكتلات تؤثر على حرية الفردية لأنها قد تمارس ضغطا على على حرية أعضائها لحماية المصالح المشتركة (12). إن إعلان الحريه القانونية قد أدى إلى تبني مبدأ سلطان الإرادة وحرية التقاعد وتبعا لذلك فقد أصبح الإفراد ينظمون علاقاتهم بأنفسهم عن طريق التقاعد دون حاجة إلى تدخل الدولة إما إعلان الحرية ألاقتصاديه فكان من أثرها إن ساد مبدأ (دعه يعمل دعه يمر )الذي أدى إلى إطلاق الحرية الكاملة للإفراد في إدارة شؤون الاقتصاد دون إي تدخل من جانب الدولة على اعتبار إن وظيفتها الأساسية تقتصر على مهام الإدارة والأمن والدفاع .

نتائج مبدأ الحرية والمذهب الفردي على علاقات العمل :

ان المناداة بالحرية والمساواة المطلقة بين الإفراد لا تخرج عن كونها امرأ خياليا غير مبني على أساس سليم وذلك لان المساواة الواقعية الفعلية غير موجود بين الإفراد بسبب اختلاف مراكزهم الاقتصادية وبالتالي فان القول بتساويهم في الحرية الإرادة هو قول نظري خيالي إذ إن إطلاق الحرية في هذه الحالة يعني إطلاق حربة صاحب العمل ليملي شروطه على العامل باسم الحرية والمساواة دون إن يملك الأخير فرصة متكافئة لمناقشة هذه الشروط (13)وذلك لحاجته الماسة إلى العمل لان رفضه التقاعد يعني التقاعد يعني بقاءه بدون مورد وهذا ما يجعله مرغما على القبول بالشروط التي يفرضها صاحب العمل فلا يستطيع استعمال حريته التقاعدية استعمال حريته التقاعدية استعمالا صحيحا إما صاحب العمل فلا يشعر بهذه الحاجة الملحة إلى العقد وان رفضه التقاعد على الشروط التي يطلبها منه العامل قد يوقع به بعض الخسارة أو يسبب له فوت بعض الربح الذي يتوقعه وهذا ما يستطيع في الغالب تحمله بانتظار شروط أفضل تضمن له ربحا يرضاه (14) إن حرية أصحاب العمل في تنظيم شؤون العمل وخضوعهم لقانون المنافسة قد دفع هؤلاء إلى سعي لتحقيق اكبر ربح ممكن وبأقل نفقة ممكنة فكان من الطبيعي نتيجة لذلك إن يجري العمل في أماكن لا تتوفر فيها الوسائل والاحتياط الصحية اللازمة بالإضافة إلى انخفاض مستوى الأجور مما دفع العمال -تحت ضغط- الحاجة إلى تشغيل نسائهم وأطفالهم دون حماية من القانون كما أدى انتشار الآلات في الصناعة إلى تعرض العمال لمخاطرها في الوقت الذي لم تكن قواعد من توفر أركان المسؤولية التقصيرية أي إن العامل كان مطالبا بإثبات الضرر والخطأ فكان من العسير بل من المستحيل على العامل أو ورثته إثبات خطا صاحب العمل مما يؤدي إلى حرمانهم من الحصول على التعويض(15) إن الوضع السيئ الذي وصل أليه العمال هو دفع المشرع إلى إن يخرج عن فكره الحرية ومفهومها القديم فصدر في 22اذار 1841 قانون في فرنسا يحرم تشغيل الأطفال الذين هم دون الثامنة عشر باثنتي عشر ساعة في اليوم (16) العوامل التي أدت إلى التدخل الدولة في تنظيم علاقات العمل:

لقد كانت هناك اعتبارات اجتماعية وأخرى تتعلق بالسياسة الاقتصادية حملت الدولة على التدخل في تنظيم علاقات العمل لمنع الاستغلال وتحقيق إشراف الدولة على الاقتصاد وتوجيهه

أولا:الاعتبارات الاجتماعية:

1-العامل الفكري:

لقد ظهرت خلال القرن التاسع عشر مذاهب تدعو الدولة إلى التدخل نتيجة للآثار السيئة التي ظهرت بعد الأخذ بالمبدأ الفردي الحر والحرية الاقتصادية وذلك لتحسين أوضاع الطبقة العاملة عن طريق النزول إلى مدار الاقتصاد والإنتاج لتنظيمه وتوجيهه على وجه يكفل مصلحة الطرفين وقد امتدت هذه الدعوة إلى العمل باعتباره احد عوامل الإنتاج فكانت ترى وجوب تدخل الدولة في شؤون العمل لمنع الاستغلال من قبل الرأسمالية للطبقة العاملة وبالتالي تحقيق إشراف الدولة على الاقتصاد وتوجيهه(17) وعدم قصر مهام الدولة على الدفاع والقضاء والإرادة إلا إن المذاهب المذكورة قد اختلفت حول طريقة وشكل هذا التدخل فقد نادى بعض هذه المذاهب بوجوب تحسين حال الطبقة العاملة في ظل النظام الرأسمالي بما يكفل حمايتها عن طريق الحد من التفاوت الكبير بين الدخول ومعالجة الأزمات الاقتصادية الدورية ويرى أنصار هذا الرأي بان حل المشاكل الاقتصادية يكون في تدخل الدولة من غير حاجة إلى تغيير النظام الاقتصادي السائد وكان أول من نادى بضرورة تدخل الدولة هو الاقتصادي السويسري (سيسموندي) فقد أعلن منذ عام 1819 بوجوب تحقيق العدالة في توزيع وطالب بمنع تشغيل الأطفال وتقييد تشغيل المراهقين وتقرير الراحة الأسبوعية ووجوب توفير ضمان للعمال في حالات الشيخوخة والعجز والمرض والبطالة. إما في فرنسا فان فكرة تدخل الدولة قد ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وطالب أنصارها بلزوم تطبيق مبدأ التضامن الاجتماعي لغرض ضمان حد أدنى لمعيشة الفرد.إما في ألمانيا فان تدخل الدولة قد بدا منذ منتصف القرن التاسع عشر بتأثير مذهب(اشتراكية الدولة)الذي ذهب الى وجوب وضع برنامج لإصلاحات اجتماعية معتدلة من قبل الدولة دون إن يهاجم هذا لمذهب الملكية الخاصة. إما بعض الأخر من هذه المذاهب فكان يرى وجوب القضاء على النظام الرأسمالي نفسه لان هذا النظام يمكن الرأسماليين من استغلال عنصر العمل والاستيلاء على فائض قيمته الذي هو أصلا من حق العمال ولذلك ذهبت هذه المذاهب إلى إلغاء الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج وجعلها ملكية جماعية للدولة ليمكن القضاء بذلك على هذا الاستغلال (18) ومن هولاء الذين نادوا بذلك سان سيمون وفوربية ولوي بلان وماركس وبرودون ازاء هذه الضغوط ومحاولة إنقاذ النظام الرأسمالي من جانب عدد من الاقتصاديين بدات التشريعات العمالية بالصدور نذكر منها القوانين الخاصة بمسؤولية اصحاب العمل في التعويض عن إصابات العمل وامراض المهنة في ألمانيا عام 1871 وفي انكلترا عام 1880 وفي فرنسا عام 1898 والقوانين التي تعترف بحق التنظيم النقابي في انكلترا عام 1871 و1875 وفي فرنسا عام 1884 وفي ألمانيا عام 1890 وصدرت قوانين التأمينات الاجتماعية في ألمانيا في 1883 و1884 و1889 وفي فرنسا في السنوات 1885 و1894 و1905 وفي انكلترا سنتي 1908و1911 (19).

2-العامل القانوني:

لقد ترتب على تطبيق المذهب الفردي نتائج خطيرة كما سبق توضيحه فظهر كرد فعل لذلك المذهب الاجتماعي الذي نادى بوجوب تركيز اهتمام القانون في الجماعة لا في الفرد حيث حلت محل فكرة الإنسان الفرد المستقل فكرة أخرى تعتبر المجتمع ((الشرط الضروري لحياة الإنسان المادية والفكرية والوسط الذي لولاه لما كان اي معنى لمفاهيم الحقوق والالتزام ))(20) وهذا يقتضي الحد من مبدأ سلطان الإرادة وتقييده بضرورات النظام الاجتماعي بعد أن اظهر التطبيق العملي إن العقد أصبح وسيلة لإضفاء الصفة الشرعية لتحكم القوي بالضعيف (21). ولذالك فقد طالب أنصار تدخل الدولة بتحقيق المساواة بين الطرفين لان هذه المساواة التي يفترض وجودها مبدأ سلطان الإرادة غير متحققة في عقد العمل وذلك لان المساواة القانونية لا قيمة لها إذا لم ترافقها مساواة اقتصادية ولذلك فالصبح تدخل الدولة في تنظيم علاقات العمل ضروريا لغرض إعادة التوازن بين ارادتي الطرفين المتقاعدي(22)

3-النضال العمالي:

لقد كان من أهم العوامل التي حملت الدولة على التدخل في علاقات العمل هو نجاح المنظمات النقابية وزيادة قوتها مما جعل منها قوة سياسية كبيرة سيما بعد حصول العمال على حق التصويت وكان ذلك نتيجة لكفاحهم ونقاباتهم كما ان لجوء هؤلاء إلى تكوين الأحزاب السياسية أو الانضمام إلى الأحزاب التي تؤيد وجهة نظرهم كان له اثر كبير في حمل الدولة على التدخل لتنظيم علاقات العمل خصوصا بعد نجاح بعض هذه الأحزاب في الوصول إلى الحكم(23). كما إن لجوء العمال إلى الإضراب الذي كانت تعتبره القوانين جريمة إلا انه أصبح مع التنظيم النقابي سلاحا فعالا استطاعت الحركة العمالية بواسطته ان تحمل الدولة على التدخل لسن تشريعات تضمن للعامل شروطا ملائمة للعمل(24)

ثانيا:اعتبارات السياسة الاقتصادية:

لقد كان من نتائج الأخذ بالاقتصاد الموجه في بعض الدول ان أصبح المشروع يدخل في حسابه ظروف هذا الاقتصاد عند تشريع قوانين العمل حيث اصبح تنظيم الاقتصاد الوطني هو الدافع إلى التشريع إلى جانب هدف حماية العامل.كما ان قانون العمل نظرا لتعلقه بالعمل باعتباره عنصرا من عناصر الإنتاج قد امتد في بعض الدول ليشمل بعض انواع العمل غير التابع وذلك لتشابه ظروف عماله الاقتصادية والاجتماعية مع العمال التابعين مثل شموله العمال المنزليين .كما طبقت قوانين العمل حتى على أوضاع التي يكلف بأدائها السجناء (25).

تطور قانون العمل في العراق:

كان العراق يطبق إحكام التشريعية الإسلامية فيما يتعلق بالمعاملات ومنها علاقة العمل التي كانت تعرف في الفقه الإسلامي بعقد (إجارة الأشخاص) وفي عام 1877 أصدرت الدولة العثمانية مجلة الإحكام العدلية التي عالجت علاقة العمل في كتاب الإجارة فنصت في المادة 421 على مايلي :-(الاجارة باعتبار المعقود عليه نوعان ،النوع الاول عقد الإجارة الوارد على المنافع الأعيان والنوع الثاني عقد الاجارة الوارد على العمل). كما نصت المادة 422 على مايلي :-الأجير على قسمين ،الأول هو الأجير الخاص الذي استؤجر على ان يعمل لمستاجر فقط كالخادم والموظف والقسم الثاني هو الأجر المشترك الذي ليس بمقيد بشرط الا يعمل لغير المتساجر كالحمال والدلال والخياط والساعاتي والصانع مثلا فان كلا من هؤلاء أجير مشترك لا يختص بشخص واحد وله ان يعمل لكل احد لكنه لو استؤجر احد هؤلاء على إن يعمل للمستأجر إلى وقت معين يكون اجير خاصا في مدة ذلك الوقت …)فالإجارة إذا وقعت على العمل وحده فالأجير مشترك وإذا وقعت على المدة والعمل فالأجير خاص(26) يتضح مما تقدم بان مجلة الإحكام العدلية تعتبر إجارة الأشياء وإجارة الأشخاص فرعين لتنظيم واحد وعقد الإجارة فهي لا تفرق بين جهد العامل والأموال المطروحة في سوق العرض والطلب وتخلط بين العامل والموظف والصانع المستقل الذي يوجد لكل منهم تنظيم خاص في القوانين الحديثة(27) وبعد استقلال العراق استمر العمل بمجلة الإحكام العدلية لغاية نفاذ القانون المدني رقم 40 لسنة1951. ان الاهتمام بعلاقات العمل وبشؤؤن العمال يرجع إلى عام 1926 عندما عرضت على الحكومة العراقية جميع الاتفاقيات التي اقرها مؤتمر العدل الدولة منذ عام 1919 إلى نهاية 1921 إلا انه لم يتخذ إي إجراء بشان تلك الاتفاقيات (28)وبعد انضمام العراق إلى عصبة الأمم عام (1931)ثم انضمامه الى منظمة العمل الدولية عام (1931) ثم انضمامه الى منظمة العمل الدولية عام (1932)اهتمت الحكومة العراقية بتنظيم علاقة العمل تنفيذا لبعض التزاماتنا الدولية بشان العمل والعمال فأصدرت قانون حصر المهن بالعراقيين رقم (21)لسنة 1936 وقانون العمال رقم 72 لسنة 1936 ، وكانت إحكام هذا القانون الأخير مختصرة وبسيطة الصياغة حيث تضمن ستة أبواب الأول في التعاريف والثاني في شروط العمل وساعاته والثالث في التعويض عن الوفاة والعاهة والمرض والرابع في تأليف النقابات والخامس في الحقوق والصلاحيات والسادس في شؤون شتى .وكان هذا القانون مليئا بالنواقض والثغرات فقيما يتعلق سريانه فقد استثنى فئات كثيرة من الشمول يأتي في مقدمتها العمال الزراعيون ويعود ذلك إلى إن الأكثرية الإقطاعية في المجلس النيابي كانت دون شمول هؤلاء الكادحين بإحكام القانون حفاظا على مصالحها(29) وفي عام 1937 صادق العراق على اتفاقية العمل الدولية رقم 18 لسنة 1952 الخاصة بتعويض العمال عن الإمراض المهنية. وفي عام 1938 صادق على اتفاقية المعدلة رقم (58) لسنة 1936 المتعلقة .بتحديد السن الأدنى لاشتغال الإحداث في إعمال السفن . وفي عام 1939 صادق على الاتفاقية المعدلة رقم 42 لسنة 1934 الخاصة بتعويض العمال عن الإمراض المهنية وفي عام 1940 صادق على الاتفاقية الخاصة بمعاملة العمال والمستخدمين الوطنيين والأجانب بالتساوي في تعويض إصابات العمل . وفي خلال الفترة الزمنية البالغة نحوا من ست سنوات على تنفيذ قانون العمال رقم 72 لسنة 1936 توسعت الاعمال الصناعية توسعا ماحوضا فزاد عدد المشاريع الصناعية الخاصة والعامة كما زاد معها عدد العمال من مختلف الاصناف وقد رافق ذلك ظهور احوال اقتصادية واجتماعية جديدة مما جعل الحكومة وارباب العمل والعمال -وذلك في اوئل الحرب العالمية تاثانية-يشعرون بضرورة توسيع مبادئ واسس قانون العمال لملاقاة بعض نواقصه ولهذا فقد عدل القانون المذكور بالقانون رقم 36 لسنة 1942 إلا إن الحرب العالمية الثانية وجهت الحركة الاقتصادية في البلاد توجيها جديدا ، فكان أنها قلصت بعض الإعمال فقد ألت الى توسيع مجالات العمل الصناعي والتجاري ،فوسعت بذلك امكانيات استخدام العمال وتدريبهم فب مهن وحرف جديدة والواقع ان سنوات الحرب تمثل عقبة انتقال بين تطور اقتصادي بطئ كان العراق يسير عليه قبل الحرب وبين المجالات جديدة تطلبها توسع إمكانيات العراق المادية التي تلت الحرب وازدياد متطلبات السكان إلى التبضع الصناعية وغيرها. انه غني عن الذكر ان العراق قد حقق توسعا كبيرا في الحقول الصناعية والزراعية والتجارية الجديدة خلال السنوات العشر التي تلت هذا التعديل فقد ازداد عدد المشاريع الصناعية اضعاف ماكان عليه قبل الحرب إذ توسع ما كان قائما منها عدد المشاريع الصناعية اضعاف ماكان عليه قبل الحرب اذ توسع ماكان قائما منها كما أنشئت صناعات جديدة ومهمة وكذلك انبسطت الإعمال التجارية انبساطا محسوما .كما ازداد استعمال الآلات والأدوات الميكانيكية في الزراعة ازديادا ملحوظا فتوسعت حركة النقل ووسائله بصورة كبيرة تناسب التوسع في الإعمال الاقتصادية الأخرى وازداد إنتاج البترول في الحقول القديمة بالإضافة إلى افتتاح حقول جديدة ذات أهمية كبيرة. لقد أدت هذه التوسعات في الإعمال الاقتصادية إلى ازدياد عدد إفراد الطبقة العاملة في العراق ازديادا كبيرا فقد انخرطت في صفوفها فئات كبيرة من السكان كانت تشتغل قبلا في الصنائع اليدوية كما انتقل عدد كبير جدا من السكان كانت تشتغل قبلا في المصانع اليدوية كما انتقل عدد كبير جدا من الفلاحين وأبناء الريف إلى المدن بغية الاستخدام في الإعمال الصناعية والعمارية .يضاف إلى هؤلاء إن وجد الكثيرون من إفراد الجيل الصاعد من أبناء المدن والريف على السواء مجالات الكسب متوفرة في العمال الصناعية والتجارية والاعمارية فانخرطوا فيها . ولهذا وفي الوقت تقدمت فيه الإعمال الصناعية والتجارية تقدما واسعا يبشر بمستقبل باهر ،لم تزل طبقة العمال من حيث شروط العمل وأحواله في مستوى منخفض دون ما تتطلبه الأحوال الاقتصادية والثقافية وما تفرضه نواميس التطور والتقدم المنتظم في المجتمعات الحديثة . ومن المعلوم إن بقاء أحوال العمل في مستوى منخفض لا يضر فقط بأحوال فئات كبيرة من السكان من حيث المعيشة والصحة والثقافة بل يؤدي حتما إلى الإضرار بحركة التصنيع التي يعتمد عليها مستقبل العراق في كافة حقول الحياة الداخلية والخارجية . ولهذه الأسباب وغيرها فقد شعرت الحكومة إن الوقت قد حان لتشريع قانون للعمال يناسب الظروف الاقتصادية والثقافية(30) لهذه الأسباب الموضحة اعلاه فقد شرعت الحكومة قانون العمل رقم (1)1958 وكان قد صدر قبل ذلك القانون المدني رقم (40)لسنة 1951 الذي الغي مجلة الإحكام العدلية وقد نظم هذا القانون عقد العمل باعتباره احد العقود المسماة وفصله عن عقد المقاولة والاستصناع . لقد تضمن قانون العمل رقم 1 لسنة 1958 أربعة عشر فصلا :

الأول :التعاريف وسريان قانون العمل والثاني في ساعات العمل والرابع في الأجور والخامس في التنظيم والسادس في التوفيق والتحكيم والسابع في التعويض عن إصابات العمل والإمراض المهنية والتسممات والثامن في الاستخدام والتاسع في إنهاء الخدمة العاشر في تفتيش العمل والحادي عشر في نقابات العمال وجمعيات أرباب العمل والثاني عشر في إحكام عامة والثالث عشر في الإحصائيات والتقارير والرابع عشر في العقوبات . بعد ثورة 14 تموز 1958 عدل قانون المذكور بالقانون رقم (82) لسنة 1958 ثم بالقانون رقم (1)لسنة 1959 ، وفي سنة 1963 صدر قانون ذيل قانون العمل رقم 53 لسنة 1963 المعدل الذي عالج موضوع إنهاء خدمة العمال و المستخدمين المنتسبين إلى النقابات . وبعد صدور قوانين التأميم في 14 تموز 1964 صدر قانون رقم (101)لسنة 1964 الذي اقر مبدأ مساهمة العمال والموظفين في إرباح الشركات والمشاريع الصناعية. كما صدر القانون رقم (102) لسنة 1964 الخاص بمشاركة العمال في المجالس إدارة الشركات الصناعية والمؤسسات والمصالح الحكومية والشركات رقم (60)لسنة 1971 . ثم صدر قانون العمل رقم 151 لسنة 1970 الذي استهدف استيعاب جميع التزامات العراق العربية والدولية في نطاق اتفاقيات العمل بالإضافة إلى شمولية لجميع فئات العمال واقر منح المكافآت التشجيعية ووضع قواعد جديدة لإنهاء الخدمة. كما أقام قضاءا مستقلا للعمل وأكد على أهمية التنظيم النقابي .

وقد تحدد سريان قانون العمل المذكور فاقتصر على عمال القطاعات : الخاص والمختلط والتعاوني بموجب قرار مجلس قيادة الثورة رقم 150 لسنة 1987 الذي قضى بتحويل عمال الدولة والقطاع الاشتراكي إلى موظفين وبذلك فقد خرجوا من نطاق سريان قانون العمل . وقد استمر سريان قانون العمل رقم 151 لسنة 1970 لحين صدور قانون العمل الجديد رقم 71 لسنة 1987 ونفاذه بتاريخ 17 أب 1987 حيث يهدف هذا القانون إلى توظيف العمل في خدمة عملية بناء الاقتصاد الوطني من اجل الرفاهية وتحسين ظروف الحياء (31) بالإضافة إلى مبادئ أساسية أخرى هي :

1-ضمان حق العمل:

يضمن قانون حق العمل لكل مواطن قادر عليه بشروط وفرص متكافئة بين المواطنين جميعا دون تمييز بسبب الجنس والعرق أو اللغة أو الدين ويترتب على ذلك إتاحة الفرصة لكل مواطن في التدريب على النشاط المهني في الحدود التي ترسمها الدولة لحجم ونوع العمل في كل قطاع مهني (32). يعتبرالعمل واجبا قدسا يمليه الشرف وستلزمه ضرورة المشاكل في بناء المجتمع وتطويره(33).

2-الأجر:

يكفل القانون للعامل إن يحصل على اجر يكفي لسد حاجاته الأساسية ويمكنه من إعالة أسرته ويتيح له الفرصة للتمتع بثمار ما يتحقق من تقدم اقتصادي وتأسيسا على ذلك يرعى في تقدي الأجر ما يلي :

أولا: نوع العمل الذي يؤدي العامل وكميته على نحو يحقق ربط الأجر بالإنتاج .

ثانيا : المساواة في الأجر بالنسبة للعمل المتساوي في النوع والكم الذي يؤدي في ظروف متماثلة .

ثالثا :حماية الأجر على نحو يكفل عدم انقطاع إي جزء منه إلا إذا اقر القانون ذلك

على ان يحتفظ العامل دائما بجزء من الأجر يمكنه وأسرته من العيش في مستوى مقبول وفقا لما يقرره هذا القانون (34)

3- أساس علاقات العمل :

تقوم علاقات العمل على أساس التضامن الاجتماعي بين إطرافها بكل مايقتضيه ذلك من تعاون متبادل ومشاركة في المسؤولية (35) .

4- التنظيم النقابي:

يعتبر القانون التنظيم النقابي طرفا فعالا في تنظيم علاقات العمل وحماية حقوق العمال وتنمية شخصيتهم ومواهبهم (36).

5- العامل العربي:

يعامل العامل العربي الذي يعمل في العراق معاملة العامل العراقي في الحقوق والواجبات المقررة في هذا القانون (37). لقد اقر القانون العراقي حرية التنقل والإقامة للعامل الوافد لا من إي قطر عربي وتعزز المبدأ بإجراءات عملية لتنفيذه يتجاوز موضوع المساواة في الحقوق بين العمال العرب والعراقيين إلى إقرار حرية العمل دون اشتراط الحصول على إجازة العمل وامتد التطبيق إلى حق العامل العربي في ضم خدمته في بلده الأصلي إلى خدمته في العراق للأغراض التقاعد بالإضافة إلى التمتع بالمزايا المقررة في قانون التقاعد والضمان الاجتماعي . إما بالنسبة لموقف القوانين العربية من هذا المبدأ فقد تفاوتت في التطبيق حيث إن بعضها تمنح الأولوية في الدخول والإقامة للعامل العربي على العامل الأجنبي مع تطبيق نفس إجراءات الترخيص بالعمل والإقامة ومن هذه القوانين قوانين أقطار الخليج العربي والأردن ومصر إلا إن هذه القوانين تتفاوت فيما بينها من حيث إجراءات الإقامة (فهناك من يربط الإقامة بترخيص العمل (أقطار الخليج العربي) وهناك من يربطها بالقدرة على الإنفاق خلال مدة الإقامة (مصر)وهناك من يطلق حرية الدخول والإقامة مع أعلام الجهات المسؤولة عن الإقامة وبشرط المعاملة بالمثل فيما يتعلق بسمات الدخول (مثل الجزائر وتونس)(38)

______________

1- د. أنضر برن وكالان ، قانون العمل ، باريس سنة 1958، ص 2 .

2- الدكتور جلال القريشي ، شرح قانون العمل ،بغداد1972 ، ص 13 .

3- د. محمود جمال الدين زكي ، عقد العمل في القانون المصري ، الطبعة الأولى سنة 1956، القاهرة ، ص 5 .

4- نفس المرجع السابق .

5- الدكتور حسن كيره ، أصول قانون العمل ، الجزء الأول ، عقد العمل ،الطبعة الثانية ،سنة 1969 ص 26 .

6- الدكتور صادق السعيد ، اقتصاد وتشريع العمل ، الطبعة الثانية 1969 بغداد ،ص 35 .

7- الدكتور . حسن كيره ، المرجع السابق ، ص 25 .

8- د. محمود جمال الدين زكي ، المرجع السابق ، ص 6 .

9- علي العريف ، شرح قانون العمل ، الجزء الأول ، طبعة 1963 ، القاهرة ص 22 ــ 25 .

10- الدكتور جلال القريشي ، المرجع السابق ، ص 14 .

11- د. برن وكالان و المرجع السابق ، ص 25 .

12- الدكتور شاب توما منصور ، شرح وقانون العمل ، الطبعة السادسة بغداد سنة 1977،ص25

13- د عبد الودود يحيى ، شرح قانون العمل ، الطبعة الأولى ، القاهرة سنة 1964،ص15

14- فؤاد دهمان ، التشريعات الاجتماعية ــ قانون العمل ــ دمشق سنة 1965،52

15- حسن كيره ،المرجع السابق ،ص32-33

16- فؤاد دهمان ،المرجع السابق ص 60

17- حسن كيره، المرجع السابق،ص35.

18- علي العريف ، شرح قانون العمل ، الجزء الأول ، طبعة 1963 ، القاهرة ،ص30.

19- الدكتور عزيز ابراهيم ،شرح قانون العمل الجديد، الجزء الاول ،تنظيم علاقات العمل الفردية،بغداد سنة 1976،ص11.

20- فؤاد دهمان ،المرجع السابق،ص60.

21- حسن كيره، المرجع السابق ص35

22- فؤاد دهمان ،نفس المرجع السابق

23- محمود جمال الدين زكي ،المرجع السابق ،ص10 ،الدكتور شاب توما منصور ، المرجع السابق ،ص30.

24- فؤاد دهمان، المرجع السابق، ص 61.

25- د. جلال القريشي المرجع السابق ص17-18.

26- منير القاضي ، شرح المجلة ،الجزء الأول الطبعة 1947 بغداد ص 344.

27- الدكتور جلال القريشي ،المرجع السابق ص 26.

28- كامل السامرائي، قوانين العمل والعمال والضمان الاجتماعي سنة 1968-1968 بغدادص7.

29- صادق قدير الخباز، نصف قرن من تاريخ الحركة النقابية في العراق بغداد بلا تاريخ ص 47.

30- من السباب الموجة لقانون العمل رقم لسنة 1958

31- م1من القانون

32- م2 من القانون

33- م3 من القانون

34- م4 من القانون .

35- م5 من القانون .

36- م6 من القانون .

37- م7 من القانون

38- د. محمد فاروق الباشا : القوانين الاجتماعية ـ قانون العمل ، دمشق سنة 1980، ص 132-133

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .