حجية اشهاد الوفاة والوراثة في أحكام القانون والقضاء المصري

الطعن 35 لسنة 34 ق جلسة 15 / 11 / 1967 مكتب فني 18 ج 4 ق 255 ص 1688 جلسة 15 من نوفمبر سنة 1967

برياسة السيد/ المستشار حسين صفوت السركى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، ومحمد شبل عبد المقصود، وحسن أبو الفتوح الشربيني.
————-
(255)
الطعن رقم 35 لسنة 34 ق “أحوال شخصية”

(أ ) أحوال شخصية. “دعوى الأحوال الشخصية”. حكم. “بيانات الحكم”. بطلان. نقض. “أسباب الطعن”. “ما لا يصلح سببا للنقض”.
خلو الحكم الابتدائي من ذكر رأى النيابة واسم العضو الذى أبداه. إيراد الحكم المطعون فيه هذا الرأي واسم عضو النيابة الذى أبداه وإقامته قضاءه على أسباب مستقلة كافية لحمله. النعي على الحكم الابتدائي. غير منتج.
(ب، ج) إثبات. “طرق الإثبات”. “البينة”. “الشهادة”. نسب. “الشهادة في النسب”.
(ب) الشهادة في النسب. شروطها. فقه الحنفية.
(ج) الشهادة بالتسامع. أحوالها. شروطها.
(د) محكمة الموضوع. “سلطتها في تحقيق الدعوى”. إثبات.
لفت نظر الشاهد لاستكمال شروط تحمل الشهادة. ليس من شأن القاضي.
(هـ) إثبات. “طرق الإثبات”. “البينة”. “الشهادة”.
الشهادة على الشهادة. ضوابطها وشروطها.
(و) أحوال شخصية. “إرث”. “تحقيق الوفاة والوراثة”. “حجيته”.
إشهاد الوفاة والوراثة. حجيته. دفعها بحكم من المحكمة المختصة في دعوى أصلية أو في دفع أبدى في دعوى يراد الاحتجاج فيها بالإعلام الشرعي. شرطه.

—————-
1 – متى كان الحكم الابتدائي قد خلا من ذكر رأى النيابة واسم العضو الذى أبداه في المرحلة اللاحقة على الإحالة إلى التحقيق وكان الحكم المطعون فيه قد أورد هذا الرأي واسم عضو النيابة الذى أبداه وأقام قضاءه على أسباب مستقلة تكفى لحمله، فإن النعي – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – يكون غير منتج إذ ليس من شأنه أن يحقق سوى مصلحة نظرية صرفة لا يعتد بها بعد أن حقق الحكم المطعون فيه على هذه الصورة غرض الشارع [(1)].
2 – اشترط فقهاء الحنفية لقبول الشهادة – في النسب وفى غيره – شروطا منها أن يكون الشاهد عدلا وأن يتدارك ما وقع في شهادته من خطأ قبل أن يبرح مجلس القاضي فإن هو غادر المجلس ثم عاد إليه وقال “أوهمت بعض شهادتي” أي أخطأت بنسيان ما كان يحق على ذكره أو بزيادة باطلة لا تقبل شهادته لتمكن تهمة استغوائه من المدعى أو المدعى عليه.
3 – الأصل في الشهادة أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه بالعين أو بالسماع بنفسه واستثنى فقهاء الحنفية من ذلك مسائل منها ما هو بإجماع كالنسب ومنها ما هو على الصحيح أو على أرجح الأقوال أو على أحد قولين مصححين أو على قول مرجوح أجازوا فيها الشهادة بالتسامع من الناس استحسانا وإن لم يعاينها بنفسه وهم مع ذلك لم يجوزوا للشاهد أن يشهد بالتسامع إلا إذا كان ما يشهد به أمرا متواترا سمعه من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب واشتهر واستفاض وتواترت الأخبار عنده ووقع في قلبه صدقها لأن الثابت بالتواتر والمحسوس سواء أو يخبر به – وبدون استشهاد – رجلان عدلان أو رجل وامرأتان عدول فيصبح له نوع من العلم الميسر في حق المشهد به [(2)].
4 – ليس من شأن القاضي أن يلفت نظر الشاهد لاستكمال شروط تحمل الشهادة.
5 – للشهادة على الشهادة في فقه الشريعة الإسلامية ضوابط وشروط منها أن يشهد على شهادة كل أصل رجلان أو رجل وامرأتان، ولو كان أحد شهود الأصل امرأة فلو شهد على شهادة كل أصل شاهد واحد أو رجل وامرأة أو امرأتان لم تقبل هذه الشهادة لأن الفروع إنما تشهد أمام القاضي على شهادة الأصول وتعتبر شهادة كل أصل حق يراد إثباته أمام القاضي ولا يثبت الحق أمامه بدون نصاب كامل.
6 – حجية الأعلام الشرعي – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – تدفع بحكم من المحكمة المختصة [(3)] وهذا الحكم كما يكون في دعوى أصلية يصح أن يكون في دفع أبدى في الدعوى التي يراد الاحتجاج فيها بالإعلام الشرعي متى كانت الهيئة التي فصلت في الدفع مختصة أصلا بالحكم فيه وقضاؤها هذا لا يعتبر إهدارا لحجية الإعلام لا تملكه المحكمة بل هو قضاء من محكمة مختصة يخالف ما ورد في الإعلام وهذا القضاء أجازه المشرع وحد به من حجية الإعلام بتحقيق الوفاة والوراثة الذى يصدر بناء على إجراءات تقوم في جوهرها على تحقيقات إدارية يصح أن ينقضها بحث تقوم به الجهة القضائية المختصة.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن موريس روفائيل رزق أقام الدعوى رقم 167 لسنة 1956 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد الدكتور ميشيل روفائيل وآخرين يطلب الحكم بإثبات وفاة المرحوم كامل شحاته حسب الله واستحقاقه لحصة مقدارها 6 قراريط من 24 قيراطا في تركته وتسليمها مع إلزام المدعى عليهم من السابع إلى العاشر بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال شرحا لدعواه إنه بتاريخ 24/ 3/ 1954 توفى المرحوم كامل شحاته حسب الله وانحصر ميراثه في ولدى شقيقته رومه وهما المدعى والدكتور ميشيل روفائيل رزق وفى أولاد شقيقته عديلة وهم ميشيل ولنده وبرتا ونبيهة ولويزه جورج وأنه يستحق في تركه المورث 6 قراريط من 24 قيراطا تنقسم إليها أعيان التركة، وإذ نازعه كل من رزق الله مرقص حسب الله وحسب الله مرقص حسب الله وميخائيل منصور لطف الله وكامل سلامة شحاته المدعى عليهم من السابع إلى العاشر في استحقاقه لهذه الحصة زاعمين أنهم أبناء أبناء عم المتوفى أو أنهم أبناء أبناء عم أب المتوفى في حين أنهم لا يمتون إليه بصلة فقد انتهى إلى طلب الحكم له بطلباته وبجلسة 8/ 12/ 1957 وجه المدعى عليهم من السابع إلى العاشر إلى المدعى وباقي المدعى عليهم دعوى فرعية طالبين الحكم بوفاة كامل شحاته وانحصار ارثه فيهم باعتبارهم من عصبته وبتاريخ 30/ 11/ 1958 حكمت المحكمة حضوريا وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى عليهم من السابع إلى العاشر بكافة طرق الإثبات القانونية بما في ذلك البينة (أولا) وفاة كامل شحاته وأنه ابن حسب الله إبراهيم لطف الله وأن جده إبراهيم لطف الله جد صحيح وفى الوقت نفسه جد صحيح لهم (ثانيا) أن كامل بن سلامه بن شحاته ابن عطية بن إبراهيم بن لطف الله الجد الثاني للمتوفى كامل شحاته حسب الله (ثالثا) أن رزق الله بن مرقص بن حسب الله بن عطية بن إبراهيم ابن لطف الله الجد الثاني للمتوفى كامل شحاته حسب الله (رابعا) أن حسب الله ابن مرقص بن حسب الله بن عطية بن إبراهيم بن لطف الله الجد الثاني للمتوفى المذكور (خامسا) أن ميخائيل بن منصور بن لطف الله بن عطية بن إبراهيم بن لطف الله الجد الثاني للمتوفى نفسه (سادسا) أنه ليس للمتوفى المذكور عصبه ولا أصحاب فروض سواهم وأنه لم يترك فرعا وارثا ولا من يستحق الوصية الواجبة ولمن يهمه الأمر من باقي الخصوم نفى ذلك بذات الطرق وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين عادت وبتاريخ 27/ 1/ 1962 فحكمت حضوريا (أولا) وفى الدعوى الأصلية بثبوت وفاة المرحوم كامل شحاته حسب الله لطف الله وأن المدعى من ورثته ويستحق في التركة ستة قراريط من أربعة وعشرين قيراطا تنقسم إليها أعيان التركة وتسليمه هذا النصيب عينا من التركة باعتباره أحد ولدى أخت المورث الشقيقة المرحومة رومه شحاته حسب الله وذلك في مواجهة المدعى عليه الأخير وألزمت المدعى عليهم من السابع إلى العاشر “كامل سلامة ورزق الله مرقص وحسب الله مرقص حسب الله وميخائيل منصور لطف الله” بالمصروفات المناسبة لما حكم به ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة (ثانيا) وفى الدعوى الفرعية المقامة من كامل سلامة ورزق الله مرقص وحسب الله مرقص وميخائيل منصور برفضها وألزمتهم مصروفاتها واستأنف رزق الله مرقص حسب الله وحسب الله مرقص حسب الله وميخائيل منصور لطف الله وكامل سلامة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه والحكم أصليا ببطلانه لعدم اشتماله على رأى النيابة واسم ممثلها الذى أبدى الرأي في القضية ومن باب الاحتياط رفض الدعوى الأصلية والحكم لهم بطلباتهم في الدعوى الفرعية مع إلزام المستأنف عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقيد هذا الاستئناف برقم 44 سنة 79 قضائية. كما استأنفه ورثة عديله شحاته حسب الله استئنافا فرعيا طالبين تعديله وجعل نصيب المدعى موريس روفائيل رزق خمسة قراريط بدلا من ستة قراريط وقيد هذا الاستئناف برقم 115 سنة 79 ق وبتاريخ 30/ 3/ 1963 حكمت المحكمة حضوريا برفض الدفع ببطلان الحكم المستأنف وبصحته وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنفون أن ميراث المتوفى كامل شحاته حسب الله إبراهيم لطف الله قد انحصر فيهم بصفتهم عصبة ولينف المستأنف عليهم عدا الثامن والتاسع ذلك بذات الطرق وليثبت المستأنف عليه الأول أنه من ورثة المتوفى المذكور بوصفه من ذوى الأرحام (ابن أخت المتوفى الشقيقة) ولينف المستأنفون ذلك على أن يكون الإثبات والنفي بطرق الإثبات كافة بما فيها البينة الشرعية، وبعد سماع شهود الطرفين عادت وبتاريخ 29/ 6/ 1964 فحكمت حضوريا (أولا) بعدم قبول الاستئناف الفرعي رقم 115 سنة 79 قضائية وإلزام رافعيه بمصاريفه (ثانيا) قبول الاستئناف رقم 44 سنة 79 قضائية شكلا وفى موضوعه بتعديل الحكم المستأنف بجعل نصيب المستأنف عليه الأول موريس روفائيل رزق في تركة المتوفى 4 و4/ 5 قيراطا من 24 قيراطا تنقسم إليها التركة بدلا من ستة قراريط من أربعة وعشرين قيراطا المحكوم بها ابتدائيا وطعن الطاعنون في هذين الحكمين بطريق النقض للأسباب المبينة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنون على طلب نقض الحكمين وطلب المطعون عليه الأول رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الطاعنين دفعوا ببطلان الحكم الابتدائي لعدم اشتماله على رأى النيابة وبيانه واسم العضو الذى أبداه وقضى حكم 30/ 3/ 1963 برفض هذا الدفع مستندا في ذلك إلى أن مذكرة النيابة المؤرخة 24/ 4/ 1961 بتوقيع ممثلها الأستاذ بكر القبانى انتهت إلى تفويض الرأي للمحكمة في الإثبات المقدم وهى بهذا التفويض تكون قد سكتت عن إبداء الرأي وتركت تقدير الأدلة للمحكمة وهو أمر مقرر لها ولا تثريب عليها إن هي أغفلت ذكر ذلك، وليس ثمة ما يوجب أن تدلى النيابة برأيها في كل جزئية من جزئيات النزاع ويكفى تدخلها في الدعوى وإبداء رأيها فيها على نحو ما، وقد أثبت الحكم أنها قدمت مذكرة طلبت فيها إحالة التحقيق وذكر اسم عضو النيابة الذى قدمها فتحقق بذلك تدخلها وفقا لما أوجبته المادة 99 مرافعات والمادتان 1، 2 من القانون رقم 628 لسنة 1955 كما تحقق بذكر اسم عضو النيابة ما اشترطته المادة 349 مرافعات، وهذا من الحكم خطأ ومخالفة للقانون لأن المقصود بعضو النيابة الذى أبدى الرأي في القضية هو من أبدى آخر رأى فيها وفى آخر مراحلها وهى المرحلة اللاحقة على الإحالة إلى التحقيق وقد خلا الحكم الابتدائي من ذكر اسم هذا العضو ولا يهون من ذلك أن يكون قد فوض الرأي للمحكمة لأن تفويض الرأي هو رأى وإذا لم يعتبر كذلك فإن هذا أدعى لبطلان الحكم طبقا للمادة 99 من قانون المرافعات والمادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 وهذا الخطأ من حكم 30/ 3/ 1963 تسرب إلى حكم 29/ 6/ 1964 حيث تقيدت به المحكمة عند الحكم في الموضوع.
وحيث إن هذا السبب مردود ذلك أن الحكم الابتدائي وإن خلا من ذكر رأى النيابة واسم العضو الذى أبداه في المرحلة اللاحقة على الإحالة إلى التحقيق إلا أن الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 29/ 6/ 1964 قد أورد هذا الرأي واسم عضو النيابة الذى أبداه وأقام قضاءه على أسباب مستقلة تكفى لحمله ومن ثم – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يكون النعي في هذا الخصوص غير منتج إذ ليس من شأنه أن يحقق سوى مصلحة نظرية صرفة لا يعتد بها بعد أن حقق الحكم المطعون فيه على هذه الصورة غرض الشارع ويتعين لذلك رفض هذا السبب.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه استبعد شهادة فؤاد جرجس غبريال مستندا في ذلك إلى أن هذا الشاهد بعد أن تليت عليه أقواله في التحقيق الذى أجرته محكمة أول درجة طلب تصحيح ما ورد بها من أن “حسب الله” له ولد اسمه “منصور” إلى أن “حسب الله هو ابن عطية ابن إبراهيم لطف الله وشقيق لطف الله وشحاته ولدى عطيه” أما “منصور” فهو ابن “لطف الله” وإذ كان ليس من حق الشاهد بعد أن غادر مجلس القضاء واختلط بالناس أن يصحح شهادته لما في ذلك من شبهة التلقين فإنه يتعين إهدار شهادته، وهذا من الحكم خطأ ومخالفة للقانون إذ أن ما جرى من هذا الشاهد لا يعتبر تصحيحا وإنما أفصح عن رغبته في تصحيح ما ثبت على لسانه في محضر الجلسة من أن “حسب الله” له ولد يدعى “منصور” في حين أنه قرر أن “منصور بن لطف الله” وهو خطأ مادى جرى به قلم كاتب الجلسة وبذلك تكون شبهة القلق أو التردد في شهادته مستبعدة. والواقعة التي أراد تصحيحها لا تأثير لها على موضوع الدعوى ولا على مضمون شهادته بحيث تهدر بتمامها وليس في أحكام الشريعة ما يوجب إهدار شهادة الشاهد إذا ما أبدى للقاضي رغبته في تصحيح شهادته أو تصحيح جزئية من جزئياتها لأن التصحيح ليس رجوعا عن الشهادة أو إنكارا لها، وقد ترتب على إهدار شهادة هذا الشاهد عدم توافر نصاب الشهادة بينما هو لا يستند إلى أساس قانوني.
وحيث إن هذا السبب في غير محله ذلك أن فقهاء الحنفية اشترطوا لقبول الشهادة – في النسب وفى غيره – شروطا منها أن يكون الشاهد عدلا وأن يتدارك ما وقع في شهادته من خطأ قبل أن يبرح مجلس القاضي فإن هو غادر المجلس ثم عاد إليه وقال “أوهمت بعض شهادتي” أي أخطأت بنسيان ما كان يحق على ذكره أو بزيادة باطلة لا تقبل شهادته لتمكن تهمة استغوائه من المدعى عليه، إذ كان ذلك، وكان الثابت في الدعوى أن الشاهد فؤاد جرجس غبريال بعد أن أبدى شهادته أمام محكمة أول درجة عاد أمام محكمة الاستئناف فطلب سماع شهادته ولما تليت عليه قرر أن ما ورد بها من أن “حسب الله” له ولد اسمه “منصور” غير صحيح وصحته أن “حسب الله بن عطيه بن إبراهيم لطف الله شقيق للطف الله وشحاته أولاد عطية” أما “منصور فهو ابن لطف الله” الذى رزق “بمنصور وجرجس” وجرى الحكم المطعون فيه على أنه “لما كان ليس من حق الشاهد شرعا بعد أن غادر مجلس القضاء واختلط بالناس أن يصحح شهادته لما في ذلك من شبهة التلقين الأمر الذى يدعو لإهدار شهادة هذا الشاهد” فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه، والقول بأن ما أخطأ فيه الشاهد لا تأثير له مردود بأن هذا الخطأ يتعلق بنسب المورث وهو جوهر النزاع في الدعوى أما القول بأن الخطأ وقع من كاتب الجلسة لا من الشاهد فينطوي على واقع لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع ولا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه قال في استبعاد شهادة فوزى جرجس تادرس أن الدعوى لا تثبت بشهادة هذا الشاهد وحده – على ما في قبول شهادته من خلاف في الفقه الإسلامي لأنه أعمى – وهذا من الحكم خطأ وقصور إذ كان يتعين عليه أن يقطع في هذه المسألة برأي وأن يبين ما إذا كان يعتمد هذه الشهادة لو اجتمعت معها شهادة أخرى أو لا يعتمدها، ومن المقرر أن شهادة الأعمى جائزة متى كان الأمر المشهود عليه ثابتا بالاستفاضة لأن طريق العلم به هو السماع والأعمى كالبصير في السماع كذلك تجوز شهادة الأعمى إذا حل علمه بها وهو بصير إذ البصر شرط في معاينة الواقعة لا في الأداء، كما سكت الحكم عن بيان ما إذا كان ضعف البصر الشديد يصدق عليه وصف العمى لأن الشاهد ذكر أنه يستطيع أن يرى الضوء.
وحيث إن هذا السبب في غير محله ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه بعد أن ناقش شهادة الشهود نجيب إسكندر وسامى أخنوخ فانوس وفؤاد جرجس غبريال والقمص تادرس ميتياس ورأى عدم قبولها واستبعد شهادة الشاهد الأخير فوزى جرجس تادرس مستندا في ذلك إلى أنه “لم يبق من شهود المستأنفين أمام هذه المحكمة وأمام محكمة أول درجة إلا شاهدا واحدا لا تثبت به الدعوى – على ما في قبول شهادته من خلاف في الفقه الإسلامي لأنه أعمى عند أداء الشهادة” وهذا الذى استند إليه الحكم لا يشوبه خطأ أو قصور ذلك أنه بعد استبعاد أقوال شهود الإثبات الأربعة الأول لا يكون هناك جدوى من بيان وجه الرأى في شهادة الشاهد الأخير لأنه لا يتوافر بها النصاب القانوني للشهادة.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه اعتبر شهادة القمص تادرس ميتياس غير صحيحة شرعا استنادا إلى أن هذا الشاهد قد ذكر أنه عرف نسب المورث من والده وهذا من الحكم خطأ وقصور في تمحيص الدعوى إذ كان يجدر بالمحكمة أن تسأل الشاهد عما إذا كان قد سمع نفس الرواية من غير والده حتى تطمئن إلى أنه لم يستقيها من مصدر واحد، على أنه بفرض أن هذا الشاهد علم بما شهد به من والده وحده فكان يتعين اعتبار أقواله من قبيل الشهادة على الشهادة وهو ما يقبل استحسانا لوفاة الشاهد الأصلي الذى لو كان حيا لجاء وشهد وما دام أن المقصود قد تحقق وهو نقل الواقعة إلى مجلس القضاء فلا وجه للقول بأن الشهادة غير المباشرة لا تقبل لأن في ذلك من العنت والمشقة ما يأباه المنطق الصحيح وبالإضافة إلى ذلك فإن الدعوى مرددة بين مسيحيين مما دعا للتجاوز عن شرط إسلام الشهود وهو من الشروط الأساسية في الشهادة فكان يتعين عدم التشدد في الشروط الأخرى التي تقل عنها في الأهمية.
وحيث إن هذا السبب في غير محله ذلك أن الأصل في الشهادة أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه بالعين أو بالسماع بنفسه واستثنى فقهاء الحنفية من ذلك مسائل منها ما هو بإجماع كالنسب ومنها ما هو على الصحيح أو على أرجح الأقوال أو على أحد قولين مصححين أو على قول مرجوح أجازوا فيها الشهادة بالتسامع مع الناس استحسانا وإن لم يعاينها بنفسه وهم مع ذلك لم يجوزوا للشاهد أن يشهد بالتسامع إلا إذا كان ما يشهد به أمرا متواترا سمعه من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب واشتهر واستفاض وتواترت به الأخبار عنده ووقع في قلبه صدقها لان الثابت بالتواتر والمحسوس سواء أو يخبر به – وبدون استشهاد – رجلان عدلان أو رجل وامرأتان عدول فيحصل له نوع من العلم الميسر في حق المشهد به، إذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يقبل شهادة القمص تادرس ميتياس استنادا إلى أن هذه الشهادة “غير صحيحة شرعا حيث قرر للمحكمة أنه عرف نسب المورث من والده” وهو ما لا يتوافر به التواتر فإنه لا يكون قد أخطأ أو شابه قصور ولا على المحكمة إن هى لم تسأل الشاهد عما إذا كان قد علم بنسب المورث من غير والده إذ ليس من شأن القاضي أن يلفت نظر الشاهد لاستكمال شروط تحمل الشهادة ولا وجه للقول باعتبار أقوال الشاهد من قبيل الشهادة على شهادة والده المتوفى ذلك أن للشهادة على الشهادة في فقه الشريعة الإسلامية ضوابط وشروط منها أن يشهد على شهادة كل أصل رجلان أو رجل وامرأتان ولو كان أحد شهود الأصل امرأة فلو شهد على شهادة كل أصل شاهد واحد أو رجل وامرأة أو امرأتان لم تقبل هذه الشهادة لأن الفروع إنما تشهد أمام القاضي على شهادة الأصول وتعتبر شهادة كل أصل حق يراد إثباته أمام القاضي ولا يثبت الحق أمامه بدون نصاب كامل.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن الحكم المطعون فيه أهدر حجية الإعلام الشرعي الصادر للطاعنين من المجلس الملي والمثبت لوراثتهم للمرحوم كامل شحاته حسب الله استنادا إلى القول بأن هذا الإعلام لا يغنى شيئا في هذه الخصومة التي يراد بها إدخال بعض الورثة وإخراج آخرين وهو تعليل مشوب بالخطأ والقصور إذ أن المجلس الملي هو الذى كان مختصا دون غيره بإثبات الوراثة لتراضى الخصوم في الدعوى على الاحتكام إليه كما قبل المطعون عليهم اختصاصه إذ التجأوا في بادئ الأمر إلى المجلس الملي الفرعي بالقاهرة لاستصدار إعلام شرعي وقد صدق مجلس الدولة على قرار المجلس الملي مما يؤكد صدوره من جهة ذات ولاية وتضمن هذا القرار أن الطاعنين هم عصبة المتوفى ولنفي هذه الحجية يتعين إثبات عدم وجود عصبة آخرين للمورث وبغير ذلك لا تجوز المجادلة فيه.
وحيث إن هذا السبب في غير محله ذلك أن حجية الإعلام الشرعي – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تدفع بحكم من المحكمة المختصة وهذا الحكم كما يكون في دعوى أصلية يصح أن يكون في دفع أبدى في الدعوى التي يراد الاحتجاج فيها بالإعلام الشرعي متى كانت الهيئة التي فصلت في الدفع مختصة أصلا بالحكم فيه وقضاؤها هذا لا يعتبر إهدارا لحجية الإعلام لا تملكه المحكمة بل هو قضاء من محكمة مختصة يخالف ما ورد في الإعلام وهذا القضاء أجازه المشرع وحد به من حجية الإعلام بتحقيق الوفاة والوراثة الذى يصدر بناء على إجراءات تقوم في جوهرها على تحقيقات إدارية يصح أن ينقضها بحث تقوم به الجهة القضائية المختصة، وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن ناقش أدلة الطاعنين في إثبات الوراثة ورأى عدم صلاحيتها ذكر “أنه ليس في الأوراق التي قدمها المستأنفون لإثبات دعواهم ما يجدى في إثبات أي واقعة من وقائع دعواهم أو يركن إليها اللهم إلا إعلام الوراثة الصادر لهم من المجلس الملي في شأن هذه الوراثة وهو لا يغنى شيئا في هذه الخصومة التي يراد بها إدخال بعض الورثة وإخراج آخرين” فإنه لا يكون مشوبا بالخطأ أو القصور.
وحيث إن حاصل السبب السادس أن الحكم المطعون فيه قضى بتعديل الحكم الابتدائي بالنسبة لنصيب المطعون عليه الأول في حين أن هذا التعديل كان مطلوبا في الاستئناف الفرعي المحكوم بعدم قبوله ولم يطلبه الطاعنون في استئنافهم الأصلي وهو ما يعيبه بالخطأ ومخالفة القانون.
وحيث إن هذا السبب مردود بأنه وقد ثبت عدم أحقية الطاعنين في وراثة المورث فلا صفة لهم في المجادلة فيما قضى به لأحد الورثة.

[(1)] نقض 14/ 5/ 1966 – الطعن رقم 33 لسنة 29 ق “أحوال شخصية”. السنة 17 ص 977.
[(2)] نقض 4/ 1/ 1967 – الطعن رقم 13 لسنة 33 ق “أحوال شخصية”. السنة 18 ص 54.
[(3)] نقض 29/ 6/ 1966 – الطعن رقم 32 لسنة 32 ق “أحوال شخصية”. السنة 17 ص 1480.
ونقض 11/ 5/ 1966 – الطعن رقم 2 لسنة 35 ق “أحوال شخصية”. السنة 17 ص 1083.
ونقض 11/ 3/ 1964 – الطعن رقم 45 لسنة 31 ق “أحوال شخصية”. السنة 15 ص 340.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .