القذف و السب عبر موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك”

القاضي إياد محسن ضمد
اتجهت اغلب التشريعات لتوفير الحماية القانونية لسمعة وشرف الإنسان واعتباره الاجتماعي من خلال النص على تجريم فعل القذف والسب في قوانينها العقابية لإيجاد حالة من الردع القانوني لمن يفكر في ارتكاب مثل هذه الجرائم ايا كانت وسيلة ارتكابها سواء من خلال الصحف او البرامج التلفزيونية او من خلال شبكة الانترنت ومواقع تواصلها الاجتماعية كالفيس بوك.

والقذف كما عرفته المادة 433 من قانون العقوبات العراقي هو إسناد واقعة معينة الى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت ان توجب عقاب من أسندت اليه او احتقاره عند أهل وطنه اما السب فقد عرفته المادة 434 من ذات القانون بأنه رمي الغير بما يخدش شرفه او اعتباره او يجرح شعوره وان لم يتضمن ذلك اسناد واقعة معينة.

وبسبب انتقال المجتمعات من العوالم الواقعية إلى العوالم الرقمية فقد ازدادت جرائم القذف والسب وازدادت تبعا لذلك أفعال المساس بشرف الأفراد وسمعتهم واعتبارهم الشخصي ووسائل التواصل الاجتماعي هي الوسائل التقنيـة الحديثة التي يستخدمها الأشخاص فيما بينهم لتحقيق التواصل الاجتماعي المشاع عبر شبكة الانترنت كالفيس بوك وتويتر، وقد كثرت هذه الوسائل حتى أنه أصبح من العسير حصرها.

ويعتبر موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك في الوقت الحاضر من أهم برامج التواصل الاجتماعي بين الافراد ورغم ما يوفره هذا البرنامج للافراد من تبادل المعلومات والاخبار ويتيحه من إبداء الاراء ونشر الأفكار بخصوص مختلف مجالات الحياة لكنه كثيرا ما يستخدم من قبل بعض المستخدمين في سلوكيات سلبية تمثل إساءة للآخرين وقد ترتكب من خلاله جرائم القذف والسب باستخدام بعض الألفاظ والمفردات والصور الخارجة عن الذوق العام والأخلاق حيث يقوم بعض المستخدمين بالمساس بسمعة وشرف واعتبار أشخاص آخرين من خلال منشوراتهم وتعليقاتهم ويعرف الشرف بانه مجموعة من الصفات الأدبية مثل الفضيلة و الشجاعة و الأمانة و الآداب والإخلاص التي تحدد مدى تقدير الفرد في البيئة التي يعيش فيها , أما الاعتبار فيتضمن غير ذلك من الصفات العقلية والمعنوية , ويستوي ان يكون قذف الغير او سبه من تعبير وانشاء مرتكب الفعل او هو نقل لعبارات وجمل وأوصاف تشتمل على معان وعبارات مسيئة ومشينة كذلك لا فرق فيما اذا كان الاسناد بعبارات صريحة او ضمنية كالاستعارة او التورية والمعيار في كل ذلك هو ان تؤدي العبارات او الاشارات او الرسوم الى تشكيل صورة ذهنية سيئة لدى الاشخاص المتلقين عن الشخص الذي استهدفه فعل القذف او السب ما يدفعهم لاحتقاره وازدرائه اجتماعيا كاتهام فتاة من خلال منشور بانها فاقدة للعذرية او تركيب صورها على مقاطع مخلة بالحياء, ونظراً للطابع الخاص الذي تتميز به الجرائم المرتكبة عبر الفيس بوك، فإن إثباتها يحيط به الكثير من العقبات التي تتمثل في صعوبة اكتشافها لأنها لا تترك أثراً خارجيا فلا توجد اثار مادية ظاهرة كالتي تتركها جرائم القتل والايذاء الجسدي وتختلف طريقة المساس بالسمعة والشرف عبر الفيس بوك فقد تتم عبر حساب واضح باسم وصورة تدل على شخص معروف ويستخدم الحساب بصورة صريحة وهنا يمكن الاستدلال على صاحب الحساب وادانته وفقا للأدلة المتوافرة بإثبات عائدية الصفحة له لكن الجريمة قد ترتكب بصفحة وهمية وباسم مستعار لا يدل على شخص معروف وفي هذه الحالة فان الإثبات سوف تعتريه الكثير من الصعوبات حتى في حالة إحالة الموضوع الى خبراء في الجرائم الالكترونية لصعوبة تعقب الحساب واثبات عائدية الحساب للمشكو منه ما يؤدي إلى إفلات مرتكب الفعل من العقاب.

في فرنسا ترجع حماية شرف واعتبار الشخص لقانون الصحافة الفرنسي الصادر في 29 جويلية 1881 و المعمول به حتى الآن حيث أن المادة 29 منه تنص على فعل الاعتداء المتمثل في القذف وتحمي الفرد الذي تم قذفه سواء كان ما أسند إليه صحيحاً أو كاذباً بشرط أن يكون الفعل ماساً بشرف أو اعتبار الفرد وعلى هذا الأساس ذهبت المحاكم الفرنسية إلى أن القول عن المدعي أنه فقد عقله نتيجة للآلام النفسية التي يعاني منها في حياته العاطفية يعد اعتداءً على السمعة والاعتبار في آن واحد.

وفي العراق فان اغلب القضايا التي تعرض على محكمة قضايا النشر والإعلام والتي تتعلق بالمساس بسمعة الأفراد وشرفهم تكون وسيلة ارتكابها الفيس بوك وفي قرار لمحكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية بصفتها التمييزية بالرقم 989 / جزاء / 2014 اعتبرت فيه موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك من وسائل العلانية وان نشر عبارات القذف من خلاله يعد نشرا بإحدى وسائل العلانية ما يوجب تشديد العقوبة على مرتكب الفعل كون صفحات الفيس بوك متاحة للعامة وقد اقر القضاء العراقي في هذا القرار مبدأ مهما حين عد الفيس بوك وسيلة علانية ورغم اختلاف الآراء التي أثارها هذا القرار الا انه يشكل حكما رادعا لمرتكبي هذا النوع من الجرائم.