الاباحـة فـي نطـاق استعمـال الحـق :

يمكن استظهار التجاوز في استعمال الحق من خلال بيان حالة الاباحة تبعا” لتوافر شروط استعمال الحق على وفق تطبيقاته الواردة في القانون كحق التأديب ، وحق مباشرة الاعمال الطبية ، وحق ممارسة الالعاب الرياضية ، وحق استعمال العنف عند القبض على مجرم في جريمة مشهودة .

اولا”: حالات الاباحة على وفق أستعمال الحق

نص المشرع العراقي على اربع حالات لاستعمال الحق سببا” للأباحة في (المادة 41) منه كونها الأكثر شيوعا” من غيرها والتي جاءت بعبارة ( لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا” لحق مقرر بمقتضى القانون ، ويعتبر استعمالا” لحق :

تأديب الزوج زوجته وتأديب الاباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا” او قانونا” او عرفا” .
عمليات الجراحة والعلاج على اصول الفن متى اجريت برضاء المريض او ممثله الشرعي او اجريت بغير رضاء ايهما في الحالات العاجلة .
اعمال العنف التي تقع اثناء الالعاب الرياضية متى كانت قواعد اللعب قد روعيت .
اعمال العنف التي تقع على من ارتكب جناية او جنحة مشهودة بقصد ضبطه).

1- حق التأديب :

يتضح من خلال نص (المادة 41/1) من قانون العقوبات العراقي ان التأديب يتضمن حالتين : تأديب الزوجة وتأديب الاولاد القصر .

أ- تأديب الزوجة :

ان اساس حق تأديب الزوجة يستند الى الشريعة الاسلامية الغراء ، حيث جاء في الذكر الحكيم } وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيرا{(1).

وقال رسول الله e (ادب ولا تتجاوز العدد قيل وما العدد ؟ قال ما يعرف الناس ، قيل له وما يعرفون ؟ قال الضرب غير المبرح)(2) .

والمشرع العراقي نص على حق التأديب ، إلا انه ترك امر تحديده لما هو مقرر في الشريعة الأسلامية ، وهو حق مقرر لصالح الأسرة ، بصفتها نواة المجتمع وصلاحه من صلاحها ، ولم يقرر لمصلحة صاحبه الفردية(3) ، كما انه مقرر للرجل دون المرأة وبمقتضاه فأن للرجل حق توجيه زوجته الى سبيل الخير والرشاد(4) ، وتقويم ما فيها من أعوجاج او نشوز(5) والنشوز هو اعراض احد الزوجين عن الآخر نفورا” منه او كرها” له ، ونشوز المرأة اوخم عاقبة من نشوز الرجل ، لأنه يهدد الاسرة بالتصدع ، لذا جعله الاسلام على يد الزوج(6) . وتعد الزوجة ناشزا” اذا بدر منها معصية كترك فرائض الله ، واذا بذرت في مال زوجها ، أو ارتكبت من المعاصي ما لا حد فيه(7) ، فهو نوع من التعزير ، ألا انه مقيد بقيود لا يمكن تعديها(8) . وللزوج فقط دون غيره ان يؤدب زوجته ولا يقبل من غيره(9) ، كما لو فــوض الزوج أباه أو اخاه في تأديب زوجته(10) ، كما ان هذا الحق يثبت للزوج بثبوت الزوجية ، فاذا ما أنقضت هذه العلاقة بالطلاق ، زال حق الزوج في التأديب ، اذ العبرة بثبوت الصفة وقت مباشرة الحق لا وقت ارتكاب الفعل(11) .

ب- تأديب الأولاد القصر

يحتاج الصغار الى شيء من الرقابة والحزم لأن التأديب ضرورة يقرها الشرع والعرف والقانون قديما” وحديثا” ، الغرض منه تقويمهم وتربيتهم ليصبحوا مواطنين صالحين لمجتمعهم، وبالعكس فأن سوء التربية تجعلهم منحرفين خطرين(12) . سواء تمثل هذا الانحراف في فعل ما يجب تركه ، او ترك ما يجب فعله . وبهذا الصدد يذهب جانب من الفقه الاسلامي(13) ( ان للأب والجد والمعلم تأديب الصبي التأديب المشروع ، ويجب ان لا يزيد على ثلاث ضربات ، ولا يكون شديدا” ، ولو أمكن التأديب بغير الضرب لما جاز الضرب لأن فيه ايلام مستغنى عنه ، فاذا زاد على ذلك او ضرب من لا عقل له من الصبيان كان متعديا” ووجب عليه الضمان)(14) . وقد حددت (المادة 41/1) من قانون العقوبات العراقي من لهم حق تأديب الصغير ، بالاب والام والمعلم ، ومن تثبت لهم ولاية النفس على الصغير عند انعدام الاب كالجد والأخ والوصي ، ومن في حكم هؤلاء كمعلم الحرفة او الصنعة . وبهذا الصدد يرى جانب من الفقه العراقي(15) ، ان المشرع العراقي كان غير موفق في صياغته لنص (المادة 41/1) حيث ان ادراج حالة تأديب الزوجة مع حالة الاولاد يوحي عند قراءة النص ، ان الشارع يعامل المرأة معاملة الصغير او القاصر ، وردا” على هذا الرأي يذهب جانب آخر من الفقه العراقي(16) وهــو الرأي الأصــوب ( ان ذلك ، أي مســاواة المشرع بين الزوجة والاولاد القصر ، غير صائب ، ذلك انه لا يجوز القياس بين غير متماثلين) . وفي اعتقادنا ان المشرع العراقي كان اكثر وضوحا” في هذا الشأن من غيره ، فالمشرع المصري مثلا” اطلق النص في (المادة 60) من قانون العقوبات المصري بقوله ( لا تسري احكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا” بحق مقرر بمقتضى الشريعة ) ، اما المشرع السوري في (المادة 185) والمشرع اللبناني في (المادة 186) والمشرع الاردني في (المادة 62) فقد جاءت هذه النصوص بعبارة ( لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة ويجيز القانون :

ضروب التأديب التي ينزلها بالأولاد آباؤهم واساتذتهم على نحو ما يبيحه العرف العام) ويتضح من ذلك وهو ما قال به جانب من الفقه السوري(17) ، انه لا يؤدب في القانون السوري واللبناني والأردني الا الاولاد .

2. حق التطبيب (مباشرة عمليات الجراحة والعلاج)

ان ممارسة الأعمال الطبية والجراحية تتطلب مساسا” بسلامة جسم الانسان ، وهذا ما تحرمه القوانين بنصوص جرائم الايذاء العمد لتطابق هذه الاعمال مع النموذج القانوني لجرائم الجرح والضرب ، لكن هذه الاعمال تخرج من نطاق التجريم الى نطاق الاباحة لأنها تهدف الى سلامة جسم الانسان وتحقيق مصلحة المجتمع(18) . بيد ان هناك ثمة خلاف في الفقه حول الاساس القانوني لأباحة هذه الاعمال ، حيث يرى جانب من الفقه(19)،ان رضاء المريض هو اساس اباحة هذه الاعمال(20) ، بينما يرى جانب آخر(21) . ان اساس هذه الاباحة هو انتفاء القصد الجنائي لدى الطبيب ، فعمل الطبيب لا يكون اعتداءا” لأن نية الاعتداء منتفية عنده . ومن جانبنا نتفق والرأي الثالث(22) الذي يرى ان الاساس الصحيح لأنتفاء مسؤولية الطبيب او الجراح هو قيامه بعمل استعمالا” لحق مقرر بمقتضى القانون . وهذا ما عبرت عنه (المادة 41/2) من قانون العقوبات العراقي المذكورة سلفا” ، في حين ذكرته قوانين اخرى تحت عبارة (اجازة القانون) مثل قانون العقوبات اللبناني (المادة 186) ، وقانون العقوبات السوري (المادة 185) ، وقانون العقوبات الاردني (المادة 62/ج) . ويعلل اصحاب الرأي الاخير قولهم هذا بأن انعدام المسؤولية هنا لا يكمن في رضا المريض لأن الرضا لا تأثير له في رفع المسؤولية الجزائية بصفة عامة(23) ، كما لا تعود لأنتفاء القصد لأن القصد لا يتطلب سوى العلم بما يؤدي اليه الفعل من مساس بسلامة جسم المريض واتجاه الارادة لذلك ، والطبيب يعلم قطعا” بهذا الفعل . لذا يشترط فيمن يزاول العمل الطبي ان يكون مرخصا” له بمباشرة العمل ، فأساس عمل الطبيب هو حصوله على المؤهل العلمي ومن ثم الترخيص بمزاولة العمل فعلا” ، حيـــث تولت القوانين ذات العلاقة(24) ، رسم حدود تلك الممارسة . الا ان جانبا” من الفقه العراقي(25) لا يرى ضرورة توافر هذه الصفة ، ويعلل رأيه بالقول (ان المشرع في المادة 41/2 لم يصرح بأشتراط صفة الطبيب في المعالج فضلا” عن اعتقاده ، ان مثل هذا القيد لا ينسجم مع واقع المجتمع العراقي خاصة في المناطق التي تلعب فيها الخبرة البشرية دورا” كبيرا” في حالات كثيرة تتطلب المعالجة الفورية قبل العثور على طبيب بوقت طويل) . ومن جانبنا نتفق والرأي القائل ، ان هذا الشرط متطلب سواء كان العمل من اعمال الاطباء والجراحين او غيرهم ، كالصيدلي والقابلة او مساعد الطبيب او الختان، اما اذا مارس العمل شخص خلاف ذلك ، فيعد عمله جريمة ويسأل عنها جنائيا”(26) ، وبذلك اشترط فقهاء المسلمين في المتطبب ان تكون له بصارة ومعرفة في الصنعة(27) . كما يشترط القانون لأباحة العمل الطبي ان يرضى به المريض ، فالقانون لا يخول للطبيب اخضاع المريض للعلاج رغما” عنه ، بل يشترط ان يعلم المريض بنوع العلاج او الجراحة التي تجرى له حتى يكون رضائه سليما”(28) . الا في الحالات التي لا يتمكن فيها الطبيب من الحصول على رضا المريض او ممثله الشرعي ، كحالة فقدان الوعي وتطلب حالة المريض اسعافا” فوريا” كأجراء عملية جراحية لأنقاذ حياته . ويذهب جانب من الفقه(29) لأبعد من ذلك حيث يرى ان تجرى الجراحة ليس بدون ارادته بل ضد ارادته ، وكذلك في حالات التطعيم ضد وباء من الاوبئة(30) .

3- ممارسة الالعاب الرياضية

تقر جميع القوانين في العالم الالعاب الرياضية ، فهي معروفة منذ العصور القديمة حتى عصرنا هذا ، فقد عرف العرب في الاسلام من الالعاب ، سباق الخيل ، والرمي بالسهام واولوها اهتماما” كبيرا”(31) ، فقد روي ان رسول الله e سابق بين الخيل وصارع ورمى بالسهام ، فعن محمد بن علي بن ركانه (ان ركانه صارع النبي e فصرعه النبي)(32) وعن سلمه بن الأكوع قال (مر رسول الله e على نفر من اسلم ينتظلون بالسوق، فقال ارموا يابني اسماعيل ، فأن اباكم كان راميا” ، ارموا وانا مع بني فلان ، قال فأمسك احد الفريقين بأيديهم ، فقال رسول الله e ما لكم لا ترمون ! قالوا كيف نرمي وانت معهم ، فقال ارموا وانا معكم كلكم)(33) . اما اليوم فقد حضيت الالعاب الرياضية بأهمية خاصة وتنظيم محلي ودولي واسع ، فتعقد لها المؤتمرات ، وتكرس لها الاموال الطائلة(34) ، كما شغلت الجماهير والصحفيين ، ودفعت الاستثمار التجاري الى الضراوة رغبة في تحقيق الربح ، كما اثرت في فروع القوانين ، كالقانون الجنائي الذي يتكفل حماية الحق في الحياة وسلامة الجسم ، والقانون المدني بما تثيره مشاكل المسؤولية المدنية والوضع القانوني للجمعيات الرياضية وغيرها(35) . والالعاب الرياضية تنضوي في بعض منها على استعمال القوة المادية والعنف مباشرة مع الخصم(36) ، سواء كانت بين فردين ، كما في الملاكمة والمصارعة ، او بين فريقين كما في كرة القدم(37) ، واساس هذا العنف هو القانون الذي يبيح ممارسة الالعاب الرياضية ، وهو المقصود بالاباحة ما دام في الحدود المقررة للعب ، كما يذهب جانب من الفقه(38) ، ان اساس اباحة الالعاب الرياضية هو العرف ، لأنه سابق على كل التشريعات ، ثم افرغ في نصوص تشريعية حسما” لما قد تثيره من خلافات بين الناس. لذا ينبغي ان تكون الالعاب الرياضية معترف بها او شائعة ولو على نطاق محدود من الناس شرط ان تكون مقيدة بقواعد واصول مرعية من قبل لاعبيها ، حيث ان لكل لعبة قواعد واصول محددة بالقانون او العرف . كما ينبغي ايضا” ان يحصل هذا العنف اثناء المباراة . فلا يعد استعمالا” لحق حصول العنف قبل بدء المباراة او بعد انتهائها او بعد تخلي الخصم عنها(39) .

4- استعمال العنف في القبض على المجرمين

اباح المشرع العراقي في (المادة 41/4) من قانون العقوبات العراقي للافراد كافة القبض على من يرتكب جناية او جنحة مشهودة بقصد ضبطه وتسليمه الى السلطات المختصة ، حتى لو تطلب ذلك استعمال العنف معه ، حفاظا” على امن المجتمع ولتأمين عدم فراره وتسهيلا” لمهمة القضاء في القصاص منه(40). وهذا ما نصت عليه (المادة 102/أ/1) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي بعبارة (لكل شخص ولو بغير امر من السلطات المختصة ان يقبض على أي متهم بجناية او جنحة في احدى الحالات الآتية 1- اذا كانت الجريمة مشهودة)(41) . وقد يقتضي ذلك القبض استعمال القوة مع المتهم لشل حركته والحيلولة دون هروبه ، شرط ان تكون تلك القوة بالقدر اللازم لأداء هذا الواجب ، وكذلك ان تكون هـي الوسيلــة الوحيدة لدفع العنف او شل المقاومة(42) . كما يشترط ان تكون الجريمة المشهودة جناية او جنحة ، وبهذا تخرج عن هذه الاباحة اعمال العنف المستعملة في القبض من اجل المخالفة .

ثانيا”: شروط الاباحة على وفق أستعمال الحق

فضلا” عن الشروط الخاصة بكل حق على حدة ، هناك شروط عامة لأستعمال الحق يمكن اجمالها بما يأتي :

1- وجود حق مقرر بمقتضى القانون

هذا الشرط يقتضي ان يكون للشخص حق ، ولا تغني ثبوت المصلحة عن ثبوت الحق ذاته ، حتى لو كانت هذه المصلحة مشروعة(43) ، كما يجب ان يكون هذا الحق قائما” ولا نزاع فيه(44) ، ويوجد هذا الحق حيث يعترف به القانون ويصونه سواء كان مصدره القانون او العرف او الشريعة الاسلامية ، كما في حق الزوج في تأديب زوجته .

2- ان يمارس الحق صاحبه

وهنا يشترط ان يستعمل الحق من يخوله القانون استعماله ، كأن يحدد القانون صفة معينة ويشترط توافرها ، كصفة الزوج في تأديب الزوجة ، فهو حق لا يقبل الانابة ، واذا ما كلف الزوج غيره في تأديب زوجته ، سأل الغير عن جريمة ضرب وسأل الزوج بوصفه شريكا”(45) ، وكذا الحال في حق التطبيب ، حيث يتطلب صفة الطبيب او الجراح .

3- مراعاة الحدود القانونية للحق

فالقانون لا يعرف حقوقا” مطلقة ، اذ الحقوق كلها نسبية ، ومن ثم كان لزاما” التحقق من دخول الفعل في نطاق الحق ، محددا” على وفق ما يتطلبه القانون ، وذلك بالتزام حدود الحق الغائية والمادية ، فحق التأديب مثلا” يجب ان لا يخرج عن غاية التأديب ، ولا يتعدى الضرب الخفيف بعد استنفاذ الوسائل الاخرى الأخف ، والا عد متجاوزا” ، وصار كمن لا حق له ، وتخليص المريض من مرضه وتخفيف آلامه ، هي الغاية من ممارسة العمل الطبي، كما يجب على الطبيب استخدام الوسائل العلمية المتعارف عليها في الميدان الطبي ، كأستخدام الاشعة والموجات الكهربائيــة ، والمقــص وكـــل الوسائــــل والعلاجـــات الطبية المنطبقة علــى اصول الفن والتي لم يثبت فسادها او خطرها(46) . وكذا الحال في ممارسة الالعاب الرياضية ، والتي يجب ان لا تخرج نية اللاعب عن مجرد اتمام اللعبة مع التزام قواعد او حدود اللعب المادية المرعية لكل لعبة ، وان لا يتجاوز القبض على المتهم في جناية او جنحة مشهودة ، قصد ضبطه وتسليمه الى السلطات المختصة، ومن ثم لا يكون مباحا” الفعل الذي يحمل خلفه ضغائن واحقاد(47) ، كما ينبغي ان لا يتمادى في استعمال العنف الا عند الحاجة اليه .

_______________

1- سورة النساء / آية (34) .

2-رواه ابن عباس نقلا” عن الشافعي / الأم ، ط2 ، ج6، بيروت ، دار الفكر،1983 ، ص147 .

3- د. علي عبدالمنعم عبدالحميد/مركز دور المرأة في الأسلام- مجلة الحقوق ، ع3،س7 ،الكويت ، جامعة الكويت ، 1983 ، ص 215 ما بعدها .

4- العاملي ، السيد محمد/ نهاية المرام ،ط1،ج1 ، تحقيق آغا مجتبى العراقي وحسين اليزدي ، قم ، مؤسسة النشر الاسلامي ،1413هـ ، ص425 ؛ الطوسي ،ابن حمزة /الوسيلة الى نيل الفضيلة ، ط1، تحقيق محمد الحسون ، قم ، مكتبة المرعشي ، 1987 ، ص333.

5- د. محمد سلام مدكور/احكام الاسرة في الاسلام، ج1، القاهرة ، دار النهضة العربية ،1967 ،ص220 .

6- عمر فروخ / الاسرة في الشرع الاسلامي ط1، بيروت ،المكتبة العلمية ، 1951 ، ص 137 .

7- ابن نجيم ، زين الدين المصري الحنفي – البحر الرائق ، شرح كنز الدقائق ، ج 5 ، مصر ، دار الكتب العربية الكبرى ، دون تاريخ ، ص82 ؛ الكاشاني ، ابوبكر مسعود / بدائع الصنائع ، ط1،ج2 ، باكستان ، المكتبة الحبيبية ،1327 هـ ، ص334 ؛ د. السعيد مصطفى السعيد / في مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في الشريعة والقانون المصري الحديث ، مصر ، مطبعة الاعتماد ، 1936 ، ص 189 .

8- الشيخ الطوسي / المبسوط في فقه الامامية ، ج4 ، تحقيق محمد الباقر البهبوري ، دون مكان ، المكتبة المرتضوية ،1966 ، ص337 ؛ محمد سليم العوا / النظام الجنائي الاسلامي ،ط2/القاهرة ، دار المعارف ، 1983 ، ص269 .

9- د. ضاري خليل محمود / تفاوت الحماية الجنائية بين المرأة والرجل في قانون العقوبات المقارن والشريعة الاسلامية ، بغداد ، مطبعة الجاحظ ، 1990 ، ص 73 .

10- د. مأمون محمد سلامة – قانون العقوبات – القسم العام ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1979، ص 183 .

11- د. محمد عوض – قانون العقوبات – القسم العام ، الاسكندريه ، دار المطبوعات الجامعية ، 1985 ، ص106 .

12- د. عثمان سعيد عثمان – استعمال الحق كسبب للاباحة ، القاهرة ، دون ناشر ، 1968، ص174 ومابعدها .

13- بن قدامه ، عبدالله بن احمد بن محمد / المغني ،ج10 ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، دون تاريخ ، ص349 .

14- بن قدامه ، عبدالله بن احمد بن محمد / المصدر السابق ، ج6،ص120 وما بعدها .

15- د. سامي النصراوي – المبادىء العامة في قانون العقوبات ، بغداد ، مطبعة دار السلام ، 1977 ، ص 206 وما بعدها .

16- د. ضاري خليل محمود / المرجع السابق ، ص 73 .

17- د. عبود السراج – قانون العقوبات – القسم العام ، دمشق ، جامعة دمشق ، 2000 ، ص 174 وما بعدها .

18- د. عبد الحي حجازي/ المدخل لدراسة العلوم القانونية –الحق ، الكويت ، مطبعة الكويت ، 1970 ، ص192 .

19- محمد علي النجار / حول مسؤولية الاطباء- مجلة الازهر ، مج20 ، القاهرة ، مطبعة الأزهر ، 1948 ، ص 52 .

20- يقرر جانب من الفقه الفرنسي عدم صلاحية الرضا سببا” عاما” للأباحة لأن اساس التجريم هو ان يكون الحق محل الحماية ذا اهمية اجتماعية ، ومن غير المقبول ان يخول فرد سلطة النزول عن هذه الحماية ومن ثم اهدار نصيب المجتمع من هذا الحق .

Gaston STEFANI et Georges LEVASSEUR/DROIT PENAL GENERAL ETPROCEDURE PENALE، PARIS، DALLOZ،1973،P.165 .

21- يتمثل ذلك في اوساط الفقه الالماني امثال (ستوس) وكذلك الفقه الفرنسي مثل (شوفو وهيلي ، جارسون) نقلا” عن محمد فائق الجوهري / المسؤولية الطبية في قانون العقوبات ، رسالة دكتوراه ، مصر، دار الجوهري للطبع والنشر ، 1951 ، ص97 .

كما أخذ بهذا الرأي القضاء المصري في احد قراراته بقوله (كلما وجد ضرر يتحقق فيه انه حاصل بارادة الفاعل واختياره وقصده اياه مع علمه بأن فعله يحظره القانون وان من شأنه ايلام المجني عليه ايلاما” شديدا” او خفيفا” فهنا تتحقق النية الجنائية) .

نقض رقم 115 في 23/4/1931 – المحاماة ، س12 ، القاهرة ، نقابة المحامين الاهلية ، 1933 ، ص 197 .

22- د. غسان جميل الوسواسي / حدود مسؤولية الاطباء في الشريعة والقانون – مجلة العدالة ،ع1، بغداد ، وزارة العدل ، 1999 ، ص56 ؛ احمد شوقي عمر ابو خطوة / القانون الجنائي والطب الحديث ، القاهرة ، المطبعة العربية الحديثة ،1986 ، ص 28 وما بعدها ؛ احمد شرف الدين / الاحكام الشرعية للأعمال الطبية ، ط2، مصر ، دون ناشر ،1987 ،ص42 وما بعدها ؛ السعيد مصطفى السعيد – الاحكام العامة في قانون العقوبات ، ط4 ، القاهرة ، دار المعارف ، 1962 ، ص 182 ؛ د. فخري الحديثي – شرح قانون العقوبات – القسم العام ، بغداد ، مطبعة الزمان ، 1992، ص 136 ؛ د. حميد السعدي – شرح قانون العقوبات الجديد ، ج1 ، بغداد ، مطبعة المعارف ، 1970، ص 330 .

23- د. ضاري خليل محمود / اثر رضا المجنى عليه في المسؤولية الجزائية ، بغداد ، دار القادسية ، 1982 ، ص 31 وما بعدها .

24- ينظر نص المادة /22 من قانون نقابة الاطباء رقم 81 لسنة 1984 ، والمواد /22 و 23 من قانون اطباء الاسنان رقم 46 لسنة 1987 .

25- د. حميد السعدي / المرجع السابق ، ص 331 .

26- د. ماهر عبد شويش – الاحكام العامة في قانون العقوبات ، الموصل ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، 1990، ص 343 ؛ د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – المبادئ العامة في قانون العقوبات ، بغداد ، مديرية دار الكتب ، 1982 ، ص 264 ؛ احمد شوقي ابو خطوة – القانون الجنائي والطب الحديث ، القاهرة ، المطبعة العربية الحديثة ، 1986 ، ص 30 .

27- بن قدامه ، عبدالله بن احمد بن محمد – المغني ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، دون تاريخ ، ج6، ص120 وما بعدها .

28- د. محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات ـ القسم العام ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1989 ، ص 177 .

29-د. عبد الحي حجازي – المدخل لدراسة العلوم القانونية ، الحق ، الكويت ، مطبعة الكويت ، 1970 ، ص 192 .

30- د. رمسيس بهنام – الجريمة والمجرم والجزاء ، الاسكندريه ، منشأة المعارف ، 1973 ص 349 .

31- د. عطيه الجبوري / حكم الرهان والسباق والالعاب الرياضية في الشريعة الاسلامية – مجلة الشريعة والقانون ، ع4 ، بغداد ، كلية الشريعة ، 1989 ، ص 134 .

32- رواه ابو داود – نقلا” عن الشوكاني ، محمد بن علي بن محمد / نيل الاوطار – شرح منتقى الاخبار من احاديث سيد الاخيار ، ج8 ، مصر ، ادارة الطباعة المنيرية ، 344هـ ، ص 255 .

33- رواه احمد والبخاري – الشوكاني / ص 245 .

34- د. حسن احمد الشافعي / التنظيم الدولي للعلاقات الرياضية ، الاسكندريه ، منشأة المعارف ، 1984 ، ص67 وما بعدها ؛ عبود السراج – قانون العقوبات – القسم العام ، دمشق ، جامعة دمشق ، 2000 ، ص361 .

35- د. عبدالرؤوف مهدي / الاتجاهات المعاصرة في اساس ونظام اباحة الجريمة الرياضية – مجلة ادارة قضايا الحكومة ، ع3 ، س27 ، القاهرة ، ادارة قضايا الحكومة ، 1983 ، ص6 .

36- هناك العاب لا تقتضي العنف كلعبة التنس والمنضدة والكرة الطائرة وسباق الخيل والسيارات وحمل الاثقال وورمي الرمح والسباحة والجري وغيرها .

37- وداد عبد الرحمن القيسي / الاباحة في الجرائم الناشئة عن الالعاب الرياضية ، رسالة ماجستير ، بغداد ، جامعة بغداد ، 1990 ، ص 30 .

38- د. عثمان سعيد عثمان – استعمال الحق كسبب للاباحة ، القاهرة ، دون ناشر ، 1968، ص 137 ؛ د. محمد مصطفى القللي – في المسؤولية الجنائية ، مصر ، مكتبة عبدالله وهبه ، 1945، ص264 .

39- د. محمود محمود مصطفى – شرح قانون العقوبات – القسم العام ، القاهرة ، مطبعة جامعة القاهرة ، 1983، ص177 ؛ السعيد مصطفى السعيد – الاحكام العامة في قانون العقوبات ، ط4 ، القاهرة ، دار المعارف ،

1962

، ص168 ؛ د. حميد السعدي – شرح قانون العقوبات الجديد ، ج1 ، بغداد ، مطبعة المعارف ، 1970، ص 332 .

40- محسن ناجي / الاحكام العامة في قانون العقوبات ، بغداد ، مطبعة العاني ، 1974 ، ص234 وما بعدها .

41- وقد بينت المادة /1/ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي الجريمة المشهودة بقولها (تكون الجريمة مشهودة اذا شوهدت حال ارتكابها او عقب ارتكابها ببرهة يسيرة او اذا اتبع المجني عليه مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا” آلات او اسلحة او امتعة او اوراقا” او اشياء اخرى يستدل منها على انه فاعل او شريك فيها او اذا وجدت به في ذلك الوقت آثار او علامات تدل على ذلك) . ويقرب من ذلك نص المادة /41 من قانون الاجراءات الجزائية الجزائري ، اما قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي فقد نصت المادة /56 منه على (… تعتبر الجريمة مشهودة اذا ارتكبت في حضور رجل الشرطة او اذا حضر الى محل ارتكابها ببرهة يسيرة وكانت آثارها ونتائجها لا زالت قاطعة بقرب وقوعها) .

42- د. قدري عبد الفتاح الشهاوي – السلطة الشرطية ومناط شرعيتها جنائيا” واداريا” ، الاسكندريه ، منشأة المعارف ، 1973 ، ص 410 وما بعدها .

43- د. محمد عوض – قانون العقوبات – القسم العام ، الاسكندريه ، دار المطبوعات الجامعية ، 1985 ، ص 96 .

44- د. عباس الحسني – شرح قانون العقوبات الجديد ، ص 110 .

45- د. أكرم نشأت – القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن ، بغداد ، مطبعة الفتيان ، 1998 ، ص 143 ؛ د. عوض محمد / المرجع السابق ، ص 98 .

46- د. غسان جميل الوسواسي – حدود مسؤولية الاطباء في الشريعة والقانون – مجلة العدالة ، ع1 ، بغداد ، وزارة العدل ، 1999 ،ص62 ؛ علي حسن الشرفي – شرح الاحكام العامة في التشريع العقابي اليماني ، ج1 ـ النظرية العامة للجريمة ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1992 ص182 .

47- د. فخري الحديثي/ المرجع السابق، ص144؛ د. اكرم نشأت / المرجع السابق ، ص 149 .

معيار التجاوز في استعمال الحق :

قد يشوب استعمال الحق انحراف عن حدوده المقررة قانونا” ، وقد يكون هذا الانحراف مقصود او غير مقصود ، فما هو المعيار الذي يمكن الركون إليه لتعيين حالات التجاوز من عدمه ؟ ان استعمال الحق يجب ان يكون متفقا” مع الغرض المقصود من تشريعه ،فحق تأديب الزوجة مثلا” يجب ان لا يتعدى إصلاح حالها ، اذا لمس منها زوجها خروجا” عن سواء السبيل ، و الا صار متعديا” وترتبت مسؤوليته عما وقع منه (1) ، كأن يقصد الانتقام منها او مجرد إيذائها او إذلالها ، او إكراهها على معصية ، متسترا” بحقه في التأديب ، فانه يكون سيئ النية خارجا” على مقتضى التأديب المشروع . و بهذا الصدد قررت محكمة التميز في العراق ادانة الزوج على وفق (المادة 410) من قانون العقوبات العراقي قائلة ( ان المتهم كان قد اعتاد على ضرب زوجته ضربا” مبرحا” فساءت حالتها الصحية ورقدت الفراش ، وفي يوم الحادث اعتدى عليها بالضرب ففقدت الوعي ، ثم توفيت بسبب ما تعرضت له من الضرب على رأسها )(2) . ان سلطة الرجل على زوجته لها حدود ، رسمتها الشريعة الاسلامية ، و هو مأمور بها اذا ما نشزت زوجته ، أي ترفعت عليه بعدم مطاوعته ، ومن ذلك كانت وسائل التأديب الواردة في القرآن الكريم هي الوعظ ، ثم الهجر في المضجع ، والضرب ، وبذلك يجب التدرج في استعمال هذه الوسائل ولا يحق للزوج ان يلجأ لوسيلة الا اذا ظهر ان ما دونها لم تجد نفعا” في اصلاح الزوجة (3) . فاذا لم ترتدع بالوعظ يصار إلى هجرها في المضجع ، فان لم يفلح ذلك لجأ إلى الضرب الخفيف الذي لا يترك اثرا” او يحدث جرحا” ولا يجوز الزيادة عليه والاندراج إلى الاقوى (4) ويقول الحلي في قواعد الاحكام (… اذا تغيرت عادتها ، وعظها ، فان رجعت، والا هجـرها في المضجع بأن يولي ظهره إليها في الفراش ، وقيل يعتزل فراشها ولا يجوز له ضربها حينئذ ، فان تحقق النشوز وامتنعت عن حقه جاز له ضربها ، و يقتصر على ما يرجو الرجوع به ، و لا يبرح و لا يدمي ولو تلف بالضرب شيء ضمن . ويذهب جانب من الشراح (5) ان قوله تعالى }فعظوهن { كان بصيغة الامر ، والامر يدل على الوجوب ، بالاضافة إلى الواجب العام وهو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .

لذلك نرى ان الله سبحانه وتعالى ربط هذا الحق بالخوف من النشوز ، فاذا كان الزوج لا يخاف نشوز زوجته ، فلا يباح له أي فعل من ذلك ، عليه نتفق وذلك الرأي الذي يجرم حتى الضرب الخفيف ، ان لم تكن الزوجة قد ارتكبت معصية ، او خرجت غاية الزوج عن مجرد الاصلاح (6) . اما بالنسبة لتأديب الصغير ، فيجب عدم اللجوء إلى ضربه الا بعد استنفاذ متولي التأديب الوسائل الاخرى كالتعنيف مثلا” ، كما يمكن ان يكون بتقييد الحرية بشرط ان لا يكون فيه تعذيب للبدن وان يكون هو الطريق الوحيد للتهذيب مادام يسيرا” ولم يترك اثرا” بدنيا” (7) . ويشترط في الضرب المستعمل ان يكون خفيفا ، لا يفوق القدر المعتاد ، ولا يكون بغير اليد كالعصا والسوط ، ولا ينال المناطق الخطرة من جسم القاصر ، كالوجه والرأس ، ولا يكون مبرحا” يؤدي إلى كسر عظم او خرق جلد (8) ، كما يجب ان يكون بقصد التعليم لا الانتقام ، او الحض على عمل مشين ، والا فيكون قد تجاوز الحد ، وسأل عن النتيجة . وبهذا الصدد يذهب جانب من الشراح (9) ( انه اذا ظن القائم بالتعليم او التهذيب ان الضرب ونحوه لا يفيد ، فليس له الاقدام عليه لان ذلك يحقق غاية اخرى كالانتقام ونحوه ، وذلك ممنوع شرعا ) . عليه وللقول بتحقق التجاوز في حق التأديب النظر إلى قصد القائم به ، فاذا تعدى عن مجرد الاصلاح ، أو اذا لجأ إلى وسيلة دون اخرى اسهل واخف ، كما يجب النظر إلى مقدار القوة والاداة المستعملة في التأديب ، فاذا لجأ الزوج مثلا إلى ضرب زوجته دون وعظها او هجرها في المضجع عد ذلك تجاوزا” وخرج عن غاية التأديب . وفي ممارسة العمل الطبي ، يجب ان يكون هدف الطبيب موجها إلى غاية واحدة ، وهي العمل على شفاء المريض ، اما اذا خرج على هذه الغاية ، فيكون قد خرج على حدود الاباحة ، واسقط عن نفسه الحماية القانونية ، حتى ولو روعيت اصول المهنة (10) ، كما يجب عليه التزام الحدود المادية التي تشترطها مهنة الطب وعدم تجاوزها ، فيجب اولا” توافر العلة ( جسمية او نفسية ) والتي تستلزم تدخل الطبيب ، والا عد ذلك ايجادا” لعلة ، رغم رضاء المريض (11) . كذلك تقوم مسؤولية الطبيب ، اذا استعمل وسيلة في علاج المريض غير ما تعارف عليه ارباب مهنته ، او اذا جرح المريض في العضو السليم ، بدلا من العضو المريض (12) ، او قام باجراء عملية جراحية وهو سكران ، او بدون اجراء الفحوصات الضرورية ، او اذا نسى واحدة من ادوات الجراحة في بطن المريض (13) ، او اهمل في واجب الرقابة والتوجيه في تناول العلاج (14) . لذا على القاضي عند بحث التجاوز الاعتداد بظروف وعوامل شخصية وموضوعية ، وذلك بقياس سلوك الطبيب المتجاوز ، بسلوك الطبيب المعتاد في نفس اختصاصه وظروف مهنته ، فالطبيب الذي يعمل في الريف ، لا تتوفر لديه امكانات من يعمل في المدينة ، ومن مريضا” في المستشفى ، ليس كما لو تم استدعائه لحالة طارئة في البيت (15) ، كذلك يجب النظر إلى كون الطبيب متخصص او متخرج حديثا ، ذلك كون المتخصص هو الاقدر على التشخيص ووصف العلاج ، كما يجب الاخذ بنظر الاعتبار سن المريض ودرجة تحمله، وهو امر يختلف من شخص لاخر . فضلا” عن ذلك ان للقاضي الاستعانة برأي الخبراء عند اللزوم للتحقق مما اذا كان العلاج الطبي قد املته الضرورة الصحيحة او الطبية ، ام اجري لغاية اخرى ، او ما اذا كان قد جرى على وفق اصول العلم والفن ، ام انه تجاوز ذلك ودون سبب يبرره (16) .

وفي مجال ممارسة الالعاب الرياضية ، ينبغي التزام حدود اللعب والتي تنقسم إلى قسمين :

الاول : يهدف إلى توحيد قواعد اللعب وتحقيق الهدف الرياضي ، مثل تحريم امساك لاعبي كرة القدم الكرة بايديهم ، باستثناء حارس المرمى ، والثاني : يهدف إلى استبعاد مخاطر اللعبة او الاقلال منها ، كتحريم الضربات السفلية في الملاكمة ، وهذا النوع من القواعد هو الذي يجب مراعاته شرطا” للاباحة (17) ، عليه اذا ضرب الملاكم خصمه على اسفل بطنه او استعمل غير القفاز الخاص بالملاكمة ، فأحدث به جروحا او وفاة ، يعد خارجا” على قواعد اللعبة ، او اذا رمى اللاعب الرمح ، قبل الاذن ببدء اللعبة ، فأصابت شخصا ، فهذه الاصابة تكون جريمة عمدية او غير عمدية حسب قصد اللاعب (18) . عليه يجب على القاضي في سبيل استظهار التجاوز في الالعاب الرياضية الاستعانة بجملة امور ، كالوسيلة المستعملة ، وكيفية استعمالها ، فالملاكم الذي يضع في قفاز الملاكمة قطعة حديدية يعد متجاوزا لحدود الاباحة ، او يستعمل لاعب الهوكي او الزانة العصا في ضرب احد اللاعبين ،هذا بالاضافة إلى ظروف اخرى كأخلاق اللاعب وحالته النفسية وسوابقه في اللعب ، وعلاقته بالمجنى عليه قبل اللعب ، كوجود عداء سابق بينهما ام لا (19) ، لذا يمكن القول ان المعيار المعول عليه في تحديد التجاوز عند ممارسة الالعاب الرياضة هو معيار شخصي ، قوامه اللاعب وظروفه . ومن جانبنا نتفق وذلك الرأي (20) الذي يدعو إلى التسامح في خطأ الرياضي ، او في قدر من عدم الحرص ، ذلك القدر الذي تفرضه روح المنافسة والرغبة في تحقيق النصر ، وهو امر لا يمكن تجريد اللاعب منه اثناء وجوده في حمية المباراة ، وهذا هو جوهر الاباحة الرياضية ، والا سوف يتوقف النشاط الرياضي اذا كنا في كل لحظة نفكر في المسؤولية عن الحوادث التي يمكن ان يسببها ، كأن يقذف لاعب الكرة الكرة خارج خطوط التماس وتصيب احد المتفرجين ، فلا يجب في هذه الحالة عده مرتكبا” لخطأ . وعند القبض على المتلبس بجناية او جنحة مشهودة فان الحدود التي يقتضيها ذلك القبض معينة بالقوة التي تمكن من القبض على المتهم وتحول دون هروبه ، حتى لو استوجب الامر استخدام السلاح (21) ، على ان لا تزيد هذه القوة في كل الاحوال على مقدار المقاومة التي يبديها المتهم ، وهذا ما اشترطته (المادة 108) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي بقولها ( اذا قاوم المتهم القبض عليه او حاول الهرب فيجوز لمن كان ماذونا بالقبض عليه ان يستعمل القوة المناسبة التي تمكنه من القبض عليه وتحول دون هروبه على ان لا يؤدي ذلك العنف باية حال إلى موته ما لم يكن متهما بجريمة معاقب عليها بالأعدام او السجن المؤبد ) . كما نصت على ذلك (المادة 3/2) من قانون واجبات رجل الشرطة في مكافحة الجريمة رقم 176 لسنة 1980 بقولها ( يجوز لرجل الشرطة استعمال السلاح الناري اذا اريد به دفع احد الامور الاتية و لو ادى ذلك إلى القتل عمدا” .

4ـ القبض على مجرم او متهم بجريمة معاقب عليها بالاعدام او السجن المؤبد اذا قاوم هذا المجرم او المتهم عند القبض عليه او حاول الهرب )(22) .

لذا يعد تجاوزا” استعمال العنف بدون مقاومة من المقبوض عليه ، او محاولته للهرب ، او استعماله ضده بعد ضبطه ، او كان مقصودا” به الانتقام من الجاني(23) ، او تعذيبه لانتزاع اعترافه (24) ، كإيثاق يديه او رجليه وضربه بالأيدي ، او ركله بالإقدام وإصابته بجـروح او سحجات او ورم في جسمه ، وان لم يتقرر من اجله علاج . يتضح من خلال استعراضنا لحالات او تطبيقات استعمال الحق ، وبغية التوصل لمعيار تقريبي ، تحدد بناءا” عليه حالات التجاوز عند استعمال الحق ، ان هذا المعيار ليس واحدا” في جميع حالات استعمال الحق ، فتارة نجده شخصيا” ، كما في حق التأديب سواء كان تأديبا” للزوجة او للاولاد حيث يرجع في تحديد المعيار إلى شخص صاحب الحق كتطلب شرط الصفة وحسن النية وهذه أمور شخصية لا علاقة لها بالفعل . وكذا الحال في حق ممارسة الألعاب الرياضية ، إذ المعول عليه هو شخص اللاعب وظروفه، وكذلك في حق القبض على متهم بجناية أو جنحه مشهودة و الذي لا يتطلب فيه المشرع سوى حسن النية ، والمتمثل في قصد القبض على المجرم وتسليمه للسلطات المختصة ، سواء كان القائم بالقبض من اعضاء الضبط القضائي ، ام من سائر الافراد . اما بالنسبة لحق ممارسة الاعمال الطبية فيبدو ان المعيار المعتمد لتحديد التجاوز فيه هو معيارا” مزدوجا” ، فهو شخصي من حيث تطلبه توافر الصفة فيمن يمارس العمل الطبي ، وكذلك تطلب حسن النية والمتمثلة بالغاية من العلاج ، بالإضافة إلى مستوى الطبيب المهني كتخصصه ومهارته ومدة ممارسته للمهنة وعمره ، وموضوعي من حيث إمكان قياس سلوك الطبيب بسلوك طبيب اخر من فئته متوسط الحيطة والحذر ومحاطا بنفس الظروف الخارجية الأخرى التي أحاطت بالفاعل ، وفضلا” عن ذلك الظروف الخاصة بالمريض كسنه ودرجة تحمله(25) .

___________________

1- د. ضاري خليل محمود – اثر رضا المجنى عليه في المسؤولية الجزائية ، بغداد ، دار القادسية ، 1974 ،ص 77 ؛ السعيد مصطفى السعيد – في مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في الشريعة والقانون المصري الحديث ، مصر ، مطبعة الاعتماد ، 1936 ، ص190 .

2- قرار رقم 11 / موسعة رابعة / 2000 في 30 /4 / 2000 (غير منشور ) .

3- المحقق الحلي / شرائع الاسلام في مسائل الحلال والحرام ، تحقيق السيد صادق الشيرازي ، طهران ، منشورات الاستقلال / 1409 هـ ، ص 560 ؛ الثعالبي ، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف ابي زيد / تفسير الثعالبي المسمى بالجواهر الحسان في تفسير القرآن ، تحقيق عبد الفتاح ابو سنة وآخرون ، دون مكان ، دار احياء التراث العربي ، 1418 هـ ، ص 230 .

4- العلامة الحلي – قواعد الاحكام ، ط 1 ، ج 1 ، قم ، مؤسسة النشر الاسلامي ، 1992، ص 96 .

5- فخر الدين الصاحب / هل للرجل ان يضرب زوجته ومتى يعاقب على ذلك وهل للمراة ان تضرب زوجها ، متى لا تعاقب على ذلك – المحامون ، ع1و2 ، س39 ، سوريا،نقابة المحامين ، 1974، ص37 .

6- د. ضاري خليل محمود / المرجع السابق ، ص77 وما بعدها .

7- د. محمد سلام مدكور – احكام الاسرة في الاسلام ، ج1 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1967 / ص407 وما بعدها ؛ د. محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات ـ القسم العام ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1989 ، ص171 .

8- د. سامي النصراوي – المبادىء العامة في قانون العقوبات ، بغداد ، مطبعة دار السلام ، 1977 ، ص203 وما بعدها .

9- علي حسن الشرفي / الباعث واثره في المسؤولية الجزائية ، القاهرة ، الزهراء للاعلام العربي ، 1986 ، ص222 .

10- اكرم محمود حسين البدو ، المسؤولية المدنية للمستشفيات الخاصة ، ط1 ، الاردن ، دار الحامد للنشر والتوزيع ، 2003 ، ص 142 وما بعدها .

11- د. رمسيس بهنام / الجريمة والمجرم والجزاء ، الأسكندريه ، منشأة المعارف ، 1973 ، ص350 .

12- د. جمال ابراهيم عبد الحسين / اثر خطأ المريض في مسؤولية الطبيب الجزائية ـ مجلة العلوم القانونية، ع1-2 ، مج17 ، بغداد ، جامعة بغداد ، 2002 ، ص78 وما بعدها .

13- د. عبد المنعم محمد داود / المسؤولية القانونية للطبيب ـ مجموعة بحوث قانونية ، الاسكندريه ، الجمعية المصرية للطب والقانون ، 1987 ، ص16 وما بعدها .

14- منير رياض حنا / المسؤولية الجنائية للاطباء والصيادلة ، الاسكندريه ، دار المطبوعات الجامعية ، 1989 ، ص108 .

15-عادل عبد ابراهيم / حق الطبيب في ممارسة الاعمال الطبية ومسؤوليته الجنائية ، رسالة ماجستير، بغداد ، جامعة بغداد ، 1977 ، ص218 .

16- محمد فائق الجوهري – المسؤولية الطبية في قانون العقوبات ، مصر ، دار الجواهري للطبع والنشر ، 1951 ، ص279 ؛ د. مصطفى العوجي / القانون الجنائي العام ـ المسؤولية الجنائية ، بيروت ، مؤسسة نوفل ، 1985 ، ص417 .

17-د. عبد الرؤوف مهدي – المسؤولية الجنائية عن الجرائم الاقتصادية ، الاسكندريه ، منشأة المعارف ، 1976 ، ص279 .

18- د. رمسيس بهنام / المرجع السابق ، ص343 ؛ د. عبد الرحيم صدقي – الوجيز في القانون الجنائي المصري ، القاهرة ، دار المعارف ، 1986 ، ص381 وما بعدها .

19- وداد عبد الرحمن القيسي – الاباحة في الجرائم الناشئة عن الالعاب الرياضية ، رسالة ماجستير ، بغداد ، جامعة بغداد ، 1990 ، ص 156 .

20- د. عبدالرؤوف مهدي / الاتجاهات المعاصرة في اساس ونظام اباحة الجريمة الرياضية ، ص 68 .

21- سعيد حسب الله عبد الله – شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية ، الموصل ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، 1990 ، ص 154 ، د. محمد صبحي نجم – الوجيز في قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني ، عمان ، مكتبة دار الثقافة ، 1991 ،ص 245 .

22- منشور في الوقائع العراقية عدد / 2802 في 10 /11/ 1980 .

23- محسن ناجي – الاحكام العامة في قانون العقوبات ، بغداد ، مطبعة العاني ، 1974 ، ص 236 .

24- صباح سامي داود / المسؤولية الجنائية عن تعذيب الاشخاص ، رسالة دكتواه ، بغداد ، جامعة بغداد ،2000 ، ص 102 .

25- شعبان ابو عجيلة عصارة / المسؤولية الجنائية للطبيب عن استخدام الاساليب المستحدثة في الطب والجراحة ، رسالة دكتوراه ، بغداد ، جامعة بغداد ، 2001 ،ص 59 وما بعدها ؛ عادل عبد ابراهيم – حق الطبيب في ممارسة الاعمال الطبية ومسؤوليته الجنائية ، رسالة ماجستير ، بغداد ، 1977 ، ص 216 و ما بعدها .

صور التجاوز في استعمال الحق :

يكون التجاوز نتيجةً لعدم مراعاة حدود الحق ، وحسب اتجاه نية الفاعل أما عمديا” أو غير عمدي .

أولا”: التجاوز العمدي

يتحقق التجاوز العمدي في استعمال الحق ، إذا قصد الفاعل إحداث الفعل ونتيجته عن حسن نية كأن يكون قصد الزوج من تأديب زوجته اصلاح حالها فقط ، لا الانتقام منها ، فإذا كان التأديب بالوعظ يصل إلى حد الاهانة والتحقير كالشتم والسب مثلا ، فذلك يعد تجاوزا” عمديا” ، لكن قد لا يقصد به اذلال الزوجة او اهانتها ، بل يعتقد ان ذلك هو وسيلة لاصلاح حال الزوجة ، والا عد متعسفا في استعمال حقه (1) . وتطبيقا لذلك قضت محكمة التمييز في العراق ( ادانة الزوج الذي سب زوجته بقوله ان لها علاقة غير شرعية مع شخص ما ، وانطباق فعله على المادة (434) من قانون العقوبات العراقي لان السب ليس من الحقوق الشرعية التي تدخل ضمن حدود التأديب المسموح به للزوج على زوجته)(2) .

وكذا الحال في الهجر اذا زاد على اربعة اشهر ، وهي مدة الايلاء(3) ، وفي الضرب اذا زاد عن حده ، وهو الضرب الخفيف او غير المبرح الذي لا يترك اثرا” او يكسر عظما ، فيعد ذلك خروجا” عمديا” على حدود حق التأديب ، فاذا ما تجاوز الزوج هذا الحد واعتدى على زوجته بالضرب واحدث بها كدمات في فخذها الايسر فان هذا كاف لأعتبار ان ما وقع منه خارجا عن حدود حقه المقرر بمقتضى الشريعة ومستوجبا للعقاب (4) . وتطبيقا” لذلك قضت محكمة التمييز في العراق (بان اعتداء المتهم على زوجته بالضرب بيده على وجهها ، و جر شعرها في الشارع العام امام المارين يخرج عن حدود التأديب المسموح به للزوج على زوجته ، ويشكل جريمة تنطبق على المادة ( 415) من قانون العقوبات العراقي )(5) . وذلك ما قضت به محكمة النقض المصرية ايضا” بقولها ( انه وان ابيح للزوج تأديب زوجته تأديبا” خفيفا” عن كل معصية لم يرد بشأنها حد مقرر ، الا انه لا يجوز له اصلا” ان يضربها ضربا” فاحشا” و لو بحق ، وحد الضرب الفاحش هو الذي يؤثر في الجسم ويغير لون الجلد )(6) . ومن صور التجاوز العمدي ايضا” ان يقتل الطبيب المريض بقصد اراحته من آلام مبرحة ، او ان يجري الطبيب تجربة علمية لم يقصد بها علاج المريض ، وانما اشباع شهوه علميه ، او لخدمة الطب(7) ، او ان يستخدم مادة معينة لعلاج عين المريض رغم مابها من حساسية خاصة يمكن ان تتعارض مع استخدام هذه المادة الفعالة ، فيترتب على ذلك فقد المريض لعينه . وكذلك من صوره ان يسدد الملاكم ضربة الى اللاعب الخصم في مكان ممنوع الضرب فيه فيؤدي إلى وفاته ، او وضع اللاعب قطعة حديدية في قفاز الملاكمة ، ويضرب خصمه في المناطق المسموح بها الضرب فيؤدي ذلك إلى وفاته او اصابته بعاهة مستديمة ، او ان يضع فيه مادة او مسحوق من شانه ان يعجز خصمه عن الابصار (8) . اما في حالة القبض على متهم بجناية او جنحة مشهودة ، فيعد تجاوزا” عمديا” استعمال العنف مع المتهم الذي انصاع لأمر الشخص القائم بالقبض و لم يقاوم او يحاول الهرب(9) ، ما دامت ارادة القائم بالقبض لم تنصرف إلى اكثر من القبض ، او كما لو عذب المتهم بقصد اكراهه على الاعتراف بما هو منسوب اليه(10) ، و كذلك لو دخل شخص مكان ما عنوة من اجل القبض على متهم دون ان يطلب من صاحب المكان تسليم المتهم إليه ، او تقديم التسهيلات التي تمكنه من القبض عليه .

ثانيا”: التجاوز غير العمدي

كثيرا” ما يحصل تجاوز حدود استعمال الحق بناءا” على اهمال و عدم احتياط و هو ما يطلق عليه بالخطأ غير العمدي ، فالفاعل يباشر نشاطه عن ارادة واختيار غير قاصد نتيجته ، وعدم حيلولته دون ان يفضي تصرفه إلى حدوث النتيجة ، كأن يجهل الزوج ، للتدرج او الخطوات المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية ، فيلجأ إلى هجر زوجته دون وعظها وإرشادها أولا” ، او ان يقوم بضربها قبل ان يهجر مضجعها ، وكذا الحال لو ضربها بقصد التأديب ولكن تعدى ذلك إلى حدوث عاهة او تلف عضو ، او افضى إلى الموت (11) . وتطبيقا” لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأن (ما أورده المدان بلائحته التمييزية في انه استعمل حقه في التأديب غير صحيح لأنه تجاوز الحد المقرر شرعا” ، لان الضرب المباح للتأديب يجب ان لا يترك أثرا” او يصيب الوجه مطلقا”(12) . وفي مجال التأديب أيضا” ، اذا أدب الأب الولد الصغير او القاصر بقصد إصلاحه ، لكنه تجاوز الحد المألوف ، كما لو أراد الأب تأديب ابنته القاصر بتقييد حريتها داخل المنزل تهذيبا” لاخلاقها وتقويم سلوكها ، بأن ربطها من عضديها ربطا” محكما” ، فاحدث عندها غنغرينا سببت وفاتها (13) . ومن صور التجاوز الخاطئ ايضا” ان ينسى الطبيب احدى ادوات الجراحة في جسم المريض بعد اجراء العملية الجراحية ، او ان يغفل بعد اجراء عملية استخراج الحصوة من المثانة عمل الدرنغة اللازمة ، مما سهل امتداد التقيح من المثانة إلى البريتون ، فنشأت عنه الوفاة (14) . وكذلك عدم احتياط الطبيب المخدر ومراعاته قواعد الفن الطبي بأجراء الفحوص والتحليلات المختبرية قبل اجراء العملية الجراحية للتأكد من قابلية المريض واستعداده لتحمل المخدر . وفي هذا الاطار قضت محكمة التمييز الكويتية(ان عملية الختان التي اجراهـــا الطبيب الجراح كانت جذرية ازال بها على خلاف الاصول الفنية والقواعد العلمية كامل الجلد المغلف للذكر ، ولم يقتصر على ازالة الجزء الزائد من جلد مقدمة القضيب مما ترتب عليه تشويه القضيب ، فان هذا الامر يفيد ان الطبيب قد ارتكب خطأ” مهينا” يوجب المسائلة المدنية)(15). وفي مجال الالعاب الرياضية ، فان التزام اللاعب بقواعد اللعب لا يعفيه من الالتزام بواجب الحيطة و الحذر ، فاهمال اللاعب بقذف الكرة ، قبل البدء في اللعب ، ولم يكن منافسه منتبها” اليه ، فأصابه على حين غفله ، او كما لو قذف لاعب الرمح قبل خلو الميدان امامه من الناس وقبل ان يأذن له الحكم في بدأ اللعب ، فأصاب شخصا” برمحه ، فأنه يسأل عن اصابة غير عمدية ناشئة عن اهمال وعدم احتياط ، اذا لم يثبت انه تعمد ، الاصابة (16) . واخيرا” فأن من صور التجاوز الخاطىء ، ان يتم استجواب المقبوض عليه من قبل الشخص المكلف بالقبض ، ذلك ان الاستجواب هو الاجراء الوحيد من بين اجراءات جمع الادلة الذي احتفظ به المشرع للسلطات القضائية ، كاجراء لاستقصاء ادلة الجريمة ، ودفاع يعطي المتهم فرصة تفنيد ما احاط به من الشبهات(17) ، لذا فان القانون حصر حق مباشرته بقاضي التحقيق والمحقق ، ومن ثم فلا يجوز لعضو الضبط القضائي القيام به ( 18) ، ومن امثلة ذلك ايضا ان يقوم الشخص المكلف بالقبض بوضع المقبوض عليه في مكان ما تمهيدا” لتسليمه إلى السلطات ، مما ادى ذلك الى ان يصاب المقبوض عليه بأذى .

__________________

1- ينظر ص 27 من الرسالة .

2- قرار رقم 44و172 / تمييزية / 976 في 14/2/1976 – مجموعة الإحكام العدلية ،ع 1 ، س7 ، 1976 ، ص 294 .

3- الايلاء هو حلف الزوج بالله تعالى على ترك وطأ زوجته ، بقصد هجرها والإضرار بها ، وإغضابها بشرط ان تكون المدة التي يحلف على ترك الوطأ فيها أكثر من أربعة أشهر ، فإذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق .وقد أشار القرآن الكريم لذك بقوله } لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ { سورة البقرة / آية 226 . وعن ابن عباس والحسن انه لا ايلاء الا في غضب ، فان حلف على ان لا يطأ الزوجة بسبب الخوف على الولد من الغيلة ، فلا يكون ايلاء . وعن عثمان وابي الدرداء وعائشة واثنى عشر من اصحاب النبي e ( يوقف المولي بعد الاربعة فاما يفيء واما ان يطلق) ، وعن ابن عثمان ( اذا مضت اربعة اشهر فهي تطليقة بائنه ) .الشوكاني / ج6 ، مج3 ، بيروت ، دار الجليل ، دون تاريخ ، ص256 و ما بعدها ؛ الحكيم ، محمد سعيد الطباطبائي / الاحكام الفقهية ، ط7 ، النجف ، دار الهلال ، 2003 ، ص 438 ؛ السرخسي ، شمس الدين الوكيل / كتاب المبسوط ، ط1 ، ج7 ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1993 ، ص 19 .

4-نقض رقم 1132 / 45 ق في 2/11/1975- معوض عبد التواب / الوسيط في احكام النقض الجنائية ، الاسكندريه ، دون ناشر ، 1985 ، ص 26 .

5- قرار رقم 452 / تمييزية/ 976 في 9/5/ 1976- مجموعة الاحكام العدلية ،ع2 ، س7،1977 ، ص352 .

6- نقض رقم 110 في 7/6 / 1965- اشار اليه احمد سمير ابوشادي / مجموعة المبادئ القانونية ، القاهرة ، دار الكتاب العربي ، دون تاريخ ، ص395 .

7- محمود محمود مصطفى – شرح قانون العقوبات – القسم العام ، القاهرة ، مطبعة جامعة القاهرة ، 1983، ص181 ؛ اكرم محمود حسين البدو – المسؤولية المدنية للمستشفيات الخاصة ، ط 1 ، الاردن ، دار الحامد للنشر والتوزيع ، 2003 ،ص143 .

8- محمد مصطفى القللي – في المسؤولية الجنائية ، مصر ، مكتبة عبدالله وهبه ، 1945، ص 266 .

9- د. قدري عبد الفتاح الشهاوي – السلطة الشرطية ومناط شرعيتها جنائيا” واداريا” ، الاسكندريه ، منشأة المعارف ، 1973 ، ص434 .

11- أ. عبد الأمير العكيلي ، د. سليم حربة / اصول المحاكمات الجزائية ، ج1 ، بغداد ، دار الكتب ، 1988 ، ص145 وما بعدها .

12- د. محمد سلام مدكور – احكام الاسرة في الاسلام ، ج1 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1967 ، ص 409 ؛ احمد فتحي بهنسي المسؤولية الجنائية في الفقه الاسلامي ، ط 2 ، مؤسسة الحلبي،1969، ص 475.

13- قرار رقم 501 / تمييزية /76 في 11/5/1976- مجموعة الاحكام العدلية / المرجع السابق ، ص 372 .

14- نقض مصري رقم 136 في 5/6/1933- محمود احمد عمر / مجموعة القواعد القانونية ، ج3 ، 1936 ، ص 190 .

15- نقض مصري رقم 216 في 26/يناير/1935 – نقابة المحامين الاهلية / المحاماة ، ع 1 ، س15 ، القاهرة ، مطبعة حجازي /1935 ، ص 471 .

16- تميز كويتي رقم 100 ، 108 / 79 تجاري ـ اشار اليه د. احمد شرف الدين / مسؤولية الطبيب وادارة المرفق الصحي العام ـ مجلة ادارة الفتوى والتشريع ، ع2 ، س2 ، الكويت ، ادارة الفتوى والتشريع ،1982 ، ص 143 .

17- د. محمد مصطفى القللي / المرجع السابق ، ص259 .

18- سامي النصراوي – المبادىء العامة في قانون العقوبات ، بغداد ، مطبعة دار السلام ، 1977 ، ص 377 وما بعدها .

19- د. محمد سامي النبراوي – شرح الاحكام العامة لقانون العقوبات الليبي ، بيروت ، مطابع دار الكتب ، 1972، ص100 ؛ سعيد حسب الله عبد الله – شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية ، الموصل ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، 1990 ،ص211 .

المؤلف : سامية عبد الرزاق خلف
الكتاب أو المصدر : التجاوز في الاباحة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .