تنص الفقرة (1) من المادة (430) من القانون المدني العراقي على انه (كل حق دوري متجدد كالأجرة … لا تسمع الدعوى به على المدين بعد تركها من غير عذر مشروع خمس سنوات)(1) ، ويظهر من هذه الفقرة ان دعوى المطالبة بالأجرة لا تسمع بعد مرور خمس سنوات على ميعاد استحقاقها شريطة ألا يكون هنالك سبب قهري يمنع من المطالبة بها ، وبهذا الصدد تنص المادة (433) من القانون المدني العراقي على انه (تحسب المدة التي تمنع من سماع الدعوى بالتقويم الميلادي وتكون بالأيام لا بالساعات)(2) ، وبذلك فان مدة الخمسة سنوات المذكورة يتم حسابها بالتقويم الميلادي لا بالتقويم الهجري وتكون بالأيام لا بالساعات وبهذا المعنى قضت محكمة التمييز العراقية بان (تحسب مدة مرور الزمان بالأيام لا بالساعات ولا يحسب اليوم الأول ويدخل اليوم الأخير كاملاً في حساب المدة)(3) ، وتبعاً لذلك فان مدة التقادم الخمسي تحسب من اليوم الذي تكون فيه الأجرة مستحقة الوفاء وهذا ما أشارت إليه المادة (434) من القانون المدني العراقي بقولها (يعتبر ابتداء المدة المقررة لعدم سماع الدعوى من اليوم الذي يصبح فيه الالتزام مستحق الأداء)(4)، وعلى هذا فيبدأ حساب مدة التقادم الخمسي من اليوم الذي يصبح فيه قسط الأجرة مستحق الأداء إذا كانت تدفع على شكل أقساط ، ومن تاريخ حلولها إذا كانت مؤجلة إلا أن مدة التقادم المذكورة تنقطع عند المطالبة القضائية(5). أو عند إقرار المستأجر بحق المؤجر صراحة أو ضمناً(6) ، إذ ان التقادم الخمسي للأجرة له ما يسوغ وجوده لان المؤجر إذا لم يطالب باجرته خلال تلك المدة فيكون قد أهمل حقه مما يؤدي ذلك الإهمال إلى عدم سماع الدعوى بتلك الأجرة بعد مضي خمسة سنوات على تاريخ استحقاقها وهذا جزاء رتبه القانون على إهماله ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدم سماع الدعوى بالأجرة يستتبع عدم سماعها بالنسبة لملحقاتها الأخرى حتى ولو كانت المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بالملحقات غير منتهية وهذا ما أوضحته المادة (441) من القانون المدني العراقي بقولها (إذا لم تسمع الدعوى بالحق بمرور الزمان فلا تسمع الدعوى بالفوائد وغيرها من الملحقات حتى لو لم تكتمل المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بهذه الملحقات)(7) ، والفقرة (2) من المادة (386) من القانون المدني المصري على انه (إذا سقط الحق بالتقادم سقطت معه الفوائد وغيرها من الملحقات ولو لم تكتمل مدة التقادم الخاصة بهذه الملحقات). يتبين من هذين النصين أن عدم سماع الدعوى بالأجرة بمرور الزمان يؤدي إلى عدم سماع الدعوى بالفوائد وغيرها من الملحقات حتى لو لم تكتمل المدة المقررة لها ، ولكن هذا لا يؤدي إلى عدم سماعها بالنسبة للمبالغ الأخرى التي يستحقها المؤجر حتى لو كانت ناشئة عن عقد الإيجار كما هو الحال بالنسبة للتعويض الذي يستحقه المؤجر بسبب إساءة استعمال المستأجر للعين المؤجرة أو بسبب حريقه لها ونحو ذلك ، وعدم سماع الدعوى بالأجرة لا يشمل أيضاً الدعوى التي يقيمها المستأجر على المؤجر مطالباً إياه بالزيادة التي دفعها على الأجرة إذا كان المستأجر قد دفع أجرة أعلى من الأجرة المتفق عليها (8).

أما بالنسبة لموقف فقهاء المسلمين من تقادم دين الأجرة فان جمهور الفقهاء من الشافعية(9) والحنابلة(10) والامامية(11) والزيدية(12) والظاهرية(13) لم يقرروا التقادم بنوعيه المكسب والمقسط ويستندون في ذلك على الأدلة الآتية:-

لما روي ان الرسول (صلى الله عليه وآله) قال (لا يسقط حق امرئ مسلم وان قدم) .

1-لم يوجد في النصوص الشرعية ما ينص على التقادم إذ أن من حق الإنسان الادعاء بأي حق له متى يشاء إذا توافرت شروط صحة ادعائه .

2-ان الأخذ بمبدأ التقادم يبرر آكل أموال الناس بالباطل .

إلا أن المحدثين من فقهاء الحنفية(14) والمالكية(15) قد اقروا بتطبيق قواعد التقادم بوصفها مانعاً من موانع سماع الدعوى يستفيد منه المدين ولكنهم اختلفوا في الشروط المطلوبة بسقوط دعوى الدين إذ ذهب فقهاء الحنفية وبعض المالكية إلى تطبيق قواعد التقادم على الديون مهما كان شكلها موثقة أو غير موثقة وبذلك لا تسمع الدعوى فيها بعد مضي مدة التقادم فإذا مضت هذه المدة ولم يطالب المدين بحقه فلا حق له بعد ذلك ويستندون فيما ذهبوا إليه إلى الأدلة الآتية:-

1-أن عدم سماع دعوى الدائن بالشروط المذكورة يهدف إلى استقرار المعاملات وسد باب التزوير والاحتيال والدعاوى الباطلة .

2-أن العرف خير شاهد على أن صاحب الحق لا يسكت طيلة مرور مدة التقادم إلا إذا كان قد حصل على حقه فعدم سماع دعوى المطالبة بالدين جاء قائماً على قرينة الوفاء .

في حين ذهب بعض فقهاء المالكية(16) إلى التفصيل في سقوط دعوى الدين بالتقادم وقالوا إذا كانت الديون موثقة فلا اثر للتقادم عليها لأنها ثابتة بالذمة وإذا كانت غير موثقة فان دعوى المطالبة بها تسقط بعد مضي المدة ويستندون على الأدلة الآتية :

1-أن قول الرسول (صلى الله عليه وآله) (لا يبطل حق امرئ مسلم وان قدم) يتعلق بما في الذمم كالديون ووثيقة الصداق .

2-أن عدم سماع الدعوى بالدين قائم على قرينة الوفاء وفي حالة الديون الموثقة قرينة عدم الوفاء هي القائمة ولا يلتفت إلى تقصير المدين في عدم اخذ وثيقة لدينه أو تمزيقها أو ضياعها لان ذلك نادر والعبرة بالشائع .

3-أن الدين الثابت بالذمة لا يمكن أن يكون موضعاً للتصرف أو لأعمال الحيازة فالدعوى على المدين مسموعة وعليه أن يبرئ ذمته منها .

أما إذا كانت الديون غير موثقة فلا تسمع الدعوى فيها عند إنكار الخصم فإذا كان المدين قد أوفى دينه فيكون القضاء قد حقق مطلوبة وإذا كان المدين غير موفٍ لدينه واستطاع كسب الحكم قضاءاً فحكم القاضي حينها يعد صحيحاً إلا انه يبقى مديناً وان الحق لا يسقط ديانة ويجب عليه الوفاء . وبناءاً على ذلك فان الأجرة إذا كانت موثقة (مكتوبة) فان دعوى المطالبة بها لا تسقط حتى لو مضت مدة التقادم ، وإذا كانت غير موثقة فان دعوى المطالبة بها تسقط بمضي المدة ، فلا تسمع دعوى المطالبة عند إنكار المستأجر ، وإذا كان هذا الأخير قد أوفى بها فيكون حكم القضاء برد الدعوى قد حقق مطلوبة ، وإذا كان المستأجر غير موفٍ للأجرة واستطاع ان يكسب الحكم القضائي فحكم القضاء لا تثريب عليه ، ولكن المستأجر يبقى مديناً لان الحق في الأجرة لا يسقط ديانةً ويجب عليه الوفاء . أما بالنسبة للمدة التي لا تسمع الدعوى بعد مضيها فقد اختلف فيها الفقهاء فمنهم من يرى أنها خمس عشرة سنة ومنهم من يذهب إلى أن الديون الثابتة في الذمم تسقط بمضي عشرين عاماً ومنهم من حددها بثلاثين سنة ، أما مجلة الأحكام العدلية جعلتها خمس عشرة سنة(17) هذا ما نصت عليه المادة (1660) منها بقولها (لا تسمع دعوى الدين … بعد أن تركة خمس عشرة سنة) .

___________________

– وهذا ما نصت عليه الفقرة (1) من المادة (375) من القانون المدني المصري بقولها (يتقادم بخمس سنوات كل حق دوري متجدد ولو اقر به المدين كأجرة المباني والأراضي الزراعية …) ، والفقرة (1) من المادة (373) من القانون المدني السوري بقولها (يتقادم بخمس سنوات كل حق دوري متجدد ولو اقر به المدين كأجرة المباني والأراضي الزراعية …) ، والمادة (350) من قانون الموجبات والعقود اللبناني بقولها (تكون مدة مرور الزمن خمس سنوات للمستحقات المتأخرة … وأجور المباني والأراضي الزراعية) ، والفقرة (1) من المادة (450) من القانون المدني الأردني بقولها (لا تسمع دعوى المطالبة باي حق دوري متجدد كأجرة المباني والأراضي الزراعية … بانقضاء خمسة سنوات على تركها بغير عذر مشروع) ، والفقرة (1) من المادة (339) من القانون المدني الكويتي بقولها (لا تسمع عند الإنكار الدعوى لمضي خمس سنوات إذا كانت بحق دوري متجدد كأجرة المباني والأراضي الزراعية …) .

2- وهذا ما نصت عليه أيضاً المادة (380) من القانون المدني المصري بقولها (تحسب مدة التقادم بالأيام لا بالساعات ولا يحسب اليوم الأول وتكمل المدة بانقضاء آخر يوم) ، والمادة (377) من القانون المدني السوري بقولها (تحسب مدة التقادم بالأيام لا بالساعات ولا يحسب اليوم الأول وتكمل المدة بانقضاء آخر يوم) ، والمادة (456) من القانون المدني الأردني بقولها (تحسب المدة التي تمنع سماع الدعوى بالأيام ولا يحسب اليوم الأول منها وتكمل بانقضاء آخر يوم منها إلا إذا كانت عطلة رسمية فانه يمتد إلى اليوم التالي) .

3- رقم القرار 1427 / مدنية رابعة / 1975 بتاريخ 2/5/1976 ، مجموعة الأحكام العدلية يصدرها قسم الأعلام القانوني بوزارة العدل ، العدد الثاني ، السنة السابعة ، 1977 ، ص 93 .

4- وبهذا الصدد تنص الفقرة (1) من المادة (381) من القانون المدني المصري على انه (لا يبدأ سريان التقادم … إلا من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء) ، والفقرة (1) من المادة (378) من القانون المدني السوري على انه (لا يبدأ سريان التقادم … الا من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء) ، والمادة (454) من القانون المدني الأردني على انه (تبدأ المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بمرور الزمان من اليوم الذي يصبح فيه الحق مستحق الأداء).

5- وهذا ما أشارت إليه الفقرة (1) من المادة (437) من القانون المدني العراقي بقولها (تنقطع المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بالمطالبة القضائية …) ، والمادة (383) من القانون المدني المصري بقولها (ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية …) ، والمادة (380) من القانون المدني السوري بقولها (ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية …) ، والمادة (460) من القانون المدني الأردني بقولها (تنقطع المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بالمطالبة القضائية أو بأي إجراء قضائي يقوم به الدائن للتمسك بحقه) .

6- وهذا ما أشارت إليه الفقرة (1) من المادة (438) من القانون المدني العراقي بقولها (تنقطع أيضاً المدة المقررة لعدم سماع الدعوى إذا اقر المدين بحق الدائن صراحة أو دلالة …) ، والفقرة (1) من المادة (384) من القانون المدني المصري بقولها (ينقطع التقادم إذا اقر المدين بحق الدائن إقراراً صريحاً أو ضمنياً) ، والفقرة (1) من المادة (381) من القانون المدني السوري بقولها (ينقطع التقادم إذا اقر المدين بحق الدائن إقراراً صريحاً أو ضمنياً) ، والمادة (459) من القانون المدني الأردني بقولها (إقرار المدين بالحق صراحة أو دلالة يقطع مرور الزمان المقرر لعدم سماع الدعوى) .

7- وبهذا الصدد تنص الفقرة (2) من المادة (383) من القانون المدني السوري على انه (إذا سقط الحق بالتقادم سقطت معه الفوائد وغيرها من الملحقات ولو لم تكتمل مدة التقادم الخاصة بهذه الملحقات) ، والمادة (462) من القانون المدني الأردني على انه (عدم سماع الدعوى بالحق بمرور الزمان يستتبع عدم سماعها لتوابعه ولو لم تكتمل المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بهذه التوابع) .

8- د. السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، مصدر سابق ، مج1 ، ج6 ، ص 473 . د.توفيق حسن فرج ، مصدر سابق ، ص 727 . د. برهام محمد عطا الله ، مصدر سابق ،
ص 60. أ. د. رمضان ابو السعود ، العقود المسماة ، مصدر سابق ، ص 548 . د. خميس خضير ، مصدر سابق ، ص 869 . د. بدر جاسم يعقوب ، مصدر سابق ، ص 133 . د. حسام الدين الاهواني ، مصدر سابق ، ص 159 . د. الصراف ، مصدر سابق ، ص 395 . د. كمال الونداوي ، مصدر سابق ، ص 318 . د. العامري ، مصدر سابق ، ص 273 . د. جعفر الفضلي ، الوجيز في العقود المدنية ، مصدر سابق ، ص 270 . د. جعفر الفضلي ، الوجيز في شرح أحكام عقد الإيجار، مصدر سابق ، ص 65 .

9- يوسف الاردبيلي ، الانوار لأعمال الابرار ، ج1 ، طبعة أخيرة ، مؤسسة الحلبي وشركائه للنشر ، مطبعة المدني ، القاهرة ، 1969 ، ص 309 .

0- ابن قيم الجوزية ، الطرق الحكمية للسياسة الشرعية ، تحقيق محمد حامد الفقي ، مطبعة السنة المحمدية ، 1953 ، ص 48 .

1- الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، تحرير المجلة ، ج3 ، مطبعة الحيدري ، النجف الاشرف ، 1369هـ ، ص 108 .

2- احمد بن يحيى المرتضى ، مصدر سابق ، ج4 ، ص 392 .

3- ابن حزم ، مصدر سابق ، ج8 ، ص 421 .

4- محمد علاء الدين بن عابدين ، حاشية قرة عيون الأخيار تكملة رد المختار على الدر المختار ، ج7 ، مطبعة البابي الحلبي ، 1966 ، ص 488 .

5- شمس الدين الدسوقي ، مصدر سابق ، ج4 ، ص 210 .

6- احمد بن محمد الصاوي المالكي ، بلغة المسالك لأقرب المسائل ، ج2 ، طبعة أخيرة ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، 1952 ، ص 380 . أبو عبد الله محمد بن احمد عليش ، فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك ، ج2 ، طبعة أخيرة ، مطبعة البابي مصطفى الحلبي ، 1958 ، ص 320. برهان الدين أبو الوفى بن فرحون اليعمري ، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام ، ج2 ، ط1 ، المطبعة العامرة الشرفية بمصر ، دار الكتب العلمية بيروت، بلا سنة طبع ، ص 82 .

7- انظر بهذا الصدد د. محمد سعود المعيني ، اثر التقادم في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1990 ، ص 23 – 24 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .