لغــة : اصل التعذيب في اللغة ماخوذ من (عذّب) والعَذْب الماء الطيب وكل مستساغ من طعام او شراب ، وأعذَب عن الشيء امتنع وأعذَب غيرَه مَنَعَه ، وكل من منعته شيئا فقد أعذبتَه وعذّبته ، والعذاب النكال والعقوبة يقال عذبته تعذيبا وعذابا . وعلى هذا يكون التعذيب في اللغة العقوبة والنكال (1). واما القسوة في اللغة فهي الغلظة والشدة وحجر قاس أي صلب وقاسى الامر كابده فالقسوة غلظة وشدة توصف بها الافعال التي تحدث الاما بالاخرين (2).

واما اصطلاحا : فلم يحدد المشرع العراقي ولا الاردني والمصري المقصود بالتعذيب لذلك فقد بادر الفقه والقضاء الى وضع تعريفات له وكذلك تم تعريف التعذيب في بعض المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة به .

اما في المواثيق والمعاهدات الدولية فقد نص على تعريف التعذيب بموجب المادة الاولى من اتفاقية مناهضة التعذيب بانه (أي عمل ينتج عنه الم او عذاب شديد جسدي او نفسي يتم الحاقه بشخص ما ، بقصد الحصول من هذا الشخص او من شخص ثالث على معلومات او على اعتراف او معاقبته على عمل ارتكبه او يشتبه في انه ارتكبه هو او أي شخص ، او تخويفه او الضغط عليه هو او أي شخص ثالث ، او لاي سبب من الاسباب يقوم على التمييز ايا كان نوعه حينما يلحق مثل هذا الالم او العذاب او يحرّض عليه او يوافق عليه او يسكت عنه موظف رسمي او أي شخص اخر يتصرف بصفة رسمية ) (3). وفي اعلان حماية جميع الاشخاص من التعرض للتعذيب او العقوبات او المعاملات القاسية او الوحشية او الحاطّة بالكرامة ورد تعريف التعذيب بالمادة الاولى منه بانه (أي فعل يحل باجرائه الم مبرح او معاناة شديدة او جسدية او معنوية ، يقوم بانزاله عمدا او تم بتحريض من موظف عمومي لشخص من الاشخاص وذلك لبعض الاغراض مثل الحصول على معلومات او اعترافات منه او من طرف ثالث او لمعاقبته على فعل ارتكبه او فعل يشتبه في انه قام بارتكابه او بارهابه او لارهاب غيره من الناس) (4) . يضيف الاعلان ان التعذيب لايشمل الالام والمعاناة الناتجة عن الجزاءات القانونية او الملازمة لها او التي تقع بشكل عارض نتيجة لها وذلك الى الحد الذي يتفق مع الحد الادنى من القواعد بالنسبة لمعاملة المسجونين والملاحظ على التعريفين السابقين الاخذ بالمعنى الواسع للتعذيب بحيث يشمل التعذيب المادي والمعنوي وكذلك عدم قصر غايته على الحصول على اعتراف وكذلك توسيع نطاق المساهمة الجنائية بحيث تشمل الفاعل والمحرض وكل من يوافق على فعل التعذيب او يسكت عنه . والحقيقة ان المنظمات الدولية بما تقرره من مواثيق ومعاهدات تسعى الى الاخذ بالمفهوم الواسع للتعذيب بل توجب ان يكون التعريف الذي تنص عليه هو الحد الادنى لتغطية كل اشكال التعذيب الممكنة (5).

واما في الفقه ففي فرنسا قيل في تعريفه بانه (اعمال العنف الشديدة الجسامة التي تقع اعتداء على سلامة جسم المجني عليه دون ان يتوافر لدى الجاني نية ازهاق روح المجني عليه) (6). ويستند الفقهاء الفرنسيون في تعريفهم هذا الى نص المادة 222/1 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد الذي جعل من التعذيب جريمة ضد سلامة جسم المجني عليه بصرف النظر عن صفة الجاني او المجني عليه او الباعث على التعذيب . والملاحظ على التعريف السابق انه قصر مفهوم التعذيب على الاعمال المادية التي تصيب جسم الانسان فقط دون التعذيب المعنوي الذي يمكن ان يقع دون ان يصاب الجسم باذى . ولكن من حسنات هذا التعريف انه لم يقصر التعذيب على باعث او غاية معينة مما يجعل الجريمة تتحقق بمجرد توافر القصد العام دون القصد الخاص .وفي مصر قيل في تعريفه بانه (كل ايذاء جسيم او تصرف عنيف او وحشي وقع على المتهم اساسا بهدف تسبيب العناء له ) (7) . والملاحظ على هذا التعريف انه تضمن الاشارة الى التعذيب المادي والمعنوي الا انه قصر التعذيب فيوجوب وقوعه على متهم وحدد الهدف منه .وحدد اخر التعذيب بعبارة (العدوان البدني) التي تعني الايذاء المتضمن لمعنى الانتزاع والاعتصار والاستخراج بالقوة وان عبارة (العدوان البدني تتسع للضرب والجرح والتقييد بالاغلال والحبس والتعريض للهوان والحرمان من الطعام او من النوم و ماشابه ذلك من سائر الوان الايذاء والحرمان) (8). وحدد اخر التعذيب بالاكراه المادي والمعنوي ، اما المادي (فهو كل فعل مباشر يقع على الشخص فيه مساس بجسده ويمثل اعتداء عليه يكون من نتيجته ان يسلبه الارادة نهائيا بحيث يشلّ حرية الاختيار او يؤثر فيها نسبيا فيترك لها فرصة للتعبير ولكن على غير رغبتها) (9). واما الاكراه المعنوي فيكون (عادة في هيئة تهديد بضرر بقصد التاثير على الارادة وجعلها تتجه في طريق معين على غير رغبة الشخص) (10).

وقيل في تعريف التعذيب بانه (استعمال وسائل العنف المادي للتاثير على ارادة المتهم) (11) . وقيل في تعريفه بانه (انتزاع المعلومات بالقوة واستخراجها تحت وطأة التاثير المادي والمعنوي والنفسي نتيجة للضرب والتعريض للاهانة والذل او نتيجة لمنع الماء والطعام عنه او نتيجة لحجزه بصورة انفرادية مخالفة للقانون او تقييده ، ولا يشترط في التعذيب ان يؤدي الى الوفاة فالاعتداء النفسي والمعنوي قد لا يزول ابد الدهر ، ولكن المقصود هو كل ما يسبب الالم ويؤثر على ارادة الانسان الحرة) (12). وقيل في تعريفه بانه (ايذاء المجني عليه ايذاء شديدا يجعله يتلوى من الالم وهو يتوافر عندما يستعمل الجاني في اعتدائه اساليب وحشية وبربرية كما لو وخزه بالة واخزة عدة مرات او قلع اظافره او حرقه في مواضع من جسمه او سحله على أديم) (13) . وقيل في تعريفه بانه (كل اعتداء متعمد سببّ الما بدنيا كان ام معنويا لشخص موجود تحت سلطة الجاني او اشرافه ) (14). واما في القضاء فقد عرفته محكمة الجنايات المصرية في محافظة طنطا بانه ( الايذاء القاسي العنيف الذي يفعل فعله ويفتّ من عزيمة المعذّب فيحمله على قبول بلاء الاعتراف للخلاص منه ) (15) .

والملاحظ على هذا التعريف انه قصر التعذيب على الفعل المادي وحده دون الاذى المعنوي الذي يلحق بالشخص والذي قد يكون التعذيب به اقسى من التعذيب المادي . وانه تعريف يحتاج الى بيان ، ذلك ان تعريف التعذيب بانه (الايذاء القاسي العنيف) يحتاج الى بيان متى يكون الايذاء قاسيا وعنيفا والى أي درجة يصل الايذاء اليها ليكون قاسيا وعنيفا ، لذلك فقد قررت محكمة النقض المصرية ترك تقدير التعذيب الى محكمة الموضوع حيث قررت بانه (لم يعرف القانون معنى التعذيبات البدنية ولم يشترط لها درجة معينة من الجسامة والامر في ذلك متروك لتقرير محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الدعوى) (16) . كما قررت ان (الاصابات العديدة التي استعملت في احداثها الة صلبة راضة كالعصا الغليظة او عقب “كعب” البندقية يتحقق بها التعذيب البدني) (17) . وقررت محكمة التمييز العراقية ان التعذيب يتحقق (عن طريق كي جسم المتهم بسكين بعد ايقاد نصلها بالنار لفترة من الزمن) (18) . ويلاحظ كذلك انه قاصر على إحداث نتيجة معينة هي حمل المجني عليه على الاعتراف وهو امر لايمكن التسليم به لان فعل التعذيب يقع بمجرد حصوله واقترافه دون انتظار لحصول نتيجة ما ، أي ان التعذيب مجرّم لذاته لا بوصفه او تقييده ، فهو يقع فعلا سواء ادى الى الحصول على القصد من إيقاعه ام لم يؤد.

وعليه نستطيع تعريف التعذيب بانه : (كل فعل يحدث ايذاء جسيما ماديا او معنويا يقوم به الموظف باسم السلطة ضد أي شخص من الاشخاص ولاي سبب كان) . اما تعريف القسوة اصطلاحا فقد قيل في تعريفها بانها (كل سلوك يشكل خطرا على الحياة او على سلامة الجسم مما يسبب له الما ماديا او معنويا او يكون من شانه ان يثير توقعا معقولا لوقوع هذا الخطر) (19) . وقيل ايضا بانها (اعتداء ينصب على المجني عليه ماديا او معنويا كما لو ترك الجاني المجني عليه عاريا في الطريق القفر او بدون طعام او شراب او أوثقه بالحبال …الخ فكل صورة من هذه الصور تنطوي ولاريب على قسوة وشراسة وطبع عريق بالاجرام) (20). وعرفت محكمة النقض المصرية القسوة بعد ان ارجعتها الى أصلها القانوني الماخوذة عنه فقررت انه (لما كانت المادة 129 من قانون العقوبات المصري (21). منقولة عن المادة 106 من قانون العقوبات التركي الماخوذ من المادة 186 من قانون العقوبات الفرنسي وكانت جميع هذه القوانين قد استعملت في التعبير عن القسوة المعاقب عليها عبارة “Violence Contreles personnes” وهذه العبارة لا تنصرف الا الى الافعال المادية التي تقع على الاشخاص . لما كان ذلك كانت الاقوال والاشارات لاتدخل في مدلول القسوة المقصودة بالمادة 129 المذكورة . واذا كان القانون المصري قد حذا حذو القانون التركي في عدم الاكتفاء بالعبارة المذكورة فاضاف اليها عبارة ” بحيث انه اخل بشرفهم او احدث الاما بابدانهم” فان هذا منه لا يعدو ان يكون بيانا لفعل القسوة في جميع احوال الاعتداء الذي يقع على الشخص مهما خفت جسامته سواء اكان من قبيل الضرب الذي يؤلم الجسم ام كان من قبيل الايذاء الخفيف الذي يمس الشرف وان لم يؤلم الجسم واذن فانه اذا عدت المحكمة المتهم مرتكبا لجريمة استعمال القسوة على اعتبار ان هذه الجريمة قد تقع بالالفاظ كما تقع بالافعال فانها تكون مخطئة ) (22) وقررت ان القسوة تتحقق في كل فعل مادي من شانه احداث الم بجسم المجني عليه مهما كان الالم خفيفا (23).

__________________

[1]- انظر : ابن منظور ، لسان العرب ، المصدر السابق ، ج2 ، فصل العين ، حرب الباء ، ص ص 72-75 . والرازي ، مختار الصحاح ، المصدر السابق ، مادة عذب ، ص 420.

2- انظر : الرازي ، مختار الصحاح ، المصدر السابق ، مادة قسا ، ص 535.

3- المادة الاولى من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة المعتمدة من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة بقرارها المرقم 39 / 46 في 10/12/1984 .

4- المادة الاولى من اعلان حماية جميع الاشخاص من التعرض للتعذيب او العقوبات او المعاملات القاسية او الوحشية او الحاطّة بالكرامة الذي اصدرته الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها العادية الثلاثين بموجب القرار المرقم 3452 (د – 30) لسنة 1975. اشار اليه : حسين جميل ، مصدر سابق ، ص 63.

5-انظر :الدليل العلمي للاجراءات الدولية المتعلقة بالشكاوى والالتماسات ضد التعذيب وحالات الاختفاء القسري ، طبعة اتحاد المحامين العرب ، القاهرة 1989 ، ص 17.

6- اشار اليه : محمد ابو العلا ، الاتجاهات الحديثة في قانون العقوبات الفرنسي الجديد ، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، س 39 ، ع1 ، القاهرة 1997 ، ص 90.

7- محمد زكي ابو عامر ، قانون العقوبات ، القسم الخاص ، ط2 ، مطبعة التوني ، القاهرة 1989 ، ص 675.

8- سامي صادق الملا ، مصدر سابق ، ص 413.

9- محمد سامي النبراوي ، مصدر سابق ، ص ص 415-416.

10- محمد سامي النبراوي ، المصدر السابق ، ص 425 .

11- توفيق محمد الشاوي ، بطلان التحقيق الابتدائي بسبب التعذيب والاكراه الواقع على المتهم ، دار الاسراء للنشر والتوزيع ، عمان 1998 ، ص 7.

2[1]- محمد علي السالم عياد الحلبي ، المصدر السابق ، ص 205.

3[1]- حميد السعدي ، شرح قانون العقوبات الجديد ، ج2 ، جرائم الاعتداء على الاموال ، المصدر السابق ، ص 258.

4[1]- صباح سامي داؤد ، المصدر السابق ، ص 87 .

5[1]- قرار محكمة جنايات طنطا المؤرخ في 28/ يونيه – تموز / 1927 ، س 28 ، رقم 115، جندي عبد الملك ، الموسوعة الجنائية ، المصدر السابق ، ج2 ، ص160.

6[1]- طعن رقم 717 لسنة 29 ق ، جلسة 23/6/1959 ،س10، ص 688 ،الموسوعة الذهبية ، الفكهاني ، المصدر السابق ، رقم 879 ، ص406.

7[1]- طعن رقم 718 لسنة 29 ق ، جلسة 23/6/1959 ، س 10 ، ص 688 ،الموسوعة الذهبية ، الفكهاني ،المصدر السابق ، رقم 880 ، ص 406.

7[1]- القرار المرقم 1306 / 1307 جنايات 1984-1985 المؤرخ في 27/5/1985 ، انظر : ابراهيم المشاهدي ، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز ، القسم الجنائي ، مطبعة الجاحظ ، بغداد 1990 ، ص 145 .

9[1]- ثروت حبيب ، القسوة كسبب للتطليق في القانون الانكليزي ، مجلة القانون والاقتصاد ، س 36 ، ع2 ، القاهرة 1966 ، ص 258 .

20- حميد السعدي ، شرح قانون العقوبات الجديد ، ج2 ، المصدر السابق ، ص 258.

[1]2- تقابلها المادة (332) عقوبات عراقي بنفس اللفظ تجريما وعقابا لذلك فان ما نشرحه عن المادة (129) عقوبات مصري يصدق على المادة (332) عراقي .

22- نقض مصري 16 / ابريل – نيسان / 1945 ، طعن رقم 725 ، س 15 ق ، مجموعة احكام النقض ، المصدر السابق ، ص ص 252-253 .

23- نقض مصري 14 / ابريل – نيسان / 1952 ، طعن رقم 264 ، س 22 ق ، مجموعة احكام النقض ، المصدر السابق ، ص 83 .

المؤلف : عبد الحكيم ذنون يونس الغزال
الكتاب أو المصدر : الحماية الجنائية للحريات الفردية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .