مفهوم الخبرة

المؤلف : بن لاغة عقيلة
الكتاب أو المصدر : حجية ادلة الاثبات الجنائية الحديثة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

أ – تعريف الخبرة: الخبرة هبي عبارة عن :“استشارة فنية يستعين بها قاضي التحقيق لتقدير المسائل الفنية التي يحتاج تقديرها إلى معرفة فنية أو إدارية علمية لا تتوفر لدى قاضي التحقيق بحكم تكوينه”(1) ولقد نص المشرع الجزائري على الخبرة في المواد من 143 الى 156 إجراءات جزائية وتنص المادة 143 على أنه :”لجهات التحقيق أو الحكم عندما تعرض لها مسألة ذات طابع فني أن تأمر بندب خبير إما بناء على طلب النيابة العامة أو من تلقاء نفسها أو من الخصوم، وإذا رأى قاضي التحقيق أنه لا موجب للاستجابة لطلب الخبرة فعليه أن يصدر في ذلك أمرا مسببا في حل ثلاثين يوما من تاريخ استلامه الطلب”. كما نجد أن المشرع الفرنسي قد نص هو الاخر على الخبرة في قانون التحقيق الجنائي وذلك في المواد 43 ، 44 كما نظمها في قانون الإجراءات الجزائية في المواد من 156 إلى 169 ، وكملها بنصوص تنظيمية(2) .

ب- الخبرة تتناول الوقائع المادية الفنية دون المسائل القانونية: لا يجوز للقاضي أن يستعين في المسائل القانونية بأهل الخبرة، لان القاضي يتكفل بالقانون، إذ أنه لا يستطيع أن يستعين بخبير للحصول على نص يطبق على النزاع إلا أنه إذا فعل ذلك يكون قد اخل بواجباته وعرض حكمه للبطلان(3) ولقد أصبحت الخبرة تحتل مكانا هاما، في العمل القضائي باعتبارها طريقا مهما من طرق إثبات الحقوق في المنازعات التي تنظر أمام القضاء، لاسيما في مواجهة التطور التقني من شتى المجالات، مما يؤكد بأن اللجوء إلى الخبرة أمر ضروري خاصة إذ تعلق الأمر بالمسائل الفنية البحتة التي يلتزم القاضي بتعيين خبير لفهم معطيات النزاع(4) .

وهو ما نصت عليه المادة 146 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري: “يجب أن تحدد دائما في قرار ندب الخبراء مهمتهم التي لا يجوز أن تهدف إلا إلى فحص مسائل ذات طابع فني”. ولهذا فان ما يصل إليه الخبير من إثبات الواقعة يمثل وجهة نظر فنية محضة ويجب أن تقترن بوجهة نظر قانونية، لكي تكتسب وجهة نظره قيمة فعلية في مجال الإثبات(5) .

ومن ثم فإن مهمة الخبير، هي المساهمة، في تقديم الدليل العلمي الذي يعتبر نتيجة الاختبارات التي يقوم بها الخبير، إذ يقدم التفسير العلمي أو الاستنتاج المنطقي لها، ولهذا اعتبرت مهمة الخبير مكملة للتحقيق الجنائي.(6) مما يؤكد أن اللجوء إلى الخبرة أصبح أمرا حتميا بشأن المسائل الفنية البحتة باعتبارها تساهم في إنارة طريق القاضي للوصول والكشف عن الحقيقة وأداء رسالته(7).

ج- انتداب الخبير: طبقا لنص المادة 147 قانون إجراءات جزائية فانه يجوز لقاضي التحقيق ندب خبير واحد أو أكثر ويتم اختيار الخبير من الجدول الذي تعده المجالس القضائية ولكن بعد استطلاع رأي النيابة العامة، إلا أنه يمكن للجهة لقضائية وبصفة استثنائية أن تختار خبير غير مقيد بالجدول، ولكن يكون هذا بأمر مسبب لذكر فيه الأسباب التي جعلته يلجأ إلى مثل هذا الاختيار، كما يجب أن يحدد قاضي التحقيق في قرار ندب الخبير المهمة الموكلة إليه وبمجرد قيد الخبير بالجدول، فإنه يؤدي اليمين أمام قاضي التحقيق، إذ يترتب على عدم أداء اليمين بطلان الخبرة ويجب أن تتم الخبرة وفقا للقواعد المحددة في قانون الإجراءات الجزائية.(8)
د- أداء الخبير لمهمته:

يشرع الخبير في أداء مهامه بمجرد تسلمه لأمر تعيينه والجدير بالذكر أنه يقوم بمهمته تحت مراقبة قاضي التحقيق وهذا ما نصت عليه المادة 143 فقرة (3) قانون إجراءات جزائية : يقوم الخبراء بأداء مهمتهم تحت مراقبة قاضي التحقيق أو القاضي الذي تعينه الجهة القضائية التي أمرت بإجراء الخبرة”.

ويجب على الخبير أثناء القيام بمهمته أن يبقى على اتصال مع قاضي التحقيق وأن يحيطه بكل التطورات التي يقوم بها، يجوز للخبير أيضا وفي إطار مهمته أن يتلقى أقوال لأشخاص غير المتهمين ولكن على سبيل المعلومات، ، غير أنه يجوز للخبراء الأطباء المكلفين بفحص المتهم أن يوجهوا إليه الأسئلة اللازمة لأداء مهمتهم بغير حضور قاضي التحقيق والمحامي، في حين تجيز المادة 152 ق إ ج للأطراف أن يطلبوا من قاضي التحقيق تكليف الخبير المعين لإجراء أبحاث معينة أو سماع أي شخص معين يمكنه إفادتهم بالمعلومات .

وما تجدر الإشارة إليه هو أن الخبير رغم ما أجاز له القانون من مهام يبقى مجرد مساعد لقاضي التحقيق. يمكن للخبير أن يستعين في تكوين رأيه بخبراء آخرين لمساعدته في المسائل الشخصية ويجب على هؤلاء الفنيون المعنيون أن يؤدوا اليمين(9).
و- مدة الخبرة:
وفقا لما نصت عليه المادة 148 ق إ ج يجب على قاضي التحقيق متى أصدر قرار بندب الخبير، يجب أن يحدد المهلة المعينة لإنجاز المهمة المطلوبة، أما إذا كانت هذه المهلة غير كافية يمكن للقاضي تمديدها بطلب من الخبير إذا اقتضت ذلك أسباب خاصة ويكون ذلك بقرار مسبب.

أما في حالة ما إن لم يودع الخبير تقريره في الميعاد المحدد، يمكن تغييره بخبير آخر، ولكن يتعين على الخبير الأول أن يقدم نتائج ما قام به من أبحاث في ظرف 48 ساعة، كما يجب أن يردوا جميع الأشياء والأوراق والوثائق التي قدمت إليهم في إطار انجاز مهمتهم، إضافة إلى ما قد يتخذه ضدهم من تدابير تأديبية قد تصل إلى شطب أسمائهم من جدول الخبراء المنصوص عليه في المادة 144.
________________
1- أحسن بوسقيعة، التحقيق القضائي، الطبعة السادسة، دار هومة، الجزائر، 2006 ، ص 112
2- PIERRE Chambon. Le juge d’instruction théorie et pratique de la procédure. 4ème
édition، DALLOZ،1997، p 307.
3- علي مسعود محمد، القاضي والعناصر الواقعية للنزاع المدني، أطروحة دكتوراه في القانون الخاص، كلية القانون، جامعة الفاتح، طرابلس، ليبيا، 2005 ، ص 164 .
4- محمد واصل، حسن بن علي الهلالي، الخبرة أمام القضاء، دون طبعة، سلطنة عمان، 2004 ، ص 28.27 .
5- فاضل زيدان محمد، سلطة القاضي الجنائي من تقدير الأدلة الجنائية، الطبعة الثالثة، دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان، 2010 ، ص317
6- لعلا علي أبو العلا النمر، الجديد في الثبات الجنائي، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000 ،ص153 .
7- PIERRE Chambon، opcit .p.330.
8- أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 114
9- أحسن بو سقيعة، المرجع السابق، ص 115.