مقال يشرح التعريف والمفهوم القانوني للشروع في الجريمة .

يتخذ الركن المادي للجريمة صورة عادية إذا توافرت له جميع عناصره، إذ تعد الجريمة تامة وتوقع على الجاني العقوبة التي يقررها القانون لها. ولكن الركن المادي ق يتخذ صوراً غير عادية تنشأ فيها من المشاكل القانونية ما يقتضي تدخل الشارع لتنظيمها: فقد تتحقق بعض عناصر هذا الركن (المادي) دون البعض، فيثور التساؤل عما إذا كان العقاب واجباً في هذه الحالة وعن شروطه ومقداره، ويطلق على هذا الوضع تعبير “الشروع”.

تعريف:

وضع الشارع (المصري) تعريفاً للشروع في الجريمة ضمنه المادة 45 من قانون العقوبات التي تقرر أن: “الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها”.

ويحدد هذا النص أركان الشروع فيجعلها:

1- البدء في تنفيذ فعل؛
2- وقصد ارتكاب جناية أو جنحة؛
3- وإيقاف أثر الفعل أو خيبته لأسباب غير راجعة إلى إرادة الجاني.

ويبرز هذا النص الفكرة الأساسية في الشروع، وهي: “عدم تمام الجريمة”، إذ أن التنفيذ لم يستمر حتى ختام الجريمة وإنما أوقف أو خاب؛ وبالإضافة إلى ذلك فالقصد الجنائي متجه إلى ارتكاب الجريمة التامة. وفي النهاية فقد حدد هذا النص نوعي الجرائم المتصور الشروع فيها، وهما “الجنايات و الجنح”، واستبعد بذلك “المُخالفات”.

ماهية الشروع:

الشروع “جريمة ناقصة”، ويعني ذلك أنه قد تخلف بعض عناصرها، أما إذا توافرت هذه العناصر جميعاً فالجريمة تامة ولا محل للبحث في الشروع. وموضع النقص هو: “النتيجة الإجرامية”، فالجاني قد اقترف الفعل الذي أراد به تحقيق هذه النتيجة ولكن فعله لم يفض إلى ذلك.

ولتخلف النتيجة صورتان:

الأولى – تفترض أن النتيجة لم تتحقق على الإطلاق، مثال ذلك: أن يطلق شخص النار على عدوه بنية قتله فلا يصيبه.

والثانية – تفترض أن النتيجة التي أرادها الجاني قد تحققت ولكن بناء على سبب آخر غير فعله، أي أن علاقة السببية قد انتفت بين الفعل والنتيجة، مثال ذلك: أن يطلق شخص بنية القتل الرصاص على عدوه الذي يوجد في سفينة على وشك الغرق ثم تحدث الوفاة كأثر للغرق لا للجروح اليسيرة التي أصابته.

ويقرر الشارع المساواة بين هاتين الصورتين، فالشروع تتوافر فيهما أركانه، إذ أن انتفاء علاقة السببية بين الفعل والنتيجة يعني أنه لا صلة بينهما وأن الفعل لم ينتج أثراً، فتعد النتيجة بالنسبة له كما لو كانت لم تتحقق على الإطلاق، ومن ثم تتماثل الصورتان في عدم تحقق النتيجة بناء على الفعل.

وإذا كان موضع النقص في الشروع هو: “النتيجة الإجرامية”، فمعنى ذلك ألا نقص بالنسبة لسائر عناصر الجريمة، أي أن الشروع يفترض توافر كل عناصر الجريمة التامة فيما عدا “النتيجة”. ويهمنا أن نقرر أنه لا فرق بين الشروع والجريمة التامة من حيث الركن المعنوي، فالقصد الجنائي يتوافر في الشروع على نفس النحو الذي يتوافر به في الجريمة التامة ويقوم في الحالتين على ذات العناصر. وقد سلم الشارع بذلك فتطلب من بين أركان الشروع “قصد ارتكاب جناية أو جنحة”.

ونحن بذلك نرفض الرأي القائل بقيام الشروع إذا انتفى عنصر أياً كان من العناصر القانونية للجريمة وكان الجاني جاهلاً بذلك، مثال ذلك: أن يستولي الجاني على ماله معتقداً أنه مال غيره، أو يثبت في محرر ما يطابق الحقيقة معتقداً أنه يقرر ما يخالفها؛ ويذهب هذا الرأي إلى اعتبار “الغلط” جوهر الشروع، إذ الفرض أن ما حققه الجاني قد خالف ظنه، وهذا الغلط في غير مصلحته، إذ يحاسب على مقتضى ظنه الذي ابتعد عن الحقيقة، لا على مقتضى ما صدر عنه فعلاً. والحجة في رفض هذا الرأي مستمدة من مبدأ “شرعية الجرائم والعقوبات”، إذ لا يجوز أن تقوم المسئولية الجنائية من أجل فعل لم يجرمه القانون وليس من شأنه تهديد حق أو مصلحة بالخطر، فغير متصور أن ينسب إلى الشارع أنه أراد تجريم استيلاء المالك على ماله أو تصرفه فيه أو أنه أراد تجريم فعل من يثبت في محرر ما يطابق الحقيقة تماماً؛ وخطأ هذا الرأي أنه يغفل الركن الشرعي من بين أركان الشروع، فإذا كان الشارع لم يصرح به في المادة 45 من قانون العقوبات (المصري)، فهو يفترضه لأنه لم يقصد بالعقاب على الشروع الخروج على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ويعني ذلك أن الشروع لا يقوم إلا بفعل غير مشروع، ولذلك لم يكن من السائغ القول بالمسئولية الجنائية إذا انتفى من الجريمة عنصر ضروري لإسباغ الصفة غير المشروعة على الفعل. ولا يجوز القول بأن النية الإجرامية كافية لكي تقوم بها المسئولية الجنائية، إذ لا يعرف القانون الحديث جرائم تقوم بالنية وحدها، وفي النهاية فإن هذا الرأي يبتعد عن دلالة تعبير “الشروع”، إذ تنصرف هذه الدلالة إلى محاولة إدراك غاية والعجز عن بلوغها، ولا يصدق ذلك على من حقق نتيجة ظنها غير مشروعة وهي في الحقيقة مشروعة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .