الشخصية القانونية الدولية

المؤلف : قحطان عدنان عزيز
الكتاب أو المصدر : السلطة الدولية لقاع البحار
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

فكرة الشخصية القانونية الدولية
إن وظيفة القواعد القانونية هي ترتيب حقوق او فرض التزامات في الحالات التي تحدث فيها وقائع معينة، ومن تقرر له القاعدة ذلك يكون هو المخاطب بهذه القاعدة ويطلق عليه الشخص القانوني(1). ومن طبيعة كل نظام قانوني – سواء كان داخليا أو دوليا- ان يكون له أشخاص تخاطبهم قواعده، فترتب لهم حقوقاً وتفرض عليهم التزامات وهؤلاء هم اعضاء الهيئة التي ينظمها ويحكمها هذا النظام(2). الذي يقوم بتحديد الأشخاص التابعين له والخاضعين لاحكامه، ومن هذه العلاقة تظهر الشخصية القانونية(3).

ويترتب على ذلك ان الأشخاص القانونية لا توجد في نظام معين بطبيعتها، وإنما بفعل هذا النظام في الدائرة التي يقوم هو برسمها(4). ولما كان معنى الشخصية القانونية في نظام قانوني ما هو ان يكون الشخص مخاطباً بأحكامه فانه يترتب على ذلك ان يكون كل نظام قانوني صاحب الحق في تعيين من يصدق عليه هذا الوصف ومن ثم يكون القانون الدولي صاحب الاختصاص في تعيين أشخاص القانون الدولي(5).

وعليه فالنظام القانوني الدولي هو الذي يخاطب الأشخاص القانونية الدولية ويبين حقوقها واجباتها(6). وان التمتع بالشخصية القانونية الدولية يترتب عليه التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات التي يحددها هذا النظام. وكان موضوع الشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية محل خلاف بين فقهاء القانون الدولي ولم يتم الاعتراف لها بهذه الشخصية إلا بعد مناقشات فقهية طويلة ومعقدة في مفهوم الشخصية الدولية حيث آثار هذا الموضوع الكثير من الآراء التي يمكن إرجاعها إلى رأيين أساسيين،

الأول: ينكر فكرة الشخصية الدولية إنكاراً تاماً نتيجة لإنكارهم الشخصية الاعتبارية بوجه عام. أما الرأي الثاني الذي يضم غالبية فقهاء القانون الدولي فانه يعترف بوجود الشخصية الدولية إلا انهم يختلفون فيمن يتمتع بها، فالطائفة الأولى ترى ان الدول هي وحدها التي تتمتع بهذه الشخصية دون المنظمات الدولية ذلك لأنها قادرة على إنشاء قواعد قانونية وإنها تعد من المخاطبين بأحكام القانون الدولي، أما الطائفة الثانية التي تضم معظم الفقهاء القدامى واكثر الفقهاء المحدثين فانهم يرون أن كلاً من الدول والمنظمات وباقي الأشخاص الدولية الأخرى تتمتع بالشخصية القانونية الدولية(7).

وقد حظي الرأي الأخير بتأييد اكثر الفقهاء، وهو الذي استقر عليه الفقه والقضاء الدوليان بصفة خاصة في أعقاب الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 11 نيسان 1949 بشان التعويض عن الأضرار التي تصيب موظفي الامم المتحدة في أثناء تأديتهم مهام وظائفهم(8).

والذي انتهت فيه المحكمة إلى تقرير ان الدول ليست وحدها من أشخاص القانون الدولي، فقد تتمتع بالشخصية الدولية وحدات أخرى غير الدول كالمنظمات الدولية إذا ما اقتضت ظروف نشأتها وطبيعة أهدافها الاعتراف لها بهذه الشخصية. على ان تلك الشخصية هي شخصية من نوع خاص، وليست هي بذاتها تلك الشخصية القانونية الدولية التي تتمتع بها الدول، حيث أكدت المحكمة ان الاعتراف بالشخصية الدولية لمنظمة ما لا يمكن ان يعني ذلك جعلها بمثابة الدولة في ما لها من حقوق وما تلتزم به من واجبات، بل إن ما يعنيه مثل هذا الاعتراف هو إمكانية اكتساب المنظمة الحقوق وتحملها الالتزامات بالقدر اللازم لممارسة وظائفها على النحو الذي استهدفته الدول الأعضاء من وراء إنشائها(9).

وبذلك فان الرأي الغالب إذن هو تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية، إلا أنها شخصية قانونية من نوع خاص، ومحددة بحدود مقدار وطبيعة الوظائف التي تؤديها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. ويذكر أن ميثاق المنظمة الدولية عادة ما ينص على تمتعها بالشخصية القانونية الدولية كما فعلت الكثير من المنظمات الدولية في مواثيقها(10).

إلا ان سكوت هذه المواثيق عن ذلك لا يعني عدم تمتعها بهذه الشخصية التي يمكن استنتاجها من خلال المهام التي تقوم بها المنظمة والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها الدول المنشئة للمنظمة التي تتصف بالدوام والاستمرار الأمر الذي يعنى اتجاه الأعضاء المؤسسين للمنظمة إلى منحها مزايا تضمن استمرارها في عملها، ومن أهم هذه المزايا تمتعها بالشخصية القانونية(11). وتوافقاً مع ما أستقر عليه الفقه والقضاء الدوليان وما جرى عليه التعامل الدولي(12).

فان السلطة الدولية شانها شان المنظمات الدولية الأخرى نصت الاتفاقية المنشئة لها على تمتعها بالشخصية القانونية الدولية اللازمة لممارسة وظائفها وتحقيق أهدافها حيث نصت المادة (176) على ما يلي (تكون للسلطة شخصية قانونية دولية ويكون لها من الأهلية القانونية ما يلزم لممارسة وظائفها وتحقيق مقاصدها)(13).وكذلك ما جاء في المادة (3) من اتفاقية الامتيازات والحصانات الخاصة بالسلطة الدولية لعام 1998 التي نصت على ان (تتمتع السلطة بشخصية قانونية، فلها حق: أ- التعاقد ، ب- التملك للأموال المنقولة وغير المنقولة (الثابتة) والتصرف فيها ، ج- التقاضي بان تكون طرفا في دعاوى قانونية ). وبذلك فان تمتع السلطة بالشخصية القانونية اصبح من الأمور المسلم بها نظراً لما تمتلكه من أهلية قانونية نصت عليها صراحة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ومن الملاحظ هنا في هذا الصدد انه على الرغم من التسليم للمؤسسة (الجهاز التنفيذي المباشر للسلطة) بقدر من الاستقلال الذاتي في تسييرها لعملياتها(14).

وبالأهلية القانونية اللازمة لممارسة وظائفها وتحقيق أغراضها(15). وكذلك عدم تحديد مسؤولية السلطة باعتبارها شخصاً قانونياً دولياً عن أعمال المؤسسة(16). فأن الأخيرة لا تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة في مواجهة السلطة، وهذا ما عبرت عنه الفقرة (2) من المادة (170) من الاتفاقية، التي نصت على ان (يكون للمؤسسة، ضمن إطار الشخصية القانونية الدولية للسلطة الأهلية القانونية التي ينص عليها النظام الأساسي المبين في المرفق الرابع. وتتصرف المؤسسة وفقا لهذه الاتفاقية وقواعد السلطة وأنظمتها وإجراءاتها وكذلك للسياسة العامة التي تضعها الجمعية، وتكون خاضعة لتوصيات المجلس ورقابته).
_____________________________
1- د.حامد سلطان، المصدر السابق، ص197، و د.مفيد محمود شهاب، القانون الدولي العام، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985، ص95.
2- د. حامد سلطان، المصدر السابق، ص171، و د.رشاد عارف يوسف السيد، مبادئ القانون العام، كلية الحقوق، الجامعة الأردنية، دار الثقافة والنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الرابعة، 2000، ص125.
3- الشخصية القانونية هي (التعبير عن العلاقة التي تقوم بين وحدة معينة ونظام قانوني محدد وتتمثل في الأهلية لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية ورفع الدعوى أمام القضاء). انظر د. محمد الحسيني مصيلحي، المصدر السابق، ص57.
4- د. حامد سلطان، المصدر السابق، ص171، و د.رشاد عارف، المصدر السابق، ص125، و د.مفيد محمود شهاب، القانون الدولي العام، المصدر السابق، ص95.
5- د.عصام العطية، المصدر السابق، ص189، و د.حامد سلطان، المصدر السابق، ص173.
وأشخاص القانون الدولي هم العناصر الفاعلة في القانون الدولي الذين يرتب لهم حقوق ويفرض عليهم التزامات، فشخص القانون الدولي يقصد به الشخص الحقيقي او المعنوي الذي ينظم تصرفاته هذا القانون بما يرتب له من الحقوق ويفرض عليه من الالتزامات، أو هو (كل كيان اعترف له في مجال العلاقات الدولية بالأهلية لعقد الالتزامات واكتساب الحقوق). انظر د.محمد الحاج حمود، المصدر السابق، ص213.
6- يتطلب النظام الدولي حتى يعترف بالشخصية القانونية لوحدة معينة توافر أمرين:-
الأول:- ان تكون الوحدة قادرة على إنشاء قواعد قانونية دولية بالتراضي مع غيرها من الوحدات المماثلة أي التعبير عن إرادتها في مجال العلاقات الدولية.
الثاني:- ان تكون الوحدة مخاطبة بأحكام القانون الدولي بترتيب هذا القانون لها أهلية التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات. انظر:
د.حامد سلطان، المصدر السابق، ، ص73. و د.مفيد محمود شهاب، القانون الدولي العام، المصدر السابق، ص96.
7- لمزيد من التفصيلات بخصوص ذلك، انظر: د.علي صادق أبوهيف، المصدر السابق، ص233-236، و د. إبراهيم احمد شلبي، المصدر السابق، ص56-61، و د.محمد الحسيني مصيلحي، المصدر السابق، ص57-62.
8- وترجع ظروف هذا الرأي إلى ما حدث خلال عامي 1947-1948 من إصابة بعض العاملين بالأمم المتحدة خلال قياهم بخدمتها، وكان أهم هذه الأحداث مقتل السويدي الكونت (برنادوت Burnatotte) وسيط الأمم المتحدة في فلسطين على أيدي العصابات الصهيونية.
9- انظر تفصيلات ذلك د.محمد سامي عبد الحميد، أصول القانون الدولي (الجماعة الدولية)، الطبعة الخامسة، منشاة المعارف ، الإسكندرية، 1996، ص268-275.و د.صلاح الدين عامر، المصدر السابق، ص414-415.
10- من المواثيق التي نصت على الشخصية القانونية، منظمة الأمم المتحدة المادة (104)، الوكالة الدولية للطاقة الذرية المادة (15)، منظمة الصحة العالمية المادة (66) ومنظمة العمل الدولية المادة (39)، منظمة الطيران المدني المادة (47) ….الخ.
11- د. أحمد عبد الله الماضي، المصدر السابق، ص126.
12- حيث تم عقد الكثير من الاتفاقيات التي نصت على تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية منها ما جاء في المادة (1) من اتفاقية امتيازات وحصانات الامم المتحدة في 13 شباط 1946. و المادة (1) من اتفاقية مزايا وحصانات الوكالات المتخصصة التابعة للامم المتحدة في 21 تشرين الثاني في 1947، و المادة (1) من اتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية في 9 نيسان 1953.
13- جاءت هذه المادة تحت عنوان (المركز القانوني) في الاتفاقية، وكان من الافضل ان يكون عنوانها (الشخصية القانونية) تماشياً مع الاتفاقيات الدولية ولأن (المركز القانوني) يشمل على الارجح الشخصية القانونية والامتيازات والحصانات، لذا كان من الافضل ان ياتي القسم (زاي) من الاتفاقية تحت عنوان (المركز القانوني) فقط دون ذكر الامتيازات والحصانات .
14- الفقرة (2) من المادة (2) من المرفق الرابع من الاتفاقية.
5 1- الفقرة (2) من المادة (13) من المرفق الرابع من الاتفاقية.
16- نصت الفقرة (3) من المادة (2) من الاتفاقية ( ليس في الاتفاقية ما يحمل المؤسسة مسؤولية السلطة او التزاماتها او ما يحمل السلطة مسؤولية أعمال المؤسسة أو التزاماتها). و المادة (3) من المرفق ذاته نصت على ان (…لا يتحمل أي عضو في السلطة لمجرد عضويته فيها مسؤولية أعمال المؤسسة والتزاماتها).

شروط الشخصية القانونية الدولية
لم تعد مسألة تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية في الوقت الحاضر مختلفاً عليها، إذ أصبحت المنظمات الدولية تمتلك هذه الشخصية شأنها شأن الأشخاص المعنوية الأخرى. وحتى تتمكن المنظمة الدولية من التمتع بهذه الشخصية لا بد من توفر الشروط الآتية(1):-
1-وجود كيان دائم للمنظمة متميز عن الدول التي أسهمت في إنشائه، يستمر طالما ظل الاتفاق المنشئ لها ساري المفعول. ولا يتم ذلك إلا بإنشاء مجموعة من الأجهزة التي تشكل بمجموعها هذا الكيان وتمارس المنظمة من خلالها الوظائف المعهود بها إليها. فالمقصود بدوام المنظمة إذن هو استقلالها في وجودها وفي ممارستها لنشاطها عن الدول المكونة لها(2).

2-أن يكون للمنظمة إرادة ذاتية مستقلة عن إرادات الدول الأعضاء أي ان كل ما تقوم به المنظمة –عن طريق أجهزتها- من تصرفات وما يصدر عنها من أعمال قانونية مختلفة لا تنصرف آثارها إلى الدول الأعضاء كل على حدة بل إلى المنظمة ذاتها لأنها شخص قانوني دولي يستقل في حياته القانونية عن الدول التي أنشأته(3).

3-ضرورة استناد وجود المنظمة الدولية إلى اتفاق دولي – يشترط فيه كقاعدة عامة ان يكون بين دول كاملة السيادة والاستقلال – ينشئ هذه المنظمة ويحدد نظامها القانوني ويبين أهدافها واختصاصاتها وأجهزتها والقواعد التي تحكم عملها.

وتعد الشروط أعلاه من الشروط الأساسية لتمتع المنظمة بالشخصية القانونية الدولية ، اضافة الى العديد من الشروط الأخرى(4). …. يتضح لنا ان السلطة تتكون من عدد من الأجهزة (الجمعية، المجلس، الأمانة، المؤسسة) التي تشكل بمجموعها كيان السلطة وتقوم هذه الأجهزة بنشاطاتها والتعبير عن إرادتها الذاتية بصورة مستقلة عن إرادة الدول الأعضاء في السلطة، كما ان السلطة استندت في وجودها إلى اتفاق دولي أنشأها وحدد نظامها القانوني تمثل في اتفاقية قانون البحار حيث اعترفت الدول بالسلطة منظمةً دولية لإدارة المنطقة من خلال تصديق هذه الدول على الاتفاقية ومن ثم الاعتراف بشخصيتها القانونية الدولية.
____________________________________
1- تناول الكثير من الفقهاء بإسهاب الشروط اللازمة لتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية، واختلفوا في بعضها، وقد تم استنتاج الشروط المذكورة في المتن من هذه الآراء، انظر في تفصيلات ذلك د.محمد طلعت الغنيمي، في التنظيم الدولي، المصدر السابق ، ص222-223. د. محمد الحاج حمود، المصدر السابق، ص205-215. د.محمد سامي عبد الحميد، المصدر السابق، ص248-256. د. إبراهيم احمد شلبي، المصدر السابق ، ص99-113. د. محمد المجذوب، التنظيم الدولي، (النظرية العامة والمنظمات الدولية والاقليمية)، الدار الجامعة للطباعة والنشر، بيروت، 1998، ص125-132. د.فخري رشيد المهنا و د. صلاح ياسين داود، المنظمات الدولية، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، ب.ت، ص23-31 ، و د. مصطفى سلامة حسين ، المصدر السابق ، ص 3 – 16 ، و د. محمد حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص 504 . ومن الجدير بالذكر ان هذه الشروط تعتبر بمجموعها العناصر الأساسية للمنظمات الدولية.
2- هذا الشرط او هذا العنصر الأساسي للمنظمة هو الذي يميز المنظمة الدولية عن المؤتمر الدولي، فهذا الأخير يجتمع وينفض في فترة محددة وتختفي الأجهزة التي شكلت بموجبه بمجرد انتهاء أعمال المؤتمر أما بالنسبة للمنظمات الدولية فالأجهزة تكون دائمة الوجود وقابلة للانعقاد في أي وقت.
3- ذهب البعض الى ان هذا العنصر هو اهم عناصر المنظمة وركنها الاساسي الذي يميزها عن المؤتمر الدولي باعتبارها تجمعاً دولياً لا يتمتع بارادة مستقلة عن ارادات الدول المشتركة فيه. انظر د.مفيد محمد شهاب، المنظمات الدولية، المصدر السابق، ص40.
4- ومن هذه الشروط :
1-أن يكون للمنظمة مهام واختصاصات محددة –في الميثاق المنشئ لها- لا تظهر شخصيتها الدولية إلا في حدودها.
2-أن تعترف الدول الأخرى صراحة أو ضمناً بالشخصية القانونية الدولية للمنظمة، ويتحقق ذلك بالدخول معها في علاقات دولية.
3-استهداف المنظمة تحقيق أهداف معينة ومشتركة بين الدول المؤسسة لها .
انظر : هامش (1) ، ص 77 من الرسالة .