لقد لقي موضوع تقسيم الجرائم الماسة بالسكينة العامة صعوبة كبيرة شأنه في ذلك شأن تحديد مفهوم لها، إلا إننا حاولنا تحديد مفهوم لها من خلال إيجاد دراسة قانونية مسوغة وهي نظرية جرائم الخطر، وهو ما سنعتمده في تحديد أنواع الجرائم الماسة بالسكينة العامة. لقد تعددت الآراء الفقهية حول أنواع جرائم الخطر، فقد ذهبت غالبيتها الى إنها تقسم الى جرائم خطر مجرد، وجرائم خطر ملموس (واقعي) وان الفرق بينهما يكمن في ان الضرر المحتمل يمثل عنصراً من عناصر جرائم الخطر الملموس، و لا يعد كذلك في جرائم الخطر المجرد هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ان صفة العمومية تشمل جرائم الخطر الملموس أكثر من جرائم الخطر المجرد، في حين ذهب رأي آخر الى القول بان جرائم الخطر هي من نوع جرائم الخطر الملموس (الواقعي) إذ إنها تعرض المصالح القانونية لخطر فعلي. ورأي آخر قرر بان جرائم الخطر يجب تقسيمها وفقاً للنتيجة الجرمية، بمعنى إنها تقسم الى جرائم تكون النتيجة الجرمية منصوص عليها في أنموذجها القانوني وجرائم يكتفي المشرع بتجريم السلوك الإجرامي فيها بغض النظر عن النتيجة المترتبة عليها، أي إنها تكتفي بخلق خطر ملموس، أي إنها تعرض المصلحة المحمية جنائياً للخطر(1) ومن الانتقادات التي وجهت إلى هذا التقسيم قيل بان الجرائم ذات الخطر المجرد هي من خلق المشرع ينشها بفعل يحدده بغض النظر عن درجة خطورة هذا الفعل على المصلحة المحمية، فافتراض قيام الخطر لمجرد ارتكاب السلوك يجرمه المشرع في النموذج القانوني الذي تواتر الناس عليه، قد يحتوي هذا الافتراض على نتائج قد تكون غير سليمة أي محل نظر قابلة للتأويل والتفسير لأنها مستخلصة من تجارب بعيدة المدى. وبالتالي يترتب عليها معاقبة فاعلها على الرغم من ان المصلحة المحمية لم تتعرض لأي خطورة.

ولتوضيح ذلك وعلى سبيل المثال جريمة التقليد م 285/1(2) من قانون العقوبات العراقي، التي تقوم بمجرد حيازة أدوات التقليد فالقاضي في هذه الجريمة لا يقع عليه عبء إثبات تعريض امن الناس واقتصاد الدولة للخطر، إنما يكفيه ان يعلن عن قيام الجريمة لمجرد إثبات ان الآلات والأدوات مهيأة لارتكاب جريمة التقليد ، وهذا يعني ان المسؤولية العمدية تتوافر بنية إجرامية غير قائمة لتقليد النقود تنسب الى الفاعل إذ تتمثل في اتجاه إرادته الى تعرض الحق في الأمن والآمان الى خطر الإضرار به. وعليه لإخذ هذه الجرائم محل اعتبار لابد من إصابة المصلحة المحمية جنائياً بالضرر الفعلي كعنصر للنتيجة التي تقوم بها جريمة الخطر المجرد والسماح لمرتكب السلوك الإجرامي إثبات عكس افتراض المشرع هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فقد قيل ان جرائم الخطر المجرد هي جرائم قاسية لأنها تقيد الحريات وذلك من خلال تجريم المشرع لها لمجرد ارتكاب سلوك يفترض فيه خطراً، كما إنها تؤدي الى تكاثر القواعد الجنائية دون مبرر أما بالنسبة لجرائم الخطر الملموس (الواقعي) فابرز انتقاد وجه إليها بأن أنموذجها القانوني لا يتضمن في الغالب تحديداً واضحاً لفعل المجرم ، إذ ان المشرع يكتفي في كثير من نصوص هذه الجرائم بمنح قابلية الفعل المجرم للعقاب إذا تعرض الحق أو المصلحة المحمية جنائياً للخطر الأمر الذي يترتب عليه أبعاد القانون عن الواقع بل قد تؤدي مثل هذه النصوص الى نتائج مغايرة للهدف أو الغاية المرجوة منها لكنها تساهم في زيادة الاعتداء على تلك الحقوق أو المصالح الجديرة بالحماية بعبارة أخرى تشارك في عدم حماية مصالح قانونية جماعية المراد حمايتها بدلاً من أدائها المهمة الأساسية أو الغرض من وصفها وهو الحيلولة دون وصول الضرر إلى هذه المصالح، كما هو الحال- على سبيل المثال- في جريمة الامتناع عن تقديم الإغاثة(3) فهنا إذا ما داهمت الممتنع في ظروف عرضته للخطر فانه يمتنع عن الإغاثة ولان فعل المساعدة قد يخلق الخطر. ومن هذا يتضح ما قد تسببه هذه النصوص من إعاقة لصحة العلاقات الاجتماعية وإهدار لمعايير الآمان غير المكتوبة الناشئة عن الواقع العملي والتجارب البشرية والحياة الجماعية. وعلى الرغم من كل هذه الانتقادات إلا إننا سبق ان ذكرنا بأننا سنعتمد في تقسيم الجرائم موضوع الدراسة وفقا لتقسيمات جرائم الخطر التي من ابرز تقسيماتها جرائم الخطر المجرد، وجرائم الخطر الملموس (الواقعي) تماشياً مع غالبية الفقه وذلك لان التطورات التكنولوجية والتقنية الصناعية، وانتشار الآلات بشكل واضح يشكل خطراً كبيراً مما يقتضي اتخاذ التدابير التي تؤدي إلى تجريم كل سلوك يعرض المصالح الاجتماعية للخطر، كما ان زيادة الإهمال وعدم اتخاذ وسائل الآمان والسلامة في المصانع أو الأعمال التي يحتمل معها تعريض العاملين بها أو غيرهم للأخطار، فكل هذا يدعو الى ضرورة تجريم أي سلوك من شانه تعريض المصالح الفردية والجماعية الى الخطر، وهذا لا يعني بالضرورة ان التوسع بتجريم كثير من السلوكيات دون حاجة اجتماعية إليها قد يمس بالحريات سواء كانت الفردية منها أو الجماعية يخلق اضطراباً في سلوك الأفراد هذا من جانب. ومن جانب آخر يمكن ان يساعد في أداء مهمته المتعلقة بحماية المصالح الاجتماعية المهمة نظراً لتزايد الأخطار في التقدم التكنولوجي والتقني الحديث هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان الفرد في الوقت الحاضر قد توسعت مداركه العقلية والنفسية فقد تشعبت نتيجة ازدياد المعارف التي يتلقاها مما أدى الى تطور روح المواطنة لديه فهذه الروح تغلغلت بالوعي الاجتماعي للمواطنين. فضلاً عن ان الاهتمام بالآخرين قد توسع اليوم ليشمل مجمل عقل المواطن ليفهم دوره في المجتمع الذي ضبط سلوكه بما يتفق مع المصالح الاجتماعية وبما لا يضر بالآخرين أو يهددهم بالخطر.

الفرع الأول : الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر المجرد

لوضع تحديد دقيق للجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر المجرد كان لزاماً علينا تحديد مفهوم الجرائم ذات الخطر المجرد وفق نظرية جرائم الخطر، إذ تعددت الآراء حولها فمنهم من عرفها بأنها (الجرائم التي تهدف الى تامين مراعاة الانضباط الاجتماعي)(4). وهذا يعني بان هذه الافعال لا تفرض عقاباً على الاعتداء المباشر لحقوق الغير، وإنما يسعى المشرع من خلالها الى وضع قواعد وأسس للحيلولة دون تعريض هذه الحقوق لخطر الإضرار الفعلي بها. وعرفها جانب من الفقه بأنها (الجرائم التي يكون الخطر فيها مفترضاً من المشرع، ولا يعد ركناً فيها وإنما هو المسوغ المنطقي للعقاب على السلوك المكون لها، وهذا المسوغ يكمن في نية المشرع). فهذه الجرائم يعاقب فيها تصرفات نكون أمام النتيجة الحقيقية كانت قبل بداية التنفيذ ومن ثم فهي تجرم الأعمال التحضيرية أو أي أعمال لمجرد خلق خطر ما، لذلك فضل البعض تسميتها بجرائم العقبات أو جرائم الحواجز لأنها تعاقب السلوك الخطر بغض النظر عن الخطر الفعلي المحتمل وجوده في هذا السلوك على المصلحة المحمية جنائياً، ولذلك فضل بعضهم تسميتها (شبه جرائم الخطر) في حين فضل البعض الآخر تسميتها (جرائم الفعل) .والذي يهمنا من هذا العرض كله وضع تحديد للجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر المجرد إذ يمكن تعريفها بأنها (تلك الجرائم التي تهدف الى تأمين حماية حقوق أفراد المجتمع من خلال تحقيق الانضباط الاجتماعي) إذ إن الخطر فيها قد يكون مفترضاً من قبل المشرع. وعلى ذلك فأنها تنشأ من فعل محدد، وليس بالضرورة بحث مجموعة الشروط والظروف والعوامل التي تشكل وتحيط بهذا الخطر و لا المجموعة الأخرى من العناصر المتعارضة مع هذه الشروط.

الفرع الثاني : الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر الملموس

لغرض تحديد معنى الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر الملموس لابد من تحديد معنى الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر الواقعي (الملموس). وعليه فقد تعددت الاتجاهات حول تعريفها فاتجاه اهتم بتحديد مضمون هذه الجرائم بإيضاح أنموذجها القانوني فعرفها بأنها (الجرائم التي ينص فيها على الخطر الواجب توافره لقيامها)، أي إنها الجرائم التي يكون فيها الخطر ركناً مادياً فيها مما يوجب على القضاء مراجعته واثبات توافره في الواقعة المعروضة أمامه، فان لم يتمكن من هذا الإثبات فلا توجد جريمة لتخلف ركن من أركانها، وعليه فأنها تستلزم إثبات تحقق الخطر فيها وذلك لان المشرع نص عليه صراحة في أنموذجها القانوني قبل ان يعلن عن قيام الجريمة(5) . أما الاتجاه الآخر فقد ركز على أوجه الاختلاف بينها وبين جرائم الخطر المجرد فعرفها بأنها(الجرائم التي يكون قابلية الفعل فيها للعقاب على علاقة مباشرة باحتمال الضرر، فالخطر فيها يكون غير مفترض من المشرع، لذا يجب إثباته). كما عرفت بأنها (تلك الجرائم التي يربط المشرع قيامها بتوافر الضرر المحتمل)، لذا فالإثبات المضاد لتوفر هذه الجرائم يكون ممكناً على العكس تماماً من جرائم الخطر المجرد فمن الصعوبة إثبات الخطر فيها لأنه مفترض، كما أن الجرائم ذات الخطر الملموس تجد صعوبة في التطبيق أكثر من الجرائم ذات الخطر المجرد وذلك لان الخطر في الأول يستلزم إثباته في حين لا يشترط ذلك في النوع الثاني(6). وفي ضوء ما تقدم فإننا نرى بان الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر الملموس(الواقعي) تعرف بأنها الجرائم التي يستلزم تحققها تعريض المصالح المحمية قانوناً للخطر المنصوص في أنموذجها القانوني وعلى ذلك فأنها تنشأ من أفعال غير محددة لذلك كان من الضروري بحث مجموعة الشروط والظروف والعوامل التي تحيط بهذا الخطر من قبل المحكمة في كل حالة على حدة.

___________________

[1]-عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص69-84.

2-ينظر نص المادة (285/1) من قانون العقوبات العراقي.

3-ينظر نصوص المواد (370-371) من قانون العقوبات العراقي.

-4Philippe Graren: infraction penale punissable ، Edition، staempfitcie SA Bern،1995،P.85.69

نقلا عن عبد الباسط الحكيمي ، المصدر السابق،69

-5Behnam:op.cit،p.384.

-6 schorder(H): les delits de mise endenger،R.I.D.D.P (1969) ،p.8.

الحكيمي ، المصدر السابق،ص69 . نقلا عن الباسط

النتائج المترتبة على تقسيم الجرائم الماسة بالسكينة العامة الى جرائم ذات الخطر المجرد وجرائم الخطر الملموس :

يترتب على تقسيم الجرائم الماسة بالسكينة العامة إلى جرائم ذات الخطر المجرد وجرائم الخطر الملموس عدة نتائج قانونية وثيقة الصلة بأركانها فكما بينا بان مبادئ جرائم الخطر تكاد تنطبق على الجرائم محل الدراسة لذلك أخذنا بأبرز تقسيماتها .

الفرع الأول : علاقة السببية

إن الركن المادي لأي جريمة يتكون من ثلاثة عناصر سلوك ونتيجة وعلاقة سببية ما بين السلوك والنتيجة، أما جرائم الخطر لاسيما الجرائم ذات الخطر المجرد فلا يشترط فيها ذلك، إذ إن المشرع يفترض لتحققها توفر الخطر الممثل لنتيجتها وتقوم هذه الجرائم بمجرد إتيان السلوك المحدد بنصها القانوني دون حاجة الى البحث في العلاقة السببية بمعنى أنها لا تستلزم تحمل عبء نسبة الفعل إلى فاعل(1). أما بالنسبة لجرائم الخطر الملموس (الواقعي) فان الرابطة السببية تعّد متحققة فيها ولازمة كعنصر أساسي من عناصر ركنها المادي، أي إنها تستلزم ضرورة إثبات العلاقة السببية ما بين الفعل والنتيجة بحيث يتم إثبات الفعل المرتكب قد انشأ خطراً حقيقياً ملموساً من شأنه إلحاق الضرر بالمصلحة القانونية محل الحماية(2). وعليه ان الرابطة السببية في الجرائم ذات الخطر الملموس تقوم على إثبات علاقة السلوك المرتكب بتحقق الخطر وينهض هذا الإثبات على افتراضات منطقية غير مؤكدة أساسها إن السلوك المرتكب من شأنه تعريض المصالح المحمية قانوناً لخطر الإضرار بها بمعنى إن التوصل إليها يتم على أساس الافتراض أي من الاحتمال القاطع لفاعلية وصلاحية السلوك القائم لإحداث النتيجة الضارة التي لم تتحقق(3). فلقد ذهب الفقه الإيطالي الى القول بأنه يكفي لاحتساب السلوك سبباً لتحقق النتيجة أن تتعادل الظروف السابقة أو المعاصرة أو اللاحقة له في إحداث النتيجة الإجرامية، وهذا يعني بضرورة توافر مواصفات معينة في السلوك ذاته وفي الظروف المحيطة به حتى يمكن وصفه بأنه سلوك خطر تسبب في وقوع النتيجة الضارة. وبما أن غالبية الجرائم الماسة بالسكينة العامة في معظم التشريعات الجنائية هي من جرائم الخطر المجرد(المخالفات) التي يفترض المشرع فيها من جانبه تحقق الخطر لمجرد ارتكاب السلوك دون ان يستلزم من القاضي إثبات الخطر الفعلي(4) إذن الركن المادي في الغالب الأعظم منها يتكون من عنصرين فقط .

الفرع الثاني : الشـــــروع

إن الجريمة أما ان تتحقق نتيجتها فتصبح تامة، وأما لا تحقق نتيجتها لسبب خارج عن إرادة الفاعل فلا تقع تامة، فعدم تحقق الجريمة يسمى شروعا ولكن ما هو الشروع؟هو البدء في نفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا وقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها(5).

فلقد أثارت جريمة الشروع في علاقتها بجرائم الخطر العديد من الآراء وهذه الآراء تدور فيما إذا كان الشروع متصور أم لا فيها. فلقد ذهب البعض من خلال إمعان النظر في النصوص المتعلقة بالجرائم ذات الخطر في قانون العقوبات على إمكانية تصور الشروع فيها على سبيل المثال ما جاء في نص المادة 345 من قانون العقوبات العراقي بقولها (كل من استعمل أو شرع في استعمال المفرقعات….استعمالاً من شأنه تعريض حياة الناس للخطر) وكذلك نص المادة 346 من القانون ذاته بقولها (….. كل من استعمل عمداً أو شرع في استعمال المفرقعات…استعمالاً عرض أو كان من شأنه تعريض أموال الناس للخطر)(6). وهكذا الحال في بقية جرائم الخطر العمدية حيث يتصور الشروع فيها فيما عدا جريمة الحريق التي عدها المشرع جريمة تامة بمجرد وضع النار، وذلك لان الخطر إذا كان بذاته يمثل النتيجة في الجريمة المرتكبة، فلا مسوغ قانوني للقول بان جرائم الخطر لا تقبل ان يتحقق الشروع في ارتكابها، لان النتيجة كما تتوفر في صورة الإضرار بالمصلحة المحمية قانوناً فأنها قد تقف عند تعريض هذه المصلحة للخطر وتأسيسا على ما تقدم يفترض أصحاب هذا الرأي إن جريمة الشروع في جرائم الخطر ينص عليها صراحة بالنصوص القانونية المتعلقة بالجرائم الماسة بالجريمة العامة يمكننا القول بإمكانية تحقق الشروع في هذه الجرائم . في حين ذهب رأي آخر الى القول بان الشروع غير متصور في جرائم الخطر لأنها تخلو من النتيجة الضارة الذي يفترض إنها عنصر من العناصر المكونة لجريمة الشروع، والتي لا تختلف لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها وقد عبر أنصار هذا الرأي عن ذلك بقولهم ( يمكن التحدث عن جرائم في الحالات التي يستحيل فيها ترتيب الشروع)(7). وعليه يصعب تصور الشروع في جرائم الخطر التي تتم بمجرد ارتكاب السلوك المكون لها بغض النظر عن النتيجة . ولكننا نرى بأن كلا الاتجاهين متطرف في رأيه مسألة الشروع لأنه لا يمكن أن يكون الشروع متصورا في الجرائم الماسة بالسكينة العامة مطلقاً كما لا يمكن عدم تصوره بصورة مطلقة . وعليه فان الشروع في الجرائم الماسة بالسكينة العامة قد يكون غير متصوراً في بعضها كما في الجرائم ذات الخطر المجرد التي معظمها من المخالفات لأنها تتحقق بارتكاب سلوك يفترض المشرع انه يعرض المصلحة التي أراد حمايتها لخطر الإضرار بها بمعنى اندماج النتيجة مع السلوك فهي أما ان تقع تامة أو لا تقع وعليه لا يتصور الشروع فيها. وقد يكون الشروع ممكناً في بعضها الآخر كما في الجرائم ذات الخطر الملموس لأنه يتطلب لقيامها تعريض فعلي للمصلحة القانونية للخطر كما لو تغيرت طبيعتها كالجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر الملموس(الواقعي) من المخالفات الى الجنح كجريمة إطلاق العيارات النارية داخل المدن أو القرى أو القصبات(8).وهذه حالة نادرة استثناءً. وعليه نقول بتصور الشروع في بعض الجرائم موضوع الدراسة وعدم تصوره في البعض الآخر بعبارة أدق ان الشروع لا يتحقق في المخالفات من الجرائم.ً

الفرع الثالث : وقت ارتكاب السلوك الإجرامي

إن معظم التشريعات الجنائية كقاعدة عامة لا تعتد بوقت ارتكاب الجريمة إلا استثناءً وفي بعض الحالات، وهذا ينطبق على جرائم ذات الخطر المجرد إذ ان وقت تمامها هو وقت ارتكاب السلوك لان التعريف القانوني للنصوص التشريعية الخاصة بها يرتبط بارتكاب السلوك المحدد بالنص، وعليه يعتد بوقت ارتكاب السلوك في الجرائم الماسة بالسكينة العامة ففيها يكون من المتصور التردد حول وقت تمامها لان ذلك مرتبط بتعريض المصلحة المراد حمايتها لخطر فعلي للأضرار بها(9) مما يثير في كثير من الأحيان الاختلاف حول تحديد توقيت الخطر الفعلي.

___________________

[1]- Schorder(H): op.cit،p.10.

2-Teerete Li:op.cit، p28.

3-Teerete Li:op.cit، p27.

نقلا عن عبد الباسط الحكيمي ، المصدر السابق ، ص 94.

وكذلك د.مأمون محمد سلامة، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، المرجع السابق، دار الفكر العربي، القاهرة، 1990، ص168. نقلا عن عبد الباسط الحكيمي ، المصدر السابق ، ص 94

4- د.مأمون سلامه، قانون العقوبات (القسم العام)، الطبعة الثانية، 1976، ص102.

5- ينظر نص المادة /30 من قانون العقوبات العراقي.

6- ينظر نص المواد (345-346) من القانون ذاته.

7-Bostos(J) et polito ff(s): les delits de mise en denger،R.I.D.D.P، 1969،p.351.

8- ينظر قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 570 لسنة 1982.

9- عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص100.

 المؤلف : ندى صالح هادي الجبوري
الكتاب أو المصدر : الجرائم الماسة بالسكينة العامة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .