التعريف بقاعدة توازي الشكل في القرار الإداري

المؤلف : صادق محمد علي الحسيني

الكتاب أو المصدر : القرار الاداري المضاد

يقصد بالشكل في القرار الاداري المظهر الخارجي للقرار الذي يعبر عن ارادة الادارة(1). اما الاجراءات فيقصد بها مجموعة الخطوات التي تقوم بها الادارة تمهيدا لاتخاذ القرار الاداري(2).

ومن ذلك نعني بقاعدة توازي الشكل والاجراءات ان القرار الصادر بالغاء قرار اداري سابق يجب ان يراعى فيه ذات الشكل والاجراءات التي اتبعت في القرار الاول.

ومما يقتضي الالماع اليه ابتداءً ان قواعد الشكل والاجراءات في القرار الاداري بصورة عامة والقرار المضاد بصورة خاصة ليست مجرد امر روتيني او عقبات غير ذات فائدة وانما تحتل اهمية خاصة في القانون العام عبر عنها الفقيه لافاريير بالقول(يجب النظر الى شكليات القرار ليس على اساس كونها مجرد أجراءات شكلية وانما على اساس ان لها اهمية خاصة في القانون العام) ، وعلى قدر تعلق الامر بموضوعنا تتجسد هذه الاهمية من خلال كون مراعاة هذه القاعدة يعتبر مؤكد ومكمل لمبدا المشروعية، حيث لا يكتفي هذا المبدا بما يقرره مبدا المشروعية من وجوب توافق القرار الاداري الادنى مع القرار الاداري الاعلى وانما يفرض على مصدر التصرف الالتزام بذات الاجراءات التي صدر فيها القرار الاول وفيما يتعلق بموضوع الاموال العامة ، تعتبر قاعدة توازي الشكل والاجراءات بمثابة قيود مفروضة على الادارة في مواجهة تصرفاتها غير الرشيدة خاصة وان الادارة تدير اموالا لا تملكها ملكية شخصية ، واخيرا فان مراعاة هذه القواعد يحقق المصلحتين العامة والخاصة في آن واحد، فبالنسبة للمصلحة العامة فانه يحول دون اتباع الادارة لقرارات متسرعة وارتجالية مما ينعكس ايجابا على حسن اداء المرفق لا عماله فضلا عن اهمية ذلك في القرار المضاد والادارة تمارس اختصاصا مقيدا.

اما من حيث المصلحة الخاصة فان مراعاة توازي الشكل يمثل ضمانة اجرائية للافراد في مواجهة سلطات الادارة الواسعة واكد على هذا المعنى د. ثروت بدوي بالقول (ماذا تعني الضمانات المقررة للافراد اذا كان اهدار الاشكال والاجراءات التي صدر بمقتضاها قرار معين بواسطة قرار جديد دون اتباع الاشكال والاجراءات التي اتبعها القرار الاول)(3).وبرغم ذلك فان الفقه عموما والقضاء يتجهان الى التلطيف من تطبيق هذه القاعدة في القرار المضاد خلافا لما لاحظناه بالنسبة لقاعدة توازي الاختصاص، فمن جانب الفقه وبدءً في فرنسا ذهب الفقيه الفرنسي Houstiou الى القول (بان قاعدة تقابل الاشكال والاجراءات غير واجبة عند اصدار القرار المضاد ويجب اعمال القواعد المتعلقة بالشكل والاجراءات وقت اصدار القرار المضاد الا اذا نص القانون على خلاف ذلك)(4). اما الفقيه Basset فقد ذهب الى القول (بانه لا يتطلب اتباع ذات الاجراءات التي اتبعت في اصدار القرار الاول عند اصدار القرار المضاد)(5). واخيرا عبر عن ذلك الفقيه دي لوبادير بالقول (ان قاعدة توازي الاشكال لا تفرض نفسها بشكل منطقي كما هو الحال في قاعدة توازي الاشكال)(6).،

اما من جانب الفقه العربي اكد ذلك بصورة صريحة الدكتور ثروت بدوي بالقول (ان قاعدة توازي الاشكال صريحة تجاه الشق الاول (توازي الاختصاص) اما الشق الثاني والمتعلق بتوازي الشكل فانه لا يراعى في كل الاحوال)(7).وبذات المعنى عبر العميد الطماوي بانه في حالة قيام المشرع بتحديد اجراء معين لاصدار القرار المضاد فيكون اتباع هذا الاجراء لازما اما في حالة عدم تحديد المشرع لهذا الاجراء فتطبق القاعدة العامة وهي لا قيد على حرية الادارة في اتباع هذا الاجراء مع مراعاة عدم مساس القرار بقرار اخر من قوته(8). اما من حيث موقف القضاء نجد ان القضاء الاداري الفرنسي اتجه مؤخرا اتجاها مهما ومتميزا في التمييز بين الشكل والاجراء في القرار الاداري من خلال عدم تقريره البطلان ازاء مخالفة عيب الشكل الا اذا كان جوهريا(9). فـي حيـن يقـرر البطلان ازاء مخالفة عيب الاجراء دون تمييز(10).

ومن خلال هذا نرى ان اتجاه القضاء الاداري الى التلطيف من حدة التمسك بهذه القاعدة يجب ان ينصرف الى قاعدة توازي الشكل دون توازي الاجراء ذلك ان غالبية الاجراءات في القرار الاداري المضاد تعد بمثابة ضمانات اجرائية في سبيل اصداره.
________________________________
1- د. احمد حافظ نجم ، مصدر سابق ، ص14 .
2- ليث حسن علي ، مصدر سابق ، ص 28 .
3- د. حماد شطا ، مصدر سابق ، ص 120 .
4- د. حسني درويش ، حدود سلطة الادارة..، مصدر سابق ، ص156 .
5- موسى شحاذة ، مصدر سابق ، ص450 .
(6) De Lubader ، op-cit، p. 255 .
7- د. ثروت بدوي ، تدرج القرارات الادارية.. ، مصدر سابق ، ص115 .
8- د. سليمان محمد الطماوي ، النظرية العامة.. ، مصدر سابق ، ص676 .
9-0يعرف الشكل الجوهري بانه كل شكل او اجراء رتبه القانون للقرار بحيث يجعله مؤثرا في مضمونه وبالتالي يرتب البطلان على مخالفته والحقيقة ان الفقه والقضاء الاداري لم يضع معيارا فاصلا ودقيقا بين ما يعتبر من الشكليات جوهريا وغير جوهريا وانما ذهب بصورة عامة الى اعتبار الشكل جوهريا اذا وصفه القانون صراحةً بانه جوهري او كان يستفاد من نص القانون وايضا اذا رتب القانون البطلان ازاء مخالفته، واخيرا اذا كانت الشكليات جوهرية بطبيعتها ويدخل ضمن ذلك الشكليات التي تمثل ضمانة للافراد كما يذهب جانب اخر من الفقه الى تعداد لبعض الحالات التي تعتبر غير جوهرية وهي بصورة عامة ايضا، اذا كانت مقررا لصالح الادارة وكذلك اذا كانت غير مؤثرة في فحوى القرار ومضمونه واخيرا اذا استحاله اكمال الشكليات
بسبب صاحب الشأن، انظر د. سامي جمال الدين، القانون الاداري ،مصدر سابق، ص670 وكذلك د. محمود حلمي، القرار الاداري، مصدر سابق ، ص153 .
10- د. غازي فيصل مهدي ، اوجه الطعن بالالغاء والطعن بالنقض في مجال القضاء الاداري ، مجلة كلية الحقوق ، جامعة النهرين ، العدد (1) ، 2001، ص193.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت