كان قانون انضباط موظفي الدولة رقم 69 لسنة 1936 قد نص على وجوب معاقبة الموظف بالفصل اذا حكم عليه بالحبس عن جنحة منبعثة عن وظيفته(1) ومعنى ذلك ان كل حكم بالحبس عن جنحة منبعثة عن الوظيفة يستتبعه بحكم القانون الفصل من الوظيفة. وقد اوردت المادتان السادسة والعشرون والسابعة والعشرون احكاما تتعلق بفصل الموظف عند الحكم عليه جنائيا حيث يجب على مجلس الانضباط العام فصل الموظف لاقصى مدة الفصل(2) عند الحكم عليه في جنحة سياسية ناشئة عن وظيفته او ارتكبها بصفته الرسمية.(3) كما يجب على المجلس فصل الموظف لمدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات(4) عند الحكم عليه بالحبس عن جريمة ناشئة عن وظيفته اذ ارتكبها بصفته الرسمية.(5) وذلك بغض النظر عن نوع الجريمة ومدة عقوبة الحبس. والجريمة بهذا الوصف لا تجوز احالة الموظف الذي ارتكبها إلى المحكمة ما لم يقرر الوزير او اللجنة الانضباطية او مجلس الانضباط ذلك.(6) اما اذا لم تكن الجريمة كذلك وتضمن الحكم فيها الحبس عن جناية سياسية او جنحة غير مخلة بالشرف فعلى الوزير فصل الموظف مدة بقدر مدة الحبس.(7)

وبصدور قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 997 في 30/7/1978 اصبحت مدة الفصل في جميع الاحوال مساوية لمدة بقاء الموظف في السجن واوجب القرار اعادته بعد خروجه من السجن إلى الوظيفة العامة الا اذا فقد شرطا من شروط التعيين.(8) يتضح من كل ما تقدم ان الفصل من الوظيفة بمقتضى قانون انضباط موظفي الدولة يفرض بحق الموظف كعقوبة تبعية عندما يحكم بالحبس عن أي جنحة منبعثة من وظيفته بغض النظر عن العقوبة التي تتقرر لها وهذا يعني ان الفصل لا يمكن فرضه على هذا النحو في حالة ارتكاب المخالفة وفي حالة المعاقبة بالغرامة وبذلك يكون المشرع قد جمع هنا بين معيار جسامة الجريمة من جهة ونوع العقوبة من جهة اخرى وان مدة الفصل غير مقيدة بمدة الحبس ولكنها يجب ان لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات ولا ينبغي ان تقل عن خمس سنوات اذا كانت الجريمة جنحة سياسية ناشئة عن الوظيفة ولو كانت عقوبتها الحبس باقل من هذه المدة إلى ان صدر قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 997 لسنة 978 الذي جعل مدة الفصل بقدر مدة الحبس. والفصل هنا وان كان مقرراً بقوة القانون الا ان المشرع اشترط احالة قرار الحكم إلى مجلس الانضباط العام ليتخذ قرارا به تنفيذا للحكم الجنائي والمجلس هنا وان كان لا يملك سلطة تقديرية في فرض عقوبة الفصل او عدم فرضها لكنه كان قبل صدور القرار المذكور يمتلك هامشا من التقدير في تحديد مدة الفصل دون التقيد بمدة الحبس باستثناء حالة كون الجنحة سياسية فان المجلس مقيد بوجوب فصل الموظف خمس سنوات. وينعدم هذا الهامش من التقدير في حالة كون الجريمة غير ناشئة عن الوظيفة ولم يرتكبها الموظف بصفته الرسمية حيث اوجب القانون على الوزير (لا على مجلس الانضباط العام) فصل الموظف مدة بقدر مدة حبسه المحكوم بها عن جناية سياسية او جنحة غير مخلة بالشرف.(9)

وفي تقديرنا المتواضع نجد انه ما كان ينبغي تعليق تنفيذ حكم جنائي اكتسب قوة الشيء المحكوم به على قرار من مجلس تأديب ربما يستغرق اصداره مدة قد تطول او تقصر طالما ان المشرع قد قرر ان يترتب على هذا الحكم فصل الموظف وبذلك تكون الادارة ملزمة بالتنفيذ. واذا ما قررت الادارة فصل موظف ما كعقوبة تبعية لحكم جنائي خلافا للقانون فان رقابة القضاء تكفل حق الموظف في ثني الادارة واعادتها إلى جادة الصواب والقانون كما لا نجد ضرورة لاطلاق يد مجلس الانضباط العام في تحديد مدة الفصل دون التقيد بمدة الحبس بوصفه العقوبة الاصلية التي يحكم بها على الموظف مرتكب الجريمة ذلك لان المجلس لا يمكنه من الناحية الواقعية فصل الموظف لمدة لا تقل عن مدة حبسه لكون المحبوس لا يمكنه مباشرة عمله الوظيفي خلال مدة حبسه وعليه ستكون النتيجة ان المجلس اذا ما اراد عدم التقيد بمدة الحبس فليس امامه سوى الفصل لمدة تزيد على مدة الحبس، لا بل ان المشرع اوجب على مجلس الانضباط العام فصل الموظف بالحد الاقصى لمدة الفصل وهي خمس سنوات في حالة كون الجنحة المرتكبة سياسية وناشئة عن الوظيفة او ارتكبت بصفة الموظف الرسمية حتى لو كانت عقوبتها الحبس باقل من هذه المدة بكثير. ويبدو ان المشرع في تقديرنا المتواضع استهدف من التشديد هنا منع الموظف من استغلال وظيفته الرسمية للأغراض السياسية، فلم يكتف بحرمانه من بعض الامتيازات التي يتمتع بها المجرم السياسي بل شدد عليه عندما تكون جريمته السياسية ناشئة عن وظيفته ودليلنا هو ان المشرع خفف العقوبة التبعية من العزل في حالة الجناية غير السياسية إلى الفصل بقدر مدة العقوبة عندما تكون هذه الجناية سياسية وغير ناشئة عن الوظيفة ولم يرتكبها الموظف بصفته الرسمية(10) وهذا ينسجم مع ما اتبعته القوانين الجنائية الحديثة ومنها القانون العراقي في ايجاد نظام خاص في معاملة المجرم السياسي يقوم على اساس من اللين والاحترام وعدم حرمانه من بعض الحقوق والمزايا المدنية التي يحرم منها المحكوم عليه في الجريمة غير السياسية فضلا عن عدم عد الجريمة السياسية سابقة في العود (المادة 22 من قانون العقوبات العراقي).(11)

اما في حالة الحكم على الموظف بالبراءة فان ذلك لا يحول دون اتخاذ الاجراءات الانضباطية ضده بموجب احكام القانون بسبب سلوكه في المسائل التي احيل إلى المحاكم من اجلها.(12) وفي ذلك تجسيد لاستقلالية النظام التأديبي عن النظام الجنائي ومعنى ذلك ان بامكان سلطة التاديب فصل الموظف انضباطيا … حتى لو حكم عليه بالبراءة. والملفت للنظر هنا ان القانون قد منع في نص اخر فصل الموظف اذا كان الحكم قد صدر بمعاقبته بالغرامة فقط عن جنحة غير مخلة بالشرف.(13) وفي ذلك تضارب واضح فاذا كان الحكم بالغرامة في نوع معين من الجرائم يمنع سلطة التاديب من فصل الموظف، الم يكن من اللازم ان يترتب هذا الاثر على الحكم بالبراءة من باب اولى؟ . الواقع ان استقلال النظام التأديبي عن النظام الجنائي يعطي لسلطة التأديب حق فرض العقوبة الانضباطية المناسبة للفعل المرتكب … بغض النظر عما تسفر عنه المحاكمة الجنائية كمبدا عام ولذلك نرى ان هذا القيد على سلطة التأديب لم يكن له ما يبرره في هذه الحالة طالما انها تملك هذه السلطة في حالات الحكم بالبراءة او عدم احالة الموظف إلى المحكمة ابتداء.اما في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لسنة 1991 الذي الغى القانون رقم 69 لنسة 1936 وحل محله فقد نصت المادة (8/سابعا) منه على (ب.يفصل الموظف مدة بقائه في السجن اذا حكم عليه بالحبس او السجن عن جريمة غير مخلة بالشرف وذلك اعتبارا من تاريخ صدور الحكم عليه…). ومن منطوق النص يتضح انه ينسجم مع ما ورد بقرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 997 لسنة 1978 بان جعل مدة الفصل بقدر مدة بقاء الموظف في السجن ولكنه لم يحدد نوع الجريمة (من حيث الجسامة) التي يترتب على الحكم فيها بالحبس او السجن فصل الموظف الامر الذي يعني من اطلاق النص انه يشمل جميع انوع الجرائم (جنايات وجنح ومخالفات) كما لم يضع المشرع حدا ادنى لهذه العقوبة لترتيب هذا الاثر واذا ما علمنا ان الحبس عندما يكون بسيطا يمكن ان تصل مدته إلى (24) ساعة(14) الامر الذي يعني ان الموظف الذي يرتكب مخالفة ويحكم عليه عنها بيوم واحد او بضعة ايام سيفصل من وظيفته لهذه المدة القصيرة وهو اجراء يراه البعض شديدا ولا يتناسب مع بساطة الجرائم المعاقب عليها بتلك العقوبة خاصة وانها ستشكل سابقة بحيث اذا ارتكب الموظف بعد عودته للوظيفة فعلا يستوجب فصله فان عقوبته ستكون العزل بقوة القانون (المادة 8/ثامنا/ج) فضلا عن ان ذلك لا ينسجم مع المصلحة العامة ولا مصلحة الموظف اذ ان عودة الموظف المفصول إلى وظيفته تستدعي صدور قرار بإعادة تعيينه وهذا الاجراء يستغرق فترة زمنية قد يكون خلالها كل من الموظف والادارة بحاجة إلى الاخر.(15)

وفي الوقت الذي نؤيد هذا النظر نقترح ان يصار إلى تعيين حد ادنى للعقوبة التي يترتب على الحكم بها الفصل بقوة القانون وترك ما عداه لتقدير سلطة التاديب تحت رقابة القضاء. وبذلك يكون القانون رقم 14 لسنة 1991 قد حذا حذو القانون رقم 69 لسنة 1936 في اشتراط ان تكون الجريمة غير مخلة بالشرف لكي يترتب على الحكم فيها على الموظف فصله من الوظيفة .ولكن القانون رقم 69 لسنة 1936 ما كان يشترط ذلك لولا انه اوجب العزل في هذا النوع من الجرائم في حين سكت قانون 1991 عن ترتيب أي اثر ينهي العلاقة الوظيفية وربما يمكن تفسير ذلك بان المشرع اخذ في الحسبان ما ورد بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 997 لسنة 1978 الذي اشترط لاعادة الموظف المفصول إلى الوظيفة ان لا يكون قد فقد احد شروط التعيين التي من بينها عدم ارتكاب جريمة مخلة بالشرف وفقا لقانون الخدمة المدنية لولا ان المشرع اصدر قراراً في 10/2/993(16) استثنى بموجبه مرتكبي جرائم الرشوة والاختلاس والسرقة من جواز العودة إلى الوظيفة ، ثم صدر كتاب ديوان الرئاسة (المنحل) رقم 7369 في 30/3/1994 الذي استثنى مرتكبي الجرائم المخلة بالشرف من جواز العودة إلى الوظيفة مما يعني انه قرر لهم عقوبة العزل.(17). وفي تقديرنا المتواضع انه كان ينبغي جمع هذه الاحكام في قانون الانضباط رقم 14 لسنة 1991 اذ ليس من المنطقي ان يسكت القانون عن ترتيب أي اثر على جريمة مخلة بالشرف قد تصل عقوبتها إلى الاعدام او السجن المؤبد لا لشيء سوى لانها لم تكن جناية ناشئة عن وظيفته او ارتكبها بصفته الرسمية.(18) في حين يرتب على مخالفة عقوبتها يوم او بضعة ايام عقوبة الفصل وفي حالة تكرارها تؤدي إلى عزل الموظف من الخدمة نهائيا وفي ذلك تناقض جلي في احكام القانون يستوجب المعالجة… .

________________

1- المادة (الحادية عشرة/2) من القانون رقم 69 لسنة 1936.

2- حددت المادة (الحادية عشرة/1) الحد الاقصى لمدة الفصل بخمس سنوات.

3- المادة (السادسة والعشرون/ب/2) من القانون.

4- المادة (الحادية عشرة/1) من القانون.

5- المادة (السادسة والعشرون/ب/4) من القانون.

6- المادة (الخامسة والعشرون/ب) من القانون.

7- المادة (السابعة والعشرون/ب) من القانون.

8- القرار منشور في الوقائع العراقية/ العدد 2667 الصادر في 7/8/1978.

9- وبهذا المعنى افتى ديوان التدوين القانوني بقراره المرقم 1ج1/ 333 في 2/1/1965/ مجلة ديوان التدوين القانوني/ العدد 1/ السنة الرابعة 1965 ص175.

10- المادة (السابعة والعشرون) من القانون.

11- د. علي حسين الخلف ود.سلطان عبد القادر الشاوي: المبادئ العامة في قانون العقوبات/ جامعة بغداد، 1982 ص305-307.

12- المادة (السادسة والعشورن/أ) من قانون الانضباط رقم 69 لسنة 1936 ويقابلها في قانون الانضباط رقم 14 لسنة 1991 نص المادة (23) حيث جاء فيه (لا تحول براءة الموظف او الافراج عنه عن الفعل المحال من اجله إلى المحاكم المختصة دون فرض احدى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون).

13- المادة (السادسة والعشرون/ب/3) من القانون رقم 69 لسنة 1936.

14- المادة (89) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

15- د. علي احمد حسن اللهيبي: اثر العقوبات وانقضائها على المركز القانوني للموظف/ رسالة دكتوراه/ كلية النهرين للحقوق /بغداد 2003ص100.

16- قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 18 لسنة 1993 .

17- الكتاب غير منشور.

18- حيث رتب القانون على ذلك العزل كما سيتبين لنا في الفرع الثاني من هذا المطلب من نفس الاطروحة.

المؤلف : مهدي حمدي الزهيري
الكتاب أو المصدر : اثر الجريمة التي يرتكبها الموظف العام في انهاء علاقتة الوظيفية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .