المشاورات بين الملك و النواب لتشكيل الحكومة القادمة

كيف سيتشاور الملك مع النواب لتشكيل الحكومة القادمة؟

أكد جلالة الملك في أكثر من مناسبة التزامه بإجراء مشاورات نيابية مع أعضاء مجلس النواب الجديد لتشكيل الحكومة القادمة، بحيث سيكون للكتل البرلمانية والنواب الجدد دور في اختيار شخص رئيس الوزراء القادم الذي سيعود مجددا للتشاور مع السادة النواب على أسماء فريقه الوزاري. إن مثل هذه الآلية الجديدة في تشكيل الحكومات في الأردن يعد خروجا على المألوف الدستوري المتمثل في تفرد رأس الدولة في تسمية رئيس الوزراء وذلك بناء على ثقة شخصية من الملك. ولكن يبقى التساؤل الأهم حول آلية المشاورات التي سيقوم بها جلالة الملك مع أعضاء مجلس النواب السابع عشر، والمدة الزمنية التي ستستغرقها هذه العملية لتشكيل الحكومة القادمة.

كما كان متوقعا، لم تفرز الانتخابات النيابية الأخيرة أي تجمع لعدد من النواب ذوي مبادئ وأفكار أيديولوجية مشتركة ليكون نواة لتشكيل ائتلاف أغلبية للكتل البرلمانية باستثناء حزب الوسط الإسلامي الذي حصد عددا محترما من المقاعد لكنه لا يكفي لاعتباره أغلبية نيابية، كما فشلت القوائم الوطنية في إيصال أكثر من ثلاثة نواب من القائمة نفسها، وهو العدد الذي لا يمكن البناء عليه لتشكيل كتل برلمانية، خاصة في ظل عجز باقي القوائم الوطنية عن الحصول على أكثر من تمثيل منفرد في المجلس النيابي الجديد.

ومن المعضلات الأخرى التي ستواجه عملية المشاورات الملكية النيابية قصر المدة الزمنية بين إجراء الانتخابات ودعوة مجلس النواب للاجتماع في دورة غير عادية. فالتجارب النيابية السابقة أثبتت أن تشكيل الكتل النيابية دائما ما يكون في الفترة ما بعد إجراء الانتخابات وبدء جلسات المجلس النيابي، حيث يلتقي النواب الجدد مع الأعضاء القدامى ويتم التوافق فيما بينهم على مجموعة من الاتجاهات والمقترحات إزاء الأعمال البرلمانية المعروضة على مجلس النواب لتكون أساسا لتشكيل كتل البرلمانية. أما في حالة مجلس النواب السابع عشر، وفي ظل احتدام الجدل حول إعادة فرز الأصوات للقوائم الوطنية وما رافق إجراء الانتخابات من توقيف عدد من المرشحين الذين فاز بعضهم بمقاعد في المجلس الجديد، فإنه لا توجد هناك فرصة حقيقية للنواب للالتقاء وتشكيل كتل برلمانية. بالتالي سيكون البديل أن تبدأ عملية التكتل مع بدء جلسات الدورة غير العادية.

وأثناء عملية التشاور، يثور التساؤل حول ما إذا كان النواب سيتفقون على اسم شخص معين ليكون رئيسا للوزراء، أم أن الكتل البرلمانية المختلفة ستطرح أسماء عديدة وسيكون لجلالة الملك اليد الطولى في اختيار أي من هذه الأسماء وتكليفه برئاسة الحكومة. إنه من المستبعد أن يتفق 150 نائبا جديدا هم خليط من النواب السابقين ووجوه جديدة تصل إلى البرلمان لأول مرة على اسم شخص معين ليصار إلى تعيينه رئيسا للوزراء وذلك نظرا لاختلاف العقائد السياسية وتعدد المبادئ والمفاهيم بين نواب المجلس السابع عشر.

وعلى فرض الاتفاق على شخص رئيس الوزراء القادم، فإن المشاورات التي سيجريها الرئيس المكلف مع الكتل البرلمانية لاختيار أعضاء فريقه الوزاري لن تكون سهلة، بل ستعتريها العديد من المشاكل والصعاب. ففي ظل غياب قواعد قانونية خاصة تنظم عملية الانضمام إلى الكتل البرلمانية والانسحاب منها، فإن النواب سيمارسون لعبة الكراسي المتحركة في الانتقال بين الكتل البرلمانية وذلك لغايات المشاركة في اختيار أسماء الوزراء القادمين. كما أن الأشخاص المستوزرين سيدفعون بكل ثقلهم وسيمارسون شتى أنواع الضغوطات والتأثير في النواب المستقلين لدفعهم إلى الانضمام إلى كتلة معينة ولو بصورة مؤقتة وذلك لغايات ترشيحهم لمناصب وزارية مختلفة قبل أن يعودوا وينسحبوا منها.

ومن المحاذير الأخرى حول الاعتماد الكلي على السادة النواب في تشكيل الحكومة القادمة أنها ستخضع الحكومة الجديدة إلى ضغوطات الكتل البرلمانية التي رشحت أعضاءها، وستبقى تحت رحمة النواب الذين سيلوحون بحجب الثقة عنها وعن أي من الوزراء الذي قاموا بتسميتهم في أي وقت يشاؤون. فالنواب سينظرون إلى رئيس الوزراء والوزراء على أنهم أصحاب فضل ومنَّة عليهم لأنهم أوصلوهم إلى السلطة التنفيذية.

مثل هذا الضغط البرلماني يختلف عن ذلك الذي يمارسه نواب الحزب الفائز في الانتخابات على الحكومة البرلمانية التي تتشكل من رئيس ذلك الحزب، ذلك أن تلك الضغوطات تعد دستورية وديمقراطية بطبيعتها، وتشكل نوعا من الرقابة الحزبية على التزام رئيس الوزراء والوزراء بتنفيذ برنامج عمل الحزب وسياساته التي انتخب من أجل تحقيقها. أما في حالتنا هذه، فإن الضغوطات البرلمانية على الحكومة ستكون لتحقيق مصالح شخصية للسادة النواب، وبالتالي ستجعل الحكومة تحت رحمة مطالب النواب التي لا تنتهي، فتتحول الحكومة القادمة إلى حكومة خدمات واسترضاء للسادة النواب.

وفي ظل هذه الضبابية التي تلف المشهد السياسي، فإن تلويح الحكومة بتقديم استقالتها الخطية من شأنه أن يزيد الأمر سوءا، فالدستور الأردني قد جاء خاليا من أي نص مكتوب يلزم رئيس الوزراء بالاستقالة بعد إجراء الانتخابات، وكذلك الحال لا يوجد عرف دستوري مستقر يفرض تغيير الحكومة بتغيير مجلس النواب. بالتالي فإن تقديم رئيس الوزراء لاستقالته هذه الأيام في ظل عدم وضوح الرؤية حول شخص رئيس الوزراء القادم سيثير أزمة دستورية قوامها وجود فراغ في السلطة التنفيذية حتى وإن قرر جلالة الملك تأجيل قبول الاستقالة أو قبلها وانقلبت حكومة النسور إلى حكومة تصريف أعمال. ففي ظل المعطيات الدستورية السابقة، فإن عملية التشاور مع مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة ستستغرق وقتا ليس بالقصير، ويجب خلاله أن تبقى الحكومة الحالية محتفظة بصبغتها الدستورية الكاملة وأن لا تتحول بأي شكل من الأشكال إلى حكومة انتقالية إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة.

بقلم د. ليث كمال نصراوين