مقال عن نظرية (دي توليو) في التكوين الإجرامي

يذهب العالم الإيطالي توليو إلى إعتبار أن لكل فرد تكوين شخصي يشمل في آن واحد العناصر الوراثية والعناصر المكتسبة خصوصا في مرحلة الطفولة بيد أن هذا التكوين يكون لدى البعض أضعف مما يجعلهم أكثر عرضة للإجرام وبمعنى آخر فإنه يفسر استجابة بعض الأفراد للجريمة دون البعض ورغم وحدة الظروف الخارجية لوجود ميل سابق للإجرام لدى هؤلاء الأفراد ويعود ذلك نتيجة لما يتسمون به من صفات نفسية وعضوية خاصة وراثية أو طبيعية أو مكتسبة ومن شأن توافر هاته الصفات أن تنمي قوى الذات الغريزية الطبيعية وبالتالي يصبح الفرد أكثر إستعدادا لإرتكاب الجرائم إذا توافرت مؤثرات خارجية بسيطة.

وهكذا فبدون هذا التكوين الإجرامي أصيلا كان أو عرضيا لا تحدث الجريمة بصرف النظر عن العوامل الاجتماعية الأخرى.

1- عوامل الظاهرة الإجرامية عند دي توليو
إنه لا يمكن فهم الظاهرة الإجرامية لدى دي توليو إلا إبتدءا من فكرة التكوين الإجرامي للفرد، ويكون هذا التكوين سببا للظاهرة الإجرامية عندما يكون إستعداد الفرد الإجرامي أصيلا مع بقاء هذا التكوين مهيئا فقط للجريمة حيث يكون الإستعداد الإجرامي عرضيا وأنه وفي كلتا الحالتين لابد لإنتاج السلوك الإجرامي من توافر العوامل الاجتماعية الأخرى وهي ظروف معددة كظروف الفرد الأسرية والإقتصادية والثقافية وغيرها إذ تكون هاته العوامل كاشفة إذا كان الإستعداد الإجرامي أصيل ومهيأة للإجرام إذا كان الإستعداد الإجرامي مكتسب وهكذا فإن نظرية دي توليو تلخص في المعادلة البسيطة التالية

الاستعداد الإجرامي السابق + العوامل الاجتماعية = الجريمة مع ترجيح الاستعداد الإجرامي على العوامل الاجتماعية

2-أنماط الشخصية الإجرامية لدى دي توليو

خلص العالم الإيطالي إلى التعرف على نمطين رئيسيين هما
أ‌- المجرمون بالتكوين : ويقسم دي توليو هذا النمط إلى 04 أنواع هي:
أ1- المجرمون بالتكوين الشائعون:
ولهم خصائص خاصة مورفولوجية ووظيفية ونفسية كالضعف العقلي والمغالاة في الإحساس النفسي وسرعة التقلب وضعف الإرادة والإحساس الخلقي.
أ2- المجرمون بالتكوين ذوي الاتجاه التطوري الناقص:
يتميزون بضعف صفاتهم الجسمانية بوجه عام والنفسية بوجه خاص فملامحهم الخارجية تشبه ملامح المجرم المطبوع أو بالفطرة كما حدده لمبروزو مع ضعف نمو فكرة المثل الأعلى لديهم وضعف المنطق والنقد والبرود العاطفي والخلقي تعود كلها إلى أسباب موروثة أو مكتسبة.
أ3- المجرمون المتخلفون نفسيا أو السيكوباتيون:
فمنهم الضعيف ضعفا عقليا وكذا الخضوع إلى تسلط معين غير التسلط المرضي المألوف إذ تشمل هذه الطائفة جرائم الاعتداء على الأشخاص وجرائم الآداب إذ تجدر الإشارة في هذا المجال أن أكثر من 80% من المجرمين المعتادين على الإجرام والعائدين هم متخلفون نفسيا
أ4- المجرمون المجانين:
فهم المجرمون الذين يرتكبون جرائمهم بصورة عرضية استجابة لظواهر مرضية مثل الهلوسة والتصور الفاسد كما يمكن لهاته الفئة من ارتكاب جرائهم بدافع ظواهر جنونية تكون قد أصابتهم.

ب‌- المجرمون العرضيين
ويطلق عليهم كذلك المجرمون بالصدفة وأهم خصائص هذه الطائفة الانتماء إلى الطبقة الوسطى والقدرة على خفض التوازن بين غرائزهم الطبيعية وبين المتطلبات الاجتماعية وبالتالي أنهم في نهاية الأمر أفراد عائدون لكن وبفعل محركات خارجية بصفة خاصة تؤدي في لحظة معينة إلى استسلام قدرته على التكيف مع الحياة الاجتماعية ومع القواعد الخلقية المقننة أي النصوص القانونية

ويقسم دي توليو المجرمين العرضيين إلى ثلاثة أنواع:
ب1- المجرم العرضي المحض:
وهو الشخص الذي يقدم على ارتكاب الجرائم التافهة إستجابة لدوافع إستثنائية محضة.
ب2- المجرم العرضي العاطفي:
وهو الشخص الذي يقترف الجريمة مدفوعا بعوامل عاطفية أو انفعالية ومن شأن طروء هذه العوامل أن تعطل قدرة التكيف الاجتماعي لدى الشخص بصورة مؤقتة
ب3- المجرم العرضي الشائع:
وهو الذي يتسم بنقص خلقي ويميل بوجه عام إلى ارتكاب السلوك المضاد للمجتمع ولاسيما جرائم المال بصفة أخص مع إمكانية تحوله إلى مجرم معتاد.

3- تقييم نظرية دي توليو
للعالم دي توليو دورا كبيرا في الاعتراف بدور التكوين النفسي للفرد في إنتاج سلوكه الإجرامي وفضلا عن هذا فقد أولى دي توليو العوامل الاجتماعية أهمية خارجية وجعلها أساسا في تفسيره لإجرام المجرم العرضي ورغم ذلك فثمة انتقادات توجه إلى هاته النظرية نظرا لقصورها في مضمونها من حيث أنه يعزي الإجرام إلى التكوين العضوي للفرد نظرا لحصره لنظريته في إطار التحليل الأنثربولوجي للجريمة مع إعطائها بعدا اجتماعيا وأنه من الناحية الأخرى اعتماد العالم على فكرة الغدد وما تفرزه من هرمونات ذات تأثير تكويني يتصل بالدافع إلى السلوك الإجرامي غير مؤسس طالما أن علم الغدد مازال علما متطورا ومتقلبا لدرجة لا يمكن التسليم بذلك.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت