لقد توسع المشرع الأوربي في تحديد المقصود بالمضرور نظراً لرغبته في تحقيق الحماية لكل من يصيبه ضرر من عيوب المنتجات التي توضع في التداول بغض النظر عن صلته بالمنتج ، كما توسع في تحديد المقصود بالمنتج مع تأكيده على المسؤولية التضامنية بين المنتجين لذلك سنبين أطراف الدعوى في النقطتين التاليتين ، ولكن قبل الخوض في ذلك نود أن نبين المنتجات التي نص عليها التوجيه الأوربي والمنتجات التي استبعدها من نطاق مسؤولية المنتج ، فلقد اهتم التوجيه الأوربي بتحديد المنتجات التي تدخل في نطاق مسؤولية المنتج الموضوعية والتي تنعقد بسبب الأضرار الناتجة عن عيوب المنتجات وليس لخطأ المنتج ، ولقد نصت المادة الثانية من التوجيه على المنتجات التي تدخل ضمن مسؤولية المنتج وهي كل السلع المنقولة حتى وإن تم إدخالها في بناء العقار ، إلا أن المشرع الفرنسي توسع أكثر في مفهوم المنتجات فقد ورد في نص المادة 1386 / 3 مدني فرنسي بأن المنتجات هي ( كل سلعة منقولة حتى وإن كان جزءاً مندمجاً في عقار ، ويدخل في ذلك كل المنتجات المستخرجة من الأرض ونواتج التربية الحيوانية والصيد البري والبحري ، كما تعد كذلك الكهرباء (1). استبعد المشرع الأوربي وكذلك الفرنسي الخدمات من نطاق المسؤولية الموضوعية(2). وكذلك استبعد المشرع الأوربي المنتجات الزراعية والحيوانية من نطاق المسؤولية وذلك لتلافي المشكلات الاقتصادية والسياسية بين مجموعة الدول الأوربية في خصوص الإنتاج الزراعي إلا أنه وبسبب ما تفرضه استخدام المخصبات والمبيدات التي تهدد سلامة المستهلكين فقد تم تعديل نص المادة الثانية من التوجيه بحيث تم إدخال المنتجات الزراعية في نطاقها وكذلك الأمر بالنسبة للمنتجات الحيوانية فبعد ان كانت مستبعدة من نطاق المسؤولية(3). تم إدخالها ضمن نطاق المسؤولية بمجرد إحداث أي عملية صناعية بسيطة عليها ، كما أن التوجيه ترك الاختيار لكل دولة في إدخال المنتجات الزراعية في نطاق تطبيق تشريعها الداخلي(4). وكذلك تم استبعاد العقارات من نطاق التطبيق ولكنه أورد استثناءً وهو يتعلق بالمنتجات التي تدخل في بناء العقار وتكوينه ، وإن هذا يصطدم بما هو معروف في القانون بما يسمى بالعقار بالتخصيص ولكن المشرع على الرغم من ذلك نص عليها رغبة منه في توسيع الحماية للمستهلك(5).

أولاً : المضرور :

لقد صدر التوجيه الأوربي الخاص بالمسؤولية عن الأضرار الناجمة عن عيوب المنتجات في إطار برنامج متكامل يهدف إلى تحقيق أقصى الحماية للمستهلك الأوربي ، لذلك فإنه لم يقف في تحديده للمستهلك عند المفهوم الضيق والذي يعتبر كل من يقوم بإبرام العقد لغرض استخداماته الشخصية أو العائلية وإنما حرص على أن تمتد الحماية إلى كل من يصيبه ضرر من المنتجات المعيبة وإن لم يكن قد اشتراها ، فالتوجيه لم يقم وزناً للسبب الذي انتقلت السلعة بموجبه إلى المضرور وإنما يستطيع كل من تضرر من السلعة إقامة الدعوى سواء كان متعاقداً أم لا ، لأن الغرض من إصداره هو تحقيق المساواة بين المضرورين فيستوي في ذلك مشتري السلعة من المنتج مباشرة أوالمشتري الأخيرأو مستأجرها أومستعيرها وحتىمن تصيبه السلعة لمجرد مروره بجوارها أو تواجده بالقرب منها ، إلا انه استثنى من ذلك الشخص المحترف الذي يشتري السلعة لاستخدامها ضمن إطار نشاطه أو مهنته أو كان قد استعملها فعلاً في هذه الأغراض ، وذلك لأنه في ضوء ما يحققه من مصلحة اقتصادية ، فإن الخبرة التي يمتلكها يتساوى في القدرة والخبرة مع المنتج لذلك فإنه لا يعتبر في وضع أدنى يحتاج فيها إلى حماية إلا أن الاستثناء يتعلق بالضرر المادي الذي يصيب ممتلكاته دون الذي يصيبه في جسده ، فهو لم يميز بين المضرور المحترف وغير المحترف عند تضرره من السلعة إلا في حالة استخدام السلعة في أغراض تجارية أو مهنية فعندئذ يكون الإعفاء عن الأضرار المادية التي تصيب أمواله دون التي تصيبه في بدنه(6).

ثانياً : المنتج :

بالرجوع إلى التوجيه الأوربي ، نجده قد تبنى الاتجاه الذي يوسع من مفهوم المنتج ، حيث أنه يعتبر كل من شارك في عملية الإنتاج مسؤولاً عن تعويض الأضرار التي تسببها عيوب المنتجات ويتساوى في ذلك المنتج النهائي مع منتج أحد المكونات الداخلة في إنتاج السلعة ولقد ورد في تبرير ذلك بأن هذا التوسع يتفق مع منطق حماية المستهلك الذي من أجله صدر التوجيه ويدعم الفقه هذا الرأي على أساس أنه يسمح للمضرور اختيار المنتج الأكثر ملاءة ويتفادى المشكلات الفنية التي تعترضه لإثبات وجود العيب في ظل التطور التكنولوجي ، كما إنه يسمح بتوزيع عبء الإثبات على المشاركين في عملية الإنتاج لكي لا يتحمل شخص واحد جميع المسؤولية التي يمكن أن يتسبب فيها منتج آخر(7). فنصت على أن المنتج هو صانع المنتجات النهائية ومنتج المواد الأولية وصانع المكونات الداخلة في تكوين المنتجات النهائية ، إلا أن المشرع حرص على وضع الضوابط التي تكفل عدم المغالاة لذلك اشترط لقيام مسؤولية المنتج الموضوعية أن يكون قد أنتج السلعة في إطار نشاطه المهني أو لتحقيق مكاسب مالية منها. ولقد عدّ التوجيه الأوربي البائع المحترف الذي يقوم بوضع اسمه أو علامته الصناعية أو أية علامة مميزة أخرى تنتسب بها السلعة إليه من المنتجين الذين يخضعون للمسؤولية وكذلك عدّ المستورد للسلعة منتجاً إلا أنه أورد في الحالة الأخيرة إن المستورد الذي يستورد منتجات من خارج دول المجموعة الأوربية تنطبق عليه مفهوم المنتج ، أما الذي يستورد منتجات من داخل المجموعة الأوربية فلا يعدّ منتجاً وكذلك قيد قيام مسؤولية المستورد بأن يكون الاستيراد قد تم بهدف البيع أو التأجير أو التوزيع وليس لأغراض شخصية(8).

وكذلك أضفى التوجيه الأوربي على كل من يساهم في توزيع الإنتاج صفة المنتج وذلك لتحقيق أقصى حماية للمضرور ولكنها جعلت مسؤولية هؤلاء مسؤولية بديلة يحلون بها محل المنتج المسؤول أصلاً عندما لا يكون المنتج المسؤول معروفاً لدى المضرور لذلك أتاح التوجيه للموزع دفع مسؤوليته بإخطار المضرور بشخصية المنتج الحقيقية خلال مهلة معقولة ، إلا أن المشرع الفرنسي لم يأخذ بالرأي الأخير الذي يقضي بقدرة المنتج البديل لدفع المسؤولية ، لذلك فإن المشرع الفرنسي أسقطه لكي يشدد من مسؤولية الموزع(9). كما نص التوجيه الأوربي على مبدأ التضامن بين المنتجين وعدم جواز تجزئة المسؤولية بسبب تعدد المنتجين ، بالإضافة إلى حق المضرور أن يطالب أي منهم على وجه الاستقلال بكامل مبلغ التعويض وكذلك يحق له أن يطالبهم جميعاً بالتعويض وعلى سبيل التضامن. كما أن المشرع سمح لمنتج المكونات الداخلة في السلعة أن يدفع مسؤوليته وما يترتب على قيامها من التضامن بين المنتجين أن يثبت أن تعيب الجزء الذي قام بإنتاجه يرجع إلى تعليمات المصمم أو المنتج النهائي(10). إن المسؤولية التي جاء بها التوجيه الأوربي فيما يتعلق بالمنتجات ، جديرة بالتأييد لأنها وضعت قواعد عامة وشاملة وموحدة في خصوص مسؤولية المنتجين ومساءلتهم عن الأضرار التي تحدثها المنتجات ، حيث أنها أقامت المسؤولية على أساس مبدأ تحمل التبعة ولكن ليس على إطلاقها فألزمت المضرور بإثبات تعيب المنتجات والعلاقة السببية بينه وبين الضرر الذي أصابه ، كما أن القضاء والفقه الفرنسيين كما سبق وأشرنا قد اقتربا كثيراً من التوجيه عندما أنشئا الالتزام بضمان السلامة على عاتق البائع المحترف بأن لا تكون منتجاته ومبيعاته مصدر ضرر للمشتري  ثم توسعا في ذلك فرتبا الالتزام بضمان السلامة على عاتق البائع المحترف تجاه الغير أيضاً وجعلا التزام البائع المحترف التزاماً قريباً من الالتزام بنتيجة لأن القضاء لم يعف المضرور من عبء الإثبات بل ألزمه بإثبات العيب وإنه السبب في حدوث الضرر كما أنه سمح للبائع المحترف إثبات العكس بإقامة الدليل على وجود السبب الأجنبي ، وبذلك تطور أساس المسؤولية فيها فكان في البداية قائماً على خطأ مفترض قابل لإثبات العكس ثم أصبح قائماً على الخطأ غير القابل لإثبات العكس إلا بالسبب الأجنبي حتى أصبح الآن قائماً على أساس مبدأ تحمل التبعة ولكن ليس بصورة مطلقة ، لذلك فإننا نهيب بالمشرع العراقي وبالقضاء العراقي أن يسلك هذا الاتجاه في جعل مسؤولية البائع المحترف قائماً على أساس الضرر وليس الخطأ ولكن مع إلزام المضرور بإثبات تعيب المنتجات بإثبات عدم توافر عناصر السلامة والأمان فيها ، خصوصاً وأن الفقه الإسلامي يجعل مسؤولية المتسبب قائمة بثبوت تعديه والتعدي يتحقق في حالة عدم اتصاف المنتجات بشروط السلامة والأمان وإطلاقها في التداول رغم تعيبها ، وإن مشروع قانون حماية وحقوق المستهلك نص على أنه لا يجوز ( 1- إنتاج أو توريد أو توزيع أو عرض سلع أو خدمات ضارة بصحة المستهلك أو بمصالحه المادية أو مخالفة للمواصفات القياسية المعتمدة محلياً أو عالمياً أو ضارة بالصحة العامة والبيئة. 2- عرض سلعة أو خدمة غير مطابقة للمعلومات المقدمة عنها أو لعلامتها التجارية. 3- إعادة إنتاج السلعة وعرضها للبيع خلافاً للشروط المنصوص عليها في البند (أولاً) من هذه المادة. 4- الترويج بأية وسيلة من وسائل الإعلام والنشر والدعاية للسلعة أو الخدمة التي لا تتوافر فيها المواصفات القياسية المحلية أو الدولية المعتمدة. 5- أن لا تكون السلع والخدمات مخالفة للنظام العام والآداب العامة. )(11). لذلك فإن الالتزام بضمان السلامة أكد عليه مشروع قانون حماية المستهلك في عدة مواضع من نصوصها ، وإلى أن يتم التدخل التشريعي في معالجة مسؤولية المنتج بصورة واضحة فإننا نتمنى الاستهداء بالحلول التي وصل إليها القضاء في فرنسا ، مع الأخذ بأحكام مسؤولية المتسبب في الفقه الإسلامي والقواعد العامة بخصوص المسؤولية العقدية والتقصيرية لمعالجة المشاكل الناجمة عن المنتجات على أساس أن الإخلال بالالتزام بضمان السلامة يرتب المسؤولية العقدية في العلاقة بين البائع المحترف والمضرور المتعاقد والمسؤولية التقصيرية في العلاقة بين البائع المحترف والمتضرر من الغير.

__________________________

[1]- د. حسن عبد الباسط ، مصدر سابق ، ص225.

2- وذلك للطبيعة الخاصة لهذه الخدمات وهناك محاولة من قبل المشرع الأوربي بخصوص تنظيم المسؤولية عن الخدمات ، على الرغم من ذلك فلقد تم تعديل نص المادة الثانية من التوجيه بحيث أدخل الكهرباء في نطاق تطبيق المسؤولية عن المنتجات المعيبة. ينظر د. حسن عبد الباسط ، ص229.

3- ولقد أدى ظهور مشكلة جنون البقر إلى دعم هذا الرأي واستبعاد المنتجات الحيوانية من نطاقه إلا أن المشرع عاد ونص عليها إذا ما تم إدخال أي تغيير فيها.

G. VINEY et P. Joudain، op. Cit، P. 764.

وهناك مقترح بتعديل التوجيه والذي يوجه إلى ضرورة اعتبار المنتجات الزراعية التي لم تدخل عليها عمليات تحويل أو تصنيع من ضمن المنتجات التي يطبق عليها التوجيه.

4- المادة 15 من التوجيه الأوربي G. VINEY et P. Joudain، op. Cit، P. 766، N. 771.

5- ينظر في تفصيله د. حسن عبد الباسط ، مصدر سابق ، ص228-229. لقد عرفت الفقرة الرابعة من المادة الأولى من مشروع قانون حقوق وحماية المستهلك السلعة بأنها أي منتج صناعي أو زراعي معد للاستهلاك أو الاستعمال النهائي.

6-. VINEY et P. Joudain، op. Cit، P. 766، N. 777.

Y. Lambert. Faivre، op. Cit، P. 5.

ولقد عرفت الفقرة السادسة من المادة الأولى من مشروع قانون حقوق وحماية المستهلك بأن المستهلك هو كل شخص طبيعي أو معنوي يشتري أو يروم شراء سلعة أو الانتفاع من خدمة وهذا يعني أن مسؤولية المنتج تقوم تجاه كل من يتضرر من السلعة سواء كان متعاقداً أو غير متعاقد.

7- د. حسن عبد الباسط ، مصدر سابق ، ص237

8- في تفصيله ينظر د. حسن عبد الباسط ، مصدر سابق ، ص238 وما بعدها.

9- د. حسن عبد الباسط ، ص240.

0[1]- Y. Lambert.- Faivre، op. Cit، P. 6.

ويجب أن ننوه أن مشروع قانون حقوق وحماية المستهلك قد أخذ بالمفهوم الواسع للمنتج حيث أنه عرف في الفقرة السابعة من المادة الأولى المجهز بأنه كل منتج أو موزع أو مورد أو بائع للسلعة أو مقدم للخدمة.

1[1]- المادة ( 17 ) من مشروع قانون حقوق وحماية المستهلك.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .