يقصد بالتأميم: نقل ملكية المشروع أو مجموعة من المشاريع الخاصة من ملكية الأفراد والشركات إلى ملكية الأمة، حتى تكون ملكاً للجماعة، وتنأى بذلك عن الإدارة الرأسمالية، بقصد تحقيق صالح الجماعة، مقابل تعويض أصحاب هذه المشاريع عن الحقوق المؤممة(1). إذاَ كان التأميم يمثل ظاهرةَ قانونية واصبح في كثير من البلدان نظاماً قائماً مقرراً بالطريق الدستوري(2). إلا أن مظاهر الريبة والتردد والجدل قد طرقت بين رجال القانون فيما يتعلق بقبول التأميم وبمركزه داخل نطاق النظام القانوني، ثم ذلك اللبس الذي يعتريهم فيما يتعلق بالفرق بين معاني التأميم، ونزع الملكية، وغيرها من القيود. ثم مبررات تطبيقه في الأنظمة القانونية والاقتصادية التي تستمد نهجها من مصادر فكرية مختلفة. لذلك نقسم هذا الفرع إلى النقاط الآتية:

أولاً: الأسس التي يقوم عليها التأميم.

إذا كان التأميم نظاماً قانونياً هدفه تحقيق المصلحة العامة، فإن هذا النظام لا يمكن تبريره، لكونه أثراً من آثار تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وناتجاً عن انتشار المبادئ الاشتراكية فحسب. وإنما كذلك لوجود دوافع وأسس تقتضيه، يرجعها فقهاء القانون إلى الضرورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعلى النحو الآتي:

1 – الأساس الاجتماعي للتأميم يكمن في أن الدولة تهدف من وراء التأميم إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، واستقرار المعاملات، والسلام لفئات المجتمع، وإلى إزالة التناقضات والخلافات الاجتماعية. كما تهدف الدولة أيضاً إلى تقليل الفوارق الطبقية في المجتمع عن طريق منع توسع أو بقاء الملكية الخاصة المستغلة، أو بقائها، أو التقريب بين الدخول(3). إن توسع هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا بالتوفيق بين غريزة التعايش والتملك عند الإنسان، وهذا يعني أن تحقيق التوفيق والانسجام بين الحاجات الفردية والحاجات الاجتماعية يتوقف على التوازن بين الحقوق والحريات الفردية من جهة والحقوق والحريات الجماعية من جهة أخرى – أي بين حقوق الأفراد الخاصة والعامة(4).

2 – إن الأساس الاقتصادي للتأميم مفاده أن التأميم يعد من أهم الوسائل التي تهدف الدولة من خلالها إلى تحرير اقتصادها من الاحتكارات الأجنبية، واستثمار رؤوس أموالها الوطنية في خدمة الخطة الاقتصادية، كما تهدف إلى بسط هيمنتها على وسائل الانتاج، وتسخيرها لصالح مجموع الشعب(5). ومع ذلك فإن التأميم خطوة في بناء الاقتصاد الاشتراكي للدولة وما يتطلبه ذلك من استثمار مباشر للثروات الوطنية، لابد من أن يقتصر بادئ الأمر على المشاريع، والمرافق، ووسائل الانتاج الضرورية والتي لها علاقة مباشرة بمصالح الشعب نحو الثروة النفطية، والبنوك، وشركات التأمين، والثروات المعدنية وغيرها(6). وعلى أساس ذلك فإن الدولة التي تقوم بالتأميم تهدف من قيامها به إلى تنظيم اقتصادها القومي، ورفع مستوى معيشة أبنائه، وضمان تأدية الوظيفة الاجتماعية لرأس المال عن طريق منع الاحتكارات، وتحقيق خطة التنمية الاقتصادية، والموازنة بين النشاط الاقتصادي العام والنشاط الاقتصادي الخاص(7).

3 – إن الأساس السياسي للتأميم يقصد به أن أي مجتمع منظم متحضر لا يمكن أن يعترف بالملكية إلا وفقاً للشكل الذي يعترف به النظام السياسي للدولة . فهي تمارس سلطتها الآمرة على الأشياء والأشخاص(8). وللتأميم واقع سياسي يحمل الدولة على القيام به ولاسيما إذا علمنا بأنه قد دخل في كثير من برامج الأحزاب السياسية الوطنية التي تنادي بالسيطرة على وسائل الانتاج والاستثمار المباشر للموارد تحقيقاً للنظام الاشتراكي. الأمر الذي دفع كثيراً من الدول في هذا العصر إلى أن تصب هذا النظام في شكل قانون .كما هو الحال في العراق وغيره من الدول .

ثانياً: تمييز التأميم عن نزع الملكية للنفع العام .

لما كان التأميم يقترب من نزع الملكية للمنفعة العامة من حيث أن كلاً منهما يؤدي إلى نزع الملكية الخاصة عن صاحبها مقابل تعويض عادل يدفع للمالك، تحقيقاً للنفع العام إلا أن التأميم يختلف عن نزع الملكية من حيث الهدف والأثر فضلاً عن الإجراءات:-

1- فمن حيث الهدف نجد أن الأسباب التي تدعو الدولة إلى التأميم مختلفة وغالباً ما تكون اقتصادية، أو اجتماعية، أو قد تكون سياسية، في حين أن الحاجة إلى إقامة مشروع معين يقدم خدمة للجمهور تكون سبباً مباشراً لنزع الملكية.

2- أما من حيث الموضوع فإن نزع الملكية ينصب دائماً على عقارات، وحقوق عينية أصلية مملوكة ملكية خاصة لأشخاص القانون الخاص. في حين أن التأميم ينصب على المشروع، أو المشروعات المؤممة بأكملها بكل ما تحويه من عقار، ومنقول، وحقوق معنوية نحو براءة الاختراع، والعلامات التجارية وغير ذلك. فلهذا كان التأميم ذا طبيعة غير شخصية على عكس نزع الملكية الذي يتسم بطابعه الفردي ، فنزع الملكية يرد على أموال معينة ومميزة مملوكة ملكية خاصة، أما التأميم فيشمل أدوات الانتاج بوصفها نشاطاً اقتصادياً(9). وأما من حيث الإجراءات يذهب بعض الفقهاء إلى أن التأميم إما أن يتم بشكل مباشر طبقاً لنص دستوري يخرج بعض الأموال من دائرة تملك الأشخاص لكونها خاضعة لتملك الجماعة، أو وفقاً لقوانين خاصة بالتأميم تسند إلى الدستور. فتقسم بذلك إجراءات التأميم بالسرعة واليسر، بخلاف إجراءات نزع الملكية المتصفة بالبطء والتعقيد. هذا فضلاً عن أن نزع الملكية يكون بإجراء إداري (قرار إداري) استناداً إلى قانون أو بناء على القانون، في حين أن التأميم لا يتم إلا بإجراء تشريعي يصدر بشأن نقل ملكية مشروع خاص أو مجموعة معينة من المشروعات. فالقانون هو الذي يحدد محل التأميم، وشروطه، والشكل الذي يأخذه المشروع المؤمم، لذلك فإن التأميم يعد عملاً من أعمال السيادة يصدر عن الحكومة كونها سلطة عامة، وفي حدود وظيفتها السياسية، بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية، والأمن الاجتماعي والداخلي(10).

ثالثاً: بعض التطبيقات العملية للتأميم.

لقد برز التأميم في العراق لأول مرة حين صدر المرسوم رقم 5 لسنة (1955) الذي قضى بتأميم الشركة الإنكليزية للتنوير والقوة الكهربائية المحدودة لمدينة بغداد غير أن هذا التأميم جرى بصورة رضائية بين الحكومة العراقية والشركة (11). إلا أن التأميم لم يقع فعلاً في العراق، إلا بمقتضى القانون رقم (80) لعام (1961) الذي حدد مناطق الاستثمار، وضيق حدود الامتيازات النفطية الأجنبية إلى (1937 كم2 ) وتم تحرير (99.5 %) من الأراضي العراقية من سيطرة الاحتكارات النفطية العالمية(12). وذلك على الرغم من عدم اقتران اسمه بلفظ التأميم، وعلى الرغم من الثغرات الهامة فيه والتي كانت من الممكن أن تفسح المجال للشركات الأجنبية للعودة ثانية إلى الاستغلال(13). أما في مجال القطاع الصناعي والتجاري فقد أممت الحكومة العراقية بموجب القانون رقم (99) لعام (1964) جميع شركات التأمين، وإعادة التأمين والمنشآت المبينة في الجدول المرفق بهذا القانون ،كما جرى تأميم البنوك والمصارف غير الحكومية العاملة في العراق بما فيها فروع المصارف الأجنبية، وتحويل ملكيتها إلى الحكومة العراقية(14).

كما أن الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة تشكل أساساً لقانون الأول من حزيران(1972) ،حيث اصدر مجلس قيادة الثورة القانون رقم(69) لسنة (1972) بتأميم شركة نفط العراق المحدودة، وتأسيس شركة حكومية هي الشركة العراقية للعمليات النفطية(15). وقد مثل قرار التأميم هذا انعكاساً للفكرة القانونية التي جسدتها المادة (13) من الدستور العراقي المؤقت لعام (1970) بنصها على أن: ((الثروات الطبيعية ووسائل الانتاج الأساسية ملك الشعب تستثمرها السلطة المركزية في جمهورية العراق استثماراً مباشراً وفقاً لمقتضيات التخطيط العام للاقتصاد الوطني)) فضلاً عن الاتجاه الدستوري المعاصر في العراق في نظرته إلى الملكية لكونها: ((وظيفة اجتماعية تمارس في حدود أهداف المجتمع ومناهج الدولة وفقاً لأحكام القانون)) وفقاً لنص الفقرة ( أ ) من المادة (16) من الدستور النافذ. وقد جرت تأميمات في مجال القطاع النفطي في العراق بعد قانون الأول من حزيران كانت تطبيقاً للشعار الذي إلتزمته القيادة السياسية في العراق في استخدام النفط سلاحاً في المعركة عقب نشوب حرب تشرين الأول عام (1973)، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة القانون رقم (70) لعام (1973) بتأميم الحصة الشائعة لشركتي (ستاندرد أويل نيوجرسي {أكسون} وموبيل أويل كوربوريشن) الأميركيتين في شركة نفط البصرة المحدودة.

ثم أممت حصة هولندا في شركة نفط البصرة بسبب موقفها العدائي من الأمة العربية بالقانون رقم (90) لعام (1973)(17). وكذلك أممت حصة كولبنكيان بالقانون رقم (101) لعام (1973)(16). وبذلك تمت السيطرة الوطنية على 85% من إنتاج النفط في العراق، وأخيراً قرار مجلس قيادة الثورة في 8/12/1975 بتأميم الحصص المتبقية الشائعة في عمليات شركة نفط البصرة المحدودة بالقانون رقم (200) لعام (1975) وقد تمت بمقتضاه السيطرة الوطنية الكاملة على ثروتنا النفطية(18). أما عن التأميم في فرنسا فقد جرى تعيين مصادر الثروة والنشاطات التي تكون موضوعاً للتأميم في مقدمة دستور (1946) في (الفقرة التاسعة من المقدمة) وذلك على النحو الآتي: ((كل مال وكل مشروع اكتسب ويكتسب استثماره صفات المرفق العام الوطني أو صفة الاحتكار الفعلي يجب أن تصبح ملكاً للجماعة)) وهو ما تم النص عليه أيضاً في م (34) من دستور (1958) الذي خص المشرع بتلك المهمة. ويتبين من قائمة القوانين والمراسيم والأوامر الصادرة في الفترة التي أعقبت التحرير أن نحو نصف الإنتاج الصناعي قد تم تأميمه، ويظهر مصداق هذا القول من خلال عرض بعض تلك القوانين وعلى النحو الآتي:

1-مرسوم 16 / كانون الثاني/ 1945 الخاص بتأميم مصانع رينو للسيارات الذي أتخذ طابع المصادرة بشكل واضح بسبب تعاونه مع النازيين أثناء الحرب.

2-مرسوم 9/ شباط / 1945 الذي أمم جميع أعمال النقل الجوي.

3-قانون 18 / نيسان/ 1946 بتأميم الغاز والكهرباء.

4-قانون 2/ نيسان/ 1946 الذي أمم خمساً وعشرين شركة من شركات التأميم(19)

_________________________

1- د. فتحي عبد الصبور – الآثار القانونية لتأميم والحراسة الإدارية على الأموال – ط2 – عالم الكتب – 1967 – ص 20 ، هذا وقد تبنت المحكمة الإدارية العليا هذا التعريف في حكمها في الطعن 377 لعام 27 ق جلسة 16/2/1985.

2- نص الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية في المادة 35 منه على أنه : ((لا يجوز التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض)).

3- أنظر في ذلك د. فتحي عبد الصبور – مصدر سابق – ص 36.

4- كاتزاروف، قسطنطين – نظرية التأميم – ترجمة وتعليق د. عباس الصراف – بغداد – مطبعة العاني – 1973 – ص35.

5- صفاء الحافظ – القطاع العام وآفاق التطور الاشتراكي في العراق – مصدر سابق – ص 231.

6- د. عبد القادر محمد بودقة – أساسيات الاقتصاد الاشتراكي وقوانين تطوره – من إصدارات مركز البحوث والمعلومات – بغداد – 1982 – ص 31.

7- د. فتحي عبد الصبور – مصدر سابق – ص 34 وما بعدها.

8- كاتزاروف قسطنطين – مصدر سابق – ص 45.

9- كانزاروف قسطنطين – مصدر سابق – ص 367.

10- كاتزاروف قسطنطين – نظرية التأميم – مصدر سابق – ص 368.

11- د. سعيد عبد الكريم مبارك – مصدر سابق – ص 47.

12- أنظر الموسوعة القانونية العراقية – المجلد التاسع – ص 5913. وأنظر كذلك د. صفاء الحافظ – مصدر سابق – ص 77.

13- د. صفاء الحافظ – مصدر سابق – ص 212.

14- أنظر جريدة الوقائع العراقية – عدد 975 في 14/7/1964.

15- نشر هذا القانون في جريدة الوقائع العراقية عدد 2146 في 1/6/1972.

16- نشر في الوقائع العراقية عدد (2287) في 25/8/1973.

17- نشر في الوقائع العراقية عدد (2306) في 20/12/1973.

18- د. جابر إبراهيم الراوي – التأميم في القانون الدولي والقانون العراقي – مجلة القضاء – السنة 30 – العددان 3 و 4 – 1975 – ص 35 وما بعدها.

19- أنظر د. فوزي حسين الجبوري – مصدر سابق – ص 70.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .