الآثار التي تترتب على طلب استرداد المجرمين الأجانب في حال الموافقة أو الرفض بالقانون الأردني

وفي مجال الحديث عن طلب الاسترداد نلفت النظر إلى أن المادة (10\4) لم تتطرق إلى مسألة على قدر كبير من الأهمية، ألا وهي الآثار التي تترتب على طلب الاسترداد في حال موافقة الأردن على التسليم أو رفضه. ففي حالف الموافقة نرى بضرورة منع الأردن، بصورة صريحة، من الملاحقة، وإلزامها بالتسليم في المكان والزمان المتفق عليه، حتى ولو كانت الدولة طالبة التسليم ليست طرفا في اتفاقية دولية تقضي بالتسليم، وذلك لأن التسليم واجب بمقتضى القانون الدولي العرفي . أما إذا اتضح للأردن بعد ذلك بأن الدولة طالبة التسليم ليست جادة بأمر الملاحقة، ففي هذه الحالة نرى بضرورة السماح للأردن بصورة صريحة الاعتذار عن التسليم وملاحقته على أساس الاختصاص العالمي.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما هو الوضع القانوني إذا عاد ذلك الأجنبي إلى الأردن بعد تسليمه للدولة طالبة الاسترداد، فهل يجوز للأردن ملاحقته على أساس الاختصاص العالمي أم لا؟ لحل هذه المسألة يجب أن نفرّق بين ما إذا جرت محاكمته في الخارج بصورة نهائية أم لا؟ فإذا جرت محاكمته بصورة نهائية في الخارج فلا بد من التمييز بين ما إذا كان الحكم الصادر في الخارج قد صدر بالإدانة أم بالبراءة، فإذا كان صادرا بالإدانة فلا يجوز ملاحقته مرة أخرى عن ذات الفعل، حتى ولو سقطت عنه العقوبة الصادرة بالخارج بالتقادم أو بالعفو، إلا إذا كانت تلك الملاحقة قد اتخذت لغرض حماية الشخص المعني من المسئولية الجنائية، أو إذا لم تجر بصورة تتسم بالاستقلال أو النزاهة وفقاً لأصول المحاكمات المعترف بها بموجب القانون الدولي, أو إذا جرت في ظروف لا تدل على نية تقديم الشخص المعني للعدالة القانونية، ما يؤيد ذلك المادتان: (12 و 58) قانون العقوبات الأردني، والمادة (20\3\أ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

أما إذا كان الحكم الصادر في الخارج يتمثل بالبراءة، فلا بد من التفريق بين ما إذا كان سبب البراءة راجعا إلى عدم التجريم على الفعل، أو إلى عدم صحة الواقعة. فإذا كان راجعا إلى عدم تجريم الفعل، أو لعدم كفاية الأدلة، أو لعدم الرغبة أو الجدية في الملاحقة، ففي هذه الحالة يجوز ملاحقة الفاعل مرة أخرى في الأردن، وذلك تحقيقا للهدف من الاختصاص العالمي المتمثل بمنع إفلات مرتكبي الجرائم الدولية الجسيمة من العقاب هذا من جهة، ولاحتمالية توافر الأدلة في الأردن من جهة أخرى. أما إذا كان سبب البراءة راجعا لعدم صحة الواقعة فلا يجوز الملاحقة، وذلك لأن القانون الذي يعتد به في هذه الحالة هو قانون الدولة مصدّرة الحكم .

أما إذا لم تجر محاكمة الفاعل بصورة نهائية في الخارج، كما لو أصدرت النيابة العامة في تلك الدولة قرارا بسقوط دعوى الحق العام، فيجوز للأردن بالاعتماد على معنى المخالفة للمادة (12) قانون العقوبات وعلى المادة (13) من القانون نفسه ملاحقته، إلا إذا كان ذلك الحكم قد صدر بناء على إخبار رسمي للسلطات الأردنية. ويرجع السبب في ذلك إلى أن القانون المعتبر فيما يتعلق بسقوط دعوى الحق العام من عدمه في مرحلة التحقيق الابتدائي هو القانون الأردني لا الأجنبي.

وفي حال السماح للأردن بملاحقة الأجنبي مرة أخرى نلفت الانتباه إلى ضرورة أخذ المادة (13\3) قانون العقوبات الأردني، والمادة (41) من القانون نفسه في الحسبان، وحسم مدة الحكم والتوقيف والقبض الصادرة في الخارج من أصل المدة التي يحكم بها في المملكة.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما هي الآثار التي تترتب على رفض طلب التسليم من قبل الأردن، وما هي آلية تحريك دعوى الحق العام، في حال ما رفضت الأردن التسليم رغبة بالملاحقة على أساس الاختصاص العالمي؟

المتابع للمادة (10\4) يجد بأنها تجيز للأردن رفض طلب الاسترداد، إلا أنها لم تبين ما هي الآثار التي تترتب على ذلك، بخلاف كثير من التشريعات المقارنة التي تلزم دولها، في حال رفض طلب الاسترداد، بذكر الأسباب المانعة من التسليم، والإلزام بالملاحقة القانونية، وذلك لمنع إفلات الجرائم الدولية الجسيمة من العقاب . ما يؤيد ذلك المواد: (10\1-3 مكرر، 12، 16\2) قانون الإجراءات الجنائية البلجيكي عام 2003، والمواد (6\9) قانون العقوبات الألماني، و(120\8) و (142 \أ\1) قانون السلطة القضائية الألماني،والمادة (2) قانون الإجراءات الجنائية النمساوي.

كذلك الأمر بالنسبة لآلية تحريك دعوى الحق العام، في حال ما رفضت الأردن التسليم رغبة بالملاحقة على أساس الاختصاص العالمي، المتابع للمادة (10\4) يجد بأن هذه المادة لم تتحدث عن ذلك الأمر،أيضا، إلا أن هناك خطتين. أول هذه الخطط جاءت بها البلدان القائمة على القانون العام الأنجلو أمريكي، ففي هذه الدول نجد بأنها تحيل الأمر للمدعي العام، الذي له سلطة تقديرية بالملاحقة، وبسحب الدعوى، أو وقف الاستمرار بها إذا اتضح له بأن الفعل لا يشكل جريمة دولية جسيمة، أو أن هناك قضاء أكثر ملاءمة لتحقيق العدالة، ما يؤيد ذلك نص المادة (153\ف\3) قانون الإجراءات الجنائية الألماني. أما بالنسبة لبلدان القانون المدني، كفرنسا مثلا، فنجد أنها تجيز للضحية أو أحد أقاربه رفع شكوى أمام المدعي العام (قاضي التحقيق) الذي يعتبر ملزما بالتحقيق في هذه الحالة.

وعلى النقيض من ذلك، فقد سمحت بعض بلدان أمريكا اللاتينية في الآونة الأخيرة، مثل غواتيمالا وكوستاريكا، للضحايا باكتساب صفة “المدعين المرافقين” بحيث يكون من حقهم صياغة التهم، واتخاذ قرارات الاستئناف، وتوفير الأدلة. كذلك الأمر، فقد سمحت هذه الدول، بالنسبة لبعض الجرائم، للمنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية لأن تكون،أيضا، من قبيل “المدعين المرافقين” إذا كانت لها مصلحة مباشرة في القضية، وخصوصاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يجوز للمحكمة الجنائية الدولية ملاحقة الأجنبي مرة أخرى بعد ملاحقته من قبل الأردن؟ على الرغم من طرح هذه المسألة سابقا، إلا أنه نرغب بطرحها مرة أخرى، وذلك لأنها اُتخذت سابقا كمثال مؤيد وليس كمحل موضوع. للإجابة على ذلك فلا بد من التفريق بين ما إذا جرت محاكمته بصورة نهائية في الأردن أم لا؟ فإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز للمحكمة الجنائية الملاحقة، إلا إذا كان سبب البراءة راجعا لعدم التجريم، أو إذا اتضح لها بأن الأردن غير راغبة أو قادرة على الملاحقة.

أما إذا لم تجر محاكمة ذلك الأجنبي بصورة نهائية، كما لو أصدرت النيابة العامة قرارا بمنع المحاكمة أو بحفظ الأوراق فينبغي التفريق بينهما، فإذا كان القرار الصادر هو قرار منع المحاكمة فلا يجوز، برأينا، للمحكمة الجنائية الدولية الملاحقة، وذلك لأن هذا القرار هو قرار قضائي أنهى إجراءات السير بالدعوى، وله حجية الشيء المقضي به، وجاء بعد تحقيق في الدعوى.

ما يؤيد ذلك نص المادة (17/1/ب) من النظام الأساسي التي تقضي بأنه مع مراعاة الفقرة (10) من الديباجة والمادة (1) تقرر المحكمة أن الدعوى غير مقبولة في حال ما إذا قامت دولة لها ولاية في الدعوى بإجراء التحقيق مقررة عدم مقاضاة الشخص المعني، ما لم يكن القرار ناتجا عن عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقا على المقاضاة.

أما إذا كان القرار متعلقا بحفظ الأوراق، ففي هذه الحالة يجوز للمحكمة الجنائية الدولية الملاحقة، وذلك لأن هذا القرار هو عبارة عن قرار إداري لا يحوز حجية الأمر المقضي به، مما يبيح للمتضرر والمدعي الاتجاه إلى المحكمة الجنائية الدولية لإعادة النظر في الدعوى.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت