لقد كان من نتيجة التطورات الحاصلة بعد الثورة الصناعية في ميادين الإنتاج وتطور التقنيات والعمل التكنولوجي إنه على الرغم مما حمله من فوائد وإيجابيات ، إلا أنه حمل معه أضرارا” كبيرة تمثلت في كون ذلك التطور سبباً في موت الأشخاص أو الإصابة بأضرار خطيرة تطال في بعض الأحيان أعداداً كبيرة، فضلا”عن الأضرار بالأموال والممتلكات لذلك لجأت القوانين إلى معالجة المسؤولية عن بعض أنواع الأشياء مثل تنظيم المسؤولية عن الحيوان والبناء(1).ولقد بذل القضاء والفقه الفرنسي في تفسير المواد المتعلقة بالمسؤولية عن البناء والحيوان على الوجه الذي يكفل الحماية للمتضررين من الأشياء إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل(2). فلجأ القضاء والفقه إلى تكييف القاعدة القانونية الواردة في المادة 1384 / 1 والخاصة بالمسؤولية عن الأشياء والتي فسرها القضاء الفرنسي بشكل يمكنه الإحاطة بالمشكلات التي تطرحها مسؤولية المنتج(3). فالمشرع الفرنسي أقام افتراضاً مباشراً لخطأ المنتج في إقراره لمسؤولية حارس الأشياء ، فعمد القضاء الى تفسير هذا النص فأنشأ قرينة على مسؤولية حارس الشيء قياساً على القرينة القانونية التي أقامها المشرع على حارس الحيوان وحارس البناء ، وجعل القضاء من القرينة القضائية في بداية الأمر قرينة بسيطة ثم ما لبث أن جعل منها قرينة قاطعة غير قابلة لإثبات العكس إلا بالسبب الأجنبي وذلك لتزايد مخاطر الآلات والمنتجات وتفاقم الحوادث الناجمة عنها ، ولمسايرة التطور الذي حصل في المادة 1645 مدني فرنسي فيما يتعلق بالأضرار التي تحدثها عيوب المبيع فشبهت البائع المحترف بالبائع الذي يعلم بالعيب وبالتالي جعل من قرينة التشبيه تلك قرينة قاطعة لا تدحض إلا بالدليل العكسي(4).

كما أن القضاء الفرنسي جعل تلك المسؤولية تمتد لتشمل جميع المنتجات بغض النظر عن كونها خطرة أم لا وذلك لأن المشرع الفرنسي لم يحدد المقصود بالأشياء الخطرة على عكس ما هو الحال عليه في القانون المدني العراقي والمصري اللذين حدد الأشياء الخطرة بالآلات الميكانيكية وتلك التي تتطلب عناية خاصة(5). واستقرت أحكام المحاكم في فرنسا على الأخذ بمفهوم الحراسة الفعلية للأشياء فافترضت أن مالك الشيء هو الحارس المسؤول عما يصيب الغير من أضرار مما سهلت عبء الإثبات على المضرور كثيراً(6). فأصبح مقاضاة حارس الشيء أسهل من مقاضاة المنتج ، وحيث أن هذه الحالة تؤدي إلى اختلال واضح في موازين العدالة إذ يقع على البائع الأخير ( الذي يعتبر الحارس الفعلي ) تحمل مسؤولية التعويض عن مخاطر نجمت في الأصل بسبب خطأ المنتج نفسه في التصميم أو التصنيع ، لذلك اتجه الفقه والقضاء إلى الأخذ بفكرة تجزئة الحراسة إلى حراسة تكوين وحراسة استعمال(7). فعدم توفرصفة الحارس في المنتج وفقاً لمفهوم الحراسة الفعلية على الشيء يؤدي إلى إهدار حق المضرور من الغير في الرجوع على المنتج ، إذ يجب عليه الرجوع على البائع المباشر ( حارس الشيء ) والذي قد لا يمتلك الملاءة الاقتصادية لتعويض الأشخاص المتضررين عن وبالتالي تحمل نتائج أخطاء لم يكن هو السبب فيها لذلك فإن كل ذلك دفع القضاء ومعه الفقه إلى الأخذ بنظرية تجزئة الحراسة(8).

فإذا كان الضرر ناجماً عن الخطأ في استعمال الشيء أو مراقبة نشاطه الخارجي فإن المالك يتحمل المسؤولية ، أما إذا كان الضرر ناجماً عن وجود عيب في التكوين الداخلي للسلعة فإن المنتج يتحمل عندها المسؤولية(9). على الرغم من عدالة هذا الرأي إلا ان هذه النظرية لم تسلم من الانتقاد(10). إلا أن الأحكام القضائية بدأت تأخذ بهذه النظرية وإن لم يكن تأييدها مطلقاً ، ومن أولى الأحكام التي أخذت بهذه النظرية القضية المشهورة المتعلقة بالأوكسجين السائل وتتلخص وقائعها في أن إحدى الشركات التي تنتج اسطوانات الأوكسجين تعاقدت مع شركة نقل لإرسال شحنتها إلى أحد عملائها وأثناء تفريغ الشحنة انفجرت إحدى الاسطوانات وتسببت في إصابة أحد عمال شركة النقل وعامل من عمال المشتري ، أقام العاملان الدعوى على الشركة المنتجة وشركة النقل استناداً إلى المسؤولية عن الأشياء ، فدفعت الشركة المنتجة بانتفاء صفة الحراسة عنها لانتقال السيطرة المادية إلى الشركة الناقلة ، دفعت شركة النقل المسؤولية استناداً إلى أن السبب في الحادث لم يكن السيطرة المادية على الشيء وإنما نتيجة للعيوب الداخلية للأسطوانة والتي لا يسيطر عليها إلا المنتج فقضت محكمة الاستئناف بمسؤولية شركة النقل دون الشركة المنتجة وأيدت محكمة الاستئناف هذا الحكم(11). وعندما طعن العاملان في الحكم قضت محكمة النقض بنقض حكم الاستئناف وإلزام الشركة المنتجة للأسطوانات بالتعويض ذلك لأن صفة الحارس تثبت فيمن يسيطر على الشيء مادياً أو فعلياً ولا تنتفي عنه إلا إذا أمكنه إثبات فقدها بغير إرادته أو انتقالها إلى الغير بشرط أن يكون هذا الانتقال كاملاً ويعطي من انتقلت إليه هذه السيطرة القدرة على توقي الأضرار أو تلافيها(12).

وكان نتيجة لذلك أن تواترت أحكام القضاء الفرنسي في قبول حراسة التكوين أساساً لمسؤولية المنتج التقصيرية في مواجهة الغير، ففي قضية تتعلق وقائعها في انفجار زجاجة مياه غازية على أحد الأطفال نجم عنه إصابته بأضرار بالغة قضت محكمة الاستئناف مسؤولية الشركة المنتجة للمشروب ذاته واستبعاد مسؤولية الشركة المنتجة لزجاجات التعبئة أو البائع ، وأيدت محكمة النقض حكم محكمة الاستئناف وقضت بوجوب التفرقة بين مسؤولية الحارس صاحب سلطة الرقابة على التكوين الداخلي للشيء وبين من ليس له إلا سلطة الاستعمال والرقابة الخارجية واستندت محكمة النقض في حكمها إلى أن انفجار الزجاجة حدث تلقائياً دون أي مؤثر خارجي مما يؤكد أن حراسة المشروب تتعلق بتكوينه وتخضع لسيطرة المنتج الذي كان يستطيع أن يتلافى مسببات الضرر أو يخفف من حدتها وهذه السيطرة لا يتحكم فيها من انتقلت إليهم ملكية الشيء أو حيازته بعد طرحه للتداول(13). ثم تواترت الأحكام المؤيدة لحراسة التكوين. إلا أن الفقه والقضاء الفرنسيين لم يتبنيا طريقاً واحداً في تأييد هذه النظرية فمنهم من قال بها في الحالة التي تكون فيها المنتجات متصفة بالخطورة الذاتية ، وجانب آخر رأى ضرورة تطبيق نظرية التجزئة على جميع المنتجات من دون استثناء(14). كما أن القضاء الفرنسي والفقه لم يغفلا أن تحقيق مصلحة المضرور غير المتعاقد يجب أن لا يتم على حساب مصلحة المنتج ، لذلك اتجه القضاء إلى أن مسؤولية المنتج باعتباره حارساً للتكوين لا يمكن أن يستمر إلا لفترة محدودة ، حتى لا يبقى المنتج مهدداً بدعوى المسؤولية ، وقد بررت ذلك بأن حراسة التكوين إذا استمرت لفترات طويلة فإن ذلك يرهق المنتج بما يؤدي إلى تعطيل التجارة وعدم استعانته بوسائل العلم الحديثة وذلك لعدم قدرته على التعويضات التي يحكم بها عليه ، كما أن السلع والمنتجات التي لها مدد صلاحية معينة لا يمكن بعد انتهائها أن يبقى المنتج مسؤولاً عن حراسة تكوينها ، لأن مضي الزمن يؤدي إلى تهالك السلع حتى المعمرة منها(15).

إن اتجاه القضاء إلى مثل هذا الفرض يأتي ليوازي ما هو موجود بالنسبة للمتعاقد المضرور في حالة الالتزام بضمان السلامة(16). ولقد تعرض هذا الاتجاه في الفقه والقضاء إلى الانتقاد ، وذلك لأن السلعة إذا تسببت بالأضرار بالنسبة للمتعاقد فإن دعواه قد تبقى قائمة استناداً إلى إخلال المنتج بالتزامه بتسليم مبيع خال من العيب أو النقص أو إخلاله بالتزامه بالإفضاء ( أي الإخلال بضمان السلامة بصورة عامة ) بينما تنقضي المدة بالنسبة لغير المتعاقد الذي يستند إلى مسؤولية المنتج على أساس حراسة التكوين خصوصاً وأن القضاء قد حدد مهلة محدودة ولم يستقر على رأي واحد بصدد تحديد المدة اللازمة لرفع الدعوى خلالها ، كما أن القضاء قد ترك أمر تحديد تلك المدة وفقاً لملابسات كل قضية على حدة(17). لذلك فإن الاتجاه الذي يعترض على تحديد المدة من قبل القضاء يدعو إلى ضرورة تدخل المشرع في تحديد مدة زمنية ليتم خلالها رفع الدعوى والذي يؤدي إلى المزيد من الاستقرار ، ولقد بدأ حدة الخلاف يقل بهذا الشأن بعد ان أقر القضاء امتداد الالتزام بضمان السلامة ليشمل غير المتعاقدين. ثم بصدور قانون 1998 الذي حدد المدة التي يتم خلالها رفع الدعوى. والملاحظ أن هناك رأيا”يقضي بأن الحراسة لا يمكن تجزأتها إلى حراسة تكوين وحراسة استعمال إلا في الحالة التي لا يملك فيها حارس الاستعمال أي إمكانية لمراقبة التكوين الداخلي للسلعة وبالتالي لا يملك أي وسيلة لتجنب أضرارها(18). وتشمل المشروبات المعبأة في زجاجات وأنابيب الغاز والمنتجات التي لها خصائص ذاتية معينة حيث أن من واجب المنتج لها أن يراقب التركيب الداخلي في مراحل صنعها فتكون المسؤولية قاصرة عليه وحدة دون الموزع إلا إذا تدخل بشكل شخصي في إنتاج السلعة(19).

وهناك من يرى بأن المعيار الذي يمكن اعتماده في تجزئة الحراسة إلى حراسة استعمال وحراس تكوين والفرق بينهما هو انغلاق السلعة على تكوينها الداخلي بشكل لا يسمح لحارس الاستعمال الاطلاع على مكونات المنتوج أو فحصه(20). ففي هذه الحالة يكون المنتج هو المسؤول لأنه المشرف على مراحل تنفيذ السلعة ويتولى مراقبة المراحل التي يتم فيها إنتاج السلعة. ولكن يدور السؤال في حالة قيام عدة جهات بإنتاج سلعة معينة ما يؤدي إلى تعدد حراسة التكوين نفسها ، فقد يتعدد المنتجون في إنتاج سلعة ما عن طريق تجميع مكونات السلعة التي يقوم بتصنيعها أكثر من صانع أو أن يقوم الموزع بإحداث إضافة في المنتوج كالقيام بعملية التعبئة أو التغليف مما يعني اكتسابه لصفة حارس التكوين وفقاً للمفهوم الواسع لهذا المصطلح بالإضافة إلى كونه حارساً للاستعمال يجيب الفقه عن هذا التساؤل بالقول بأنه إذا أمكن تحديد الجزء الذي أدى تعييبه إلى وقوع الحادثة ، فإنه يمكن الرجوع على من قام بتصنيع ذلك الجزء كما يمكنه الرجوع على المنتج النهائي للسلعة والذي طرح السلعة في التداول على أساس أنه الشخص الذي تعامل معه المضرور ، كما أنه هو الذي ارتضى أن يقدم السلعة في النهاية على أنها من صنعه(21). وهو بدوره يرجع على منتج الجزء المعيب أما إذا بقي سبب الحادث مجهولاً فليس للمضرور إلا أن يرجع على المنتج النهائي(22). أما في حالة الوكلاء التجاريين فإن المسؤول في كل الأحوال هو المنتج ، لأن المنتج يلجأ إلى هؤلاء لتصريف منتجاته فيعملون عادة باسم المنتج ولحسابه مما يستوجب إلقاء المسؤولية على عاتق المنتج إذا ما أحدث المبيع ضرراً بالغير إلا إذا ثبت الخطأ في جانب الوكلاء(23).

إلا أن القضاء الفرنسي يميز في هذه المسألة بين الحالة التي يتعدد فيها الحراس مع اختلاف سلطات كل منهم وبين حالة الحراس الذين تتطابق سلطاتهم على الشيء ، فعندما يتعدد الحراس وتكون حراسة بعضهم على الشيء حراسة استعمال ( وهو الذي تنحصر سلطاته في حراسة الشيء ورقابته ومسلكه الخارجي ) وحراسة الآخرين حراسة تكوين ( وهو الذي تنحصر سلطاته في حراسة التكوين الداخلي للشيء ) ، فعند اختلاف السلطات تكون الحراسة تبادلية(24). أما إذا تطابقت سلطات الحراس على الشيء فإن القضاء يعتبر الحراسة جماعية ويلزمهم بالتعويض على سبيل التضامم(25). وأول التطبيقات لهذا الاتجاه ،حالة تعدد الحراس على الشيء في حالة الملاك على الشيوع ، ثم تتابعت الأحكام التي تأخذ بالمسؤولية الجماعية في المسؤولية عن الأشياء التي تستخدم استخداماً جماعياً(26). ويبرر القضاء موقفه هذا في أن ذلك يحقق حماية مصلحة المضرور الذي يصعب عليه أن يحدد دور أو خطأ كل حارس ، كما أن المسؤولية الجماعية للمنتجين يؤدي إلى تحقيق العدالة بين المنتجين أنفسهم لأنه لا يسمح بتحميل أحد المنتجين وبغير سند قانوني بالمسؤولية عن الأضرار التي تسبب فيها منتج آخر(27). وقبل أن ننتقل إلى المبحث الثاني فإنه يجب البحث عن طبيعة دعوى المسؤولية وفقاً لقواعد المسؤولية العقدية والتقصيرية في قانوننا المدني. نتيجة لعدم وجود قواعد قانونية تنظم مسؤولية المنتج بشكل مباشر وصريح سواء في قانوننا المدني العراقي أو في القانون المصري فإنه يمكن الاستناد إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية (العقدية والتقصيرية) لإيجاد الحلول بالنسبة للأضرار التي تسببها المنتجات ولإيجاد الوسائل التي تمكن المضرور من التعويض في مثل هذه الحالات التي طرأت إلى الحياة بسبب التطور والتقدم في ميدان المنتجات والسلع ، على الرغم من أن هذه القواعد لا يمكنها معالجة مسؤولية البائع المحترف من كافة جوانبه والذي يقتضي ضرورة القول بالاعتراف بالالتزام بضمان السلامة وتنظيم المسؤولية الناجمة عن المنتجات.

أولاً : قواعد المسؤولية العقدية :

ان الأحكام والقواعد المنظمة لضمان العيوب الخفية لا يتضمن قواعد يمكن الاستناد إليها لإيجاد الأساس القانوني لضمان السلامة وبالتالي لتنظيم مسؤولية البائع المحترف عن الأضرار التي تصيب الأنفس والأموال لأنها قاصرة على معالجة الضرر التجاري(28). فإذا ما تم اللجوء إلى أحكام وقواعد ضمان العيوب الخفية لمعالجة مسؤولية البائع المحترف عن الأضرار التي تسببها المنتجات فإنه ينبغي التفرقة بين الأضرار التي تلحق بالمضرور بسبب عيوب المبيع والأضرار التي تحدثها خطورة المبيع ، وفيما يتعلق بالحالة الأولى فإن المشتري إذا ما تضرر من المبيع المعيب فإنه يجب إثبات العيب بكافة شروطه لكي يمكنه الرجوع على أن يأخذ مفهوم العيب مفهوماً مختلفاً في نطاق مسؤولية البائع المحترف(29). ولكن البائع المحترف يستطيع أن يتخلص من المسؤولية إذا اثبت عدم علمه بالعيب وفقاً للقواعد العامة للضمان(30). وبالطبع فإن قواعد الضمان لن تسعف المشتري في الحصول على التعويض لقصورها فمن ناحية هي قاصرة عن الإحاطة بالأضرار التي تحدثها المنتجات بسبب خطورتها ومن ناحية ثانية فهي قاصرة حتى عن الإحاطة بالأضرار التي تسببها المنتجات لعيوبها لأنها لا تعالج إلا الضرر التجاري كما أن وجوب إثبات العيب من قبل المشتري وإمكانية دفع البائع بعدم علمه به يؤدي إلى صعوبات كبيرة بالنسبة إلى المشتري ومن ثم استحالة حصوله على التعويض. لذلك فإن هناك رأياً في الفقه يقول أنه بإمكان المشتري الحصول على التعويض برفع دعوى المسؤولية العقدية ضد البائع المحترف بالاستناد إلى قاعدة الخطأ الجسيم أو الغش(31). الواردة في المادة 169 / 3 من القانون المدني العراقي(32). إذ أن مفهوم المخالفة للفقرة الثالثة للمادة 169 يؤدي إلى القول بأن المدين في العقد يتحمل التعويض الكامل عن جميع الأضرار سواء كانت متوقعة أو غير متوقعة إذا ما ارتكب خطأً جسيماً أو غشاً في تنفيذ العقد. فالخطأ العقدي يتخذ صوراً عديدة منها عدم تنفيذ الالتزام أو التأخير في التنفيذ أو التنفيذ الناقص أو المعيب للالتزام(33).

ولا شك أن الصورتين الأخيرتين تتمثلان في الحالة الماثلة ، فخطأ المنتج أو التاجر يعتبر جسيماً لأنه كان واجباً عليه أن يعلم ما في منتجاته أو مبيعاته من عيوب ، ولعل ما انتهجه القضاء الفرنسي من افتراض علم البائع المحترف للعيب وتشبيهه بالبائع الذي يعلم بالعيب ( سواء كان منتجاً أو تاجر ) ما يمكن تشبيهه بفكرة الخطأ الجسيم الواردة في المادة ( 169 / 3 ) فليس من وسيلة أخرى غير ذلك لأن المشرع العراقي والمصري لم يعالجا هذا النوع من المسؤولية عن هذا الطراز الجديد من الأضرار غير المتوقعة من قبل المشرع ، فلا يعقل أن يغفل المشرع تنظيم المسؤولية عن هذه الأضرار التي أصبحت منتشرة وواسعة في الوقت الحاضر إلا بسبب كونها غير متوقعة بالنسبة إليه ، كالمشرع الفرنسي قبل إصداره لقانون 1998 ، إلا أن القضاء لم يقف مكتوف الأيدي بل أتى بحلول ووسائل معينة للإحاطة بهذه الأضرار واعترف بوجود الالتزام بضمان السلامة عندما وجد أن الاستناد إلى قواعد ضمان العيوب الخفية غير كافية ، وجعل هذا الالتزام شاملاً للأضرار التي تسببها المنتجات بسبب خطورتها أو تعيبها وأوجد مفهوماً للعيب يختلف عن مفهوم العيب في ضمان العيوب الخفية بحيث أصبح المقصود بالعيب هو النقص أو الخلل في المنتجات والذي يؤدي إلى عدم توافر عناصر الأمان والسلامة فيها. وإن الإخلال بها يؤدي إلى قيام المسؤولية العقدية. كما أن الخطأ الجسيم يمكن أن يتعذر على المضرور إثباته لأنه الطرف الضعيف والبائع المحترف يمتلك من الخبرات والوسائل الفنية ما يساعده في تبرئة ساحته من هذه الأخطاء ، لذلك فإنه لا مناص من افتراض خطأ المنتج عند حدوث الضرر وبسبب العيب في المبيع(34)). كما ان القضاء الفرنسي جعل من قرينة علم البائع بالعيب قرينة قاطعة في بعض الأحيان وجعل التزامه بضمان السلامة التزاماً قريباً من الالتزام بنتيجة ، فلا بأس من أن يسترشد القضاء العراقي بتلك الحلول التي وفرت للمتضررين حماية فعالة من المنتجات ، كما أنه لا يوجد ما يمنع القضاء من تفسير نصوص القانون المتعلقة بالمسؤولية العقدية بشكل يساعد على الإحاطة بالمشكلات المتعلقة بالمنتجات ، إلى حين تدخل المشرع بتنظيم ذلك ، وإن قانون الإثبات العراقي لا يمنع القضاء استنباط القرينة من وقائع الدعوى(35). كما أن القاضي يستطيع استنباط قرينة لم يقررها القانون في نطاق ما يجوز إثباته بالشهادة(36). وإن الحوادث المتعلقة بالأنفس والأموال وقائع مادية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات. أما فيما يتعلق بقاعدة الغش فإن القضاء الفرنسي لجأ إليها فيما يتعلق بمسؤولية المنتجين مع انتقاد الفقه الذي رأى بأن تطبيق قاعدة الغش لا يجب أن يكون مطلقاً بل مقيداً بشروط معينة(37). ويرى جانب من الفقه العراقي بأن قاعدة الغش لا يجب تأسيس المسؤولية استناداً عليه إلا بصورة احتياطية عندما يتعذر على المضرور إثبات خطأ المنتج(38).

وفي الفروض السابقة يكون المشتري قد استطاع إثبات أن الضرر حدث بسبب المبيع المعيب الذي تم إثبات وجوده ولكن في بعض الفروض لا يمكن إثبات وجود العيب حتى من قبل أرباب الخبرة ، وفي مثل هذه الأحوال إذا قلنا بعدم مسؤولية المنتج فإن ذلك يؤدي إلى الأضرار بمصلحة المضرور الذي هو في الأصل قد تضرر من المبيع ، لذلك فإنه لابد من الاعتراف بالالتزام بضمان السلامة لكي يمكن للمضرور رفع الدعوى على أساس الإخلال به. أما فيما يتعلق بالأضرار التي تنتج عن أخطار المبيع فإن القضاء الفرنسي أنشأ الالتزام بالإفضاء وجعله تطبيقاً للالتزام بضمان السلامة ، ويمكن للقضاء العراقي أن يعترف بوجود هذا الالتزام إذ أنه لا يتعارض مع القواعد العامة بل يمكن إيجاد السند القانوني في المادة ( 150 ) بفقرتيه من القانون المدني العراقي(39).ومن ثم ألزام المنتج بهذا الالتزام بإعلام المشتري عن خصائص منتجاته ، لذلك فإن الاعتراف بالالتزام بضمان السلامة في نطاق عقد البيع يساعد في إيجاد الحل للكثير من المسائل والقضايا ، وإن المسؤولية الناشئة عن الإخلال بها هي مسؤولية عقدية ، ولكن التساؤل الذي يثار هو في إمكانية المشتري الرجوع الى البائعين السابقين أو المنتج مباشرة عن الأضرار التي تسببها المنتجات له باعتبار المنتج هو الشخص الأكثر ملاءة ، تبين لنا مما سبق أن القضاء الفرنسي أعطى للمشتري حق رفع دعوى عقدية مباشرة يستطيع بها الرجوع على البائعين السابقين بما فيهم البائع الأول ( المنتج ) على أساس أنها من ملحقات المبيع ، لذلك فإنهم لا يوجد مانع من تطبيق ذلك في القضاء العراقي بالاستناد إلى المادة 142 / 2 والمادة 537 / ج من القانون المدني العراقي(40). على اعتبار دعوى الإخلال بالالتزام بضمان السلامة من ملحقات المبيع(41). أما فيما يتعلق بالعلاقة بين المضرور من غير المتعاقدين والبائع المحترف وهو المجال الأوسع لمسؤولية المنتج فإن الدعوى التي يمكن أن يقيمها المضرور تكون تقصيرية ، إذ أن مسالة الخطأ في عمليات الإنتاج وإغفال الشروط المتعلقة بقواعد الإنتاج سواء كانت صحية أو فنية مسألة ليست مستبعدة ، فإذا ما تسبب المنتوج بإحداث الضرر بالغير فليس هناك من سبيل سوى الرجوع على قواعد المسؤولية التقصيرية في ظل غياب التنظيم التشريعي لمثل هذه المسؤولية(42). ويستند الغير في رجوعه على البائع المحترف إلى القواعد العامة التي تنظم المسؤولية التقصيرية والتي تكون إما بالاستناد إلى قواعد المسؤولية عن الأفعال الشخصية أو المسؤولية عن الأشياء.

1- المسؤولية عن الأفعال الشخصية :

إن المبدأ العام للرجوع في المسؤولية التقصيرية هي تلك التي تنجم عن فعل شخصي يصدر من المسؤول والذي يتضمن التدخل المباشر من قبله في إحداث الضرر ، وتؤسس مسؤوليته هذه على وجود خطأ يصدر من جانبه والمكلف بهذا الإثبات هو المضرور نفسه ، ولا يخفى صعوبة الإثبات في كثير من الأحيان في ظل تطور السلع والمنتجات وإثبات وجود العيب أو الخطورة في المنتجات. فالمادة ( 186 ) من القانون المدني العراقي تقضي ” 1- إذا أتلف أحد مال غيره أو انقص قيمته مباشرة أو تسبباً يكون ضامناً إذا كان في إحداثه هذا الضرر قد تعمد أو تعدى. 2- وإذا اجتمع المباشر والمتسبب ضمن المتعمد أو المتعدي منهما فلو ضمنا معاً كانوا متكافلين في الضمان. (43). أما المادة ( 202 ) فإنها تنص على أن ” كل فعل ضار بالنفس من قتل أو جرح أو ضرب أو أي نوع آخر من أنواع الإيذاء يلزم بالتعويضات من أحدث الضرر ” ، كما تنص المادة ( 204 ) على أن ” كل تعد يصيب الغير بأي ضرر آخر غير ما ذكر في المواد السابقة يستوجب التعويض (44). ففي النصوص السابقة لكي يحصل المضرور على التعويض عليه أن يثبت خطأ المسؤول وتعديه وهذا الإثبات يصعب في أغلب الأحوال والتطبيق الحرفي لهذه النصوص لا يساعد القضاء في الفصل في المنازعات فيما يتعلق بالأضرار التي تسببها المنتجات بغير المتعاقدين ، مما يؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع أو تحقيق العدالة المطلوبة ، لذلك فإنه لابد للقضاء أن يقوم بتفسير النصوص بشكل يساعد على تحقيق مصلحة المضرور الذي غالباً ما لا يستطيع الاهتداء إلى المسؤول المباشر عن الأضرار أو عن إثبات الخطأ في جانبه ، ولقد يسر القضاء الفرنسي عبء الإثبات على المضرور حيث اعتبر أن مجرد وجود العيب في الإنتاج خطأ من جانب البائع المحترف واعتبر أن مجرد إطلاق السلعة في التداول يؤدي إلى قيام مسؤولية البائع المحترف لأنه شخص يحترف الإتجار في السلعة ومن البديهي أن يكون عالماً بخباياها(45). كما إن القضاء الإنكلوسكسوني كان له دور كبير في تطور أنظمتها القانونية في ميدان المسؤولية عن الإنتاج حيث اعتبرت إن مجرد وقوع الحادث دليل على وجود الخطأ أو الإهمال وبذلك فإن المنتج لم يكن يستطيع التحلل من المسؤولية إلا بإثبات السبب الأجنبي أو نفي قرينة الخطأ(46). ومن أشهر القضايا التي عرضت على القضاء الكندي والتي عبرت عن اتجاه القضاء الإنكلوسكسوني القضية التي تعرض فيها أحد الأشخاص إلى جروح خطيرة بسبب جزيئات الزجاج التي كانت موجودة في الخبز الذي ابتاعه من بائع الخبز حيث كان معبأً في كيس مغلق تم شراءه من الشركة المصنعة للخبز فقضت المحكمة بمسؤولية الشركة المنتجة للخبز(47). كما إن تجربة القضاء الأمريكي كانت تجربة فريدة حيث أقرت فيه بمسؤولية المنتج وهجرت فكرة الخطأ وأسندت مسؤولية المنتج إلى فكرة العيب بمفهومها الواسع والتي تقوم فيها مسؤولية البائع المحترف بغض النظر عن الإهمال أو الخطأ في جانبه(48). والقضاء العراقي يستطيع اللجوء إلى تفسير النصوص وافتراض الخطأ من جانب البائع المحترف لتسهيل مهمة المضرور ، حيث أنه بمجرد إثباته إن مصدر الضرر هو وجود العيب في المنتوج وإثبات العلاقة السببية بينهما تنهض مسؤولية البائع المحترف(49). فالقضاء ملزم بحسم النزاعات وتحقيق الاستقرار وعدم كفاية النصوص القانونية لا يبرر ترك النزاعات بدون حلول ، كما إن القوانين التي تتعلق بالإنتاج والأنظمة المتعلقة بها تفترض خطأ المنتج عندما يثبت انتهاكه للقوانين والأنظمة(50).

2- المسؤولية عن الأشياء :

إن المادة ( 231 ) من القانون المدني العراقي والتي تنص على إن ” كل من كان تحت تصرفه آلات مكيانيكية أو أشياء أخرى تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها ، يكون مسؤولاً عما تحدثه من ضرر ما لم يثبت أنه اتخذ الحيطة الكافية لمنع وقوع هذا الضرر مع عدم الإخلال بما يرد في ذلك من أحكام خاصة (51). فالمسؤولية عن الأشياء مسؤولية مفترضة لا يتطلب من المضرور إثبات خطأ الحارس ، إذ يكفي لنجاح دعوى الغير إثبات الضرر والعلاقة السببية بينهما ويستطيع الحارس التخلص من المسؤولية بإثبات العكس ، ولا يخفى قصور النص في الإحاطة بجميع المشكلات التي تثار بصدد مسؤولية البائع المحترف وذلك لأسباب عديدة منها ، إن النص قد حصر مفهوم المنتجات الخطرة بالآلات الميكانيكية والأشياء التي تتطلب عناية خاصة ، وهو بذلك قيد المسؤولية من حيث نطاقها بعكس ما استقر عليه الأمر في فرنسا على اعتبار إن هذه المسؤولية تطبق على الأضرار الناجمة عن جميع المنتجات سواء كانت خطيرة بطبيعتها أو لا(52). وبهذا فإن تحديد النطاق بالأشياء الخطرة بطبيعتها فقط دون غيرها يجعلها قاصرة عن الإحاطة بجميع المشاكل الناجمة عن مسؤولية المنتج ، فالإنتاج ليس محصوراً في المجال الصناعي على الآلات أو الأشياء التي تتطلب عناية خاصة ، فهناك المنتج للعديد من الأشياء التي لا تتصف بالخطورة الذاتية وإنما بسبب وجودها في ظروف معينة تجعلها تتصف بالخطورة ، كما إن الإنتاج ليس حصراً على المجال الصناعي فهناك منتج للأدوية والمنتج للمواد الزراعية كما إن مفهوم المنتج يشمل كل من يحدث تغييراً أو تحويراً على الشيء كمن يقوم بمعليات الخزن أو التعبئة والتغليف إذ قد ينتج الخطأ في هذه المرحلة(53). هذا من ناحية ، من ناحية ثانية فإن القضاء الفرنسي استقر على أن قرينة الخطأ في جانب المنتج ( الحارس ) قرينة قاطعة غير قابلة لإثبات العكس إلا بالسبب الأجنبي ، أي إنه يستطيع دفع مسؤوليته بإثبات أن وقوع الضرر إنما يرجع إلى سبب أجنبي(54). بعد ان كانت المسؤولية قائمة على القرينة البسيطة ، أما في القانون العراقي فإن هذه القرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس بمجرد إثبات البائع المحترف اتخاذه الحيطة والحذر ولا يخفى مدى أضرار ذلك بالنسبة للغير لسهولة إثبات المنتج عدم مسؤوليته ، على عكس المشرع المصري الذي جعل المسؤولية قائمة على افتراض قطعي غير قابل لإثبات العكس إلا بالسبب الأجنبي(55).

وقد انتقد موقف المشرع العراقي حيث إن قانون إصلاح النظام القانوني في العراق أقر ضرورة مغادرة هذا النص عند تشريع القانون المدني الجديد وذلك عندما تمت المصادقة على ورقة أعمال إصلاح النظام القانوني في العراق المرفق بالقانون والمرقم 35 لسنة 1977 حيث جاء في القسم الخاص بأهداف إصلاح النظام القانوني المتعلق بالتشريعات المدنية على ” إقامة المسؤولية العقدية في حقل الإنتاج والخدمات الإنتاجية وفي حالة الضرر الناشئ عن الأشياء الخطرة بطبيعتها كالآلات الميكانيكية والقوة الكهربائية والمائية. على عنصر الضرر وحده واستبعاد عنصر الخطأ من أسس المسؤولية ، أي على أساس تحمل التبعة (56). كما أن هناك ملاحظة أخرى على المادة 231 من أن المشرع العراقي قد اعتبر الحارس المسؤول هو الشخص الذي له السلطة الفعلية على الشيء أي يمارس السلطات الثلاث ، وقد أخذ بنظرية السلطة الفعلية كل من المشرعين العراقي والمصري فلو أن الفقه والقضاء يؤيدان الاتجاه الذي ذهبت إليه المحاكم الفرنسية والفقه الفرنسي في شان تجزئة الحراسة إلى حراسة تكوين وحراسة استعمال لأمكن ذلك المضرور من الرجوع إلى المنتج ، إلا أن هناك من الفقهاء(57). من طالب بالأخذ بهذه النظرية لأنها تحقق العدالة فالمنتج هو أكثر الناس إحاطة بالمنتوج وإن السلعة مهما ابتعدت عنه فهو يبقى عالماً بتلك الخصائص ، كما أن الأخذ بهذه النظرية لا يعني أن السيطرة ستتجزأ لأن الحراسة الفعلية سوف يبقى يتصف بها كل حارس، فحارس التكوين سيبقى يمتلك الرقابة والتوجيه والإشراف في المراحل التي يتم فيها الإنتاج وحارس الاستعمال سوف تبقى لديه سلطات الرقابة والتوجيه والاستعمال فيما يتعلق بخارج الشيء(58). كما أن عدم الأخذ بنظرية تجزئة الحراسة يؤدي إلى الإجحاف بحق المضرور نفسه فمما لا شك فيه إن الشخص الذي يمتلك سلطة الرقابة الفعلية هو حارس الشيء والذي يكون المشتري أو المضرور نفسه لأنه هو الذي يمتلك السلطات الثلاث على الشيء فعندئذ إذا ما تضرر شخص آخر من الشيء فإن المتضرر نفسه هو الذي يجب ان يلتزم بتعويض الضرر الذي هو نفسه أصيب به أيضاً وإن مثل هذا القول ليس من العدالة في شيء لأنه يلزم المضرور بالتعويض عن مخاطر شيء لا يعلم عنه ولا عن تكوينه الداخلي أي شيء وبالتالي يتحمل التعويض عن خطأ غيره ، ولذلك نؤيد الرأي الذي يذهب إلى الأخذ بنظرية التجزئة الحراسة(59).

وإن الأخذ بالحلول التي أتى بها القضاء الفرنسي في هذا المجال لا يمنع من الأخذ بها من قبل قضائنا. وكذلك الأخذ بمبدأ المسؤولية الجماعية والتي أقرها القضاء الفرنسي، وإن القانون المدني العراقي قد نص في المادة 186 / 2 على أنه ” 1- إذا تعدد المسؤولون عن عمل غير مشروع كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر دون تمييز بين الفاعل الأصلي والشريك والمتسبب. 2- ويرجع من دفع التعويض لإكماله على كل من الباقين بنصيب تحدده المحكمة بحسب الأحوال وعلى قدر جسامة التعدي الذي وقع من كل منهم فإن لم يتيسر تحديد قسط كل منهم في المسؤولية يكون التوزيع عليهم بالتساوي(60). بقيت الإشارة إلى مسألة الخيرة بين المسئوليتين ، فلقد تبين لنا إن الرأي في فرنسا هو عدم جواز الخيرة بين المسئوليتين العقدية والتقصيرية ، إلا أنه يلاحظ في الفترة الأخيرة أن اعتراف القضاء بوجود الالتزام بضمان السلامة في إطار العقود وخارج إطاره ، جعل البعض يقول أن مسألة الخيرة بين المسئوليتين لم تعد تتضح ملامحه خصوصاً وإنه قد أصدر قانون 1998 والخاص بالمسؤولية عن الأضرار التي تسببها المنتجات ، إلا ان طبيعة هذه المسؤولية تختلف عن المسؤولية العقدية والتقصيرية ، مما يعني أن عدم جواز الخيرة بين المسئوليتين العقدية والتقصيرية بقت على أصلها فلا تجوز الخيرة بينهما. أما بالنسبة للقضاء والفقه في العراق ومصر ، فالملاحظ أن القضاء العراقي لا يجيز الخيرة بين المسؤوليتين(61).إلا أن القضاء المصري أجاز اللجوء بالنسبة للمتعاقد إلى أحكام المسؤولية التقصيرية إذا نشأ الضرر عن خطأ جسيم أو عن غش(62). أما بالنسبة للفقه فإن هناك اختلافا” في مسالة جواز الخيرة فنمهم من يجيز الخيرة بين المسؤوليتين وهم القلة ومنهم من لا يجيز الخيرة مطلقاً وهم الأغلبية وهناك رأي وسط يجيز الخيرة في حالة ما إذا كان الإخلال بالالتزام تعاقدي يشكل جريمة يعاقب عليها القانون إلا أنهم اختلفوا في ذلك أيضاً فمنهم من قصرها على حالة الجريمة وأخرج منها حالة الخطأ البسيط أو الإهمال غير المتعمد وترددوا بالنسبة للغش والخطأ الجسيم ومنهم من أجازها حتى في حالة الخطأ الجسيم والغش(63). إن جسامة الخطأ وتتمثل أقصى صورها في الخطأ الجنائي من شانه أن يخرج العلاقة بين المسؤول والمضرور عن الحدود والضوابط التعاقدية وهذا يعني إعطاء المضرور حق الاختيار بين دعوى المسؤولية العقدية والتقصيرية(64). لذلك فإننا نؤيد الرأي الذي يذهب إلى جواز الخيرة بين المسؤوليتين عندما يشكل فعل البائع المحترف جريمة يعاقب عليها القانون وكذلك في حالة كون فعل البائع المحترف منطوياً على الخطأ الجسيم أو الغش(65). ومما يؤيد وجهة النظر هذه أن مشروع القانون المدني العراقي لسنة 1986 قد أجاز الخيرة بين المسؤوليتين لا في حالة ما إذا كان الإخلال بالالتزام التعاقدي يعد جريمة معاقباً عليها فحسب ، بل في حالة ما إذا كان هذا الإخلال قد نتج عن غش أو خطأ جسيم(66). ونؤيد الاتجاه الذي يدعو إلى ضرورة إصدار تشريع ينظم مسؤولية البائع المحترف(67).والذي يؤكد على وجود الالتزام بضمان السلامة على عاتقه سواء بالنسبة للمتعاقد أم غير المتعاقد(68).

___________________________

[1]- المادتان ( 1385 ، 1386 ) مدني فرنسي ، ( 176 ، 177 ) مدني مصري ، ( 221 ، 229 )
مدني عراقي.

2- ينظر د. أياد عبد الجبار ملوكي ، مصدر سابق ، ص10.

3- اعتبر الفقه والقضاء الفرنسي أن المنتجات تدخل ضمن مفهوم الأشياء فتوسعا في تفسير المادة
1384 / 1 وذلك لعدم وجود قواعد خاصة بمسؤولية المنتج في تلك الفترة خصوصاً وأن المشرع الفرنسي قد نظم مسؤولية المنتج في فترة متأخرة بالقانون الصادر سنة 1998 ، لذلك فإن القضاء الفرنسي أقام بتفسيره للمادة 1384 / 1 نظاماً صالحاً يؤسس عليها مسؤولية المنتج بالنسبة للأضرار التي تحدثها المنتجات بالغير.

4- ينظر سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص40.

5- ينظر المادة 178 من القانون المدني المصري ، م 231 من القانون المدني العراقي.

6- د. أياد عبد الجبار ، مصدر سابق ، ص140.

7- ينظر د. محمد حسين منصور ، مصادر الالتزام ، مصدر سابق ، ص219.

8- ينظر G. VINEY، op. Cit، P. 85، G. J. nana، op. Cit، P. 331.

9- ينظر د. السنهوري ، الوسيط ، ج1 ، ص1230.

0[1]- بدأت نظرية تجزئة الحراسة على يد الأستاذ جولدمان في مؤلفه الشهير ” تحديد الحارس المسؤول عن حراسة الأشياء غير الحية ” عام 1946 وأيده في ذلك الفقهاء هنري وجان مازو ، وستارك ، تانك ، مالوري ، إلا أنه لم ينعقد عليها الإجماع من قبل الفقه ولكنها ترسخت بأحكام القضاء ، ينظر د. عاطف النقيب ، النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن فعل الأشياء ، منشورات عويدات ، بيروت ، 1980 ، ص71 ، د. أياد عبد الجبار ، مصدر سابق ، ص141-142.

1[1]- قرار محكمة الاستئناف في 29 / 10 / 1952 ، ينظر د. عاطف النقيب ، مصدر سابق ، ص71.

2[1]- قرار محكمة النقض في 5 / 1 / 1956 ، أشار إليه د. عاطف النقيب ، ، المصدر نفسه ، ص71-72.

3[1]- قرار محكمة النقض في 5 / 6 / 1971 ، ينظر د. محمد عبد القادر الحاج ، مصدر سابق ، ص135.

4[1]- ينظر في عرض تلك الآراء والاتجاهات د. حسن عبد الباسط ، مصدر سابق ، ص150 وما بعدها.

5[1]- ينظر د. سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص341-342.

6[1]- لا يخفى أن المدة القصيرة التي تقضي بها أحكام الضمان كانت من أهم الأسباب التي أدت بالفقه والقضاء الفرنسي إلى العدول عنها وتقرير الالتزام بضمان السلامة.

7[1]- ذهب بعض الفقه إلى التمييز بين المنتجات التي لها فترة صلاحية محددة للاستخدام وبين المنتجات المعمرة ، فبالنسبة للأولى يعتبر فترة صلاحيتها هي المدة التي يمكن رفع الدعوى خلالها ، في حين أن السلع المعمرة يمكن أن تكون المدة بالنسبة لها عامين أو ثلاثة على سبيل المثال ، رأي الفقيه اوفرستاك أشار إليه الدكتور حسن عبد الباسط ، مصدر سابق ، ص157 هامش (370).

8[1]- ينظر في تفصيل ذلك د. عاطف النقيب ، مصدر سابق ، ص80 وما بعدها.

9[1]- ينظر د. محمد حسين منصور ، مصدر سابق ، ص220.

20- ينظرG. VINEY، op. Cit، P. 88.

[1]2- ينظر د. أحمد شوقي عبد الرحمن ، مسؤولية المتبوع باعتباره حارساً ، المطبعة العربية الحديثة ، 1976 ، ص78 وما بعدها ولكن د. محمد شكري سرور يرى بأن المنتج النهائي هو الذي يرجع عليه المضرور في كل الأحوال ، ينظر كتابه مسؤولية المنتج ، مصدر سابق ، ص11-12.

22- ينظر د. علي سيد حسن ، مصدر سابق ، ص140 ، إلا أن الأستاذة جينيف فيني ترى عكس هذا الرأي حيث تقول بأنه يجب إعلان المسؤولية التضامنية ليس في مواجهة صانعي العناصر الداخلة في تكوين المنتوج بل حتى في مواجهة المنتج النهائي للسلعة ، ينظر G. VINEY، op. Cit، P. 89.

23- إن طبيعة دور الوكيل التجاري الذي يلعبه في الوساطة بين الموكل والعملاء يختلف بحسب ما إذا كان وكيلاً بالعمولة أو وكيل عقود ، المزيد من التفصيل ينظر في تفصيل ذلك د. جابر محجوب علي ، خدمة ما بعد البيع ، مصدر سابق ، ص199 وما بعدها.

24- ينظر في ذلك د. عاطف النقيب ، مصدر سابق ، ص80 وما بعدها.

25- جرى القضاء الفرنسي فترة طويلة على اعتبار المسؤوليين المتعددين عن الضرر الواحد ملزمين بالتعويض على سبيل التضامن إلا أن أحكام المحاكم بدأت تميل إلى الانحراف عن هذا القضاء بالقول بأن المسؤولين المتعددين يلزمون بتعويض الضرر على سبيل التضامم بمعنى أنه وإن كان كل واحد منهم ملزم بتعويض الضرر كله كما هو الحال بالنسبة للتضامن ولكن من دون ترتيب الآثار الثانوية الأخرى للتضامن السلبي كالإقرار بالدين أو صدور الحكم ضد أحد المتضامنين وهكذا ، للمزيد من التفصيل ينظر د. السنهوري ، الوسيط ، ج1 ، ص1052-1053 ، د. حسن علي الذنون ، مصدر سابق ، ص335 ، وكذلك ص352-353.

26- ينظر في تفصيله د. عاطف النقيب ، مصدر سابق ، ص92 وما بعدها ، د. أياد عبد الجبار ، مصدر سابق ، ص147-148 ، د. عبد الرسول على الرضا ، مصدر سابق ، ص368.

27- على عكس ما يراه بعض الفقه في ضرورة تحميل المنتج النهائي للسلعة بالمسؤولية دون غيره من المنتجين عن حراسة التكوين ، د. محمد شكري سرور ، مصدر سابق ، ص11-12.

28- المادة 558 / 1 مدني عراقي ، أما القانون المدني المصري فإنه أحال مسألة التعويض إلى المادة 444 بموجب نص المادة 450 منه.

29- ينظر بحث أستاذتنا د. نسيبة إبراهيم ، مسؤولية المنتج ، مصدر سابق ، ص105 وما بعدها ، وبحث أستاذنا د. أكرم محمود حسين ، مصدر سابق ، ص76.

30- المادة 559 مدني عراقي ، على عكس القانون المدني المصري الذي الزم البائع بالضمان حتى ولو لم يكن عالماً به م 447 / 1 مدني مصري.

[1]3- رأي د. سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص157 وما بعدها.

32- جاء في الفقرة 3 من المادة 169 أنه ” فإذا كان المدين لم يرتكب غشاً أو خطأً جسيماً فلا يجاوز التعويض ما يكون متوقعاً عادة وقت التعاقد من خسارة تحل أو كسب يفوت ” يقابلها نص المادة
221 / 2 من القانون المدني المصري.

33- ينظر د. حمدي عبد الرحمن ، مصدر سابق ، ص514 ، د. حسين عامر ، المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية ، ط1 ، مطبعة مصر ، 1956 ، فقرة (120) ، د. أحمد حشمت أبو ستيت ، مصادر الالتزام ، دار الفكر العربي ، مصر ، 1963 ، فقرة (349).

34- ينظر د. سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص161.

35- ينظر المادة ( 102 / 1 ) من قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979.

36- ينظر المادة ( 102 / 2 ) من قانون الإثبات.

37- تبنى هذا الاتجاه الفقيه هنري مازو ، ينظر في ذلك د. سالم رديعان ، ص173-174.

38- سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص174.

39- يقابله المادة 148 بفقرتيه من القانون المدني المصري.

40- يقابلها المادة 432 من القانون المدني المصري.

[1]4- من الجدير بالذكر أن قانون الغش الصناعي الصادر في 29 / 10 / 2002 يسمح في المادة السادسة منه للمتضرر من إحدى حالات الغش الصناعي إقامة الدعوى أمام المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض عن قيمة الأضرار التي أصابته من جراء الغش ، كما أنها تلزم في المادة الثامنة منه التجار والباعة الاحتفاظ بوصولات الشراء وعنوان البائع وتقديمها للجهات المختصة عند المطالبة بذلك وبخلافه فإنه يعاملون معاملة المنتج للمادة المغشوشة.

42- ينظر د. نسيبة إبراهيم ، مصدر سابق ، ص95.

43- هذا النص مقتبس من الفقه الإسلامي والذي ينفرد فيها التشريع الإسلامي في إيجاد التفرقة بين المباشر والمتسبب ، ولكن المشرع العراقي لم يقتبس الحكم اقتباساً سليماً فلقد أضاف لفظ التعمد على النص وهو غير وارد لأن القاعدة أن الضمان ينشأ في ذمة المباشر حتى ولو لم يتعد والمتسبب لا يضمن إلا بالتعدي ، وإن لفظ التعدي يستغرق التعمد لأن التعدي يعني أن الشخص يضمن سواء تسبب في الضرر عن قصد أو دون قصد ، كما أن القاعدة في الفقه الإسلامي بأنه إذا اجتمع المباشر أو المتسبب فإن المباشر يتقدم المتسبب في الضمان إلا في حالات استثنائية إلا أن المشرع العراقي خرج عن هذه القاعدة ، ينظر في تفصيل موقف المشرع العراقي عن المباشر والمتسبب ، صالح أحمد عبطان ، المباشر والمتسبب في المسؤولية التقصيرية ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة الموصل ، 2000 ، ص9 وما بعدها.

44- يقابلها المادة ( 163 ) مدني مصري.

45- ينظر د. محمد عبد القادر الحاج ، مصدر سابق ، ص143.

46- ينظر سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص187.

47- ينظر في هذا القرار بالإضافة إلى العديد من التطبيقات القضائية في كندا

H. ANNEE، Revue International de droit compare، op. Cit، P. 340 et S.

48- لقد كان للوثيقة الصادرة من المعهد الأمريكي للقانون بشأن المسؤولية سواء كان المتضرر متعاقداً او غير متعاقد تأثيره الكبير على القضاء الفرنسي والمشرع الأوربي حين إن هذه الوثيقة كانت المصدر الأساسي للتوجيه الأوربي ينظر د. حسن عبد الرحمن ، مصدر سابق ، ص73.

49- إن المادة الثالثة من قانون الإثبات العراقي تنص على “إلزام القاضي باتباع التفسير المتطور للقانون ومراعاة الحكمة من التشريع عند تطبيقه “،إن المقصود بمفهوم العيب هو وجود الخلل أو النقص الذي يعرض حياة الأشخاص إلى الخطر.

50- ينظر في تفصيله سالم رد يعان ، مصدر سابق ، ص190 وما بعدها. وينظر المادة الأولى والثانية والثالثة من قانون الغش الصناعي. والمواد ( 16 ، 17 ) من مشروع قانون حقوق وحماية المستهلك.

[1]5- يقابلها نص ( م 178 ) مدني مصري.

52- ينظر د. أياد عبد الجبار ملوكي ، مصدر سابق ، ص45.

53- ينظر د. نسيبة إبراهيم ، مصدر سابق ، ص100-101 ، سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص194.

54- ينظر د.أياد عبد الجبار ، مصدر سابق ، ص170.

55- ينظر د. السنهوري ، الوسيط ، ج1 ، فقرة 732 ، حسن عكوش ، المسؤولية المدنية في القانون المدني الجديد ، مكتبة القاهرة الحديثة ، مصر ، بلا سنة طبع ، فقرة 213.

56- قانون إصلاح النظام القانوني في العراق رقم ( 35 ) لسنة 1977 ، منشورات وزارة العدل ، دار الحرية للطباعة بغداد ، ص37.

57- اختلف الفقه بين مؤيد ومعارض للنظرية إلا أن غالبية الفقهاء يذهب إلى تأييد نظرية تجزئة الحراسة لأنها تحقق العدالة أما في الفقه العراقي فإن د. سالم رديعان يؤيد نظرية تجزئة الحراسة ويدعو إلى ضرورة الأخذ بها من ميدان مسؤولية المنتج عن الأضرار التي تحدثها المنتجات بالغير ، ص204 على عكس د. أياد عبد الجبار الذي ينتقد نظرية تجزئة الحراسة ينظر المسؤولية عن الأشياء ، مصدر سابق ، ص146-147.

58- سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص204.

59- من مقتضيات العدالة تعويض المضرور ، وإذا ما تفحصنا الفقه الإسلامي فإننا نجد في مسؤولية المتسبب ما يغنينا كثيراً في هذا المجال خصوصاً في اعتبار المنتج أو التاجر متسبباً وخطأه يستغرق خطأ
المباشر ، ينظر في تفصيل ذلك د. محمد عبد القادر الحاج ، مصدر سابق ، ص155 ، د. علي الخفيف ، مصدر سابق ، ص74 وما بعدها ، د. أكرم محمود حسين ، مصدر سابق ، ص92 وما بعدها.

60- يقابلها المادة 169 من القانون المدني المصري ، من الجدير بالذكر ونحن نتحدث عن حالة تعدد المسؤولين وإمكانية إلزامهم بالتعويض ، فإن الفقه الإسلامي قد عرف هذه الحالة كما أنه فرق بين حالتين لتضمين المسؤولين في حالة التعدد الحالة الأولى إذا كان عملهم متحداً نوعاً وقوة كان الضمان عليهم بالسوية ، أما الحالة الثانية إذا كان عملهم متحداً في النوع مختلفاً في القوة فإن القياس عند الحنفية الأخذ بالسبب الفعال والاستحسان الأخذ بجميع الأسباب ، ويمكن القول بأن هذه التفرقة تبين وجود الأساس القانوني للفرق بين حراسة التكوين وحراسة الاستعمال التي قال بها القضاء الفرنسي في حال تعدد الحراسة ، ينظر د. مصطفى أحمد الزرقا ، مصدر سابق ، ص113.

[1]6- أكدت على ذلك محكمة التمييز في إحدى أحكامها بموجب القرار 333 / الصادر من الهيئة العامة 1975 بتاريخ 14 / 3 / 1976 حيث جاء في الحكم ” إذا كون الفعل مسؤولية عقدية وتقصيرية وقد اختار المدعي أولاهما فليس للحكمة العدول إلى المسؤولية الثانية حيث لا يجوز الجمع بين المسؤوليتين ” مجلة الأحكام العدلية ، العدد الأول ، السنة 1976 ، منشورات وزارة العدل .

62- ينتقد الدكتور حسن علي الذنون موقف القضاء المصري على أساس ” أن الخطأ الجسيم والغش لا يصلح مطلقاً للخلط بين المسؤوليتين ” ينظر كتابه المبسوط ، مصدر سابق ، ص150. إلا أنه من الجدير بالذكر أن رأي القضاء هذا له أصل فمجموعة العمال التحضيرية للقانون المدني المصري تشير المذكرة الإيضاحية فيها حول 221 مدني مصري المقابلة للمادة ( 169 / 3 ) مدني عراقي على أنه ” ويكون للمسؤولية التعاقدية في حالتي الغش والخطأ الجسيم حكم المسؤولية التقصيرية ” نقلاً عن سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص180.

63- من أنصار الرأي الأول في الفقه المصري د. مصطفى مرعي ، المسؤولية المدنية ، ومن أنصار الرأي الثاني د. وديع فرج ، أما من أنصار الرأي الثالث الذين أجازوا الخيرة في حالة الجريمة المعاقب عليها د. حسين عامر ، أما من نادى بشمول الخيرة حالتي الخطأ الجسيم والغش د. السنهوري و د. حسن عبد الباسط ، أما في الفقه العراقي فإن د. حسن علي الذنون يؤيد الرأي الثالث أي جواز الخيرة ولكن في حالة الجريمة المعاقب عليها قانونياً أما د. سالم رديعان فإنه يرى بجواز الخيرة حتى في حالة الخطأ الجسيم والغش.

64- يقول د. حسن علي الذنون ” إننا نرى جواز الخيرة بين المسؤليتين عندما يشكل إخلال التعاقد جريمة يعاقب عليها القانون ، فإذا اختار أحد الطريقين يكون قد استنفذ حقه ولم يعدله بعدها أن يلجأ إلى طريق آخر إلا إذا كان عدوله عن الطريق الذي اختاره قد تم قبل صدور الحكم النهائي في دعواه ” ، مصدر سابق ، ص150.

65- ينظر سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص180.

66- المادة 451 من مشروع القانون المدني العراقي لسنة 1986 ، بالإضافة إلى أن المادة السادسة من قانون الغش الصناعي أجاز للمضرور إقامة الدعوى أمام المحكمة المدنية للمطالبة بالتعويض إذا تضرر من المنتوج وفقاً لإحدى حالات الغش الصناعي المنصوص عليها في قرار مجلس قيادة الثورة.

67- ينظر سالم رديعان ، مصدر سابق ، ص321 ، د. نسيبة إبراهيم ، مصدر سابق ، ص114 ، د. أكرم محمود حسين ، مصدر سابق ، ص85 وما بعدها.

68- ولعل من الضروري أن نؤكد أن مشروع قانون حقوق وحماية المستهلك تعتبر تجربة فريدة لأنها وضعت قواعد أساسية لضمان سلامة المستهلك من الأضرار التي تسببها المنتجات ، وهو مشروع جدير بالتأييد ، لأنه قانون موحد وشامل تقريباً وإن كان فيه بعض المسائل التي لم تعالج المسؤولية الجماعية أو إنها لم تحدد طبيعة المسؤولية إلا أن ذلك لا يمنع من كونها تجربة جيدة في إطار الاتجاه نحو حماية المستهلك.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .