لقد سارت التشريعات العربيه على نهج الشريعه الاسلاميه في النظر الى ان اختلاف الدين يعد مانعاً من موانع الميراث . فلقد ورد في المادة ( 587 ) من قانون الاحوال الشخصيه المصري بخصوص موانع الارث ما يأتي : ” الثالث ( من موانع الميراث ) : اختلاف الدين فلا يرث الكافرُ من المسلم ،ولا المسلم من الكافر ” . و جاءت في المادة السادسة من قانون المواريث المصري رقم ( 77 ) لسنة 1943 ما يأتي : ” لا توارث بين مسلم و غير مسلم ” . كما ان قانون الاحوال الشخصيه السوري قد بين في الفقرة ( ب ) من المادة ( 246 ) ان من موانع الارث اختلاف الدين بين المسلم و غيره .و لم يفصل اكثر من ذلك و لم يوضح ما اذا كان ياخذ براي الجمهور ” كالقانون المصري ” و بالراي الثاني الذي يجيز توريث المسلم من غير المسلم دون العكس ، و يبدو ان الامر يجري على اطلاقه بمعنى القول بعدم الجواز كالجمهور . و نفس الامر يقال عن القانون اليمني ، اذ ورد في المادة ( 305 ) من قانون الاحوال الشخصيه اليمني رقم 20 لسنة 1992 ما يأتي : ” لا توارث بين ملتين …… ” وهو ما سار عليه القانون الكويتي ، اذ جاء في الفقرة الاولى من المادة ” 290 ” من قانون الأحوال الشخصية الكويتي ما يأتي : “” لا توارث بين مسلم و غير مسلم ” .

وعلى نفس النهج سار القانون المغربي ،فلقد قضى الفصل (228) من مدونة الأحوال الشخصية المغربية بما يأتي : ” لاتوارث بين مسلم وغير المسلم ” . اما بصدد قانوننا العراقي ، فان قانون الاحوال الشخصيه العراقي النافذ قد تناول ا حكام الميراث في المواد 86ـ91 . بيد انها لم تذكر شيئا عن حكم التوارث بين المسلم و غير المسلم . وعليه فلامناص من العدول الى حكم الفقرة الثانية من المادة الاولى من هذا القانون التي تقضي بانه : ” اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادىء الشريعه الاسلاميه الاكثر ملاءمةً لنصوص هذا القانون ” . و هذا ما يعني بطبيعة الحال الاحالة الى مبادىء الشريعة الاسلاميه ، و لقد علمنا ان الفقهاء اتفقوا على ان غير المسلم لا يرث المسلم ، اما بصدد ميراث المسلم فثمة رأيٌ منع ، وهو رأي الجمهور ، ومعهم الحنفية ، وثمة رأيٌ أجاز، وهو رأي الشيعة الامامية .

وبناءاً على ما تقدم فأن الوارث العراقي غير المسلم لا يرث مورثه العراقي المسلم ، اما بصدد الوارث المسلم والمورث غير المسلم ، فأن للقضاء العراقي ان يأخذ بأحد الرأيين المتقدمين الذي يعد اكثر ملاءمةً لنصوص القانون . وهذا ما يفضي الى القول بأنه في حالة زواج العراقي المسلم بأمرأة كتابية ، فأن الاخيرة لن ترث زوجها في حال وفاته ، وتنحصر التركة بباقي الورثة المسلمين . اما الزوج المسلم فأن للقضاء العراقي ان يأخذ بأحد الرأيين المذكورين آنفاً . وفيما يخص موقف القضاء ، فأنه ومن خلال الرجوع الى قرارات محكمة التمييز العراقية ، فأننا نجد انها قد نصت صراحةً على ان اختلاف الدين هو مانعٌ من موانع الميراث ، اذ جاء في قرار ٍ لها ما يأتي :-

( اختلاف الدين مانعٌ من الارث )(1). اما بصدد توريث المسلم من غير المسلم فأن هذه المحكمة قد اخذت بالرأي الثاني الذي عليه الشيعة الامامية ، اذ اجازت في قرار ٍ لها للبنت المسلمة ان ترث قريبتها المسلمة ، فقد ورد في هذا القرار ما يأتي : ( لقد جوّز قسم من الفقهاء توريث المسلم من غير المسلم ولا عكس ، ونظراً لعدم وجود نص في قانون الاحوال الشخصية يحكم هذه المسألة ، فأنه يحكم بذلك بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملاءمةً لنصوص هذا القانون عملاً بأحكام الفقرة ( 2 ) من المادة الاولى من القانون المذكور ، وعليه فأن ا لبنت المسلمة ( م ) ترث من وريثتها المسيحية ( ن ) وتأسيساً على ما تقدم من اسباب قرر تصديق الحكم المميز ورد الاعتراضات التميزية )(2)

وجاء في قرار ٍ آخر لها ما يأتي( يرث المسلمُ من كتابي ، ولا يرث الكتابي من مسلم )(3).وقريبٌ من هذا ، ورد القرار الاتي :

( المسلم يرث مورثه غير المسلم ، ولا يجوز العكس )(4). ومما تقدم يتضح بجلاء ان القضاء العراقي دأب على الاخذ بالراي القائل يتوارث المسلم من غير المسلم دون العكس . اما بصدد التوارث بين الطوائف غير الاسلامية في العراق ( ومنهم اليهود والمسيحيون ) فأنه يخضع الى احكام الميراث المطبقة على المسلمين والمنصوص عليها في الباب التاسع من قانون الاحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 والمادة ( 1106 ) من القانون المدني النافذ رقم 40 لسنة 1951 بجميع شروطها واركانها ووفقاً لاحكام المذهب الحنفي ، وان المحكمة المختصة بهذه الدعاوى هي محكمة المواد الشخصية لا محكمة الاحوال الشخصية ، لان الاخيرة تخص المسلمين فقط(5). وكذلك الحال في مصر(6). وسوريا فان احكام الميراث الخاصة بالمسلمين هي ذاتها التي تطبق على غير المسلمين ، لان الشريعة الاسلامية هي صاحبة الولاية العامة 7.

خلاصـة

من كل ما تقدم بصدد اثر اختلاف الدين في حق الورثة بالميراث ، يمكن الخلوص الى الاتي:

1.لقد اتفقت الشريعتان اليهودية والمسيحية على ان اختلاف الدين مانع من الميراث ، يترتب على ذلك ان اليهودي لا يرثه غير اليهودي ، والمسيحي لا يرثه غير المسيحي ، واذا حصل اختلاف في الدين طارئٌ بين الزوجين ، حرم المنتقل عن دينه من الميراث .

2.لقد اتفق جمهور الفقهاء من المسلمين مع ما ذهب اليه الشريعتان اليهودية والمسيحية من ان اختلاف الدين مانع من الميراث ، وعلى ذلك فانهم لم يجيزوا لغير المسلم ان يرث مورثه المسلم ، ولا للمسلم ان يرث مورثه غير المسلم ، وبالنتيجة فانهم لم يجيزوا للزوج المسلم ان يرث زوجته الكتابية ، ولا للزوجة الكتابية ان ترث زوجها المسلم ، في حين ذهب رأيٌ ثان الى ان اختلاف الدين يكون مانعاً من الميراث بالنسبة لغير المسلم فقط ، اما المسلم فانه يرث غير المسلم ، وبناءاً على ذلك اجاز هؤلاء الفقهاء للزوج المسلم ان يرث زوجته الكتابية ، ولم يجيزوا للزوجة الكتابية ان ترث زوجها المسلم .

3.ان اختلاف المذهب لا ينهض مانعاً من موانع الميراث في الشريعة الاسلامية ، في حين ان هذا الاختلاف قد يجد له حظوراً في الشريعتين اليهودية والمسيحية .

4.لقد جاءت التشريعات العربية متفقة ًمع ما سار عليه الفقه الاسلامي بشأن الميراث وكون اختلاف الدين مانعاً منه ، وسكت القانون العراقي عن بيان حكم هذه المسألة، مكتفياً بالاحالة الى مبادئ الشريعة الاسلامية ، معطياً للقضاء حرية اختيار الرأي الذي يكون متفقاً مع نصوص القانون ، فآثر ذلك القضاء اختيار رأي الشيعة الامامية القائل بجواز توريث المسلم من غير المسلم دون العكس .

_____________________

1- رقم القرار 189/ شرعية اولى/73 ، التاريخ 4/11/73 ، النشرة القضائية ، العدد الثاني ، السنة الخامسة ، ص133 ، نقلاً عن ابراهيم المشاهدي ، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز ، قسم الاحوال الشخصية ، ص7 .

2- قرار محكمة التمييز في الاضبارة 136/هيئة عامة 85/86 الصادر في 1/2/1986 ، نقلاً عن احمد وميض الهيتي ، مصدر سابق ، ص294 .

3- رقم القرار 65/ هيئة عامة ثانية / 75 ، التاريخ 17/5/1975 ، مجموعة الاحكام العدلية ، العدد الاول ، السنة الثامنة ، ص74 ، نقلاً عن ابراهيم المشاهدي ، مصدر سابق ، ص8 .

4- رقم القرار 136/هيئة عامة/85/86 ، تاريخ القرار 15/2/1986 ، ابراهيم المشاهدي ، مصدر سابق ، ص10 .

5- جمعة سعدون الربيعي ، احكام الاحوال الشخصية للطوائف غير الاسلامية ، ص193 .

6- ورد في حكم ٍلمحكمة النقض المصرية ما يأتي ( ان القاعدة الاساسية في مواريث المصريين غير المسلمين انها تجري وفق احكام الشريعة الاسلامية مالم تتفق الورثة الذين تعترف الشريعة بواراثتهم ويتراضوا على غير ذلك ) . ينظر : مجلة القانون والاقتصاد المصرية ، بلا عدد ، 1934 ، احكام محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) ، ص259 .

د. عبد الرحمن الصابوني ، قانون الاحوال الشخصية السوري ، ص323 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .