ليس ثمة اتفاق بين الفقهاء على عدد الحقوق المتعلقة بالتركة من جهةٍ ،ومن جهةٍ أخرى فالخلاف قائمٌ أيضاً بصدد ترتيبها ،مما يعني أن هنالك مسألتين جديرتين بالبحث هاهنا ،هما: عدد هذه الحقوق ، وترتيبها.

المسألة الأولى : عدد الحقوق المتعلقة بالتركة :

لقد ذهب بعض الفقهاء الى ان الحقوق المتعلقة بالتركة هي خمسة، في حين ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها أربعةٌ فقط . وبموجب ألرأي ألأول فإن ما يتعلق بالتركة من حقوقٍ هي :

1- الديون العينية.

2- تجهيز الميت.

3- الديون المطلقة.

4- الوصية.

5- الإرث .

وبهذا الصدد يقول أحد أنصار هذا الرأي(1).ما يأتي : (والحقوق ها هنا خمسةٌ بالاستقراء ،لان الحق اما للميت أو عليه ،أو لا ولا :

الأول التجهيز ،والثاني اما يتعلق بالذمة وهو الدين المطلق ،أو لا وهو المتعلق بالعين، والثالث اما اختياري، وهو الوصية أو اضطراري ،وهو الميراث) .

وقال آخر(2): (والحصر في هذه (أي الحقوق)وترتيبها استقرائي، فإن الفقهاء تتبعوا ذلك فلم يجدوا ما يزيد على هذه الامور الخمسة) . ومن هذا الرأي يمكن أن نستنتج الآتي:

1- انه يجعل الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة.

2- ان مستَند هذا الرأي في عد هذه الحقوق خمسة هو الأستقراء(3)، ومن المعلوم ان الحقوق هذه قد ثبتت بالمصادر الشرعية كالكتاب والسنة ،هذا من جهةٍ ،ومن جهةٍ اخرى فإن الاستقراء في علم المنطق هو على قسمين ناقصٌ وتام ،وهو هنا استقراء ناقص بلا ريب ،وإن الاستقراء الناقص يفيد الظن لا اليقين. أما جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية والشيعة الإمامية ،فإنهم يذهبون الى ان هذه الحقوق هي أربعة ، وهي:

1- تجهيز الميت.

2- الديون.

3- الوصية.

4- الإرث (الميراث).

وحجتهم في ذلك أن الديون العينية هي نوع من الديون ،فالدين اما أن يكون عينياً أو مطلقاً وعلى هذا فلا حاجة لعّده قسماً خامساً من أقسام الحقوق(4) . وهنالك ما يسمى عند الشيعة الإمامية بـ(الحبوة)(5). وهي عندهم لاتعد حقاً خامساً من حقوق التركة ، بل هي من أجزاء الميراث يعطى للابن الأكبر ، وهي تشمل سيف الميت وخاتمه ومصحفه وثيابه تعطى للولد الأكبر على سبيل الإستحقاق أو الإستحباب ، وهي مما انفرد به الشيعة الإمامية . ويذكر بعض الفقهاء(6). الحكمة من هذا الامتياز للولد الاكبر بالقول ( انه يظهر ان ( الحبوة ) تكون للولد الاكبر في مقابل وجوب قضاء ما فات عن الميت فيكون فيها شبه معاوضة ) . والوجه في عدم كون الحبوة حقاً خامساً بل هي داخلة ضمن الميراث ، هو اشتراط الشيعة الامامية لاعطاء الحبوة ان يكون هنالك مال آخر للمتوفى، فلو لم يخلف المتوفى مالاً غير الحبوة فأن الولد الاكبر لا يختص بشيء منها . وكذا لو اوصى المتوفى مطلقاً او بالحبوة وغيرها فتستوفى الوصية من جميع التركة حتى الحبوة ان لم تكن الوصية زائدة على الثلث(7). وغير ذلك ، ومن هذا يتضح عدم صحة من ذهب الى كونها حقاً خامساً(8) . ومما تقدم يمكن القول ان الرأي الراجح هو كون الحقوق المتعلقة بالتركة اربعة وليست خمسة ، ذلك ان لفظ الدين يشمل الدين العيني والدين المطلق ، مما يعني انهما حقٌ واحد وليسا حقين ،إضافةً الى ذلك أننا لو اخذنا بالتقسيم الخماسي للزم ان يكون التقسيم سباعياً ،لان هنالك ديون للناس، وديون لله تعالى كمن وجبت عليه الزكاة ولم يدفعها في حياته فان حصة المستحقين تسمى دين الله او حق الله. ولكن يبدو ان الذي حدا ببعض الفقهاء الى عد الحقوق خمسة، والفصل بين الدين العيني والدين المطلق ،هو كيفية ترتيب هذه الحقوق والنتائج المترتبة على ذلك الترتيب … .

اما بالنسبة للمسألة الثانية :

وهي المتعلقة بترتيب الحقوق المتعلقة بالتركة ، فأن الفقهاء قد اتفقوا على أن هذه الحقوق ليست كلها بمنزلةٍ واحدة ، بل ان بعضها اقوى من بعض ، فيقدم بعضها على بعض في الترتيب والاخراج من التركة . كما اتفقوا أيضا على ان حق المتوفى في التجهيز، وحق الدائنين في تسديد ديونهم مقدمان على الوصية ، وان الوصية مقدمة على الميراث ، ولكنهم اختلفوا بعد ذلك في الدين وهل هو مقدمٌ على تجهيز الميت ،او التجهيز مقدمٌ علية ؟ فذهب الظاهرية الى ان الدين مطلقاً يقدم على كل الحقوق ، بينما ذهب الحنابلة الى ان التجهيز هو الذي يقدم مطلقاً. اما الحنفية والشافعية والمالكية فانهم فرقوا بين الديون العينية ، والديون المطلقة ، وعلى هذا قضوا بتقديم الديون العينية على تجهيز الميت ، في حين انهم قدموا التجهيز على الديون المطلقة .

اما الشيعة الامامية فان منهم من وافق الجمهور ، ومنهم من وافق الحنابلة . هذا هو موقف الفقه الاسلامي ، اما بالنسبة لموقف القانون من المسألة فأن معظم القوانين العربية قد قضت بأن الحقوق المتعلقة بالتركة اربعة ، ولكنها تأثرت بعد ذلك بموقف الفقه الإسلامي بصدد الاختلاف في تقديم التجهيز أو الدين….ولكن من المتفق عليه بين هذه القوانين أن الحقوق المتعلقة بالتركة لاتخرج عن الآتي :

1.حق المتوفى في التجهيز .

2.حق الدائنين في الدين .

3.حق الموصى له في الوصية .

4.حق الورثة .

وهذا ما نص عليه قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 ، وقانون المواريث المصري رقم 77 لسنة 1943 ، وقانون الاحوال الشخصية السوري رقم 59 لسنة ……

__________________________

1- وهو الحصفكي ،علاء الدين (ت 1088هـ)، صاحب الدر المختار، (من فقهاء الحنفية) ، دار الفكر،1415هـ ،ج7 ،ص349.

2- وهو الدردير ،ابو البركات أحمد بن محمد(ت 1202هـ) ، صاحب الشرح الكبير (من فقهاء المالكية)،دار الفكر ،بيروت،ج4، ص457.

3- الإستقراء في علم المنطق :هو أن يدرس الذهن عدة أو كل الجزئيات فيستنبط منها حكماً عاماً ) ،ينظر: محمد رضا المظفر ، المنطق ،ج2 ،ص386.

4- سنتعرض لهذا ا لموضوع بالتفصيل في الفصول اللاحقة إن شاء الله .

5- الحبوة :هي العطاء بلا جزاء ولا مَنْ ،يقال حبا حَبْواً وحَبْوةً وحِبوةً وحِباءاً.وفي الإصطلاح فهي تعني ما يُخص به الولد الأكبر من تركة أبيه كالثياب والخاتم ، وفي حديث صلاة جعفر ورد قوله (ص) لجعفر بن أبي طالب (رض): ( يا جعفر ألا أمنحك ؟ ألا أعطيك ؟ ألاأحبوك ؟ … ) .ينظر : معجم ألفاظ الفقه الجعفري ،ص150،أحمد رضا ،معجم متن اللغه،م2،منشورات دار مكتبة الحياة ،1958،بيروت، ص20،الحر العاملي ،محمد بن الحسن بن علي(ت 1104هـ) ،وسائل الشيعة ،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ،ط2،1414هـ ،قم ،ج 8 ،كتاب الصلاة ،أبواب صلاة جعفر ،ص49، وكذا ج 26،ص 97 وما بعدها .

6- ينظر : عبد الاعلى السبزواري ، مهذب الاحكام في بيان الحلال والحرام ، ج3 ، مطبعة الاداب ، 1986 ، النجف الاشرف ، ص145 .

7- عبد الاعلى السبزواري ، المصدر السابق ، ج3 ، ص150 .

8- وهو محمد عبدالرحيم الكشكي ، التركة وما يتعلق بها من الحقوق ، ص81 ، دار النذير للطباعة والنشر ، 1967 ، بغداد .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .