الطعن 49 لسنة 44 ق جلسة 12 / 4 / 1978 مكتب فني 29 ج 1 ق 196 ص 999

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح، محمد الباجوري؛ صلاح نصار وإبراهيم فراج.
————
– 1 إثبات ” القرائن القضائية”. إيجار ” تعلق قواعده بالنظام العام”. بطلان ” بطلان التصرفات”. نظام عام .
الاتفاق علي أجرة تجاوز المقرر قانونا . باطل بطلانا مطلقا . تعلق ذلك بالنظام العام . التراخي في رفع دعوي تحديد الأجرة القانونية . عدم اعتباره قرينة علي انتفاء التحايل .
المستفاد من نصوص القانون رقم 121 لسنة 1947 الذى يحكم واقعة الدعوى – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الاتفاق على أجرة تجاوز الحد الأقصى للأجرة المقررة بهذا القانون يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً لتعلقه بالنظام العام فلا يزول بالتنازل عنه صراحة أو ضمناً ولا يعتبر السكوت عن التمسك به نزولا عنه ، ومن ثم فإن الحكم إذ اتخذ من تراخى الطاعن في رفع الدعوى قرينة على جدية شرط التصريح بالتأجير من الباطن وعدم إيراده تحايلاً على قواعد تحديد الأجرة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون .
– 2 إثبات ” طرق الإثبات “. إيجار ” تأجير الأماكن المفروشة”. حكم ” تسبيب الحكم”.
للقاضي أن يقضي بما يحصله استقاء من خبرته بالشئون العامة . المفروض إلمام الكافة بها . مثال فيما لا يعد كذلك في دعوي إيجار .
المبدأ الأساسي الذى يحكم النظرية العامة في الإثبات هو مبدأ حياد القاضي ، فلا يجوز له أن يقضى بعلمه الشخصي عن وقائع الدعوى دون أن يكون من قبيل ذلك ما يحصله استقاء من خبرته بالشئون العامة المفروض إلمام الكافة بها ، وإذ كان تقرير الحكم المطعون فيه أن العادة جرت في حي الزمالك الذى تقع به شقة النزاع على التأجير مفروشاً استناداً إلى قرارات وزارة الإسكان ليس من قبيل استعانة القاضي في قضائه بما هو متعارف عليه بين الناس ، ولا يبرره الاستناد إلى قرارات وزارية صدرت بعد مرور قرابة عشرين سنة على التعاقد وفي ظل ظروف اقتصادية تختلف عن تلك التي حرر فيها العقد ، فلا يبرأ بذلك من عيب الفساد في الاستدلال .
– 3 إيجار ” الأجرة “. محكمة الموضوع ” مسائل إيجار الأماكن”.
أجرة المثل . ماهيتها . عدم اشتراط التطابق التام في الموقع وعدد الحجرات بين شقة النزاع وعين المثل . لمحكمة الموضوع سلطة تقدير التماثل بينهما مع مراعاة الفروق المؤثرة على تحديد الأجرة .
المقصود بأجرة المثل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو أجرة مكان مماثل من جميع الوجوه بقدر الإمكان لشقة المثل في شهر الأساس وأن توافر التماثل بين عين النزاع وعين المثل أو انعدامه لا يعدو أن يكون من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضى الموضوع طالما كان استخلاصه سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهى إليها ، وإذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه خلص إلى عدم توافر التماثل بين شقة النزاع وبين شقة المثل من مجرد عدم تطابقهما في الموقع وعدد الوحدات وهو ما لا يستقيم به التدليل على عدم صلاحية الشقة المقيسة لاتخاذها مثلاً لشقة النزاع ، ذلك أنه لا يشترط لتحقق التماثل في هذه الحالة أن تتحد الشقتان تماماً في الموقع وعدد الوحدات بحيث يتعين أن يشملها مبنى واحد وأن يتطابق عدد الغرف فيهما وإنما يكفى لذلك أن تتوافر أوجه التماثل بينهما ولو اختلفا من حيث الموقع وعدد الوحدات على أن يراعى ما قد يوجد بينهما من فروق مؤثرة على تحديد مقدار الأجرة ، لما كان ذلك فأن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه الفساد في الاستدلال .
———–
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 4110 لسنة 1970 مدني أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهما بطلب الحكم بتخفيض أجرة الشقة استئجاره المبينة بالصحيفة إلى مبلغ 6 جنيهات و720 مليما شهريا منذ بدء الإيجار في 1/5/1952 ثم زيادتها أو إنقاصها طبقا للقوانين اللاحقة، وقال شرحا لها أنه بموجب عقد مؤرخ 2/4/1952 استأجر الشقة رقم 6 بالمنزل رقم …. شارع الشيخ المرصفي بالزمالك القاهرة من المطعون عليها الثانية ومورثها والمطعون عليه الأول لقاء أجرة شهرية قدرها 13 جنيها، وقد حرصا على إضافة بند صوري بتخويله الحق في تأجير غرفتين من الباطن لتبرير تجاوز الأجرة الحقيقية تحايلا على القانون، وإذ بادر إلى التنصل منه بموجب خطابات مسجلة، ونازع المطعون عليهما في إلغائه ورد المتحصل عنه، فقد أقام الدعوى. دفع المطعون عليهما بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان وانعدام المصلحة، وبتاريخ 12/12/1970 حكمت المحكمة بندب خبير لبيان مقدار أجرة شقة النزاع في أبريل سنة 1941 أو أجرة المثل إن لم تكن مؤجرة فيه وإضافة الزيادة المقررة بالقانون رقم 121 لسنة 1947 ومقابل التحسينات المستحدثة إن وجدت ومقابل السماح بتأجير غرفتين من الباطن وإجراء التعديلات بالزيادة أو النقص وفقا لقوانين الإيجار التالية، وبعد أن قدم الخبير تقريره عادت وحكمت بتاريخ 19/2/1972 أولا برفض الدفعين المبدين من المطعون عليهما ثانيا: بإلزام المطعون عليهما متضامنين بتخفيض إيجار الشقة المؤجرة للطاعن بعقد الإيجار المؤرخ 2/4/1952 وجعله 12 جنيه و717 مليم شهريا من 1/5/1952 إلى 1/5/1953 و9 جنيه و420 مليم شهريا من 2/5/1953 إلى 30/11/1961 و8 جنيه و478 مليم شهريا من 1/2/1961 إلى 30/6/1998، 8 جنيه و648 مليم شهريا من 1/7/1968 حتى الآن. استأنف المطعون عليهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 962 لسنة 89 ق القاهرة طالبين إلغاءه، كما استأنفه الطاعن بالاستئناف رقم 1075 لسنة 89 ق طالبا تعديله، وبعد ضم الاستئنافين حكمت محكمة الاستئناف بتاريخ 28/11/1973 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديرا بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
————
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب، ينعى الطاعن بالأسباب الأربعة الأولى منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم خلص إلى جدية الشرط بالتصريح بالتأجير من الباطن استناداً إلى أن أجرة المثل وفق ما جاء بتقرير الخبير وهي 12 جنيه 717 مليم بخلاف الجراج تقارب الأجرة المتعاقد عليها بما فيها ميزة التأجير من الباطن مما يقطع بعدم تجاوزها الأجرة القانونية، وأن أكثر المؤجرين والمستأجرين في حي الزمالك اعتادوا التأجير مفروشاً وفقاً لقرارات وزارة الإسكان، وإن الطاعن تراخى في إقامة دعواه ولم يقدم ما يؤيد صورية هذا الشرط تحايلاً على القانون، حالة أن البطلان المترتب على مخالفة قواعد تحديد الأجرة القانونية للأماكن متعلق بالنظام العام فلا يجوز التنازل عنه صراحة أو ضمناً ولا يصح اعتبار سكوته مدة من الزمن نزولاً عن الحق في التمسك به، بالإضافة إلى أن الثابت من تقرير الخبير أن أجرة المثل المتخذة أساساً لتحديد الأجرة القانونية لشقة النزاع تشمل مقابل استعمال الجراج وقد ترك الخبير أمر تقديره للمحكمة خلافاً لما أورده الحكم، علاوة على أن الأوراق خالية من الأدلة على اعتياد غالبية المستأجرين في حي الزمالك على التأجير من الباطن مفروشاً مما يندرج ضمن قضاء القاضي بعلمه، كما لم تصدر قرارات وزارة الإسكان المنظمة لقواعد التأجير مفروشاً إلا بعد إبرام العقد بعدة سنوات. هذا إلى أنه قدم العديد من المراسلات والشكاوى التي تشير إلى مبادرته إلى الاعتراض على إضافة الشرط بالتصريح بالتأجير من الباطن وإلى اتباع المؤجرين ذات السبيل مع مستأجرين آخرين اعترضوا بدورهم على إيراده في عقودهم وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على جدية الشرط الوارد بالعقد بالتصريح للطاعن بالتأجير من الباطن وأورد في هذا الخصوص قوله “… ويبين من أجرة المثل التي اتخذها الخبير أساساً في التقدير أن الأجرة المناسبة لعين النزاع تبلغ في تاريخ التعاقد 12 جنيه و717 مليم بخلاف الجراج مما يستنتج منه أن الأجرة المتفق عليها بين طرفي الخصومة وهي 13 جنيه في الشهر مقابلة للميزة التي سبق بيانها لم تتجاوز الحدود القانونية وفضلاً عن ذلك فإن شقة النزاع كائنة بحي الزمالك الذي اعتاد أكثر المؤجرين والمستأجرين فيه على التأجير مفروشاً استناداً إلى قرارات وزارة الإسكان مما يقطع بأن شرط التصريح بالتأجير من الباطن جدي وغير صوري ولم يقصد به التحايل على القانون والتخلص من قيود الأجرة ويؤيد ذلك أيضاً تراخي المستأجر سنين طويلة في إقامة دعواه وخاصة أن المستأجر لم يقدم بالأوراق ما يسانده في أن ورود هذه الرخصة بالتعاقد قصد بها التحايل على القانون”، وكان المستفاد من نصوص القانون رقم 121 لسنة 1947 الذي يحكم واقعة الدعوى – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن الاتفاق على أجرة تجاوز الحد الأقصى للأجرة المقررة بهذا القانون يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً لتعلقه بالنظام العام فلا يزول بالتنازل عنه صراحة أو ضمناً ولا يعتبر السكوت عن التمسك به نزولاً عنه، فإن الحكم إذا اتخذ من تراخي الطاعن في رفع الدعوى قرينة على جدية شرط التصريح بالتأجير من الباطن وعدم إيراده تحايلاً على قواعد تحديد الأجرة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. لما كان ذلك، وكان المبدأ الأساسي الذي يحكم النظرية العامة في الإثبات هو مبدأ حياد القاضي، فلا يجوز له أن يقضي بعلمه الشخصي عن وقائع الدعوى، دون أن يكون من قبيل ذلك ما يحصله استقاء من خبرته بالشئون العامة المفروض إلمام الكافة بها، وكان تقرير الحكم المطعون فيه أن العادة جرت في حي الزمالك الذي تقع به شقة النزاع على التأجير مفروشاً استناداً إلى قرارات وزارة الإسكان ليس من قبيل استعانة القاضي في قضائه بما هو متعارف عليه بين الناس، ولا يبرره الاستناد إلى قرارات وزارية صدرت بعد مرور قرابة عشرين سنة على التعاقد، وفي ظل ظروف اقتصادية تختلف عن تلك التي حرر فيها العقد، فلا يبرأ بذلك من عيب الفساد في الاستدلال. لما كان ما تقدم، وكان البين من الأوراق أن أجرة المثل المحددة بتقرير الخبير تشمل أجرة الجراج التي ترك أمر تقديرها للمحكمة، وأن – الطاعن قدم تأييداً لصورية الشرط المشار إليه المكاتبات التي أرسلها إلى المؤجرين بعد إبرام العقد والشكاوى التي تقدم بها وضمنها اعتراضاً على إضافة هذا الشرط تحايلاً على القانون، فإن الحكم إذ خلص إلى جديته على سند من أن أجرة شقة النزاع بما فيها ميزة التأجير من الباطن تضاهي أجرة المثل باعتبار عدم اشتمالها على مقابل استعمال الجراج خلافاً لما أثبت بتقرير الخبير من أنه أحد عناصرها وأن أمر تقديره ترك للمحكمة لعدم تحديده استقلالاً، وإذ نفي تقديم الطاعن أية مستندات تؤيد الصورية التي يدعيها مغفلاً الرد على ما قدمه من مكاتبات وشكاوى تفيد اعتراضه هو ومستأجرين آخرين على ما لجأ إليه المؤجرون من إضافة شرط التصريح بالتأجير من الباطن يقصد التحايل على قواعد تحديد الأجرة، فإنه يكون معيباً أيضاً بمخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب مما يستوجب نقضه.
وحيث إن حاصل النعي بالسببين الخامس والسادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم أقام قضاءه على سند من أن شقة المثل التي أرشد عنها لا تصلح لأن تكون مثلاً لشقة النزاع لوجود اختلافات جوهرية بينهما، في حين أن الثابت من تقرير الخبير أن شقة المثل تفضل شقة النزاع من حيث الموقع وعدد الوحدات وأنه لا يشترط التطابق الكامل بين شقة المثل وشقة النزاع وإنما يكفي أن تكون بينهما أوجه تشابه تراعي معها أوجه الاختلاف عند تقدير الأجرة، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه لما كان المقصود بأجرة المثل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هي أجرة مكان مماثل من جميع الوجوه بقدر الإمكان لشقة المثل في شهر الأساسي، وأن توافر التماثل بين عين النزاع وعين المثل أو انعدامه لا يعدو أن يكون من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع طالما كان استخلاصه سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه خلص إلى عدم توافر التماثل بين شقة النزاع وبين شقة المثل من مجرد عدم تطابقهما في الموقع وعدد الوحدات وهو ما لا يستقيم به التدليل على عدم صلاحية الشقة المقيسة لاتخاذها مثلاً لشقة النزاع ذلك أنه لا يشترط لتحقق التماثل في هذه الحالة التي تتحد الشقتان تماماً في الموقع وعدد الوحدات بحيث يتعين أن يشملها مبنى واحد وأن يتطابق عدد الغرف فيهما وإنما يكفي لذلك أن تتوافر أوجه التماثل بينهما ولو اختلفا من حيث الموقع وعدد الوحدات على أن يراعي ما قد يوجد بينهما من فروق مؤثرة على تحديد مقدار الأجرة لما كان ذلك فإن الحكم يكون قد أخطا في تطبيق القانون وشابه الفساد في الاستدلال بما يستوجب نقضه لهذين السببين أيضاً.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .