التجارة الإلكترونية .. ومستقبل العلامات التجارية
مستقبل التجارة الإلكترونية ترسمه التطبيقات الاجتماعية مثل “ويشات” (WeChat) الصيني. ونعرض هنا كيف يجب أن تستعد العلامات التجارية لهذا المستقبل. تقاربت وسائل الإعلام الاجتماعي والتجارة الإلكترونية على الهواتف الذكية في الصين، بفضل تطبيق رائد تطور كثيرا في الفترة الأخيرة. فمنذ أن أطلق تطبيق “ويشات” (WeChat) في عام 2011، تطور من تطبيق تراسل مباشر شبيه بتطبيق “واتس آب” إلى محطة واحدة لإدارة أسلوب الحياة.

وأصبح اليوم بإمكان أي من مستخدميه الذين يقترب عددهم سريعا من مليار شخص، ومن دون الخروج منه، حجز موعد مع الطبيب، أو طلب سيارة أجرة، أو شراء المنتجات مباشرة من أصحاب العلامات التجارية. ووصل الأمر أن ما لا يقل عن واحد من كل خمسة مستخدمين لتطبيق ويشات ربطه مع بطاقة حسابه في المصرف أو بطاقته الائتمانية، وتلك هي القفزة النقدية المحتملة التي يحق لمارك زوكربيرج أن يحلم بها فقط.

ولن يمر وقت طويل حتى تصبح هذه الوظيفة، أو ما شابهها، سائدة في جميع أنحاء العالم. ولهذا حان الوقت كي تباشر العلامات التجارية في التحضير للمستقبل، الذي لن تكون فيه وسائل الإعلام الاجتماعي مجرد مكان للتسويق، بل ستصبح سوقا كبيرة في حد ذاتها. تشرح ورقة العمل الأخيرة، “استخدام معلومات الشبكة الاجتماعية وقيمتها في عمليات بيع انتقائية”، كيف أنه خلافا لنموذج التجارة الإلكترونية الحالي سيزدهر البيع على وسائل الإعلام الاجتماعي ليس بناء على الشفافية وسهولة الوصول بل بسبب التفرد الاستراتيجي. يبدو أن مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعي الأكثر حيوية هم أولئك الذين يستمتعون بإثارة حسد أقرانهم، ولهذا يقدم “فيسبوك” و”إنستجرام” وغيرهما طرائق كثيرة للتباهي وحصد الإعجاب، من التباهي بأحدث حقيبة يد صممها أحد المشاهير، إلى الإعلان عن القلق من مشكلة اجتماعية وطلب التبرع الخيري من أجلها. وهكذا شهدت شركات المنتجات الفخمة مثل “مويت هنسي لوي فيتون” ارتفاعا كبيرا في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي بين عملائها الذين يشترون منتجاتها الحصرية والمحدودة الإصدار، خاصة في الأسواق التي تنمو فيها سريعا كالهند والصين.

وهكذا بدأت “مويت هنسي لوي فيتون” باستخدام وسائل الإعلام الاجتماعي للتعرف على العملاء الذين يحبون التفاخر أمام أصدقائهم ثم التسويق لهم. لأنه من الناحية النظرية إذا كان من بالإمكان تحديد هذه المجموعة المختارة من العملاء، فسيكونون أول من يرغب في اغتنام الفرصة لشراء المنتجات المصممة من أجلهم فقط. إلا أن ما يعرقل جهود “مويت هنسي لوي فيتون” في مجال “البيع الانتقائي” اليوم هو الجمع العشوائي للمعلومات عن العملاء والحجم الهائل للبيانات المتاحة.

يبدو نموذج الاندماج السلس للتجارة الإلكترونية مع وسائل الإعلام الاجتماعي بالطريقة التي يقدمها “ويشات” الحل المطلوب. وبدأت بعض الشركات فعلا باستغلال هذه الفرصة، فمثلا تستخدم شركة “تيفاني آند كومباني” حسابها الرسمي في “ويشات” لتحديد فئات العملاء بطريقة أدق. وتعتمد إصابتها عين الهدف على قدرتها على تحديد مجموعة العملاء الذين يشكلون الأهداف الأعلى قيمة لعمليات البيع الانتقائي، من بقية الأشخاص الآخرين المرتبطين بهم على وسائل الإعلام الاجتماعي، ويأتي هنا دور البحث الذي أجريناه عن هذه المسألة ونتحدث عنه في القسم التالي: استخدمنا في دراستنا، النماذج الرياضية لمحاكاة سلوك نموذجي لمستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعي الذين يحبون التباهي. أخذنا أيضا في الحسبان أن الشركات تختلف في مقدار ما تعرفه عن عملائها على وسائل الإعلام الاجتماعي.

فبعضها لا تعرف شيئا، أو تعرف عنهم نذرا يسيرا أقرب إلى اللا شيء. ونلاحظ أن لدينا نوعين مفيدين من المعلومات عن العملاء على وسائل الإعلام الاجتماعي، درجة الترابط (أي عدد الأصدقاء لكل عميل) والدرجة التي يشترك فيها كل عميل في المزايدة الاستهلاكية (يسميها الباحثون، الوضوحية «conspicuity»).

لن تتمكن الشركات التي تجهل تماما أي معلومات عن عملائها من تصنيفهم، أما الشركات التي لديها جانب من معلومات العملاء أو جانبية فستتمكن من استخدام جميع البيانات المتاحة، وانتقاء وصياغة هدفها من مجموعة من العملاء. وأسفرت دراستنا لحالات مختلفة من معلومات الشركات عن العملاء على وسائل الإعلام الاجتماعي، عن مبدأين عامين مثيرين للاهتمام. أولا، لم يكن العملاء الأكثر شعبية هم الأعلى فائدة للشركات. فالشركات التي امتلكت جميع المعلومات عن العملاء حققت أفضل النتائج عندما استهدفت العملاء أصحاب المستوى العالي من الوضوح، الذين لديهم عدد متوسط من المتابعين كاف لظهور ظاهرة الحسد المطلوبة، لكن عدد المتابعين ليست عاليا إلى درجة تقلل من حداثة المنتج بسبب معرفة عدد كبير من العملاء به. ثانيا، لا تتساوى قيمة جميع المعلومات عن العملاء. إذ وجدنا أن معرفة عدد الأصدقاء لكل عميل هو أكثر قيمة من معرفة ميولهم للتباهي على وسائل الإعلام الاجتماعي.

وعلى الرغم من أن كلا هذين النوعين من المعلومات أفضل من عدم وجود معلومات، إلا أن معلومات الوضوح لم تضف قيمة للشركات التي تعرف بالفعل مدى وصلات الشبكة الاجتماعية لعملائها. وتراوحت عموما قيمة إضافة معلومات الوضوح بين 2 و6 في المائة زيادة في الأرباح، في حين جلبت المعلومات للمتابعين أرباحا إضافية تراوح بين 5 إلى 30 في المائة. يسلط الفرق في القيمة بين هذين النوعين من المعلومات الضوء على المبدأ العام الآخر المتعلق بوسائل جمع المعلومات من الإعلام الاجتماعي. فالمعلومات تكون أقل قيمة عندما تصف جوانب من سلوك العملاء تتماشى مباشرة مع أهداف الشركة. وفي هذه الحالة فإن أفعال العملاء تعوض المعلومات الناقصة، فمن يحب التباهي كثيرا لا يخجل من إظهار هويته. ويسعدهم المشاركة في برنامج البيع الانتقائي على افتراض أن الحملة التسويقية مستمرة بقوة في معظم الجوانب الأخرى. ويمكن للشركة أن تضع الخطط المناسبة لبعض القطاعات بحيث تتيح لهم اختيار القطاع الذي ينتمون إليه ذاتيا.

يساعد توظيف جمع المعلومات بذكاء بدلا من مجرد الاعتماد على البيانات الصماء، الشركات في تجنب المخاوف المعتادة المتعلقة بالخصوصية، التي لا بد أن تتكاثر مع نمو التشابك بين التجارة الإلكترونية ووسائل الإعلام الاجتماعي. يبشر ظهور “ويشات” بتحويل الشبكات الاجتماعية إلى شوارع رئيسة رقمية، حيث تعرض فيها المنتجات ويتباهى بها عبر سلسلة من النقرات من دون انقطاع. وستحتاج العلامات التجارية في المرحلة المقبلة تطوير علاقة الجوار والثقة الشخصية مع قاعدة عملائها. وهذا يعني أن التجارة الإلكترونية ستصبح أكثر اعتمادا على التكتيكات المفصلة على قياسيها مثل البيع الانتقائي، وبدرجة أقل على أساليب البيع على الرفوف.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت