بحث قانوني هام عن أسس الثبوت بالكتابة في ظل القانون الأردني

مبدأ الثبوت بالكتابة في ظل القانون الأردني
تعليق قانوني على واقعة بحثية مقدم لغايات مادة مشروع البحث في الجامعة الاردنية – 2011

الطالب :
عبدالرحمن الزميلي

الوقائع

محمد وسعيد زملاء عمل يعملان بذات الشركة ، أقام محمد دعوى قضائية على سعيد موضوعها مطالبته بمبلغ دين 5000 دينار أردني . قدم محمد دليله في الدعوى وكان عبارة عن ورقة مكتوبة بخط سعيد مكتوب عليها ما يلي : “نلتقي اليوم الساعة الثالثة مساءا في المقهى المعتاد ، أرجو ألا تنسى سحب المبلغ الذي وعدتني أن تقرضني اياه ، فأنا بأشد الحاجة اليه اليوم وان شاء الله لن أتأخر عليك بالسداد ” وقد كان سعيد أرسل هذه الورقة لمحمد مع مراسل الشركة . كما طلب محمد استدعاء شاهدين لتأكيد وجود الدين وهما المراسل الذي اطلع على محتويات الرسالة وعامل المقهى الذي رأى محمد يعطي المبلغ لسعيد . أقر سعيد بأن الخط له وانه طلب قرضا من محمد ولكنه ادعى بأن مبلغ الدين كان بسيطا وهو ثمانون دينارا فقط كما ادعى انه قام بالسداد فعلا و طلب من المحكمة استدعاء شهود بالسداد وهم زوجته وابنه حيث حصل السداد في بيته وبحضور عائلة سعيد .

المقدمة

لما كان حق الخصم في إقامة الدليل أمام القاضي يشكل قدس أقداس حقوق الخصم في الدعوى والذي كفلته التشريعات البشرية فضلا عن الربانية ، فجاءت التشريعات المختلفة والقوانين المتعددة لتنظيم أحكام إقامة الدليل و فرز الأدلة والبينات وإعطائها اوزانا وقيما .

وكان هذا ديدن المشرع الأردني حيث نظم مسائل الإثبات ومقدار قوة الحجة وغيرها من الأمور المتصلة بإقامة الدليل في قانون البينات الأردني .
ولما كانت الوقائع المعطاة تدندن حول قيثارة الاثبات ، فمحمد يدعي وسعيد ينكر ويدحض ادعاء الأول بإقراره بأنه اقترض منه فأعطاه لكن مبلغ القرض كان ثمانون دينارا لا خمسة آلاف ، وقد قام بسدادها ولديه شهود على ذلك ، فإن قيام محمد بتقديم دليله والذي هو عبارة عن ورقة مكتوبة بخط يد سعيد ما هو الا ورقة اثبات .
هذا ومن الواضح باستقراء نصوص القانون الأردني أن المشرع يميز بين حالتين لإثبات المطالبات المالية ، فهو يفرق فيما اذا كان الالتزام التعاقدي في المسائل التجاريه ويرتب حكما على ذلك وهو جواز اثبات ذلك الالتزام بكافة وسائل الاثبات مهما كانت قيمته ، ويفرق ايضا فيما اذا كان الالتزام التعاقدي في غير المسائل التجارية ويقل عن مائة دينار فيجوز حينئذ الاثبات بكافة وسائل الاثبات ، او فيما اذا كان الالتزام التعاقدي في غير المسائل التجارية تزيد قيمته على مائة دينار او غير محدد القيمة وحينئذ لا يجوز اثباته بالبينه الشخصية كأصل عام .

يتضح من خلال ما تقدم أن الوقائع المعطاة تشكل مسألة اثبات ، وهي فيما اذا كانت وسيلة الاثبات دليلا كتابيا عززته البينة الشخصية أو اذا كان ذلك الدليل ما هو الا بينة شخصية ، او كونه مبدأ ثبوت بالكتابة يمكن تكميله بالبينة الشخصية أو اليمين المتممة .

وبما أن موضوع الدين في الوقائع المعطاة مدنيا فسنبحث موضوع الكتابة كأصل عام لاثبات الالتزامات المدنية التي تزيد قيمتها على مائة دينار في مطلب أول . وسنبحث موضوع مبدأ الثبوت بالكتابة في مطلب ثان .

المطلب الأول
الكتابة كأصل عام لإثبات الالتزامات المدنية

عرفت البشرية الكتابة كأصل عام للإثبات ، فاعتبرها البابليون والاشوريون في مقدمة الأدلة القانونية حيث كانت هذه السندات المكتوبة تغلب الشهادة وكذلك كانت القواعد التي نص عليها القانون الروماني فيما بعد ([1]).

وكذلك فعل المشرع الأردني ، فنص على أن إثبات الالتزامات المدنية فيما تجاوز قيمته مائة دينار لا يجوز بالبينة الشخصية ، فنصت المادة 28\أ من قانون البينات ([2]) على : ” اذا كان الالتزام التعاقدي في غير المواد التجارية تزيد قيمته على مائة دينار أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز الشهادة في اثبات وجود الالتزام او البراءة ما لم يوجد اتفاق او نص يقضي بغير ذلك ” .
وقد فصل قانون البينات الأردني الأدلة الكتابية في الباب الثاني من قانون البينات ، فنصت المادة الخامسة منه على :
” الأدلة الكتابية هي :

الأسناد الرسمية .
الأسناد العادية .
الأوراق غير الموقعة . ”

ويظهر أن الأسناد الرسمية هي تلك التي ينظمها الموظفون الذين من اختصاصهم تنظيمها أصوليا ويعمل بها وتعتبر ثابتة ما لم يطعن فيها بالتزوير ، أو هي تلك السندات التي نظمها أصحابها وصدقها الموظفون الذين من اختصاصهم تصديقها طبقا للقانون ، وهذه ينحصر العمل بها في التاريخ والتوقيع فقط ([3]).

أما الأسناد العادية ، فيشترط فيها شرطان هما : الكتابة والتوقيع([4]) ، على ما ذكرته المادة العاشرة من قانون البينات التي نصت على : ” السند العادي هو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه او على خاتمه او بصمة اصبعه وليست له صفة السند الرسمي .

أما الأوراق غير الموقعة فهي أوراق عرفية يحررها أصحابها غير قاصدين بذلك اعدادها للإثبات الا أنه ونتيجة لظروف معينة تصبح هذه الأوراق سندا ودليلا للحق وهي تشمل الرسائل والبرقيات والاوراق غير الموقع عليها كدفاتر التجار ، والأوراق المنزلية والتأشير على سند الدين بما يفيد البراءة منه .

مما تقدم ، يظهر أنه لا يمكن تكييف الورقة التي قدمها محمد والمكتوبة بخط سعيد سندا رسميا ذلك أن شروط السند الرسمي قد تخلفت عن هذه الورقة ، كما لا يمكن اعتبارها سندا عاديا ذلك أن السند العادي يشترط أن يكون موقعا ممن كتبه ، كما أنها ليست دفترا من دفاتر التجار ولا رسالة او برقية كون الرسالة يشترط فيها أن تكون موقعة أيضا بمقتضى المادة 13 من قانون البينات الأردني .

ويظهر لنا من خلال القراءة الاستطلاعية لنصوص قانون البينات أن الورقة التي قدمها محمد ما هي الا مبدأ ثبوت بالكتابة ، ذلك أن قانون البينات قد عرف مبدأ الثبوت بالكتابة بأنه :” مبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود المدعى به قريب الاحتمال .

وسنتناول أحكام مبدأ الثبوت بالكتابة بشيء من التفصيل الموجز في المطلب التالي .

المطلب الثاني
مبدأ الثبوت بالكتابة

تناولنا في المطلب السابق القاعدة العامة في اثبات التصرفات المدنية وهي الكتابة ان كان الالتزام يجاوز قيمة المائة دينار وعدم جواز اثباتها بالبينة الشخصية ، وقد خرج المشرع عن هذه القاعدة استثناءا تحيزت منه لجانب العدالة المطلقة ([5]) وذلك بنص المادة 30 من قانون البينات والتي تنص على : ” يجوز الاثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى لو كان المطلوب تزيد قيمته على مائة دينار :

اذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة . ومبدأ الثبوت بالكتابةب هو كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها ان تجعل المدعى به قريب الاحتمال .
….الخ ” .

كما أكدت محكمة التمييز الأردنية على أن ” تعتبر البينة الشخصية بينة مقبولة لإثبات الالتزامات التعاقدية اذا وجد هناك مبدأ ثبوت بالكتابة …” ([6])
كما نص المشرع المصري في المادة 62 من قانون الاثبات على انه : ” يجوز الاثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب اثباته بالكتابة اذا وجد مبدأ الثبوت بالكتابة وكل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها ان تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال تعتبر مبدا ثبوت بالكتابة ” .
كذلك فقد نص قانون الاثبات العراقي في المادة 78 منه على انه : ” يجوز الاثبات بالشهادة في التصرفات القانونية حتى لو كان التصرف المطلوب تزيد قيمته على خمسين دينارا اذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة . ومبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر من الخصم يكون من شأنها ان تجعل وجود الحق المدعى به قريب الاحتمال .”([7])
كما عرف الاستاذ أحمد نشأت بأنه (عبارة عن كتابة صادرة ممن يراد الإثبات ضده ، ليست سندا كاملا بما يراد وإنما تجعله قريب الاحتمال )([8]).

وتتضح أهمية مبدأ الثبوت بالكتابة في أنه اذا توافرت شروطه وقامت اركانه تكون له قوة في الاثبات تعادل ما للكتابة من قوة ([9])، ولذلك سنعرض في ما يلي لأركان مبدأ الثبوت بالكتابة .

أولا : وجود ورقة مكتوبة
وهو مقتضى اسم المسمى وهو أيضا مقتضى الفقرة أ من المادة 30 من قانون البينات والتي استخدمت في تعريفها لمبدأ الثبوت بالكتابة كلمة كل كتابة عندما نصت على : ” مبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها أن تجعل المدعى به قريب الاحتمال “.

ثانيا : صدور الورقة عن الخصم او ممثله القانوني .
فيجب في مبدأ الثبوت بالكتابة أن يكون صادرا عمن يحتج عليه به او عن نائبه او وكيله او وليه او وصيه ، ويجب في نسبته اليه الا ينكره من احتج عليه به أما إن انكر صدور مبدا الكتابة عنه او عمن يمثله فحينئذ تطبق قواعد المضاهاة والاستكتاب لاستبيان نسبةالورقة الى الخصم من عدمها ([10]).

ثالثا : ان تجعل هذه الورقة الحق المدعى به قريب الاحتمال
وهذا ايضا مستفاد من منطوق المادة 30\أ من قانون البينات ، و كون جعلها للحق المدعى به قريب الاحتمال معناه وجوهره ان يجعل من الحق المدعى به مرجح الوجود ، ومسالة تقدير مدى جعل الورقة للحق المدعى به قريب الاحتمال هي مسألة موضوعية تستقل بها محكمة الموضوع ([11]) ولا رقابة عليها في ذلك من محكمة التمييز([12]) طالما كان استخلاصها سائغا ومقبولا وموافقا للقانون .

كما حكمت محكمة النقض السورية بأنه :”يشترط لتوفر مبدا الثبوت الكتابي أن تكون الوثيقة صادرة عن الخصم وأن تجعل العقد المدعى به قريب الاحتمال فلا يكتفى بوجود احتمال بعيد او اشارة غامضة “([13]).
ولابد لاكمال مبدا الثبوت بالكتابة ببينة اخرى ليصبح ذا قوة وحجية ، كأن يقر به الخصم او يقيم من ادعى به شهادة عليه وبكل وسائل الاثبات ، وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية حيث قررت أنه :” ينبغي أن تكون ورقة مبدأ الثبوت بالكتابة او القرينة دليلا ناقصا قابلا لتعزيز اثباته بالشهادة ” ([14]).

خاتمة

مما سبق وبمقارنة ما تناولناه وتطبيقه على الوقائع يتضح أن الورقة التي قدمها محمد والمكتوبة بخط يد سعيد والتي أقر بها سعيد هي مبدا ثبوت بالكتابة ذلك أنها حققت الشروط الثلاثة آنفة الذكر من حيث الكتابة وصدورها عن سعيد وجعلها للحق المدعى به قريب الاحتمال .

وأن هذه الورقة قد استكملت قيمتها في الاثبات من خلال شهادة الشهود مراسل الشركة وعامل المقهى ، الذي شهد بتسليم مبلغ الخمسة الاف دينار للمدعو سعيد وقد سبق وقلنا أن مبدأ الثبوت بالكتابة ما هو الا استثناء على أصل اثبات الالتزامات التعاقدية غير التجارية التي تزيد قيمتهاعن مائة دينار ، وأن مبدأ الثبوت بالكتابة بعد اكماله وتحصل كافة اركانه يحل محل الكتابة في اثبات ذلك الالتزام .

بناءا على ما تقدم فإن قيام المدعو سعيد بالطلب من المحكمة استدعاء الشهود زوجته وابنه لإثبات ان مبلغ الدين كان ثمانين دينارا فقط إن تم قبل اكمال مبدأ الثبوت بالكتابة بشهادة الشهود الذين طلب استدعائهم محمد يكون من قبيل البينات التي لقاضي الموضوع وحده دون سواه وزنها والتي يمكل بها مبدا الثبوت بالكتابة ، اما إن كان طلب المدعو سعيد استدعاء الشهود بعد اكتمال مبدا الثبوت بالكتابة بشهادة الشهود فحينئذ لا يجوز أن يؤخذ بشهادة الشهود ، ذلك انه سبق القول بان مبدا الثبوت بالكتابة عندا اكتماله وتعزيزه بالبينة يحل محل الكتابة في الاثبات وبالتالي يأخذ حكمها ، وعندئذ تطبق قاعد ” لا يجوز مخالفة الثابت بالكتابة الا بالكتابة ” .

فهرس الحواشي

النداوي ، آدم وهيب – دور الحاكم المدني في الاثبات، رسالة ماجستير ، الدار العربية للطباعة والنشر ، بغداد ، 1973
قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952.
المادة 6 من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952.
سهير أمين طوباسي ، مبدأ الثبوت بالكتابة في قانون البينات ، دراسة مقارنة ، رلالة ماجستير ، كلية الدراسات العليا ، الجامعة الأردنية 1996. ص46.
صلاح الدين الناهي ، الوجيز في مبادىء الاثبات والبينات
قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 3762\2008 (هيئة خماسية ) بتاريخ 22\6\2009
قانون الاثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979
سهير أمين طوباسي ، المرجع السابق ، ص 79
سهير أمين طوباسي ، المرجع السابق ، ص 80
سهير أمين طوباسي ، المرجع السابق ، ص 89 .
سهير أمين طوباسي ، المرجع السابق ، ص 91 .
انظر قرار محكمة التمييز الموقرة بصفتها الحقوقية رقم 234 لسنة 1981.
مجلة القانون ، وزارة العدل السورية ، فهرس أربعون عام 1950-1990 ، القسم الأول ، مدني ، دمشق ،1990.
قرار محكمة التمييز الموقرة بصفتها الحقوقية رقم 22 لسنة 1951.

قائمة المراجع

قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 .
قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952.
شرح قانون البينات ، الدكتورة مفيد سويدان 1991.
دور الحاكم المدني في الاثبات ،آدم وهيب النداوي ، رسالة ماجستير ، الدار العربية للطباعة والنشر ، بغداد ، 1976.
مبدأ الثبوت بالكتابة في قانون البينات “دراسة مقارنة” ، سهير أمين الطوباسي ، رسالة ماجستير ، كلية الدراسات العليا ، الجامعة الأردنية ، 1996.
الوجيز في مبادىء الاثبات والبينات ، المحامي الدكتور صلاح الدين الناهي .

[1] النداوي ، آدم وهيب – دور الحاكم المدني في الاثبات، رسالة ماجستير ، الدار العربية للطباعة والنشر ، بغداد ، 1973[1]

[2] قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952.

[3] المادة 6 من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952.

[4] سهير أمين طوباسي ، مبدأ الثبوت بالكتابة في قانون البينات ، دراسة مقارنة ، رلالة ماجستير ، كلية الدراسات العليا ، الجامعة الأردنية 1996. ص46.

[5] صلاح الدين الناهي ، الوجيز في مبادىء الاثبات والبينات

[6] قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 3762\2008 (هيئة خماسية ) بتاريخ 22\6\2009

[7] قانون الاثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979

[8] سهير أمين طوباسي ، المرجع السابق ، ص 79

[9] سهير أمين طوباسي ، المرجع السابق ، ص 80

[10] سهير أمين طوباسي ، المرجع السابق ، ص 89 .

[11] سهير أمين طوباسي ، المرجع السابق ، ص 91 .

[12] انظر قرار محكمة التمييز الموقرة بصفتها الحقوقية رقم 234 لسنة 1981.

[13] مجلة القانون ، وزارة العدل السورية ، فهرس أربعون عام 1950-1990 ، القسم الأول ، مدني ، دمشق ،1990.

[14] قرار محكمة التمييز الموقرة بصفتها الحقوقية رقم 22 لسنة 1951.