مناط تحديد اختصاص المحكمة

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسرى عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدى مليجى ومحمد أمين المهدى وحسن حسنين على والسيد السيد عمر المستشارين.

* الإجراءات

فى يوم الثلاثاء الموافق 29 من مايو سنة 1984 أودع الأستاذ فوزى سليم حنا المحامى بصفته وكيلا عن السيدين/ محمود محمد أحمد المراكبى وعادل محمود محمد أحمد المراكبى قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2120 لسنة30 القضائية عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 10 من مايو سنة 1984 فى الدعوى رقم 3231 لسنة 36 القضائية والقاضى برفض الدفع وعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلا وبرفضها موضوعا، وطلب الطاعنان للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن والحكم بعدم أحقية المطعون ضده الأول فى تركيب اللافتة على واجهة المبنى ومدخل العمارة المملوكة للطاعن الأول بشكل يستغرق مدخل العمارة المذكورة بالصورة والوصف المبين بالشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إدارى بندر الفيوم وتمكين الطاعن الثانى من وضع اللافتة المعلنة عن عمله على مدخل العمارة والواجهة مع إلزام المطعون ضده الأول بالمصروفات.

وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الطعن ارتأت قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع إلزام الطاعنين بالمصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16 من يونية سنة 1986 وتداول نظره بالجلسات على النحو المبين تفصيلا بالمحاضر حتى قررت بجلسة 5 من يناير سنة 1987 احالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 24 من يناير سنة 1987 وبتلك الجلسة نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بالمحضر وقررت إصدار الحكم بجلسة 7 من فبراير سنة 1987. وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

* المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
من حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فيتعين قبوله شكلا.
ومن حيث ان عناصر تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، فى أن الطاعنين أقاما الدعوى ابتداء بتاريخ 12 من سبتمبر سنة 1981 أمام محكمة بندر الفيوم الجزئية ضد السيد – محمد مصطفى عبد اللطيف حيث قيدت بسجلاتها تحت رقم 534 لسنة 81 بندر الفيوم طالبين الحكم أولا بعدم أحقية المدعى عليه لتركيب الفاترينة المبنية وصفا بالشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إدارى بندر الفيوم وبتقرير الخبير فى دعوى اثبات الحالة رقم 202 لسنة 1981 مستعجل الفيوم وإلزامه المصروفات وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة وثانيا تمكين المدعى الثانى من تركيب لافته المعتبره إعلانا عن شغله الدور العلوى – مكتب محام – والثابت معالمها بالصورة الفوتوغرافية المرفقة بتحقيقات الشكوى الإدارية 1980 سنة 1980 إدارى بندر الفيوم وإلزام المدعى عليه المصروفات وشمول الحكم بالنفاذ المعجل ولا كفالة وقال المدعيان (الطاعنان بالطعن الماثل) سندا لدعواهم أنه بموجب عقد ايجار مؤرخ 1/4/1980 استأجر المدعى عليه من المدعى الأول، بالجدك، حجرتين بالدور الأرضى بالعمارة رقم 4 عوايد بشارع تنهله الغربى بندر الفيوم بغرض استعمالها استوديو تصوير مقابل اربعين جنيها شهريا، وادعى المدعى عليه أنه قام بتركيب لافته على واجهة العمارة ملك المدعى الأول الذى قام باتلافها وتكسيرها وانتزاعها من مكانها، وأقيمت عن ذلك الدعوى الجنائية بقم 3303 لسنة 1981 بندر الفيوم، كما اقيمت دعوى باثبات حالة قدم بها الخبير تقريرا ورد به ان ما ادعى انه لافته انما هى فاترينه ذات ارفف لوضع الصور، وأنها تشغل كل مدخل العمارة المعتبر واجهتها بعرض 250 سم وكما قال المدعيان بان المدعى عليه تقدم بالشكوى رقم 1890 لسنة 1981 وانتهت نيابة الفيوم الكلية بشأنها إلى تمكين المدعى عليه من تركيب اللافتة على واجهة العمارة رغم ان حقيقتها فاترينه، وهى بهذه المثابة عائق مادى للمدخل، ومع ذلك فقد تأيد هذا القرار بقرار المحامى العام وقام المدعى عليه بتنفيذ القرار فى 10/9/1981. ولما كان المدعى الثانى (الطاعن الثانى بالطعن الماثل) يستأجر الدور الأول العلوى مكتبا للمحاماة ويضع لافتة على واجهة الدور الأول واكتسب حقا ماديا وقانونيا فى وضع اللافتة الخاصة به بمواجهة هذا الدور، الا انه تم نزع هذه اللافتة تنفيذا لقرار النيابة العامة فى هذا الشأن.

باعتبار أن جوهر المنازعة مدنى بحت فان تدخل النيابة العامة يعتبر تعويضا ماديا لحقوق المدعى الأول كمؤجر ولحقوق المدعى الثانى كمستأجر للدور الأول. وخلص المدعيان إلى ان التكيف القانونى للدعوى بالنسبة للمدعى الاول انها دعوى عدم احقية المدعى عليه لتركيب فاترينة دون اللافتة المدعى بها فى الشكوى الإدارية والثابت أوصافها بتقرير الخبير فى دعوى اثبات الحالة، باعتبار ان تركيب الفاترينة امر يستحيل تنفيذه بمدخل العمارة وواجهتها بعرض 250 سم فقط، ويكون ذلك عائقا لاستغلال المدخل ودخول المستأجرين، وبالنسبة للمدعى الثانى بأنها دعوى استرداد حيازة وتمكينه من إعادة وضع اللافتة، المعلنة على مكتبه كمحام، على واجهة العين المؤجرة اليه. وبجلسة 21 من ديسمبر 1981 حكمت محكمة بندر الفيوم الجزئية بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وألزمت المدعيين المصروفات: وأقامت قضاءها على أساس أن طلبات المدعين اذ تقوم على ان قرار النيابة العامة فى الشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إدارى بندر الفيوم لا يعدو ان يكون تعرضا لحقوق المدعى الاول وعلى ان ذلك القرار لا ينسحب على المدعى الثانى لكونه لم يكن ممثلا فى الشكوى الصادر فيها القرار، فإن الفصل فى هذه الطلبات بوجب على المحكمة التصدى للقرار الإدارى الصادر من النيابة العامة باعتبارها هيئة إدارية وليس بصفتها الامنية على الدعوى العمومية، الأمر الذى يمتنع على القضاء العادى. وقام الطاعنان باستئناف الحكم المشار إليه أمام محكمة الفيوم الابتدائية (الدائرة الاستئنافية) تأسيسا على ان حقيقة ما طلبه المدعى الاول أمام محكمة الدرجة الاولى هو مطلب اعمال نصوص عقد الايجار المحرر بينه كمؤجر وبين المدعى عليه كمستأجر لحجرتين بالدور الأرضى لا يتعدى حق انتفاعه نطاق عقد الايجار فلا يكون له الا ان يضع لافته على واجهة العين المؤجرة له لا على مدخل العمارة، كما أن طلب المدعى الثانى من إعادة لافتة كمحام على واجهة العين المؤجرة له يقوم على اساس ان ما كان انتزاع اللافتة الخاصة به بقرار النيابة يعتبر تعرضا ماديا له يجيز له الالتجاء إلى القضاء المدنى لازالته باعتباره اعتداء على حق مقرر له قانونا، وفى مواجهة الغير المدعى عليه بان له حق الإعلان عن مكتبه كمحام بوضع اللافته الخاصة به. وأورد المستأنف بعريضة الاستئناف ان المنازعة مدنية بين طرفيها وبحكمها عقد يخضع للقانون المدنى، ولا اختصاص للنيابة العامة فى التدخل لتفسير هذا العقد وبالتالى فقرارها لا يعتبر قضائيا أو إداريا ما دامت المنازعة مدنية.

وان عقد الايجار المؤرخ 1/4/1980، وهو سند التداعى اصلا، قد خلا من حق للمستأنف ضده فى تركيب لافته أو فاترينه على مدخل عمارة المستأنف الأول، إذ العين المؤجرة داخل المبنى، وعلى ذلك فإن كان له حق الإعلان عن نشاطه فيقتصر ذلك على الإعلان على واجهة العين المؤجرة وليس على واجهة العمارة بما يستغرق المدخل البالغ عرضه 250 سم والفاترينه تستغرق ذلك، وانه اذا انتزعت. لافته المستأنف الثانى، وكانت موضوعه على واجهة مكتبه كمحام بالدور الأول، ونو بعد لم يكن طرفا فى المنازعة بين المالك المؤجر وبين المستأنف ضده فيكون انتزاع هذا الأخير لها تعرضا ماديا منه يلتجأ للحماية منه إلى القضاء المدنى. وبجلسة 23 من مارس سنة 1982 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف فيها فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى واحالتها بحالتها إلى مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى لنظرها بجلسة 8/5/1982 وأبقت الفصل فى المصروفات.

وأقامت قضاءها على أساس أنه اذ كان طلبات المستأنفين هى اولا الحكم بعدم أحقية المدعى عليه لتركيب الفاترينة المبينة وصفا بالشكوى الإدارية رقم 1890 لسنة 1981 قسم الفيوم وثانيا إعادة تمكين المدعى الثانى من تركيب لافته المعتبرة إعلانا عن شغله الدور الأول العلوى كمكتب محاماه وكانت النيابة العامة قد سبق لها أن اصدرت بتاريخ 1/6/1981 قرارا بتمكين المدعى عليه (المتعاقد ضده) من وضع لافته ومنع تعرض الغير له وذلك فى المحضر رقم 1890 لسنة 1981 إدارى قسم الفيوم ومن ثم فان طلبات المدعين (المستأنفين) تكون خاصة بالقرار الصادر من النيابة العمة ذلك لان اجابة طلباتهما هو فى الوقت ذاته حكم ضمنى بعدم الاعتداد بقرار النيابة العامة. وبعد ان استعرض الحكم آراء الفقه والقضاء حول الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة من النيابة العامة بشأن الحيازة الخارجية عن نطاق التجريم، انتهى إلى ان الرأى الاقرب إلى الصواب هو الرأى الذى يجرى التفرقة بين حالتين، الأولى وفيها تفصل النيابة العامة فى أصل النزاع الدائر حول الحيازة فتمكن من لا حيازة له من عين النزاع أو تمنع تعرض الغير له أى تعدل أو تغير من المراكز القانونية الظاهرة للخصوم وفى هذه الحالة يكون القرار الصادر من النيابة العامة منعدما لافتقاده أحد الأركان اللازمة لانعقاد كقرار إدارى وذلك لأن القانون عقد الاختصاص فى مسائل الحيازة للقضاء المدنى دون غيره وتكون النيابة العامة قد اغتصبت بقرارها سلطة القضاء المدنى كما يجيز له التصدى للقرار بالإلغاء باعتباره عقبه مادية بين صاحب الحق وحقه، والحالة الثانية وفيها لا تغير النيابة العامة ولا تبدل المراكز القانونية للخصوم فتبقى الحيازة للحائز الظاهر أو تنمع تعرض الغير له ويكون قرارها إداريا صدر معاونة للسلطة الإدارية فى حفظ الامن والنظام، وأنه بفرض خروج القرار عن النطاق الوظيفى للنيابة العامة فان العيب الذى يلحقه يكون عيبا متعلقا بالشكل وليس اغتصابا لسلطة القضاء المدنى ويكون الاختصاص بعدم الاعتداد به للقضاء الإدارى.

وبتطبيق ما تقدم على واقعات الدعوى أوردت المحكمة بأنه اذا كان الثابت من المحضر رقم 1890 إدارى وأقوال شهود المستأنف عليه من ان اللافتة الإعلانية الخاصة بالمستأنف عليه كانت فى مكانها على وجه المحل وان المستأنف الأول وأعوانه هم الذين انتزعوا هذه اللافتة ومن ثم يكون قرار النيابة العامة بتمكين المستأنف عليه من وضع هذه اللافتة فى مكانها بعد ان تم نزعها لم يضف جديدا ولم يغير فى المراكز القانونية للخصوم فيكون ما صدر عنها هو قرار إدارى يختص القضاء الإدارى بنظر الدعوى بطلب عدم الاعتداد به وإلغائه. وإعمالا لحكم المادتين 110و 113 من قانون المرافعات حكمت المحكمة بعد تأييد الحكم بعدم الاختصاص بإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى. وقد وردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى حيث قيدت بسجلاتها تحت رقم 3231 لسنة 36 القضائية. وبجلسة 10 من مايو سنة 1984 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلا وبرفضها موضوعا وألزمت المدعيين المصروفات.

وأقامت قضاءها على أساس أنه بالنسبة للاختصاص فإنه إذا كان الثابت أن المدعى عليه دفع أمام المحكمة المدنية التى أقيمت الدعوى أمامها ابتداء بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى وتأييد حكم المحكمة المدنية بعدم الاختصاص فى الدعوى الاستئنافية، فعلى ذلك الدفع المشار إليه قد استنفد الغرض منه بالحكم المشار اليه. وعن الدفع بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة فهو غير سديد، ذلك أن للمدعين مصلحة ظاهرة شخصية ظاهرة فى طلب إلغاء القرار المطعون فيه فضلا عن أنهما فى مركز قانونى خاص من ذلك القرار يؤثر فى مصلحتها إذ لا يتهيأ لهما وضع أية لافتات على واجهة العقار أو الإفادة من تلك الواجهة على أية صورة ما بقى القرار المطعون فيه قائما وإلا اعتبرا متعرضين للقرار. وعن شكل الدعوى ورد بالحكم أنه إذ كان القرار المطعون فيه قد أبلغ للمدعين بتاريخ 12/9/1981 فأقاما الدعوى أمام المحكمة المدنية فى ذات التاريخ ويترتب على ذلك انقطاع سريان الميعاد فإنهما إذ بادر إلى اختصام وزير العدل طلباتهما طبقا لقانون مجلس الدولة طالبين إلغاء القرار المطعون فيه خلال تحضير الدعوى أمام هيئة مفوضى الدولة وقبل بدء جلسات المرافعة فمن ثم تكون دعواهما قد أقيمت فى الميعاد القانونى وتكون مقبوله شكلا.

وعن الموضوع أورد الحكم بأنه لا وجه لما ذهب إليه المدعيان من تصوير دعواهما على أنها نزاع فى أصل الحق وتقرير عدم أحقية المدعى عليه فى وضع اللافتة باعتبار أن العلاقة الايجارية بينه وبين المدعين لا ترتب له هذا الحق ذلك أن استعراض وقائع النزاع منذ بدئه أمام المحكمة المدنية يبين بوضوح أن المضمون الحقيقى لطلباتها هو إلغاء قرار النيابة العامة الصادر بتمكين المدعى عليه الأول من وضع اللافتة وعدم تعرض الغير له، بل انهما حرصا بذلك فى مذكراتهما التى قدمت بعد إحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى، وأنه إذا كان المدعيان قد تخبطا فى طلباتهما فهما حينا يطلبان اعتبار الدعوى طعنا فى قرار إدارى وحينا يقرران أنهما لا يوجهان أى مطاعن للقرار وإنما يطالبان بأصل الحق وبإعمال الآثار المرتبة على العلاقة الايجارية، فلا يعد ذلك بصد المحكمة عن إجراء التكييف الصحيح للدعوى فى ضوء الهدف المبتغى منها والأسباب التى يستندان اليها، وعلى ذلك ولما كانت الطلبات بحسب الغاية المستهدفة والأساس الذى تقوم عليه مؤداها الطعن فى القرار الصادر من النيابة العامة وهو ما أكدته المحكمة المدنية لأول درجة وأيدتها المحكمة الاستئنافية، وترتيبا على ذلك فإن المحكمة، أى محكمة القضاء الإدارى، تلتفت عما ذهب إليه المدعيان من أن النزاع هو نزاع مدنى يتناول أصل الحق ولا ينصب على الطعن فى القرار المشار إليه خاصة وأن الجلى أن المدعيين يملكان التوجه بطلباتها هذه إلى المحكمة المدنية بدعوى جديدة بطلب الفصل فى أصل الحق.

وانتهى الحكم المطعون فيه إلى أنه إذ كان الثابت من الأوراق وأقوال الشهود الذين سمعت أقوالهم بمحضر الشرطة أن المدعى عليه الأول كان يضع لافتة على واجهة العقار منذ فترة غير قصيرة وأن هذه اللافتة قد انتزعت واستبدلت بها لافتة المدعى الثانى فإن القرار الصادر من النيابة بتمكين المدعى عليه الأول من وضع اللافتة الخاص به على واجهة العمارة، وهى اللافتة التى تتصل بها الفاترينة الملاصقة للمدخل، يكون قد صدر فى حدود الاختصاص المقرر للنيابة العامة فى منازعة الحيازة بلا تجاوز، ولا يكون ثمة وجه للنعى عليه مما يتعين معه رفض الدعوى بطلب إلغائه.

ومن حيث ان الطعن ينعى على الحكم الخطأ فى الاستدلال وفى الاسناد والخطأ فى تطبيق القانون. ويتحصل السبب الأول فى أن الحكم قام على أساس أن طلبات المدعين، على ما يفيده استعراض وقائع النزاع منذ بدايته أمام المحكمة المدنية، هى بإلغاء قرار النيابة العامة، ويتناقض ذلك، على ما ورد بتقرير الطعن، مع ما حدده الطاعنان لطلباتهما بالمذكرة المقدمة أمام محكمة القضاء الإدارى بجلسة أول مارس سنة 1984 حيث أوردا بها أن النزاع مدنى يحكمه القانون المدنى وعقد الايجار والعرف الجارى وإنهما يحترمان قرار النيابة العامة الصادر فى الشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إدارى بندر الفيوم وقاما بتنفيذه، كما قررا صراحة بأنهما لا يطعنان على القرار المشار إليه. وعلى ذلك وإذ كانت العبرة فى الطلبات هى بالطلبات الختامية طبقا لحكم المادة 124 من قانون المرافعات، فإن الحكم إذ طرح هذه الطلبات وأجرى تكييف طلباتهما على غير ما قاما بتحديده بمذكرتهما المقدمة بجلسة أول مارس سنة 1984 فإنه يكون أخطأ فى الاستدلال والاسناد. وعن السبب الثانى للطعن فإنه يقوم على أساس أن الحكم لم يلتزم بالطلبات الختامية المقدمة فى الدعوى، وكان على المحكمة ان تلتزم بهذه الطلبات الختامية متى كانت واضحة وصريحة وغير غامضة، فإذا هى غيرت تكييف طلبات المدعيين غير المخالفة للنظام العام والآداب فإنها تكون قد تجاوزت سلطتها وأخطأت فى تطبيق القانون.

ومن حيث أن الثابت أنه بتاريخ 18 من مايو سنة 1981 تقدم السيد/ محمد مصطفى عبد اللطيف (المطعون ضده الأول) إلى السيد / مدير نيابة الفيوم بشكوى ضد السيد/ محمود أحمد المراكبى (الطاعن الأول) تضمنت أن الشاكى يستأجر محلا للتصوير بعقار يملكه المشكو فى حقه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1/4/1980 وأنه لم يتمكن حتى تاريخ تقديم الشكوى من استغلاله أو الانتفاع به لوجود خلافات ومنازعات قضائية بينه وبين المالك آخرها ما كان من قيام المالك بانتزاع اللافتة الإعلانية الكبيرة من مكانها واتلافها على النحو الثابت بالمحضر رمق 3303 الذى أقيمت فى شأنه الدعوى العمومية ضد المالك؛ وإذ كانت اللافتة الإعلانية هى عماد المحل المؤجر له حيث يقع بداخل الدور الأول للعمارة، ووسيلة الإعلان عن وجوده فإنه يطلب القرار بتمكينه من إعادة تركيبه اللافتة المشار إليهما على النحو الثابت بمحضر إثبات الحالة المرفق بالجنحة رقم 92 أمن دولة الخاصة بجنحة تقاضى المالك مبالغ خارج عقد الايجار. وقد قيدت الشكوى برقم 1890 لسنة 1981 وقامت الشركة بتحقيق الشكوى بسؤال الجيران ومندوب الشياخة وأحالت الأوراق إلى النيابة العامة التى أصدرت القرار بتمكين الشاكى محمد مصطفى عبد اللطيف من وضع اللافتة وبمنع تعرض الغير له على ماجاء بكتاب النيابة العامة رقم 6077 بشأن المحضر المشار إليه.

وبانتقال الشرطة لتنفيذ قرار النيابة العامة تبين وجود لافتة باسم عادل محمود المراكبى موضوعة على جزء كانت مثبتة به لافتة الشاكى، واعتبر صاحب اللافتة السيد/ عادل محمود المراكبى (الطاعن الثانى) على تنفيذ قرار النيابة العامة فيما يتعلق بإزالة اللافتة الموضوعة باسمه، وقرر بأنه يستأجر مكتبا للمحاماة بالعقار وأن اللافتة موضوعه على واجهة المكتب وأن رفعها ووضع اللافتة الأخرى الخاصة بالشاكى يصادر حقه فى الإعلان عن المكتب فضلا أنه عند قيامه بوضع اللافتة الخاصة به لم تكن هناك لافتة أخرى مقامة بذات المكان. وبإعادة عرض الموضوع على السيد/ وكيل النيابة الذى أشار، بعد استيفاء تحقيق الشكوى من وضع اللافتة الخاصة به. وبتاريخ 12/9/1981 قامت الشرطة بتنفيذ القرار بأن قامت بانتزاع اللافتة الخاصة بالطاعن الثانى عادل محمود المراكبى، كما تم تركيب اللافتة الخاصة بالسيد محمد مصطفى عبد اللطيف وهى، على ماورد بالمحضر عباره عن لافتين من الخشب احداهما مستطيلة وأخرى دائرية مدون بها إعلان عن محل التصوير الخاص بالشاكى بطول حوالى مترين ونصف بالواجهة ويتصل باللافتة من الجهة اليسرى وبارتفاع حوالى ثلاثة أمتار ونصف ما هو عبارة عن “فراغ من الداخل لوضع الصور”.

ومن حيث أنه ولئن كانت الدعوى الماثلة قد أحيلت إلى محكمة القضاء الإدارى بمقتضى الحكم الصادر من الدائرة الاستئنافية بمحكمة الفيوم الابتدائية استنادا إلى حكم المادة 110من قانون المرافعات بحسبان أن طلبات المدعيين، حسبما جاء بالحكم، تمس القرار الصادر من النيابة العامة لأن إجابة طلباتهما هو فى الوقت ذاته حكم ضمنى بعدم الاعتداد أو بإلغاء ذلك القرار الأمر الذى يختص به القضاء الإدارى، الا انه ليس مؤدى هذه الإحالة التزام محكمة القضاء الإدارى بالفصل فى الدعوى متى كانت غير مختصه ولائيا بنظرها بالتطبيق لأحكام التشريعات المنظمة لاختصاص مجلس الدولة بهيئة القضاء الإدارى، ويتعين على محكمة القضاء الإدارى ان تفصل فى أمر الاختصاص الولائى الذى يعتبر دائما عليها سواء كانت الدعوى قد أقيمت أمامها مباشرة أو كانت محالة إليها من جهة قضاء أخرى.

وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بالهيئة المنصوص عليها فى المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984 بأن الفقرة الثانية من المادة 110 من قانون المرافعات التى تنص على التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها والفصل فيها وإنما تخاطب المحاكم التى ينظم قانون المرافعات الإجراءات أمامها وهى المحاكم التى حددها قانون السلطة القضائية دون محاكم مجلس الدولة. (الحكم الصادر بجلسة 27 من أبريل سنة 1986 فى الطعن رقم1845 لسنة 27 القضائية والطعون المرتبطة)، أما بالنسبة إلى حكم الفقرة الأولى من المادة 110 من قانون المرافعات فليس فى تطبيقه أمام محاكم مجلس الدولة على الدعاوى المرفوعة ابتداء أمامها ما يتعارض مع نصوص قانون المجلس أو نطاقه أو يمس اختصاصه المحدد بالدستور والقانون فيكون لها إذا قضت بعدم اختصاصها بنظر تلك الدعاوى أن تأمر بإحالتها إلى المحكمة المختصة.

ومن حيث أن مناط تحديد اختصاص المحكمة هو ما حددته حقيقة طلبات الخصوم فيها بغض النظر عن العبارات المستعملة دون اعتساف فى تفسيرها أو فهمها وذلك فى ضوء نصوص القانون المحددة لاختصاص جهات القضاء المختلفة وإذ كانت طلباته المدعيين بالدعوى التى أقيمت أمام القضاء المدنى هى، حسبما ورد بعريضتها، الحكم أولا بعدم أحقية المدعى عليه لتركيب الفاترينة المبينة وصفا بالشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إدارى بندر الفيوم وبتقرير الخبير فى دعوى إثبات الحالة رقم 202 لسنة 1981 مستعجل الفيوم وثانيا إعادة تمكين المدعى الثانى من تركيب لافتته المعتبره إعلانا عن شغله الدور العلوى – مكتب محاماه – الثابت معالمها الصورة الفوتوغرافية المرفقة بتحقيقات الشكوى المشار إليها، وأكدا بعريضة استئناف الحكم الصادرمن محكمة اول درجة بعدم الاختصاص أن “قرار النيابة ليس السند القانونى للتكييف المدنى فى التداعى ولكنه مستند فحسب للاسترشاد به فى مقام أعمال أحكام القانون المدنى البحث تطبيقا على الواقعة المدنية المطروحة على القضاء المدنى وفى حدود اختصاصه . فالمنازعة المدنية البحتة بين الطرفين يحكمها عقد يخضع لأحكام القانون المدنى – لا اختصاص للنيابة العامة فى التدخل لتفسير هذا العقد المدنى ما بين طرفيه حقوقا والتزامات – وبالتالى فقرارها لا يعتبر قضائيا ولا إداريا مادامت المنازعة مدنية بحته يحكمها قواعد القانون المدنى”.

فإنه أيا ما كان حقيقة التكييف القانونى لطلبات المدعيين فى الدعوى قبل إحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى وما إذا كانت طلباتهما فيها فى حقيقتها، بالمطالبة بأصل الحق أم تستهدف إلغاء القرار الصادر من النيابة العامة بتمكين المدعى عليه بتلك الدعوى ومنع تعرض الغير له، فإن الدعوى وقد أحيلت إلى محكمة القضاء الإدارى فإنه يكون عليها أن تنزل على الطلبات فيها، على ما يكون قد تم من تعديل لها أثناء نظر الدعوى، التكييف الصحيح باستجلاء ونقض مراميها بما يتفق ومقصود المدعيين من وراء ابدائها دون الوقوف على ظاهر العبارات. والثابت أنه أثناء تحضير الدعوى بهيئة مفوضى الدولة أمام محكمة القضاء الإدارى قرر المفوض بجلسة التحضير بتاريخ4/8/1982 “التأجيل لجلسة 1/9/1982 ليقدم المدعى صورة من المحضر الذى صدر بناء عليه قرار المحامى العام مع تصحيح شكل الدعوى باختصام وزير العدل “وقام المدعيان بتاريخ 16/8/1982 بتوجيه إعلان إلى السيد/ وزير العدل لتكليفه بالحضور أمام هيئة مفوضى الدولة ليصدر الحكم فى مواجهته بالطلبات الواردة بعريضة الدعوى الأصلية. ورود المدعيان بورقة التكليف بالحضور طلباتهما الورادة بعريضة الدوى وأوردا أن المحاكم المدنية اعتبرت أن فى مضمون طلباتهما تعرضا لقرار المحامى العام فقضت المحكمة بعدم الاختصاص وأنهما لم يرتضيا الحكم إلا أنه تأيدا استئنافيا مع الإحالة إلى محكمة القضاء الإدارى، وأنه أثناء تحضير الدعوى أمام هيئة مفوضى الدولة بجلسة التحضير بتاريخ 4/8/1982 أمرت بتصحيح شكل الدعوى باختصام السيد وزير العدل بصفته.

وأنه وأيا ما كان القول عن مدى مراعاة المدعيين للأحكام الواجبة قانونا طبقا للمادة 117 من قانون المرافعات فى شأن توجيه الخصومة إلى وزير العدل، فالثابت أنهما لم يطلبا فى ورقة تكليف بالحضور إلغاء القرار الصادر من النيابة العامة بل أكدا أنهما لا يستهدفان إلغاءه، وإنما تنصرف مطالبتهما إلى أصل الحق المستمد من نصوص العقد وأحكام القانون فى شأن تنظيم حقوق والتزامات كل من المالك والمستأجرين وحقوق والتزامات المستأجرين كل قبل الآخر. فإذا خلا التكليف بالحضور، وهو الإجراء الوحيد الذى اتخذه المدعيان فى مواجهة وزير العدل، من مخاصمة قرار النيابة العامة فلا يكون كاشفا عن نية المدعيين فى مخاصمته.

وبذلك تكون قد تحددت حقيقة طلباتهما من القضاء وهما لا تخرج فى حقيقتها عن طلباتهما الأصلية أمام المحكمة المدنية ومحلها أعمال الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد الايجار مباشرة طبقا لأحكام القانون المنظم للعلاقة الايجارية، وهو ما كان على القضاء الإدارى: هيئة مفوضى الدولة أو محكمة القضاء الإدارى أن يستظهراه من تكييف سليم مطابق للقانون لطلبات المدعيين. ولا يؤثر فى ذلك ما تضمنته المذكرة المقدمة من المدعيين لهيئة مفوضى الدولة بعد حجز الدعوى للتقرير ( رقم 6 دوسيه) من التعرض لاختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظر الدعوى بما مفاده أنه إزاء الحكم الاستئنافى الصادر بعدم اختصاص المحاكم المدنية بنظر الدعوى وبالإحالة إلى محكمة القضاء الإدارى وإلتزام المحكمة المحال إليها بأسباب ومنطوق حكم عدم الاختصاص والإحالة يكون موضوع دعواهما الطعن على قرار النيابة العامة، وهو ما يكشف بجلاء أن هذا الطلب الأخير كان نزولا على حكم الإحالة مع تأكيدها المتواتر أن حقيقته مقصودهما المطالبة بأصل الحق المستمد من عقد الايجار دون تعرض لقرار النيابة.

وإذ كانت المنازعة المدنية البحتة تخرج بحكم الدستور والقانون عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى وهو ما كشف عنه حكم الدائرة المشكلة طبقا للمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة المشار إليه والذى انتهى إلى عدم تقيد القضاء الإدارى بالحكم الصادر من القضاء المدنى بعدم الاختصاص والإحالة إلى القضاء الإدارى إذا ما تبين القضاء الإدارى أن حقيقة المنازعة تنتفى عنها صفة المنازعة الإدارية وأنها منازعة مدنية من اختصاص القضاء المدنى ولا تأثير للمادة 110 من قانون المرافعات فى هذا الصدد. وإذ كانت الثابت من الأوراق أن حقيقة محل الدعوى هى حقوق الخصوم المستمدة من عقد الايجار مباشرة دون مساس بأى قرار إدارى ولا حتى قرار النيابة العامة فتكون المنازعة مدنية بحتة خارجة بذلك عن اختصاص القضاء الإدارى طبقا للدستور والقانون وإذ ذهب الحكم المطعون فيه اى غير ذلك والتزم بحكم الإحالة فاجتهد أن يسبغ عليها وصف المنازعة الإدارية بدون جدوى تعين الحكم بإلغائه وبعدم اختصاص القضاء الإدارى بنظر الدعوى.

* فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى وألزمت المدعيين بالمصروفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يراجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بالدئرة المشكلة بالمادة (54) مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972بإصدار بإصدار قانون مجلس الدولة معدلا بالقانون رقم 136 لسنة 1984 بجلسة 27/4/1986 فى الطعن رقم 1845 لسنة 27ق.