لاجل القيام بعملية الترجمة، التي هي من الحقوق الاستئثارية المهمة للمؤلف التي تخوله حق استغلالها والتصرف بها او التنازل عنها للغير او الترخيص للقيام بترجمتها (1). فماهو الاذن اوالترخيص القانوني وماهي اجراءاته وشروطه؟ لابد لنا من الاشارة بان الاذن، في اللغة هو السماح بعمل ما (2). وهذا يعني في اطار الترجمة ،هو سماح المؤلف للمترجم القيام بعملية استغلال المصنف عن طريق ترجمته وفق شروط وظوابط معينة . وضرورة الاذن امر واجب من ناحيتين ،اولهما ،مادية تتجسد في ان القيام بعملية الترجمة من دون اذن صاحبها فيه فوات لفرصة الكسب عن طريق التصرف بحق الترجمة دون مقابل وثانيهما ،ادبية ـ معنوية ـ تتمثل في ضرورة وقوف المؤلف الاصلي او صاحب الترجمة على قدرة المترجم وامانته ودقته في قيامه بترجمة المصنف ،لان في عدم دقة المترجم تقليل من شهرة المؤلف واساءة إلى سمعته فضلا عن تقليل ايرادات بيع المصنف من جراء عدم انتشاره (3)،وتاكيداً لهذا يذهب الاستاذ (DEBOIS ) إلى ضرورة توفر الاذن عند القيام بعملية ترجمة المصنف ونقله من لغة إلى اخرى ،ذلك على اعتبار ان الترجمة قد تؤثر سلبا او ايجابا على حقوق المؤلف الاصلي(4). اما الترخيص القانوني فيعني اعطاء الحق لمواطني الدول النامية بان يطلبوا من السلطات المختصة في الدول المتقدمة المنتجة للمصنف المكتوب منحهم ترخيص للترجمة إلى احدى اللغات غير الوطنية لاغراض تعليمية سواء اكانت في المدارس ام الجامعات بعد انقضاء مدة معينة (5). والتراخيص من الانظمة التي جاءت بها اتفاقية برن فسمحت من خلالها للدول النامية (الاعضاء فيها) بترجمة المصنفات المكتوبة في الدول المتقدمة بعد القيام باجراءات معينة(6). فالترخيص القانوني مرادف للاذن من حيث المعنى، فكلاهما يراد به الحصول على موافقة المؤلف الاصلي او السلطة المختصة بحماية حقوق التأليف في سبيل القيام بعملية الترجمة من قبل شخص وطني. الا ان الاذن يدور بين المؤلف او صاحب الترجمة ومترجم ثاني في النطاق الوطني ( المحلي) ،بينما الترخيص طبيعته ادارية يرجع البت فيه إلى السلطات المختصة بحماية مثل هذه الحقوق هذا من ناحية ،كما انه ينصب على علاقة مشوبة بعنصر اجنبي هو يدور بين مترجم وطني وصاحب مصنف في دولة اخرى فنطاقه دولي من هذه الناحية . فلا يهم ان كنا امام الاذن اوالترخيص القانوني، فالمهم ان يحصل المترجم على موافقة في سبيل القيام بعمل الترجمة سواء اكانت هذه الموافقة من صاحب المصنف او الجهة المختصة بحماية حقوق التأليف والترجمة . والترخيص القانوني بهذا الصدد ،اما ان يكون اجباريا ويعني هذا المصطلح التصريح او الاذن الذي تمنحه السلطات المختصة في الدولة لاستخدام مصنف محمي ـ ترجمته ـ بشروط محددة مقابل تعويض عادل تحدده القوانين الوطنية (7)،او قانونياً ـ بنص القانون ـ وهذا الترخيص تقوم به السلطات لمنح الموافقة على استعمال ـ ترجمة ـ المصنف دون الحاجة إلى تدخل المؤلف الاصلي(8). ولابد من الملاحظة، بان هذا النوع من التراخيص القانونية لا يعني حرمان المؤلف الاصلي او صاحب الترجمة من المقابل المالي الذي يُعدُّ من اهم الحقوق على مصنفه، ويعكس حقه في الاستئثار بنتاجه واستغلاله في سبيل الحصول على ثماره ومنافعه وهما الغاية التي يصبو اليها المؤلف . ففي كلا النظامين يتم الحصول على تصريح من دون موافقة المؤلف مع الحفاظ على شرط التعويض. الا ان الفرق الاساسي بينهما هو ان الترخيص الاجباري يتم عن طريق تصريح خاص تمنحه السلطة المختصة بذلك او هيئات المؤلفين ،اما الترخيص القانوني فيتم الحصول عليه مباشرة وبنص القانون دون تقديم أي طلب او اخطار للحصول على اذن من أي جهة كانت (9). وبالترخيص القانوني اخذ المشرِّع العراقي، إلى جانب الترخيص الاجباري بعد الحصول على اذن المؤلف الاصلي في حدود مدد استغلال حق الترجمة من المؤلف الاصلي او صاحب الحق فيها بنفسه او بغيره ،اما بعد انتهاء مدة الحماية وهي ثلاث سنوات فنكون امام ترخيص قانوني بحت حيث يمكن لاي شخص عراقي او جهة معنية بالترجمة ان يقوم بترجمة المصنف دون اذن من صاحبه (10). اما القانون المصري فيجيز هو الاخر لاي شخص مصري ترجمة المصنف بعد انتهاء مدة خمس سنوات من تاريخ نشره من دون الرجوع إلى المؤلف الاصلي لاستحصال موافقته ،اذا لم يباشر ترجمة مصنفه بنفسه او بواسطة غيره طوال مدة السنوات الخمس(11). وفي سبيل ترجمة المصنف وفقا لهذا النظام ( التراخيص ) لابد من اتباع اجراءات معينة وتوفر شروط خاصة لمنح الترخيص هي:-

اولاً : الاجراءات الخاصة للحصول على الترخيص القانوني للترجمة .

وهذه الاجراءات يمكن التوصل اليها من نصوص الاتفاقيات الدولية واراء الفقه المقارن بهذا الصدد وهي :-

1-تقديم طلب إلى المؤلف الاصلي أو من ينوب عنه واذا تعذر ذلك فيجب على طالب الترخيص تقديمه إلى الجهة المختصة بذلك (12)،وتطبيقا لذلك انشأت ادارة دولية مشتركة بين الويبو واليونسكو، هدفها مد يد العون للدول النامية للحصول على مثل هذه التراخيص عند عدم الاستدلال على محل اقامة المؤلف الاصلي او صاحب الحق بالترجمة ،ويتم ذلك بمجرد اخطار هذه الادارة من قبل الجهات المختصة في الدول النامية في رغبتها بترجمة المصنف (13).

2-ضرورة ان يكون هذا الترخيص محددا في اقليم الدولة التي طلبته فلا يخرج خارج نطاقها لتصديره ،وهذا يعني ان ارسال نسخ من اقليم الدولة صاحبة الترخيص إلى دولة اخرى اعلنت او اصدرت اخطارا بتطبيق الوثائق الخاصة بذلك(14). الا ان هذا القول ترد عليه استثناءات، لا تعدُّ تصديرا للتصريح او النسخ من دولة إلى اخرى نصت عليها الفقرة ج من الفقرة الفرعية الرابعة من المادة (4) من ملحق اتفاقية برن مع ضرورة توفر شروط اعتبار صحة الاستثناء وهي :-

أ- اذا كان المرسل اليه افرادا من رعايا الدولة التي منحت الترخيص.

ب- ان يكون استخدام النسخ للاغراض الجامعية .

ج- ان لا يكون الغرض من ارسال النسخ او توزيعها تحقيق الربح .

د- وجود اتفاق بين البلد المرسل والمستلم للنسخ يسمح باستلامها وتوزيعها بهما معا.

3- ضرورة ان ينص الترخيص على صيانة حقوق المؤلف الاصلي او صاحب حق الترجمة وعدم الاخلال بها ،سواء اكان ذلك بالحفاظ على وحدة المصنف وكيانه بالامتناع عن الحذف والتعديل غير المبرر(15)،ام كان ذلك بذكر اسمه ومؤهلاته على جميع نسخ المصنف المترجم مع عنوان المصنف الاصلي دون تعديل او حذف على جميع النسخ(16)، ولابد ايضا من ضمان الحقوق المالية للمؤلف الاصلي او صاحب الترجمة من خلال دفع التعويض العادل له ،والذي تتولى القوانين الداخلية تحديده وبالطرق المشار اليها في هذا السياق(17)،وهذا مااكدته اتفاقية برن في المادة (4) فقرة فرعية (6 – أ /1). فضلا عن هذا، فأن هناك ضمانات مهمة اخرى، في مقدمتها ضرورة دفع مكافأة مالية وارسالها إلى المؤلف الاصلي او صاحب حق الترجمة ،واذا كان هناك اعتراض على انتقالها من الجهات المختصة بذلك، تولت الاجهزة الدولية عملية تامين ارسالها إلى المؤلف وبايِّ عملةٍ دولية قابلة للتحويل او على اقل تقدير ما يعادلها ،و لابد من ضمان التشريعات الوطنية لترجمة دقيقة غير مخلة بالمصنف الاصلي المراد ترجمته ووضع التدابير الكفيلة بذلك(18). ويبدو ان هذه الاجراءات من الاهمية ،وعلى طالب الترخيص السير عليها واتباعها من قبل المترجم او الجهة المختصة بذلك، والتأكد من توفر هذه الاجراءات، والا فان المترجم يكون مسؤولا امام المؤلف الاصلي ،من ثم مسؤولية الجهة المختصة بالدولة طالبة الاذن امام الدولة التي كان الطلب مقدم لا خذ موافقتها لا جراء الترجمة ،وما هذه الاجراءات الا ضمانة اكيدة للمؤلف الاصلي من جهة مراعاة حقوقه، ادبية كانت او مالية ،وللمترجم من جهة اخرى عند عدم معارضة مؤلف او صاحب ترجمة له اثناء قيامه بعملية الترجمة دون اذن او ترخيص ،وهو بذات الوقت ضمانة اكيدة للدول النامية للحصول على امهات الكتب والمصنفات العلمية والادبية التي تعدُّ رافدا مهما لدعم التقدم العلمي والثقافي في مجتمعاتها .

ثانياً: الشروط الخاصة لمنح الترخيص.

لاتمام القيام بالترجمة المرخص بها لابد من توفر شروط معينة نصت عليها القوانين والاتفاقيات الدولية والتي يمكن اجمالها على النحو الاتي :-

1-ان تمضي مدة ثلاث سنوات من تاريخ نشر المصنف، اذا كانت اللغة المراد الترجمة اليها عامة التداول (الانكليزية ،الفرنسية ،الاسبانية ) في بلد او اكثر من البلاد المتقدمة(19)، مع هذا تجوز الترجمة إلى احدى اللغات الاخرى غير العامة بعد مرور سنة(20)، فالتشريعات الوطنية لا تتطلب مرور مدة معينة للحصول على اذن بالترجمة من المؤلف الاصلي او صاحب الحق فيها ،بل يجوز ترجمة المصنف بعد نشره مباشرة من دون مرور أي فترة زمنية على ذلك، ما دامت هناك موافقة قد اخذت من المؤلف الاصلي، او قدم طلب بشأنها ،والمدة التي تتطلبها اغلب التشريعات الوطنية المقارنة في مجال حقوق التأليف، انما هي مدة استغلال يمكن بعد انتهائها لاي شخص القيام بعملية الترجمة دون الحصول على موافقة بذلك(21). ومرور السنوات الثلاث التي تتطلبتها الاتفاقية الدولية، شرط لا داعي له في نظرنا من النواحي الاتية :-

أ- ان المترجم قبل قيامه بعملية الترجمة عليه الحصول على ترخيص بذلك ،وهذا الترخيص كافٍ لحماية المؤلف الاصلي وحقوقه .

ب- ان مثل هذه التراخيص وجدت لمصلحة الدول النامية، فتربص هذه الدول مدة ثلاث سنوات للحصول بعد ذلك على ترخيص ،فيه ضرر يصيب مصلحتها الاجتماعية والثقافية .

ج- اذا كان السبب من ضرب مثل هذه المدة هو حماية حق الاستغلال المالي للمؤلف الاصلي او صاحب الترجمة، فهذا الحق مكفول، اذ ان التراخيص القانونية تلزم القائم بالترجمة دفع بدل نقدي لصاحب المصنف كتعويض عن حقه في استغلال مصنفه بالترجمة .

2- ضرورة ان ينصب الترخيص على مصنَّفٍ مكتوبٍ ومنشور بشكل مطبوع، والكتابة او الطباعة لا تنصرف فقط إلى المعنى التقليدي للكتابة ،بل تمتد لتشمل كل وسيلة اخرى تماثل الكتابة ـ برامج الحاسوب ـ فالمهم ان يظهر المصنف معبرا عنه بصورة معينة سواءٌ أكان ضهوره متجسدا بالكتابة العادية ام المختزلة ام الكتابة الصوتية(22). واستناداً الى هذا، فان المصنفات تكون محلا للترجمة متى ما تم طبعها وعرضها على الجمهور باي وسلية كان ظهور المصنَّف وشكله، متى توفرت الضمانات الاتية:ـ

أ- ان تتم الترجمة من نسخة منتجة ومقتناة وفقا لقوانين الدول المذكورة ـ دولة المترجم ودولة المؤلف ـ .

ب- ان تستخدم الترجمة لغرض تعليمي .

ج- الا يكون الهدف من الترجمة الحصول على الربح .

د- اما اذا كانت الترجمة بشكل مذاع فلابد ان تكون الاذاعة مشروعة وموجهة لجمهور المستمعين في اقليم الدول المذكورة (23).

3- ان يقتصر الترخيص على ترجمة المصنفات المخصصة للتعليم المدرسي والجامعي، فالهدف من وجود هذا النظام هو خدمة البلدان النامية وتطوير القطاع العلمي ودعما للبحوث العلمية والتخصصية التي تهدف الدول النامية من ورائها تطوير مجتمعاتها وتقدمها ،ولاشأن لها في هذا القول بتحقيق الربح المادي من ذلك(24). اما بخصوص منح الاذن في اطار التشريعات الوطنية، فلا يمكن ان نتصور حصره بحدود المجال التعليمي ،بل يتعداه لترجمة أي مصنف مهما كان غرضه والهدف منه، طالما ان هذا المصنف لا يتعارض مع النظام العام والآداب وحصلت بشأنه الموافقة على ترجمته من الجهات المختصة(25). بقي امامنا ان نتساءل عن الحكم فيما لو تخلف احد هذه الشروط او جميعها، فهل يعني هذا حرمان المترجم من حقوقه ومساءلته عن عدم حصوله على موافقة للقيام بالترجمة ؟ لابد من القول اولا ان هذه الشروط وجدت في الاصل لحماية المؤلف من ناحية ،والمترجم من ناحية اخرى ،والدولة النامية ايضا وذلك لأن تخلفها او تجاوز احدها يعني اصابة المؤلف الاصلي بضرر، لأن ذلك اعتداء على حقوقه يوجب مسؤولية المترجم ،ومع وجود هذا الحكم فهذا لا يعني حرمان المترجم من حقوقه ،ما دام ملتزماً بدفع تعويض عادل للمؤلف لجبر ما صابه نتيجة مخالفته احد الشروط ،وبالتالي فان ترجمة مصنف لم تتوفر فيه الشروط المذكورة كما لو لم يكن المصنف قد ترجم لغرض علمي، بل كان غرضه خارج هذا النطاق، فهذا القول لا يعني هدر جهود المترجم لاخراجه هذا المصنف على درجة عالية من الدقة والامانة ،ثم ان ترجمة المصنف بهذا الوصف يعود بالنفع الادبي للمؤلف اذ يساعد على انتشار مصنفاته بين الجمهور وبالتالي شهرته وذيوع اسمه بسبب وجود ترجمة دقيقة ساعد انتشارها في المجتمع على رفع مكانة المؤلف الاصلي ،فضلاعن الفائدة التي تعود على الدولة النامية والتي وجد النظام لخدمتها .واخيرا لابد لنا من المطالبة بتنظيم هذه التراخيص والنص عليها صراحة في صلب القانون الخاص بحقوق التأليف وبيان اجراءاتها وشروطها، حفاظا على حقوق اطراف هذه العملية. فنتمنى من مشرعنا العراقي الالتفات إلى هذا الامر .

_________________________

– والحق الاستئثاري هنا الاصطلاح الذي اورده الفقه الانكلوسكسوني على الحقوق المالية للمؤلف الذي يعني استغلال المصنف من قبل مؤلفه في الفقه اللاتيني ،انظر في ذلك، المبادئ الاولية لحقوق المؤلف ،ص28.

2- محمد الرازي ،ص12 .

3- د. مختار القاضي ،ج2،ص185.

4- Op،cit،no،295،p.

5- د. نواف كنعان ،ص255 .

6- انظر في ذلك ملحق اتفاقية برن الخاص بالبلاد النامية .

7- د. نواف كنعان ،ص251 .

8- د. تركي صقر ،ص165 .

9- د. نواف كنعان ،ص251 .

0- م9 عراقي .

1- د.محمد حسام لطفي ،المرجع العملي ،ص61.

2- م4/1 ملحق اتفاقية برن.

3- د. نواف كنعان ،بالهامش ص256 .

4- د.محمد حسام لطفي ،المرجع العملي ،ص62.

5- د. نواف كنعان ،ص257.

6- د.محمد حسام لطفي ،المرجع العملي ،ص62 .

7- انظر ماسبق في هذا القول ،المبحث الاول ،المطلب الاول من الفصل الثالث من هذه الرسالة .

8- م4 فقرة فرعية 6/ب من اتفاقية برن الملحق الخاص بالدول النامية .

9- المبادئ الاولية لحق المؤلف ،ص87.

20- م2 فقرة فرعية 3/1ملحق اتفاقية برن الخاص بالدول النامية .

2- م9 عراقي، م42 مشروع عراقي ،م8 مصري ،م5 اماراتي. ولابد من الاشارة الى م42 من المشروع العراقي لحقوق المؤلف لسنة 1993 اذ جعلت من مدة سنة فترة استغلال المصنف من قبل مؤلفه، بمرورها يجوز لاي شخص ترجمة المصنف، اذا لم يباشر ذلك بنفسه او بواسطة غيره .

22- م2/فقرة فرعية 1/9 ملحق اتفاقية برن.

23- انظر في هذه الضمانات م2 فقرة فرعية 9 /أ – ب من ملحق اتفاقية برن.

24- م2 فقرة 5/ من ملحق اتفاقية برن.

25- احالة ،هذا مانبحثه في البند الثاني والمطلب الثاني من هذا المبحث .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .