تورد اغلب التشريعات المقارنة قاعدةً عامةً تمنع من خلالها غير صاحب النتاج من استعمال المصنف بدون اذنه ،ومع هذا فقد اوردت حكما اجازت فيه للغير الاحتفاظ بنسخة وحيدة من المصنف لغرض استعمالها استعمالا شخصيا وبحدود معينة. فما هو الاستعمال الشخصي، والموقف القانوني والفقهي منه؟ لابد من القول ـ في هذا الاطار. بان معظم التشريعات المقارنة مع اعطاء الحق للشخص باستعمال المصنف استعمالا شخصيا الا انها لم تحدد ما المقصود بهذا الاستعمال ،ولم نجد في الفقه ما يشير الى تعريف دقيق لهذا المصطلح، وكل ما وجدناه ما هو الا ترديد للنصوص التشريعية، ومن خلال هذه النصوص نحاول ان نستخلص تعريف مناسب قدر الامكان. فالاستعمال الشخصي من ناحية هو عمل نسخة واحدة من المصنف باي شكل كان لاستعمالها استعمالا شخصيا وخاصا (1). ومن ناحية أخرى، هو قيام الشخص بعمل نسخة واحدة من مصنف تم نشره لغرض استعمالها استعمالا شخصيا(2). ومن ناحية ثالثة هو استنساخ المصنف لاستعماله استعمالا شخصيا محضا (3) .

ويذهب راي فقهي الى القول بان الاستعمال الشخصي ،هو استعمال مصنف منشور عن طريق اعداد نسخة واحدة عنه لاستعمالها لأغراض شخصية (4). ومن الملاحظ ان هذا التعريف، يُعرِّف الاستعمال بذاته أي تعريف الشيء بالشيء وكان الاولى استعمال مصطلح إعداد أو عمل نسخة من مصنف فهي ادق من إيراد مصطلح الاستعمال . فالاستعمال الشخصي في اطار المصنفات المترجمة يعني ،عمل نسخة وحيدة من مصنف مترجم تم نشره لغرض استعمالها استعمالاً شخصيـاً وفق ضوابط معينة . والاستعمال الشخصي لايكون جائزا الا اذا كان المصنف منشورا، فلا يجوز باي حال عمل نسخة شخصية من مصنف مازال في طور الطباعة والنشر ،وهذا الحكم يتفق والمبادئ القانونية التي أعطت للمترجم الحق في نشر مصنفه ومن ثَمَّ أجازت للشخص متى ما تم النشر واكتمل الاحتفاظ بنسخة شخصية وحيدة من المصنف (5)،فلا يحق للشخص ان يستعمل اكثر من نسخة واحدة والا كنا امام استغلال للمصنف وهذا ما جازه القانون لصاحب النتاج الفكري حصرا او من يتم التنازل له بهذا الاستعمال ،فهذه النسخة لا يقصد منها الاعتماد على حق النشر الثابت قطعا للمؤلف – المترجم – انما قصد قصرها على الاستعمال الشخصي، الذي لا يؤدي باي حال الى خسارة تصيب المترجم بسبب هذه النسخة الوحيدة .(6)

لكن ما هو الحكم بالنسبة لاستخدام نسخة من برنامج تطبيقي مترجم،استخداما شخصيا؟ يذهب راي فقهي بهذا الصدد إلى منع مثل هذا الامر، فعمل نسخة شخصية تكون بذات الدقة والاتقان التي يكون عليها الاصل يساعد على عمل نسخ اضافية خصوصا وان مثل هذه النسخ مثبته على دعامة مادية قابلة للنسخ والارسال الفوري(7)،وبتالي تقوية الحماية التي يجب أن تتمتع بها البرامج التطبيقية والحد من نسخها وتقليدها بشكل غير مصرح به، وهذا الأمر فيه حماية للانتفاع المالي للمؤلف وللشخص الذي قام بوضع النسخ المترجمة بلغة الالة (المبرمج)(8) ويبدو ان النسخ في هذا الرأي محظور الا بأذن المبرمج ـ المترجم ـ ومبررات هذا الحضر، هو ان عمليات النشر لهذه البرامج واسعة وان امكانية الارسال والاستقبال من المستخدمين على درجة عالية من السرعة، وهذا يؤدي إلى اطلاع عدد كبير من المستخدمين على هذا البرنامج وبالتالي امكانية حصول كل منهم على نسخة واحدة يؤدي إلى زيادة عدد النسخ وانتشارها ،وهذا يسبب اضرارا بمصلحة المبرمج – المترجم – ومن ثم مؤلف البرنامج الاصلي. وبهذا الاتجاه سار المشرِّع الفرنسي بمنع عمل نسخة من البرنامج ايا كان هذا النسخ، ولا فرق بين اعادة الانتاج الكلي او الجزئي لهذه البرامج ،ويسري هذا المنع ايضا في حالة التحميل او الاعلان او التنفيذ او النقل او الخزن لهذه البرامج .ما لم يكن هناك ترخيص من مؤلف البرنامج او من قام بترجمته(9). اما الراي الاخر والذي يرى في هذا النسخ امرا جائزا مادام الهدف منه الاحتفاظ بنسخة شخصية من البرنامج تلبية للحاجة الشخصية والاستفادة العلمية والمعرفة من هذا البرنامج(10). فضلا عن هذا فان نقل هذا النوع من البرامج الى جمهور ضخم وعبر العالم يعود بالنفع المعنوي المبرمج ـ المترجم ـ من خلال انتشار مصنفاته بين عدد كبير من المستخدمين وهذا الامر يحقق مصلحة المبرمج – المترجم – ومصلحة المجتمع بحصوله على المعرفة (11). واذا ما اردنا الترجيح بين احد هذين الرأيين، وهو امر غاية الصعوبة، فكلا الرأيين له من الحجج التي تبرره وتجعل منه رأياً جديراً بالاهتمام، لذلك فاننا سنحاول التوفيق بين كلا الرأيين والقول: أنَّ نسخ البرنامج لنسخة واحدة معدة للاستخدام الشخصي أمر جائز متى توفرت فيه الشروط الآتية :-

1-ان يكون النسخ محدد بنسخة واحدة ولمعلومات مترجمة مقصورة على المختصرات غير الوافية عن المصنف وبحدود البلوغرافية فقط (12).

2-ان تكون النسخة معدة للحفظ والاحتياط في حالة تلف النسخة الاصلية او فقدانها ،وهذا يعني ان مثل هذه النسخة الاحتياطية لا تمنح المستخدم حقا بنسخها لمرات عديدة، والا كان من حق المبرمج اللجوء الى منع ذلك بكافة الوسائل التي يصعب معها عمل هذه النسخ (13).

3-ان يكون النسخ لهذه البرامج خلال مدة مشروعية الاستخدام، أي خلال مدة الاشتراك فتمنى كان المستفيد مشتركا مع البنك يحق له الاحتفاظ بنسخة شخصية(14).

والاشتراك بهذا المعنى ماهو الا دليل على موافقة المبرمج لهذا النسخ والذي لايمكن اللجوء اليه الابأذن منه(15). والنسخ اذا ماتم فهل يكون لصيقا بشخص المستخدم ام يكون لغيره الانتفاع بهذه النسخة الوحيدة ؟. للاجابة على هذا التساؤل، لابد من التفرقة بين مصطلحين هما الاستعمال الشخصي والاستعمال الخاص . فالاستعمال الشخصي هو عمل نسخة من مصنف لاستعمالها من الشخص القائم بذلك أي أنْ يكون الاستعمال مقصورا على الشخص دون غيره(16). والتساؤل لازال قائما بشأَن غير المستعمل ،فهل يحق لأفراد عائلته استعمال المصنف والاستفادة منه؟ ان القول بحرمان عائلة المستعمل للمصنف من الانتفاع منه يثير صعوبات من الناحية العملية أولا، ومن ثم، ان هذا المنع لا يتفق وما سيؤول إليه الامر عند انتقال هذه النسخة اليهم بعد وفاته باعتبارها جزءا من التركة(17)، فالاستعمال الشخصي لهذه النسخة لا يكون قاصرا على الشخص وحده، بل يمتد إلى افراد عائلته ،على ان لا يؤدي هذا الاستعمال الى توسيع نطاق الاستثناء مع عدم تكرار النسخ، لاكثر من النسخة الوحيدة التي نص القانون عليها على سبيل الحصر (18). اما الاستعمال الخاص ،فهو عمل نسخة من مصنف لغرض استعمالها استعملا مشتركا من قبل جماعة من الاشخاص (أي شخص معنوي) (19). فهذا الاستعمال يخرج عن نطاق العائلة ليشمل من هم تحت رعاية الشخص ،والذين يرتبطون معه برابطة التبعية ،فيحق وفقا لذلك انتفاع منتسبي الشخص المعنوي المستعمل للمصنف . وهذا الاستعمال مهما كان شخصيا او خاصا انما يحتمل معنى واحد ـ حسبما نرى ـ وهو ان لا يخرج هذا الاستعمال عن النطاق الشخصي المحدد باطار الشخص وعائلته ومن يرتبطون بالشخص المعنوي ويخضعون لسلطته وفي حدود النسخة الوحيدة، ولا يوجد هناك معيار دقيق لتحديد هذا الاستعمال، فكل ما يمكن ان يقال في هذا الجانب ان يكون الاستعمال بحدود الغايات والاهداف التي يرمي الشخص الى تحقيقها دون تحقيق أي ربح على حساب المترجم، وان يستعمل المصنف وفقا لما توجبه حسن النية . ولو تأملنا الموقف التشريعي من الاستعمال، لوجدنا اختلافا في الصيغ المستخدمة للدلالة على هذا المصطلح، فالنظام الانكلوسكسوني اوردها ضمن مفهوم ((الاستخدام المشروع ))أو ((الاستعمال المعقول)) (20). وهذا ما اكدته المادة (29) من قانون المملكة المتحدة في (1/آب/1989) بقولها((لا يعد مساساً بحق المؤلف على المصنفات الادبية والدرامية والموسيقية، كقاعدة عامة أي عمل مشروع للاستخدام لأغراض البحث والدراسة الشخصية)). وهذا المصطلح يضع معيارا يمكن من خلاله الاستدلال على مشروعية الاستخدام ،متى ما كان هناك غرض مشروع وراء ذلك ،وهذا المعيار على درجة من المرونة بحيث يمكن توسيعه او تضيقه حسب حاجات المجتمع وتطور وسائل النشر (21) . وهناك اعتبارات عملية لابد من الاخذ بها في سبيل تطبيق هذا المعيار وهي:-

1-الغرض المنشود من الاستخدام وطبيعته .

2-ماهية المصنف المشمول بالحماية.

3-حجم الجزء المستخدم واهميته بالنسبة للمصنف برمته.

4-تاثير طريقة الاستعمال الى الحق المالي المشمول بالحماية (22).

فمن خلال هذه الاعتبارات يمكن ان نحدد مبررات هذا الاتجاه، والتي تتجسد بان السماح باستعمال المصنف شخصيا لا يضر المترجم في شيء مادام مرجعه، المشروعية القانونية المستمدة من فكرة حرية كل فرد في الحصول على المصنف مادام هذا الاستعمال يدخل ضمن قائمة الاستخدام المشروع وعدم الاضرار بالمترجم وان لا يكون هذا الاستعمال بقصد الربح والمضاربة على حسابه. اما الاتجاه الثاني وهو الاتجاه اللاتيني والمتمثل بالقانون الفرنسي واغلب القوانين العربية التي استخدمت للتعبير عن ذلك مصطلحات دقيقة في اغلبها الاستعمال الشخصي او الخاص (23).ويتبين لنا من هذا القول ضرورة ان يكون الاستعمال شخصيا او خاصا دون ايرادها ضمن عبارة الاستعمال المشروع، لذلك فان هذا الاستثناء لايعدو ان يكون شخصيا او خاصا بمعنى الكلمة . ولاجل الاخذ بهذا المعيار فلا بد من توفر الاعتبارات الاتية :-

1-ان يكون الاستعمال شخصيا وفي نطاقٍ خاصٍ بعيد عن الاستعمال الجماعي (24).

2-ان لا يتعارض الاستعمال مع الاستغلال المالي لصاحب المصنف (25).

3-ان يكون الاستعمال بحسن نية (26).

4-ان يكون هذا الاستعمال بحدود النسخة الواحدة (27).

ونلحظ ان كلا الاتجاهين وان كانا قد افترقا من حيث الظاهر باستعمال تعابير مختلفة المبنى، إلا ان المعنى واحد ويرجع الى الاعتبارات ذاتها التي ترجع الى حسن الاستعمال وعدم الاضرار بحقوق المترجم، وهذا الاستعمال من جانب اخر، يندرج تحت استثناء نص عليه المشرع بدواعٍ وظروف خاصة تتفق والغرض المعد من اجله المصنَّف، فلا فرق لدينا بين الاستعمال المشروع او الشخصي الخاص مادام كلاهما يندرج تحت طائلة الاستثناء القانوني المرخص به ،فهما وجهان لعملة واحدة ان جاز منا هذا الوصف

________________________

– م (17) ب القانون الاردني والمقابلة لنص م 14 /1 من قانون الامارات العربية.

2- م13/ من القانون العراقي والمقابلة للمادة 12 /من القانون المصري، رقم (38 ) لسنة 1992 .

3- م31 /التشريع النموذجي العربي لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، لسنة 1998 ،منشور في حقوق المؤلف في الوطن العربي في اطار التشريعات العربية والدولية ،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس ،1999، ص220.

4- د.نواف كنعان ،حق المؤلف ،ص239 .

5- خاطر لطفي ،ص58.

6-د. السنهوري ،الجزء الثامن ،فقرة 209، ص 365.

7- حسام الدين كامل الاهواني ،حماية حقوق الملكية الفكرية في مجال الانترنيت ،ص23 .

8- د. خالد حمدي عبد الرحمن ،ص 263 ،والذي يطلق على هذه المصنفات تسمية الكيانات المنطقية.

9- م/122-6 من القانون الفرنسي.

0- سعد محمد سعد، حماية برامج الحاسب بتشريعات حقوق المؤلف ،مقدم الى المؤتمر العلمي العالمي الاول حول الملكية الفكرية ،الاردن2000 ، ص12.

1- حسام الدين كامل الاهواني ،حماية حقوق الملكية الفكرية في مجال الانترنت، ص23 .

2- د.محمد حسام لطفي، عقود خدمات المعلومات ،مصر 1994 ص116 .

3- د. خالد حمدي عبد الرحمن ،ص263.

4- سعد محمد سعد ،ص11.

5- د. خالد حمدي عبد الرحمن ،المصدر السابق ذكره،ص264.

6- د.نواف كنعان ،حق المؤلف،ص293.

7- استاذنا ،زهير البشير ،ص69 بالهامش.

8- انظر في هذا المعنى م122/5 ثانيا من القانون الفرنسي.

9- استاذنا ،زهير البشير ،ص69.وايضا نواف كنعان ،حق المؤلف،ص293.

20- المبادئ الاولية لحق المؤلف اليونسكو ص39.

2- د. نوري حمد خاطر ،قراءة في قانون حماية حق المؤلف الاردني ،ص383.

22- CLAUDE OP.CIT،P،65.

23- انظر المواد 13/ عراقي ،12/ مصري ،17/ب /اردني ،14/اماراتي ،122/5 اولا –ثانيا فرنسي.

24- م122/5 ثانيا فرنسي.

25- المبادئ الاولية لحق المؤلف ،اليونسكو ،ص39-42.

26- د. نواف كنعان، حق المؤلف،ص231.

27- انظر المواد 13/عراقي،م12/مصري،122/اولا –ثانيا فرنسي.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .