مسؤولية الصيدلي عن التذكرة الطبية في القانون المصري والسعودي والفرنسي

الباحث: الدكتور/ رضا عبد الحليم عبد المجيد عبد الباري *

تمهيد وتقسيم:

تبدأ مسؤولية الصيدلي عن التذكرة الطبية حينما تصل إليه, فيتعهدها جيدًا بالقراءة ويبدأ في تحضير العقار أو العقاقير المذكورة بها, وتركيب ما يجب تركيبه كما هو مدون بالتذكرة, ثم يقوم بكتابة عدد الجرعات على العبوة والمقدار المسموح بتناوله ( 2 كبسولة – أو ملعقة صغيرة أو كبيرة ) والمواعيد, ويحرص على توضيح ذلك للمريض أو ذويه.

هذا الافتراض البسيط والعادي ليس هو الوحيد, فقد تصادفنا صعوبات في هذا الشأن توجب التساؤل عن مدى سلطات الصيدلي على التذكرة, وكذلك مسؤوليته عنها.

فهل يستطيع الصيدلي الامتناع عن صرف تذكرة طبية في بعض الحالات, أم أنه لا يملك ذلك ؟ فإن أخطأ في صرف الدواء أو تحضيره, أو قام بصرف دواء بديل دون علم الطبيب أو المريض, أو صرف دواء أو كرر صرفه دون تذكرة طبية, فهل يسأل عن ذلك ؟

المستقر عليه أن مسؤولية الصيدلي البائع هي مسؤولية عقدية, حيث بينه وبين المريض عقد “بيع” لعقار معين, بناءً على وصفة طبية ( أو بدونها في بعض الأحوال كالمستحضرات الصيدلية لنظافة الجسم ونضارة البشرة والفيتامينات والمطهرات)، وهو يلتزم أمام المريض بتسليمه العلاج المدون بالتذكرة, بالسعر المحدد له, مع وصف طريقة تناوله وجرعاته والمواعيد والمحاذير والمخاطر إن وجدت, وهذا يدخل ضمن الالتزام بتحقيق نتيجة, كما يلتزم بإبداء النصائح والإرشادات أو حث المريض على استشارة طبيب معين، وهذا يدخل ضمن الالتزام ببذل عناية.

وينظم مهنة الصيدلة في مصر القانون رقم 157 لسنة 1955م بشأن مزاولة مهنة الصيدلة, وتعديلاته. (1) و يحكم مهنة الصيدلة في المملكة العربية السعودية نظام مزاولة مهنة الصيدلة والإتجار بالأدوية والمستحضرات الصيدلية, الصادر بالمرسوم الملكي السامي رقم م/18 بتاريخ 18/3/1398هـ. (2)

ونتناول الآن مسؤولية الصيدلي عن التذكرة الطبية في المبحثين القادمين.

المبحث الأول

واجبات الصيدلي حين تعامله مع التذكرة الطبية

المطلب الأول
التزام الصيدلي بفحص ومراقبة التذكرة الطبية

أولاً: موقف القانون.
يلتزم الصيدلي قانوناً بفحص ومراقبة التذكرة الطبية, وعليه أن يراجع الطبيب المعالج إن اكتشف فيها ثمة خطأ بسبب تقارب أسماء الأدوية, فإن أصر الطبيب على ذلك مع تبينه وجه الخطورة فيمكن أن يطلب تأكيدات كتابية منه, وإلا فله الحق في الامتناع عن صرف التذكرة, وعليه أن ينبه المريض لعواقب تناوله الدواء, خاصة إذا احتوى على مواد سامة.

وتنشأ أهم صور مسؤولية الصيدلي البائع من إهماله واجب الرقابة على التذكرة الطبية وتنبيه الطبيب المعالج إلى خطئه في وصف العلاج, في حالة الشك في صحة ما هو مدون بالتذكرة قبل تنفيذها, حتى يدرأ عن نفسه المسؤولية الناشئة عن الاشتراك في الخطأ, إضافة إلى أن واجب الحيطة والحذر يفرض عليه ذلك.
ويحق للصيدلي الامتناع عن بيع الدواء إذا وجد في الوصفة الطبية ما يمنع صرفها, كعدم احتوائها على البيانات التي يوجب القانون تسجيلها بها, أو وجود خطأ بها. ولا يمثل الامتناع عن بيع الدواء في هذه الأحوال مخالفة للمادة (76) من القانون المصري رقم 127/1955 التي تعاقب على الامتناع عن بيع الأصناف المذكورة بها, وأهمها الأدوية, مقابل دفع الثمن المحدد لها.

وقد أجازت المادة (5015/60) من لائحة قانون الصحة العامة الفرنسي للصيادلة رفض صرف الدواء الموصوف بالتذكرة , إذا ما كان ذلك لمصلحة المريض, وعليه أن ينبه الطبيب فوراً لذلك. (3)

كما أكدت المادة (28) من النظام السعودي على وجوب امتناع الصيدلي عن صرف الدواء إذا ظهر له أي خطأ في التذكرة الطبية, وعليه حينئذ أن يستفسر عن هذا الخطأ من الطبيب المحرر لها قبل صرفها.

ثانياً: موقف القضاء الفرنسي.

أقر قضاء الموضوع ( الفرنسي ) المبادئ الواجب على الصيدلي مراعاتها في أكثر من حكم له, أهمها :-

{1}- حكم محكمة جنح ( بلوا Blois ) في 4 مارس سنة 1970م.

تتلخص وقائع هذه الدعوى التي كانت قد عرضت على محكمة ( Blois ) في أن الطبيب المعالج غلط في تحرير التذكرة الطبية, وذلك بسبب تقارب أسماء الأدوية من بعضها البعض, حيث خلط بين أسماء الدوائين ( indusil / indocid )، في حين أن لكل منهما استعمالاً مختلفاً تماماً عن الآخر.

وكان الطبيب المعالج قد اختلط عليه الأمر, فوصف لرضيع un nourrisson – عمره خمسة أسابيع يعاني من نقص الوزن – دواء يعالج الالتهابات الروماتيزمية للكبار بدلاً من دواء يساعد على النمو والهضم والامتصاص. (4)

– Prescrivant à un nourrisson un anti – inflammatoire au lieu et place d’un anaboliant .

وحدد الجرعة على أساس كبسولة صباحاً ومساءً في زجاجة الرضاعة.

قد ترتب على تسليم الصيدلي للدواء المسجل بالتذكرة الطبية لذوي الطفل, بدون أن يوضح لهم مخاطر تناول الصغير لهذا العلاج أو ضرورة مراجعة الطبيب المعالج، وفاة الطفل بعد تناوله العلاج الخاطئ.

ولما عُرض الأمر على محكمة جنح ( بلوا ) أدانت الطبيب المعالج, ولكنها لم تشأ أن تترك الصيدلي الذي قام ببيع الدواء لذوي الطفل دون أي تحذير ولا تنبيه لهم لخطورة وعواقب الأمر, وقد رأت المحكمة أنه ” كان يجب على الصيدلي رفض تسليم الدواء للمريض ( رفض صرف التذكرة), مع تحذير والدي الطفل من الخطر الذي يمكن أن يسببه الدواء للطفل, وأن يقوم قبل تسليم العلاج, بتنبيه الطبيب المعالج ومراجعته, الأمر الذي كان يمكن أن يحول دون النتيجة المأساوية التي تحققت .

فتسليم الأدوية الموصوفة بالتذكرة الطبية المحررة من الطبيب المعالج, لا يعني أبداً إلغاء كل دور للصيدلي في مراقبة وفحص التذكرة, والقول بعكس ذلك, يؤدي لتحويل الصيدلي لمجرد بقال en simple épicier , فالالتزام برقابة وفحص التذكرة في حدود المعارف المكتسبة للصيدلي أمر مسلم به يجب القيام به دائماً, خاصة إذا تعلق الأمر بمواد سامة …………. “.

{2}- حكم محكمة أنجية في 11/4/1946م.

ومن التطبيقات الشهيرة لهذا الالتزام أيضاً, ما عُرض على محكمة أنجيه بتاريخ 11 إبريل سنة 1946م, والتي قد ذهبت إلى إدانة كل من الصيدلي ومساعده والطبيب المعالج عن وفاة المريضة. وتتلخص وقائع هذه الدعوى في أن الطبيب كان قد حرر تذكرة طبية للمريضة تحتوي على دواء سام ( laudanum ) يعطى في حقنة شرجية بمقدار ( 25 ) نقطة في الزجاجة, ولكن لم يكتب كلمة نقطة goutte بشكل واضح, بل كتب حرفين منها في مساحة ضيقة من التذكرة, فاختلط الأمر على مساعد الصيدلي فقام بتركيب الدواء الموصوف على أساس ( 25 ) جرام؛ وقد نتج عن ذلك وفاة المريضة. “وقد أسست المحكمة مسؤولية الطبيب عن خطئه في مخالفة القواعد القانونية المقررة لكتابة التذكرة الطبية والتي توجب كتابة كلمة نقطة بشكل واضح وبحروف كاملة بالنسبة للأدوية السامة, أما خطأ الصيدلي قد لخصته المحكمة في قبوله تنفيذ تذكرة طبية مخالفة للقانون دون الاتصال بمحررها, وترك تركيب دواء سام لمساعده, في حين أن قانون الصحة العامة يلزمه بتركيب مثل هذه الأدوية بنفسه, أو تحت إشرافه المباشر, هذا بالإضافة إلى أنه لم يقرأ التذكرة الطبية بدقة عند تنفيذها, حيث إن القواعد الفنية لمهنته لا تسمح بوضع هذه الكمية (بالجرام) السامة في دواء سيستعمل على دفعتين فقط, وقالت المحكمة إن خطأ مساعد الصيدلي يتمثل في أنه كان يجب عليه أن يرجع إلى الصيدلي عند تنفيذ التذكرة الطبية المخالفة للقواعد القانونية “. (5)