تعريف الرقابة السياسية

تتعدد ضمانات تحقيق سيادة القانون او مبدا المشروعية تبعا لاختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدولة وكذلك تبعا لفلسفة النظام السياسي السائد فيها مع ان وجود القانون والاعتراف بالحقوق والحريات الاساسية للمواطنين وخضوع هيئات الدولة كافة للقانون فضلا عن كفالة حق التقاضي لجميع المواطنين في مقدمة تلك الضمانات ..

لكن ما استقرت عليه اغلب النظم القانونية هو ان الضمانة الحقيقية لحماية مبدأ المشروعية هي بالاستناد الى مبدأ اخر مكمل لكل ماذكرناه وهذا المبدأ يقضي بخضوع جميع السلطات في الدولة لرقابة فعالة تستهدف ضمان احترام كل من تلك السلطات القانونية وعدم تجاوز الحدود التي رسمتها قواعده لكل منها.

واذا كنا قد سلمنا ان السلطة التنفيذية (الادارية) تقوم بمهمة تنفيذ القانون فان الرقابة على اعمالها تبدو اكثر خطورة واهمية لضمان احترامها لقواعد القانون وعدم مخالفتها اثناء قيامها بممارسة انشطتها ، ولذا فهي اي الادارة لا يمكنها ان تتجاوز حدود وظيفتها الاساسية في تنفيذ القانون الا وفقا للدستور الذي يسمو على جميع القرارات التي تصدر عن الادارة سواء كانت تلك القرارات تنظيمية ام فردية ومن ثم فان تلك القرارات يجب ان تصدر وفقا لذلك تطبيقا لمبدا المشروعية ومفهوم دولة القانون وعليه فان الرقابة ايا كان نوعها ومنها الرقابة السياسية غايتها التاكد من مطابقة اعمال الادارة للقانون والتاكد من مدى صدورها وفقا له .

فالرقابة السياسية هي :الرقابة التي يباشرها الشعب في دولة ما مباشرة او عن طريق هيئاتهم ومنظماتهم واحزابهم ويطلق عليها الرقابة الشعبية وتتم عن طريق قيام المواطنين بالرقابة على اجهزة الادارة ومرافقها المختلفة بواسطة تعاملهم معها واتصالهم بها او عن طريق مباشرتهم لحقوقهم السياسية في انتخاب ملاكاتها واعضائها او تقويم اعمالها او قد تتم ايضا عن طريق التنظيمات السياسية والنقابية التي ينتمون اليها كالاحزاب السياسية وجماعات الضغط والنقابات والاتحاد وهي تشكل الراي العام في الدولة .

ويعتبر الاستفتاء الشعبي من الوسائل الرئيسة التي يباشر بواسطتها افراد الشعب من الفئات الذين يحق لهم ممارسة الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية والذي يعرف على انه (عرض مسالة ما على هيئة الناخبين لاخذ رايهم بشانها عن طريق التصويت)وقد يجري الاستفتاء الشعبي على شخص معين ويطلق عليه الاستفتاء الشخصي كالاستفتاء على رئيس الجمهورية او قد يكون موضوعيا وهو الاستفتاء الذي يجري على تصرف او عمل او اقتراح معين مثل الاستفتاء على قانون او معاهدة.

ومن الجهات التي تتولى الرقابة على الراي العام هي الاحزاب السياسية فضلا عن الصحافة ووسائل التعبير لانها تشكل الراي العام وتمثله كون ان الاحزاب هي احدى مظاهر الدولة الديمقراطية وحرية الراي والتعبير لذا فهي تشارك في ممارسة السلطة او في التاثير على من يمارسون تلك السلطة سواء كان بطريق مباشر ام غير مباشر ، اما الصحافة ووسائل التعبير الاخرى فانها تقوم بدور فعال في الرقابة الشعبية على ما يقوم به الجهاز الاداري من نشاط او خدمات وذلك عن طريق بيان اتجاهات الراي العام الى السلطات المعنية في الدولة ومراقبة ردود الفعل ازاء تصرفات تلك السلطات فهي قادرة على التعبير المستمر والدائم عن احتياجات الراي العام وتحديد اتجاهاته.

وعلى الرغم من اهمية الرقابة الشعبية المباشرة وغير المباشرة الا ان نجاحها واستمرارها مرهون بدرجة الوعي والنضج التي يتمتع بها الراي العام والتي تمكنه من معرفة حقوقه والمطالبة بها ، كما انها مرتبطة بوجود نظام سياسي يؤمن حقوق الافراد وحرياتهم وتعترف للاحزاب السياسية والمنظمات المدنية ووسائل الاعلام المختلفة بدورها في قيادة الراي العام وصياغة الحياة السياسية.

وقد تباشر الرقابة السياسية عن طريق المجالس التشريعية والتي يطلق عليها الرقابة البرلمانية باعتبارها المعبرة عن الارادة العامة للشعب وطموحاته واهدافه ومن ثم فانها قادرة على مراقبة السياسات والبرامج والوسائل التي تتبناها الادارة لتحقيق هذه الاهداف والطموحات ، ويختلف مدى الرقابة التي يباشرها البرلمان باختلاف النظام الدستوري الذي تاخذ به الدولة لكنها تبدو واضحة في الدول ذات النظام السياسي النيابي لان من عناصر الاخير وجود حكومة مسؤولة امام البرلمان ووجود علاقة رقابة متبادلة بين البرلمان والحكومة تتمثل في سلطة الحكومة في حل البرلمان وسلطة البرلمان في حجب الثقة عن الحكومة ..

وتبدو مظاهر هذه الرقابة في سلطة البرلمان في اقرار الموازنة العامة او الاعتمادات المالية التي تخصص لنشاط الجهاز التنفيذي في سنة الميزانية فضلا عن قدرته اي البرلمان على توجيه الاسئلة الى الوزراء واستجوابهم والتحقيق بواسطة لجان معينة كما ان له سحب الثقة من الوزير او من مجلس الوزراء كاملا . وعلى الرغم مما تتمتع به الرقابة البرلمانية من اهمية الا انها اولا واخيرا ذات طابع سياسي اذ ان تاثيرها لا يصل الى حد الغاء العمل المخالف للقانون او تعويض الضرر الناجم عنه مما يجعلها قاصرة عن حماية مبدا المشروعية والدفاع عن الحقوق والحريات من تعسف الادارة.

وكثيرا ما تؤدي الاعتبارات الحزبية (المحاصصة) الى تعطيل اثرها لاسيما اذا كانت الوزارة تمثل الاغلبية البرلمانية لان بقاءها يصبح رهيناً بمصلحة هذه الاغلبية بل ان البرلمان نفسه قد يسعى الى اضفاء المشروعية على انحرافات الادارة وغض النظر عن تعسفها ومخالفاتها حتى لايؤدي – مع الضغط من قبل الرأي العام – الى حجب الثقة عنها. واؤكد ان الرقابة البرلمانية لاتظهر الا في الانظمة البرلمانية ومنها العراق الاتحادي اما في الدول الاخرى فهي تبدو ضعيفة وعديمة التأثير.

المحامية / ورود فخري