قضايا الابتزاز في السعودية في ازدياد
سلسلة متواترة ومتواصلة بين القصة والأخرى، بطلاتها فتيات لم يتجاوزن ربيع العمر، وأبطالها شبان يستغلون الحرمان العاطفي لدى الفتيات، أو ثقة المحبات اللواتي يجدن في حديثهن مع الحبيب طوق النجاة، كأي فتاة تعبر عن مشاعرها. تنقلب الأدوار، وتتلخص الشخصية العاطفية في صورة مرسلة لتكون ذكرى جميلة، ولكن الذكرى تصبح كابوساً… فقد ازدادت في الفترة الأخيرة حوادث الابتزاز التي يمارسها الشباب على الفتيات اللواتي سلّمنهم صورهن بدافع الحب، لتتحول إلى وسيلة رخيصة يستغلها الشاب إما للحصول على مراده من هذه البنت، أو على مبلغ مالي. وكما كانت الحياة العصرية سبب تسهيل أمور الدنيا، جاءت شبكة الانترنت ليكون موضع اتهام في ممارسة الخطيئة، كونها الوسيلة الأولى للتعارف بين الشباب والفتيات، وثانيا لأنها وسيلة جيدة جداً لكشف مستور هذه البنت أمام العالم من أقصاه إلى أقصاه.«لها» تابعت عدداً من قضايا الابتزاز الالكتروني التي برزت في الفترة الأخيرة في السعودية، وبعضها صدرت فيه أحكام قضائية.

كثيرة هي القصص التي تحتل الصفحات الأولى في الصحف المحلية السعودية. إلا أن اللافت للنظر أن السعوديات أصبحن أكثر جرأة وقرّرن الوصول إلى مراكز الشرطة للتبليغ عن حالات الإبتزاز التي يتعرّضن لها من شبان كانت لهن بهم صلة إما عن طريق الإنترنت ومحادثات التشات، أو على سبيل المعرفة المباشرة.

وقد سجلت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية عدداً من حالات الابتزاز العكسية، أي حالات ابتزاز من فتيات لشبان. وكان عدد الحالات التي صرحت بها الهيئة خلال العامين الماضيين ما يقارب الخمس وستين حالة.

قصص واقعية في جدة

بدأت القصة عندما تعرفت عليه عن طريق أحد المواقع، وبدأت المحادثات البريئة تتحول إلى مكالمات يومية. حتى انقادت الفتاة له وأرسلت له عدداً من صورها على أساس أنها إهداء بين اثنين يثقان ببعضهما. إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن حين قرّر الشاب ابتزازها عن طريق 37 صورة فوتوغرافية أعلنت عنها الهيئة التي لجأت إليها الفتاة لتخليصها من الإبتزاز الذي تعرضت له، فقد طلب الشاب من الفتاة عشرة آلاف ريال مقابل الصور، أو أن تسلمه نفسها.

ولكن الفتاة كانت أذكى من أن ترضخ لتهديده، فما كان منها إلا أن لجأت إلى الهيئة، وقد رتبت خطة بينهما حيث قامت باستدراج الشاب إلى أحد المطاعم المشهورة في جدة لتسليمه المبلغ المتفق عليه في مقابل تسليمها الصور، فيما ذاكرة الجوال تحت مراقبة أعضاء الهيئة. وبالفعل تم ذلك ليكتشف رجال الهيئة عدداً من الرسائل الأخرى التي يبتز فيها فتيات أخريات بعد إلقاء القبض عليه.

وفي بلاغ آخر ألقت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القبض على أحد المقيمين في السعودية الذي أخذ من الابتزاز مهنة يتكسب منها، كما ذكرت إحدى الصحف المحلية التي تابعت عملية إلقاء القبض عليه.

وأوضحت الصحيفة أن الشاب كان يتعرف على الفتيات عن طريق «التشات» حتى يوقعهن في غرامه، مما يجعل الفتاة ترسل له عدداً من صورها. إلا أن إحدى هؤلاء الفتيات كشفت أمره بعدما أعدت له مكمناً بالتعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكشف البلاغ أن الشاب كان يراودها لمدة سنة ونصف السنة لحيازته أكثر من صورة لها وتهديدها بهذه الصور مقابل 300 ريال للصورة، إلا أنها كانت على بينة من هذا الابتزاز الذي ماطلت فيه لعلمها أنه سيعاود الكرّة ويطالب بمبلغ آخر في كل مرة. فما كان منها إلا أن قدمت بلاغاً للهيئة التي بدورها قامت بالتحرّي الدقيق عنه ورصدت حركاته وأعدت له مكمناً حيث ضبط بالجرم المشهود مع «السي دي» الذي يحتوي على الصور. إضافة إلى أن الهيئة وجدته يمتلك ثلاث سيارات من أموال الابتزاز التي كان يستولي عليها من الفتيات، إضافة إلى مبلغ من المال.

هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: البلاغات تعتمد على الستر في هذه القضايا

«المبتز يهدد الفتاة بالفضيحة إذا لم تخرج معه، ولو فعلت لتفاقمت المشكلة. وثمة من يحرص على تصوير الضحية في أوضاع مشينة مما يجعله يتمادى لاحقاً في ابتزازها مادياً». هذا ما أوضحه المتحدث الرسمي باسم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحمد الجردان، مضيفاً: «كثير من الشباب في مجتمعنا يعمل على تركيب الصور حيث يقوم البعض منهم بأخذ صور الفتاة التي يتعرف عليها ليركبها على أجساد عارية منقولة من الانترنت، ومن ثم يهدد الفتاة ويبتزها إما بمبالغ مالية، أو لتسلمه نفسها».

وأوضح الجردان أن هناك آلية معينة لتلقي البلاغ، قائلاً: «تعتمد هذه البلاغات بالدرجة الأولى على الستر. وعند تقديم الفتاة البلاغ نعمل على التثبت من القصة، لنقوم بعدها بالتنسيق مع الجهات المختصة ليتمّ القبض على الجاني ويستكمل معه التحقيق».

ولفت إلى أن هناك عدداً من الوسائل التي يستخدمها الشباب المبتز، منها الصور المركبة، تسجيل حديث الفتاة مع المبتز ويكون فيه فحش وبذاءة وسوى ذلك.

وأضاف الجردان أن عملية القبض لا ينفّذها رجال الهيئة، بل بالتنسيق بينهم وبين الجهات المعنية: «يتم التنسيق مع الأجهزة الأمنية خلال القبض على الجاني، فيقام مكمن تقوم خلاله الفتاة باستدراج الجاني تحت مراقبة من الهيئة والجهات الأمنية المختصة».

المستشار القانوني أحمد بن جمعان المالكي: العقوبات تقديرية في السعودية

قال المحامي والمستشار القانوني أحمد بن جمعان المالكي إن جرائم الابتزاز من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف وفق قرار وزارة الداخلية رقم 1900 وتاريخ 09/07/1428هـ الفقرة الرابعة عشر،حيث ورد «انتهاك الأعراض بالتصوير والنشر أو التهديد بالنشر» وهي من العقوبات التعزيرية غير المقدرة في السعودية، ويعني ذلك أن عقوبتها متروكة للسلطة التقديرية للقاضي المختص في المحكمة الجزائية. وأضاف المالكي: «إذا انطوى فعل الابتزاز على استخدام تقنية التصوير بالبلوتوث أو النشر عن طريق مواقع الانترنت فان ذلك يمثل مخالفة لنظام الجرائم المعلوماتية في السعودية، ويعاقب مرتكب الفعل بالسجن مدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، إضافة إلى الجلد والغرامات المالية ومصادرة الأجهزة المستخدمة في فعل الابتزاز».

وأشار إلى أنه إذا تقدمت الفتاه «ببلاغ للشرطة أو أحد مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فان بلاغها يعامل بسرية تامة ويتمّ البحث والتحرّي عن الجاني والقبض عليه متلبساً بفعله وإحالته على القضاء الجزائي لإصدار العقوبة المناسبة. ويتم تطبيق مبدأ الستر على الفتاه في المرة الأولى حفاظاً على سمعتها وسمعة أسرتها، لكن إذا تكرر البلاغ من الفتاه ضد أكثر من شخص فإنها تعامل كشريكه في الجرم وتحال على القضاء لمعاقبتها».

وعن أغرب القضايا التي عرفها من هذا النوع قال المالكي: «أحد الأزواج حدثت خلافات بينه وبين زوجته قبل الدخول الشرعي ووصلت إلى الطلاق. إلا أنه رفض الطلاق، وهدّد زوجته بنشر صورها عبر الإنترنت. وقد تقدمت الزوجة بشكوى ضده وتمّ سجنه 35 يوماً قبل إحالته على القضاء، ولا تزال القضية منظورة حتى تاريخه».

أمل الخليفة: الفتاة تلجأ إلى التشات جراء الجفاف العاطفي من الوالدين والأب تحديداً

أوضحت الاختصاصية النفسية والناشطة الحقوقية في جدة أمل الخليفة أن الفتاة تكون عرضة لإبتزاز لأن نفسيتها ضعيفة وجائعة للحب مضيفة: «تريد الفتاة حين تقوم بمثل هذا الفعل أن ترضي، وترضى، ويرضى عنها. مما ينمّ على حاجتها إلى أن يكون هناك من يقدّر وجودها، ويهتم بها مما يجعلها تتعرض لهذا الابتزاز لمجرد أنها تريد أن تشبع حاجة في داخلها».

ولفتت إلى أن الأب هو من يمثل عقدة النقص لدى الفتاة مما يجعلها تريد التعويض عن هذا الافتقار الذي تشعر به. ولو أن الأب أبدى قليلاً من الاهتمام بابنته ولم يترك المسؤولية كاملة على الأم لأصبحت هذه البنت مشبعة عاطفياً من الحب والحنان وبالتالي لا تقع فريسة سهلة. ولفتت إلى أن معظم الفتيات اللواتي يقعن فريسة الابتزاز لا تتعدى أعمارهن الخامسة عشرة إلى الثامن عشرة.

أما في ما يخص الشباب ولجوئهم إلى هذا الفعل فقالت: «إن الشباب يمارس قوة معينة على البنت وبالتالي هذه القوة تشعره بالوجود. وبما أننا شعب مستهلك تربينا على أن كل شيء مقابله شيء، خصوصاً في ظلّ انعدام البرامج الموجّهة وعدم وجود أنشطة تطوعية تنمّي الحسّ بالمسؤولية وخصوصاً في المناهج الدراسية، كل هذه المسبّبات تغرس في عقول الشباب أن كل شيء مقابله شيء، وفي حال عدم قدرة الشاب على هذا الشيء يستخدم قوته، وسلطته للحصول على ما يريد».

ورأت أن تربية الأولاد في «مجتمعاتنا العربية بعيدة عن وضع حدود لهم، وأن الولد منزه وغير مدان، ولا يوجد عقوبة له لمجرد أنه رجل».
وعن الجرأة التي اتّصفت بها بعض الفتيات في الوصول إلى مراكز الشرطة أضافت: «صحيح أن هناك البعض منهن قد تجرأن ولجأن إلى مراكز الشرطة ولكن في هذه الحال تكون الفتاة قد تعرّضت لابتزاز كبير جداً، وجرّاء هذا الفعل اضطرّت للجوء إلى مراكز الشرطة. ولكن ما هي نظرة الأهل إليها؟ وكيف استقبلوها. أيضاً العقوبات التي تفرضها مراكز الشرطة هل هي رادعة بالفعل لهذا الفعل المشين، بل على العكس أنا على يقين أن هناك من الفتيات من يقمن بابتزاز الشباب».

ونصحت جميع الفتيات أن لا يكن عرضة للإبتزاز بصورة، أو أخرى. «على الفتاة أن تكون قوية لأن هذا الابتزاز لعب بالأعراض، وانتهاك لحقوق الإنسان، مما يوجب على الجهات المختصة فرض قانون رادع وعقوبات صارمة».

قضايا الابتزاز في السعودية كما وردت في صحيفة «الخبر» الالكترونية

الرياض: شاب يبتز فتاة لمدة أربعة عشر عاماً دفعت خلالها 800 ألف ريال.
القصيم: 30 قضية ابتزاز عولجت 22 قضية منها.
الطائف: وافد يستولي على مجوهرات فتاة بقيمة 35 ألف ريال ويقوم بابتزازها ويهددها عن طريق الجوال.
60 قضية ابتزاز تم تسجيلها في منطقة مكة المكرمة خلال العامين الماضيين.
12 قضية ابتزاز حلتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال هذا العام.
الباحة: شخصان يبتزان حدثاً بعد تصويره في أوضاع مخلة ويطلبان منه دفع مبلغ 20 ألف ريال.

ما ذكره مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة أحمد قاسم الغامدي في تصريح لإحدى الصحف السعودية:

يعد تبليغ الفتاة عن حالات الابتزاز التي تتعرض لها أحد بوادر التوبة التي تجعلها لا تستحق العقاب.
أكد أن عدد حالات الابتزاز في منطقة مكة الكرمة وصلت إلى 65 حالة، إلا أن هذا العدد يختص بالقضايا التي باشرتها الهيئة على اختلاف الاخباريات.
الغرض من ارسال الفتاة لصورها هو رغبتها في الزواج، أو التسلية، أو التعرف.
هناك بعض القضايا نشأت من خلال الاعلانات الوهمية للوظائف سواء في الصحف، أو على الانترنت والتي تدفع بكثير من الفتيات إلى اعطاء المعلن كل المعلومات الحقيقية رغبة في الحصول على الوظيفة.
هناك التسجيلات الصوتية، والتسجيلات المصورة وكذلك الصور الشخصية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت