التقادم هو سقوط الحق بإقامة الدعوى بمرور الزمن، وهو يسري على معظم الجرائم المقررة قانونا إلا أن بعض النظم القانونية استثنت بعض الجرائم لخطورتها من الخضوع لأحكام التقادم(1). ومن التشريعات التي تقرر استثناء بعض الجرائم من التقادم التشريع المصري، حيث نص الدستور المصري لعام 1971م في المادة 57 على عدم تقادم الدعويين الجنائية والمدنية الناشئة عن الاعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور أو القانون. فقد أنفرد الدستور بهذا الضمان لحماية الحياة الخاصة الذي لا مثيل له في الدساتير المعاصرة على أساس أن التقادم هو أحد الضمانات المقررة لسلامة إجراءات سلطة الدولة في العقاب، كما أنه وسيلة هامة للاستقرار القانوني، إذا أن الجريمة تنسى بمرور الوقت ويصعب إثباتها بعد طول المدة بل يستحيل في بعض الأحيان(2).

إلا أن الضمان الذي تقرره المادة 57 من الدستور المصري يتمثل في عدم إفلات المسؤول عن الاعتداء على الحياة الخاصة ومنها الاعتداء على سرية المراسلات من العقاب عاجلاً أو آجلاً. ويرى بعض الفقه أنه لا يوجد ما يبرر النص على عدم انقضاء الدعوى الجنائية والمدنية بالتقادم إذا كان الجاني فرداً عادياً وليس موظفاً حكومياً حيث يرى أصحاب هذا الرأي بأن حكمة المشرع من تقرير هذه القواعد تكمن في أن عدم المطالبة بالحق في مثل هذه الحالات التي يكون أحد أطرافها موظفاً عاماً، قد يكون راجعاً إلى الخوف من بطش الدولة، لذلك فيجب ألاّ يكون مضي المدة عائقاً من الحصول على الحق، ولهذا فإن هذه القواعد يجب أن لا تنطبق على الدعوى المدنية أو الجنائية الناشئة عن الجريمة التي يرتكبها الشخص العادي الذي لا يعتمد على سلطة وظيفية في البطش بالمجني عليه أو الانتقام منه(3).

أما عن الدعوى الإدارية الناشئة عن جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة التي يرتكبها الموظف العام فقد ذهب اتجاه في الفقه المصري إلى القول بخضوعها لأحكام عدم التقادم المبينة في المادة (57) من الدستور المصري، إذ يرى أصحاب هذا الاتجاه أن المشرع لم يقصر عدم التقادم على الدعويين الجنائية والمدنية دون الدعوى الإدارية، وانطلاقا قصد عدم سقوط الدعوى الجنائية وغير الجنائية بالتقادم، أي شمل كافة الدعاوى المتعلقة بالاعتداء على الحق في الحياة الخاصة وذلك حرصاً منه على حماية هذا الحق، وذلك لأن الدعوى الإدارية الناشئة عن الاعتداء على هذا الحق ليست أقل أهمية في الحماية من الدعوى الجنائية أو الدعوى المدنية الناشئة عنه، وبالتالي فإن ميعاد الطعن بالقرارات الإدارية والمقرر بستين يوماً لا يسرى على القرارات الإدارية التي تحمل اعتداء على الحق في الحياة الخاصة، وإنما يظل ميعاد الطعن مفتوحاً دون تحديد زمني ويجوز في أي وقت متى ما بقي نص المادة 57 من الدستور قائماً(4). ونحن لا نتفق مع هذا الاتجاه رغم وجاهته وذلك لأن نص المادة (57) من الدستور المصري قد جاء واضحاً لا لبس فيه حيث قصر أحكام عدم التقادم على الدعويين المدنية والجنائية الناشئة عن الاعتداء على الحياة الخاصة فقط ما يتعذر معه تحميل النص أكثر مما يحتمل.

___________________________

1- القانون الفرنسي الصادر في 26 سبتمبر عام 1964 م نص على أن الجرائم ضد الإنسانية لا تخضع بطبيعتها للتقادم . وسار في نفس الاتجاه القانون النمساوي الصادر في عام 1965م والقانون البلغاري لعام 1965 م . وكذلك يخرج القانون الإيطالي الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو بالأشغال الشاقة من دائرة التقادم في المادة 157 منه وكذلك ينص القانون الدنماركي على استثناء بعض الجرائم الضريبية من التقادم. أنظر في ذلك :- د. أدوار غالي الذهبي ، عدم تقادم الدعويين الجنائية والمدنية في جرائم التعدي على الحرية الشخصية وحرية الحياة الخاصة ، مرجع سابق ،ص73 . د. أحمد فتحي سرور ، الضمانات الدستورية للحرية الشخصية في الخصومة الجنائية مرجع سابق ، ص161 .

2- د. جمال الدين العطيفي ، الحماية الجنائية للخصومة من تأثير النشر ، رسالة دكتوراه ، دار المعارف ، مصر، 1964م ، ص392 . ؛ أنظر أيضاً المستشار علي أحمد حسن ، التقادم في المواد المدينة والتجارية فقهاً وقضاءً ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1985م ص270، 271.

3- أنظر ، د. سمير الجنزوري ، الضمانات الإجرائية في الدستور الجديد ، مرجع سابق ص23 و24 ؛ د. أدوار غالي الذهبي ، عدم تقادم الدعويين الجنائية المدينة في جرائم التعدي على الحرية الشخصية وحرية الحياة الخاصة ، مرجع سابق ، ص78 ؛ حسن السمني ، شرعية الأدلة المستمدة من الوسائل العلمية ، مرجع سابق ،ص1067 .

4- د. ماجد راغب الحلو ، القضاء الإداري ، المطبوعات الجامعية ، 1985م ، ص338.

المؤلف : محمد قاسم الناصر
الكتاب أو المصدر : الحق في سرية المرسلات في بعض النظم الدستورية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .