لا يتسنى لنا الاحاطة بعلاقة الاحزاب السياسية بالحريات العامة الا من خلال التعرف على تصورات الفقهاء في تصنيفهم للحريات العامة .والملاحظ ان هذه التصنيفات – التقليدية والحديثة – تعد انشاء الاحزاب السياسية والانضمام اليها من بين الحريات الفكرية والمعنوية التي تساهم في انشاء نظم اجتماعية(1).وينصرف معنى الحريات الفكرية إلى حق الافراد في اعتناق الافكار والمبادئ من دون قيود ، غير ان الفكر باطني ينحصر في داخل النفس ، فاذا انطلق من الباطن إلى العالم الخارجي وعلم به الناس كان اثره ابلغ (2) .وعلى هذا الاساس تعد حرية الرأي والتعبير بمثابة الحرية الام لسائر الحريات الفكرية ، ويقصد بها ان يكون الانسان حراً في تكوين رأيه دون تبعية أو تقليد لاحد وان يكون له كامل الحرية في التعبير عن رأيه ، وتتصل بحرية الرأي والتعبير حرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات (3). والانضمام اليها وحرية الصحافة . ولحرية الرأي والتعبير اثر واضح على تأسيس الاحزاب السياسية ومزاولة نشاطاتها ، فالحزب السياسي ما هو الا تجمع لا صحاب رأي واحد ، فاذا لم يكن للافراد ابتداءً حق ابداء آرائهم والتعبير عنها ، لا يمكن القول بامكانية انشاء احزاب سياسية قوية وقادرة على تمثيل الجماهير بصدق دونما تملق لأنظمة الحكم القائمة (4) .

غير ان اهدار هذه الحرية من قبل السلطات العامة في الدولة لا يقضي بشكل كامل على انشاء الاحزاب السياسية ، لان هذه التنظيمات يمكن ان تتأسس وتمارس نشاطها بصورة سرية ، وعند ذلك تظهر خطورتها على نظام الحكم ، في حال لجوئها إلى استخدام القوة إذا ما ساد الاعتقاد لدى الجماعة المحكومة بانها الوسيلة الوحيدة للتغيير .ومما يدل على العلاقة الوثيقة بين الاحزاب السياسية والحريات العامة ما نجده في نصوص معظم الدساتير التي تضمنت ادراج حرية انشاء الاحزاب السياسية والانضمام اليها من ضمن حقوق وحريات الانسان الاساسية التي تواترت النصوص الدستورية على ضمانها ووجوب احترامها . ولم يقتصر هذا على النصوص الدستورية الوطنية بل تخطاه ليشمل الوثائق الدولية الخاصة بحقوق الانسان ، حيث نصت م (20) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 على ان(( لكل شخص الحق بالاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية )) وكذلك م (22) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 حيث نصت على ان (( 1 . لكل فرد الحق في حرية المشاركة مع الاخرين بما في ذلك تشكيل النقابات أو الانضمام اليها لحماية مصالحه .2. لا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق غير تلك المنصوص عليها في القانون والتي تستوجبها في مجتمع ديمقراطي مصالح الامن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الاخلاق أو حماية حقوق الاخرين وحرياتهم)) .

واشارت إلى هذه الحرية كل من الاتفاقيتين الاوربية والاميركية لحقوق الانسان، حيث نصت م (11) من الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان الصادرة عام 1950 على انه (( 1. لكل انسان الحق في حرية الاجتماعات السلمية وحرية تكوين الجمعيات مع آخرين بما في ذلك حق الاشتراك في الاتحادات التجارية لحماية مصالحه.2. لا تخضع ممارسة هذه الحقوق لقيود اخرى غير تلك المحددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصالح الامن القومي وسلامة الاخرين وحرياتهم ، ولا تمنع هذه المادة من فرض قيود قانونية على ممارسة رجال القوات المسلحة أو ( الشرطة ) أو الادارة في الدولة لهذه الحقوق )) ، اما الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان الصادرة عام 1969 فقد نصت في م (16) على ان (( 1. لكل شخص حق التجمع وتكوين جمعيات مع اخرين بحرية لغايات ايديولوجية أو دينية أو سياسية أو اقتصادية أو عمالية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو سواها .2. لا تخضع ممارسة هذا الحق الا لتلك القيود المفروضة قانوناً والتي تشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لمصلحة الامن القومي أو لسلامة العامة ، أو النظام العام أو لحماية الصحة العامة أو الاخلاق العامة أو حقوق الاخرين وحرياتهم .3. لا تحول احكام هذه المادة دون فرض قيود قانونية بما فيها الحرمان من ممارسة حق التجمع على افراد القوات المسلحة والشرطة )).

كما تظهر الصلة بين الاحزاب السياسية والحريات العامة في وصف الاحزاب بانها واحدة من اهم ضمانات ممارسة الحريات العامة والتمتع بها ، لان الاحزاب السياسية تحول دون استبداد الحكومات من خلال قيام الاحزاب المناهضة للحزب الحاكم بدور الرقابة لكشف تجاوزات السلطات العامة في الدولة امام الرأي العام مما يفضي إلى وقاية وحماية حقوق وحريات الافراد .وعلى هذا الاساس تعد الاحزاب السياسية الركيزة الاساسية للنظام الديمقراطي القائم على التداول السلمي للسلطة من خلال العملية الانتخابية حيث يطرح كل حزب برنامجه واهدافه ، ويقدم تبعاً لذلك مرشحيه سعياً إلى الفوز باغلبية المقاعد البرلمانية أو منصب الرئاسة (5) .

________________________________________

1- لمزيد من التفصيل ينظر :

Claud – Albert colliard . Libertes pupliques ، cinqeieme edition ، paris : Dalloz ، 1975 ، P.P 211 – 215 .

كذلك : د. اسماعيل البدوي . دعائم الحكم في الشريعة الاسلامية والنظم الدستورية المعاصرة ، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية ، ج200، القاهرة : الدار العربية للموسوعات ، 1983 ، ص50 – 52 .

2- د. صبحي المحمصاني . اركان حقوق الانسان ، بحث مقارن في الشريعة الاسلامية والقوانين الحديثة ، بيروت : دار العلم للملايين ، 1979، ص141 .

3-يجدر بنا ان نميز بين كل من حرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات ، فحرية الاجتماع تعني حق الافراد في ان يتجمعوا في مكان ما فترة من الوقت للتعبير عن آرائهم ، اما حرية تأليف الجمعيات فيقصد بها تشكيل جماعات منظمة لها وجود مستمر على خلاف الاجتماعات التي لا تكون الا لوقت محدد . لمزيد من التفصيل ينظر : د. غازي حسن صباريني ، الوجيز في حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، عمان ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1997 ، ص149 – 152 .

4- د. الشافعي أبو راس ، المصدر السابق ، ص 93 .

5- د. أبو اليزيد علي المتيت. النظم السياسية والحريات العامة ، ط3 ، الاسكندرية : مؤسسة شباب الجامعة ، 1982 ، ص120 – 121.

المؤلف : ميثم حنظل شريف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري والقانوني للاحزاب السياسية في العراق

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .