اعتمادا منا على أن لفيف الملكية يكاد يكون الوسيلة الوحيدة لإثبات تملك العقار غير المحفظ، وهي وسيلة إثبات قديمة وتراث فقهي متجذر في حياتنا الاجتماعية والثقافية، يخضع في أحكامه إلى قواعد فقهية مختلفة متفرقة في الكتب الفقهية والنوازل القديمة، وهو ما فرض تضاربا في العمل القضائي،

مما يستدعي تدخلا تشريعيا لنحيين هذه الوسيلة وتنظيم القواعد القانونية بشأنها حتى يسهل على المطبق للقانون الرجوع إلى النص التشريعي مباشرة دون التيه في القواعد الفقهية للتناقض في الأحكام القضائية.

ولقد تناول المشرع من خلال القانون رقم 39.08 تنظيم الحقوق العينية الأصلية والتبعية وأسباب كسب الملكية والقسمة، مما يطرح التساؤل التالي:

هل استطاعت مدونة الحقوق العينية أن تحل الإشكالات المرتبطة بهذه الوسيلة الإثباتية؟ ومامدى مساهمة هذه المقتضيات القانونية في تحقيق العدالة العقارية والأمن العقاري ببلادنا؟

ذلك ما سأتناوله في هذه المداخلة من خلال المباحث الآتية:

المبحث الأول: التنظيم القانوني للفيف الملكية.
المبحث الثاني: إشكالية إنشاء لفيف الملكية.
المبحث الثالث: شروط لفيف الملكية .
المبحث الرابع: تراجع شهود لفيف الملكية.
المبحث الخامس: استفسار شهود لفيف الملكية.
المبحث السادس: حجية لفيف الملكية أمام القضاء
خاتمة.

المبحث الأول: التنظيم القانوني للفيف الملكية

لم ينظم المشرع المغربي لفيف الملكية ولا اللفيف عموما كوسيلة من وسائل الإثبات لا في قانون الالتزامات والعقود ولا في قانون المسطرة المدنية، وإنما أورد قواعد عامة في ظهير 6 ماي 1982 المنظم لخطة العدالة. والذي وقع نسخه بالظهير شريف رقم 56-06-1 صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير 2006) بتنفيذ القانون رقم 03-16 المتعلق بخطة العدالة[1]. وقد جاء في المادة 27 من القانون المذكور:

» يتلقى الشهادة في آن واحد عدلان منتصبان للإشهاد.

غير أنه يسوغ للعدلين عندما يتعذر عليهما تلقي الإشهاد مثنى في آن واحد ، أن يتلقياه منفردين بإذن من القاضي في آماد متفاوتة ، إلا إذا نصت مقتضيات خاصة على خلاف ذلك.

إذا تعذر الحصول على إذن القاضي تعين على العدلين إشعاره بذلك داخل أجل ثلاثة أيام من تاريخ التلقي.

يجب على العدلين – في حالة التلقي الفردي – أن ينصا على تاريخ تلقي الإشهاد بالنسبة لكل منهما ، مع الإشارة دائما إلى سبب ذلك. كما يجب النص في ضلع الملاحظات على مراجع الشهادة بمذكرة الحفظ لكل منهما.

يحق للعدلين أن يشهدا شهادة علمية بإذن من القاضي. «

وورد في المادة 35 من القانون نفسه:

» يخاطب القاضي المكلف بالتوثيق على الشهادات بعد إتمام الإجراءات اللازمة ، والتأكد من خلوها من النقص ، وسلامتها من الخلل ، وذلك بالإعلام بأدائها ومراقبتها.

يتعين على القاضي ألا يخاطب على الشهادات الخاضعة لواجبات التسجيل إلا بعد تأديتها.

لا تكون الوثيقة تامة إلا إذا كانت مذيلة بالخطاب ، وتعتبر حينه وثيقة رسمية. «

وينص الفصل 417 من ق.ل.ع : ينتج الدليل الكتابي من ورقة رسمية أو عرفية… ومن كل كتابة أخرى مع بقاء الحق للمحكمة في تقدير ما تستحقه هذه الوسائل من قيمة.

كما ينص الفصل 418 من ق ل ع: ….. وتكون رسمية كذلك الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم…

فبالرغم من أن المشرع لم ينظم شهادة اللفيف بنصوص خاصة، إلا أنه يستفاد من المقتضيات القانونية المشار إليها أن اللفيف له حجية أمام القضاء في الإثبات، علما أنه جرى العمل به فقها وقضاء في المغرب منذ القدم، وتناوله الفقهاء بالدراسة والتحليل لاسيما فقهاء المالكية.

وقد كان له دور فعال ولازال في إثبات كثير من الوقائع والتصرفات التي تجري بين الناس في الماضي والحاضر، فساهم بذلك في الأمن الاجتماعي وتقرير الحقوق لكثير من الناس.

المبحث الثاني: إشكالية إنشاء لفيف الملكية

إن إمكانية إنشاء لفيف الملكية تقتضي الحصول على شهادة من السلطة المحلية لموقع العقار المعني تفيد أنه ليس ملكا حبسيا ولا جماعيا ولا من أملاك الدولة العامة والخاصة، وذلك طبقا لما ورد في القصل 18 من المرسوم رقم 2.08.378 الصادر في 28 شوال 1429 (28 أكتوبر 2008) بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة[2]

وقد تم إصدار دورية وزارية مشتركة تحت عدد 50/س2 بتاريخ 17 دجنبر 2012 تنظم إجراءات منح الشهادة المذكورة، حيث يقدم طالب الشهادة طلبا بذلك إلى السلطة المحلية، التي تقوم بدورها بمكاتبة المصالح المعنية ( أملاك الدولة – المياه والغابات – الأحباس – العمالة – التجهيز…)، لإفادتها في الموضوع حول ما إذا كان العقار المعني يدخل ضمن أملاكها أم لا. وبناء على ذلك يسلم القائد شهادة بالرفض أو القبول.

وقد يبدو تعليق إنشاء لفيف الملكية على هذه الشهادة منطقيا حتى لا يفتح المجال للأفراد لإقامة رسوم الملكية لأملاك الدولة والجماعات المحلية والجماعات السلالية والأملاك الحبسية، مما تضيع معه حقوق هذه المؤسسات.

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الأملاك التابعة للمصالح المذكورة لا يمكن اكتسابها بالحيازة ولو طال أمدها، وهو ما أشارت إليه مدونة الحقوق العينية في المادة 261 بأنه: » لا تكتسب بالحيازة :

أملاك الدولة العامة والخاصة

الأملاك الحبسية

أملاك الجماعات السلالية

أملاك الجماعات المحلية… .«

إلا أن الإشكال يثور حين يكون الأفراد مالكين حقا لأملاك معينة تدعي الدولة أو الجماعات المحلية أو إدارة الأوقاف حقوقا عليها سيما إذا كانت العقارات المعينة غير محفظة، ففي هذه الحالة فالقضاء وحده دون غيره هو صاحب الكلمة الحاسمة في تقرير من هو الأحق بالملك.

وهو ما يجر الأطراف إلى المحكمة في إطار دعوى الاستحقاق أو في إطار مسطرة التحفيظ، سيما أمام إقرار الدولة الحديثة للأفراد حق مقاضاة الدولة والجماعات المحلية.

وفي إطار هذه المقاضاة فإن الأشخاص لن يجدوا إمكانية إقامة رسوم ملكية لأراضيهم التي توارثوها أبا عن جد لأن إمكانية إنشاء الرسم المذكور تتوقف على شواهد إدارية والجهة التي ستسلم الشواهد المذكورة تعتبر طرفا في النزاع

ولا يثار هذا فقط بالنسبة للجماعات المحلية بل كذلك بالنسبة للدولة خاصة الأملاك المستندة على قرار المصادرة من بعض القواد والباشوات في فجر الاستقلال أو المستند على عقد تسليم المستعمر للدولة أراضي معينة (نموذج الدولة المغربية وإسبانيا عقد تسليم أراضي بمدينة سيدي إفني)

كما يطرح إشكال كذلك إذا امتنعت الإدارة عن تسليم شهادة إدارية ليس لكونها طرفا في النزاع، ولكن لوجود تعرض أحد الأشخاص يدعي حقوقا على الملك موضوع طلب الشهادة، ودون أن تجيب المعني بالأمر بما يبرر رفضها. فرغم أن القضاء هو الحاسم في المصالح المتعارضة إلا أن الإدارة تمتنع عن تسليم الشهادة المذكورة وهو ما يشكل عائقا إضافيا أمام الأفراد.

ولقد اعتبر القضاء الإداري من خلال قرار للمحكمة الإدارية بأكادير[3] ما يلي:

»بدخول القانون 03.01 المتعلق بإلزام الإدارة بتعليل قراراتها الإدارية حيز التطبيق فإن الجهات الإدارية أصبحت ملزمة تحت طائلة عدم الشرعية بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية الصادرة لغبر فائدة المعني بالأمر، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب تلك القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها، ولا يستثنى من ذلك إلا القرارات التي نص عليها القانون المذكور « .

»وتبعا لذلك يكون القرار الإداري الضمني الصادر عن عامل عمالة تيزنيت برفض تسليم شهادة إدارية للطاعنين مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة لمخالفته القانون لعدم تعليله مما يستوجب الحكم بإلغائه مع ما يترتب عن ذلك. «

لكن، بعد صدور الدورية الوزارية عدد 50/س2 بتاريخ 27/12/2012 المتعلقة بتسليم الشهادة، فإنه أصبح لزاما على السلطة مانحة الشهادة إجابة صاحب الطلب بأن العقار المعني مدرج ضمن الأملاك المنصوص عليها في المادة 18 من المرسوم رقم 378.08.2 بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.

أو تسليم الشهادة بتضمينها بأن العقار موضوع الطلب غير مدرج ضمن الأملاك المنصوص عليه في المادة 18 السالفة الذكر.

وبناء عليه، فإن الإدارة أصبحت ملزمة بالجواب على طلب صاحب الشهادة إما بالقبول أو الرفض معللة إياه بما إذا كان يندرج ضمن الأملاك المشار إليها في المادة 18 من المرسوم السالف الذكر أولا تندرج ضمنها.

لكن الإشكال يبقى قائما حول ما إذا قدم أكثر من طلب من قبل عدة أشخاص يريدون إنجاز شهادة إدارية لملك واحد. فهل تمنح لكل واحد منهم الشهادة ؟ أم تمنحها لواحد منهم فقط ؟

إنه في غياب أي إشارة في الدورة الوزارية المشار إليها آنفا إلى هذه النقطة، فإن السلطة المحلية تجيب كل شخص تقدم بطلب للحصول على الشهادة الإدارية، على اعتبار أن هذه الأخيرة ينصب موضوعها حول ما إذا كان العقار المعني يدخل ضمن الأملاك الواردة في المادة 18 من المرسوم رقم 378.08.2 أم لا تدخل،

وأن السلطة ليس من اختصاصها النظر فيما إذا كان العقار نفسه يدعي ملكيته شخص أو أشخاص آخرين، لأن ذلك يعد نزاعا حول استحقاق العقار، وهو ما يعتبر من صميم اختصاص القضاء الذي له الولاية العامة للنظر في هذه النزاعات، استنادا إلى القواعد المعمول بها في هذا الشأن، ومنها أساسا إعمال قواعد الترجيح طيقا لمقتضيات المادة 3 من مدونة الحقوق العينية.

المبحث الثالث: شروط لفيف الملكية

شروط رسم الملكية هي اليد والتصرف والنسبة والطول وعدم المنازع وعدم خروج الملك من يد صاحبه بوجه من وجوه الفوت وأسبابه إذا كان المشهود له ميتا.

يقول الزقاق في لا ميته:

يد نسبة طول كعشرة أشهر

وفعل بلا خصم بها الملك يجتلا

وهل عدم التفويت في علمهم كما

ل أم صحة للحي للميت ذا اجعلا

ويقول ابن عاصم في تحفته:

والأجنبي إن يحز أصلا بحق

عشر سنين فالتملك استحق

ويضيف ابن عاصم:

والأقربون حوزهم مختلف

بحسب اعتمارهم يختلف

فإن يكن قبل سكنى الدار

والزرع للأرض والاعتمار

فهو بما يحوز الأربعين

وذو تشاجر كالأبعدين[4]

وبذلك يكون فقهاء المالكية قد حددوا شروط الملكية في اليد والتصرف والنسبة والمدة وعدم المنازع وعد خروج الملك من يد صاحبه بوجه الفوت وأسبابه.

ولقد أوردت مدونة الحقوق العينية نفس الشروط في الفصل 240 واعتبرها شروطا لصحة حيازة الحائز وهي كالتالي:

أن يكون واضعا يده على الملك؛
أن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه؛
أن ينسب الملك لنفسه، والناس ينسبونه إليه كذلك؛
ألا ينازعه في ذلك منازع؛
أن تستمر الحيازة طول المدة المقررة في القانون؛
وفي حالة وفاة الحائز يشترط بالإضافة إلى ذلك عدم العلم بالتفويت.
وضع اليد:
عبر الفقهاء عن وضع اليد »باليد « فقط ويعني أن المالك واضع يده على الملك ويحوزه وهو أهم مظهر للحيازة.

ولقد أكدت محكمة النقض: » إن الملكية لا تكون عاملة إلا إذا اشتملت على شروط التملك الخمسة وهي وضع اليد على الملك..[5] « ..

ووضع اليد يجب أن يكون بوجه شرعي فلا يعتد بالحيازة المبنية على عمل غبر مشروع، وهو ما أكدته مدونة الحقوق العينية في الفصل 241: »لا تقوم الحيازة إذا بنيت على غير مشروع« .

والحيازة تكون أصلية متى كان المالك يحوز بنفسه ملكه، وقد تكون عرضية كالأجير الذي يحرث أرض مشغله أو المكتري الذي يحرث أرض المكري.

وقد نصت المادة 243 من المدونة على أنه يباشر الحيازة الشخص بنفسه ويمكن أن يباشرها بواسطة شخص يأتمر بأمره.

والحائز الأصلي يملك تقديم دعوى الاستحقاق ودعوى استرداد الحيازة بينما الحائز العرضي لا يملك إلا حق استرداد الحيازة دون دعوى الاستحقاق.

التصرف:
عبر الفقهاء عن التصرف »بالفعل « لقول الزقاق في لا ميته:

يد نسبة طول كعشرة أشهر وفعل بلا خصم بها الملك يجتلا

والتصرف يعني أن يتصرف المالك تصرف المالك في ملكه وليس تصرفا عرضيا لفائدة الغير كأن يقوم بالحرث مقابل في الغلة، بل لا بد أن يتصرف بنية التملك.

والتصرف يكون خفيفا كالحرث والزرع والحصاد والرعي… ويكون قويا كالهدم والبناء وغيرهما.

النسبة:
النسبة تعني أن المالك ينسب الملك لنفسه بالقول بأن الملك »ملكي وحوزي « والناس ينسبونه إليه كذلك كأن يقال :

بأن الملك الفلاني لفلان فلا بد من ذكر النسبة تحت طائلة استبعاد الرسم

ولقد أكدت محكمة النقض مايلي:

»لكن من حيث إن شروط إثبات الملك النسبة، كما في العمل الفاسي – تصرف المالك والنسبة وأن التنصيص على ذكر النسبة في الوثيقة كانت عدلية أو استرعائية لازم – والمحكمة المنتقد قرارها حينما عللت بأن الملكية عدد 1473 غير متوفرة على جميع شروط الملك المنصوص عليها شرعا إذ ذكر فيها للنسبة، كانت على صواب… «[6].

عدم المنازع:
أن يتصرف المالك في ملكه دون منازع ينازع ولا معارض حيث تكون الحيازة هادئة ومستقرة.

وعدم المنازع عبر عنه الفقهاء» بلا خصم « لقول الزقاق في لا ميته :

يد نسبة طول كعشرة أشهر وفعل بلا خصم بها الملك يجتلا

وقد أكدت محكمة النقض في قرارها عدد 2014 بتاريخ 12 أبريل 1996 في الملف رقم 1259-92:

»إن اللفيف الذي يثبت الملكية هو الذي يشهد شهوده بحيازة وتصرف المشهود له للمشهود به ونسبته إلى نفسه ونسبة الناس إليه وعدم التنازع والتفويت طيلة مدة الحيازة الشرعية حتى تاريخ أداء الشهادة… المحكمة التي قضت بصحة تعرض المتعرض الذي أدلى بملكية لم يشهد شهودها للمشهود له بالملك ونسبة الملك إليه وعدم المنازعة تكون قد جردت قرارها من الأساس القانوني وخرقت قاعدة فقهية جوهرية«[7].

واعتبرت محكمة الاستئناف بأكادير بأن رسم الاستمرار ناقص عن درجة الاعتبار لمخالفته لواقع الحال، ذلك لأنه ينص على أن الحيازة بيد المدعي المستأنف عليه بدون منازع إلى الآن وحتى الآن …. ولم يشر إلى وجود نزاع رغم ثبوته بمقتضى وثائق أخرى.[8]

وأكدت محكمة النقض مايلي: المحكمة التي اعتمدت ملكية مقامة سنة 1991 تشهد للمشهود لهم بالملك لمدة عشرة أعوام بدون منازع، واستبعدت الأحكام المدلى بها والتي تثبت وجود النزاع بين الطرفين منذ سنة 1959 إلى سنة 1986… تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا يوازي انعدامه.[9]

وفي قرار آخر جاء فيه مايلي :

»حيث صح ما عابه الطاعنون على القرار المطعون فيه، فهو رد ملكيتهم بعلة أنه تبين أن المدعى فيه سبق أن كان محل منازعة مع موروث طالبي التحفيظ بعد الدعوى التي رفعها المتعرضان… بتاريخ 1977/2/8 في حين أن الملكية المذكورة تشهد للطاعنين وسلفهم بالمدة المشار إليها بالوسيلة. والمنازعة التي تجعل الملكية ناقصة على درجة الاعتبار هي التي تنصب على مدة الحيازة المشهود بها. والقرار المطعون فيه لما ذهب عكس ذلك قد علل تعليلا فاسدا يوازي انعدامه مما يعرضه للنقض والإبطال. « [10]

المدة:
المدة هي المعبر عنها فقها ب» طول«.

يد نسبة طول كعشرة أشهر وفعل بلا خصم بها الملك يجتلا

أورد فقهاء المالكية مدة عشرة أشهر وعشر سنوات وأربعين سنة.

يقول الزقاق: يد نسبة طول كعشرة أشهر

ويقول الشيخ خليل: وحوز طال »كعشرة أشهر «

ويقول صاحب التحفة:

والأجنبي إن يحز أصلا بحق عشر سنين فالتملك استحق

ويقول أيضا:

والأقربون حوزهم مختلف بحسب اعتمارهم يختلف

فإن يكن قبل سكنى الدار والزرع للأرض والاعتمار

فهو بما يحوز الأربعين وذو تشاجر كالأبعدين

وهكذا فالمدة الأولى المتعلقة بعشر أشهر تكون في الحالة التي يكون الملك مجهول أصله.

ولقد أكد المجلس الأعلى ، محكمة النقض حاليا في قرار عدد 374 بتاريخ 15/06/1966 قضاء المجلس الأعلى 1958 إلى 2001:

»حيث لم يثبت لدى محكمة الموضوع أصل الملك لمن هو فيما يتعلق بالقطعة الموجودة شمال الخط 19 ب 11 من أرض المطلوب تحفيظها إذ أن طالب تحفيظ لم يثبت شراءه سوى فيما يخص القطعة الواقعة جنوب الخط المذكور فلم يكن والحالة هاته من الواجب على المحكمة أن تنص على شروط الحيازة القاطعة التي اعترفت بها المحكمة للمتعرضة، بل صادفت الصواب لما اقتصرت على المطلق الحيازة وعللت بذلك تعليلا كافيا «. [11]

والملاحظ أن حالة الملك المجهول أصله أصبحت حالة غير واردة في الوقت الحاضر لعدم إمكانية تصور الملك بدون صاحبه وأمام تملك الدولة للأراضي التي لا مالك لها. وهو ما كرسته مدونة الحقوق العينية في الفصل 222 الذي ينص على أن الأراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة، ولا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون.

وتضيف المادة 223: » من أحيى أرضا من الأراضي الموات بإذن من السلطة المختصة فله حق استغلالها. «

أما ما علم أصله فهو عشر سنوات وهي مدة تقادم فإذا تصرف أجنبي غير الشريك لمدة عشر سنوات والمالك ساكت فالحائز يكتسب الملكية بحيازته للعقار طيلة المدة المذكورة.

أما الحالة الثالثة وهي مدة الحيازة بين الأقارب وهي أربعون سنة. علما أن الأب والأم مستثنون من الأقارب حيث أن حيازة الابن لا تسري في مواجهة أبيه وإن طالت.

وإذا كان هناك نزاع بين الأقارب فإن المدة المقررة لاحتساب الحيازة هي عشر سنوات وهو ما عبر عنه الفقهاء بقولهم : وذو تشاجر كالأبعدين…

لقد أكدت المادة 250 من مدونة الحقوق العينية على أنه : »إذا حاز شخص أجنبي غير شريك ملكا حيازة مستوفية لشروطها واستمرت دون انقطاع عشر سنوات كاملة والقائم حاضر عالم ساكت بلا مانع ولا عذر فإنه يكتسب بحيازته ملكية العقار. «

وأضافت المادة 251 بما نصه : »تكون مدة الحيازة بين الأقارب غير الشركاء الذين ليس بينهم عداوة أربعين سنة، وعشر سنوات إذا كان فيما بينهم عداوة. «

كما أشارت المادة 255 إلى :

لا محل للحيازة:

بين الأب وابنه وإن سفل ولا بين الأم وأبنائها وإن سفلوا؛
بين الأزواج أثناء قيام الزوجية؛
بين الشركاء مطلقا؛
بين النائب الشرعي ومن هم إلى نظره؛
بين الوكيل وموكله؛
بين المكلف بإدارة الأموال العقارية وأصحاب هذه الأموال.
استمرار مدة الحيازة:

تحدث الفقهاء عن استمرار الحيازة بين السلف والخلف العام وكذلك بين السلف والخلف الخاص وهو ما يسمى بتلفيق مدة الحيازة بين السلف والخلف.

يقول التسولي: »واعلم أن مدة الحيازة تلفق بين الخلف العام الوارث والموروث وكذا تلفق بين البائع والمشتري والواهب والموهوب له وهلم جرا كما لا يخفى. «

ويقول الدكتور مأمون الكزبري: »يجوز لمن يدعي بالتقادم المكسب الحيازة أن يستند لا إلى حيازته فحسب، بل أيضا إلى حيازة سلفه، فالخلف العام كالوريث والخلف الخاص كالمشتري أو الموهوب له يستطيع كل منهما أن يضم إلى حيازته حيازة الموروث أو حيازة البائع أو الواهب. «[12]

وقد أقرت مدونة الحقوق العينية مبدأ استمرار مدة الحيازة في المادة 244 التي نصت صراحة على ما يلي:

»إذا كانت الحيازة اللاحقة استمرارا لحيازة سابقة اعتبر استمرارها من تاريخ حيازة الحائز الأول. «

كما جاء في المادة 247 : » تنتقل الحيازة أيضا بسبب الإرث أو الوصية بصفاتها إلى الخلف العام. «

وورد في المادة 253: » تبدأ مدة الحيازة في السريان من تاريخ وضع الحائز يده على الملك بنية تملكه وفي حالة توالي التفويتات من تاريخ بداية حيازة أول مفوت. «

وبذلك تكون المدونة قد أقرت مبدأ استمرار الحيازة بين السلف والخلف العام (الوارث والموصى له) والخلف الخاص (البائع والمشتري والموهوب له…).

وأكدت المادة 254 على أنه : » تجمع مدد الحيازات المتعاقبة لحساب المدة المقررة في القانون. «

عدم العلم بالتفويت إذا كان المشهود له ميتا:
عدم العلم بالتفويت أو ما يعبر عنه الفقهاء بعدم خروج الملك من يد صاحبه بوجه من وجوه الفوت وأسبابه

اعتبر فقهاء المالكية أن شرط عدم العلم بالتفويت يعتبر شرط صحة إذا كان المشهود له ميتا أما إذا كان حيا فهو شرط كمال فقط

يقول الزقاق:

وهل عدم التفويت في علمهم كما ل أم صحة للحي للميت ذا اجعلا

كما أن القضاء اعتبره كذلك شرط صحة إذا كان المشهود له ميتا، حيث أكد المجلس الأعلى محكمة النقض حاليا مايلي:

في حالة نسبة الملك لميت من طرف القائم فإن من المتفق عليه فقها أن شرط اشتمال الوثيقة المثبتة للملك على عدم علم شهودها بالتفويت يعتبر شرطا من شروط صحتها

لما كانت الطاعنة أدلت بموجب لاتتوفر فيه شروط الملك التي من بينها الشرط المشار إليه أعلاه فإن المحكمة كانت على صواب عندما اعتبرت أن حجتها ناقصة عن درجة الاعتبار ولم تكن في حاجة إلى إعذارها إذ لا إعذار في ناقص، ولكونها من جهة أخرى مدعوة قانونا للإدلاء تلقائيا بحجة صحيحة لإثبات دعواها[13].

المبحث الرابع: تراجع شهود لفيف الملكية

تناول الفقهاء مسألة رجوع الشاهد، يقول ابن العاصم:

وراجـع عنها قبولـــــه اعتبـــــر ما الحكم الم يمض و إن لم يعتذر

قد يجد القائم صعوبة في إقامة لفيف الملكية ابتداء من الحصول على شهادة إدارية بكون الملك المراد إقامة الرسم له ليس بملك جماعي ولا يخضع لأراضي الجموع وليس غابويا… و الانتقال للبحث عن الشهود و أداء مقابل إنجاز الرسم و مصاريف التسجيل، و يفاجأ بعد هذا كله بتراجع شهود الرسم لينهار و يصبح كالعدم و تذهب جهوده سدى.

و يكون التراجع بسبب أن الشهود قد يتبين لهم أن مضمون اللفيف لا ينسجم مع ما شهدوا به أمام العدول، كأن يؤدوا لإثبات اتصال الورثة بموروثهم ( رسم الإراثة )، ثم يفاجأون بأن الأمر يتعلق بلفيف الملكية لأرض تعود لغير المشهود له.

وقد يضطر الشهود للتراجع تحت وطأة التهديد و التخويف من طرف خصوم المشهود له.

وقد يتراجع بسبب شراء ضمائرهم مع أن شهادتهم كانت صحيحة.

و أحيانا يتم التأثير على الشهود من طرف المشهود له بعد التراجع فيتراجعون عن التراجع الأول فيؤكدون الشهادة الأصلية.

وقد يعتمد المشهود له لإقامة استفسار للشهود لمنع التراجع.

و لقد أكد المجلس الأعلى محكمة النقض حاليا في قراره رقم 1461 بتاريخ 14/09/1983[14]:

» إن العمل جرى بقبول رجوع الشاهد عن شهادته ولو لم يكن أمام القاضي الذي أديت عنده أولا، و إن الاستفسار لا يحول دون رجوع الشاهد «.

و جاء في تعليل الحكم ما يلي: » يتبين من الحكم المطعون فيه إن العارضين أدليا برسم يتضمن سبعة من شهود ملكية المطلوبات في النقض و أن المحكمة لم تعتبر رجوعهم لكون الملكية مستفسرة، و لأن الرجوع ينبغي إن يكون بمجلس القاضي الذي سجل على هذه الملكية، مع انه يتبين من الملكية ورسم الرجوع إنهما معا حررا بمحكمة التوثيق بالعرائش مما يجعلهما معا أقيما لدى محكمة واحدة، ومادام تقديم العدلين تم بإذن القاضي،

كما يتبين من تصفح الرسم، فانه بذلك يكون قد أناب العدلين عنه في تلقي الشهادات بالرجوع مما يكون معه هذا الرجوع كأنه وقع بمجلسه إضافة إلى أن العمل جرى بقبول الرجوع ولو لم يكن أمام القاضي الذي أديت عنده الشهادة«.

و ورد في حكم الرجوع في الرجوع ما يلي: »تكون المحكمة قد تجنبت الصواب لما رفضت الاعتداد بالرسم الذي يفيد رجوع بغض الشهود عن شهادتهم بعلة أن استفسارهم يؤكد عدم رجوعهم في شهادتهم مع أن الاستفسار لا يفيد رجوع الشهود عن رجوعهم و إنما هو تأكيد للشهادة الأصلية. أما تأكيد هؤلاء الشهود لشهادتهم أثناء البحث معهم بشأنها فيعد رجوعا في الرجوع و هو غير مقبول فقها مما يتعين معه إبطال شهادتهم«.[15]

و قد يكون التراجع بموجب إشهاد عرفي مصحح الإمضاء من طرف الشهود مجتمعين أو متفرقين. و قد يكون أمام عدول آخرين يكتبون الإشهاد بالتراجع و يضمنونه.

فالقضاء اختلف في هذا الإطار البعض يأخذ بالتراجع و لو صدر بموجب إشهاد مصحح الإمضاء كما جاء في القرار عدد 4760 بتاريخ 1/11/2011 في الملف المدني عدد 4122-1-1-2010.

»… بالإضافة إلى تراجع شهوده العشرة حسب الإشهاد العرفي المؤرخ في 20/11/1997 بالنسبة لرسم الاستمرار عدد 92 ص 94 المنجز في 21/06/1994 و إنه نتيجة لذلك يكون القرار معللا و غير خارق لقواعد الإثبات«.[16]

و في قرار آخر تحت عدد 221/1 في 16/04/2013 ملف مدني عدد 1844-1-1-2012 جاء فيه:

»… و إن الثابت من وثائق الملف أن المستأنفين لتأييد مطلبهم عدد 7144/31 أدلوا بصورة لرسم استمرار مضمن تحت عدد 114 ص 98 بتاريخ 14/02/2000 الذي ناقشته المحكمة و استبعدته لتراجع شهوده عن شهادتهم قبل الحكم لقاعدة أن رجوع الشاهد قبل الحكم تسقط به شهادته و لا يقضي بها. مما تبقى معه الملكية المذكورة مجردة من أية قيمة إثباتية فهي غير عاملة في ميدان الاستحقاق«.[17]

و قد لا يعتبر القضاء التراجع إلا إذا صدر أمام القاضي أو من يقدمه لذلك كما في القرار عدد 997 بتاريخ 20/03/2002: » إن رجوع الشاهد لا يقبل إلا إذا كان أمام القاضي أو من يقدم القاضي لذلك«.[18]

المبحث الخامس: استفسار شهود لفيف الملكية

الاستفسار و يقال له الإستفصال و هو استفهام الشهود لما شهدوا به. [19] والغاية منه التأكد من أن ما دونه العدول صادر فعلا عن الشاهد. و تبيان الإجمال إذا شاب شهادة الشاهد و اختبار الشاهد نفسه لعله كذب في شهادته الأولى.

و قد اعتبرت محكمة النقض أن استفسار شهود اللفيف بمثابة تزكيتهم و من تمام الشهادة. حيث جاء في القرار رقم 198 بتاريخ 04/03/1980 : » إن الاستفسار في الموجب اللفيفي بمنزلة تزكية شهود اللفيف، فيعد بذلك مكملا له، ويقع على عاتق المدلى بالموجب أن يقوم بهذا الاستفسار متى طلبه الخصم، وبهذا تكون المحكمة قد تجنبت الصواب لما صرحت بأن الاستفسار يقع على عاتق طالبه«.[20]

و في قرار آخر رقم 215 بتاريخ 09/02/1988 : » لا يعمل باللفيف إلا إذا كان مستفسرا، ولو لم يكن به إجمال أو إبهام وطلبه الخصم فأحرى إذا طلبه كما في النازلة .

و الاستفسار قائم مقام التزكية، و عليه استقر العمل القضائي بالمجلس. قال الونشريسي كل من شهد شهادة و لا يعرف كتبها و إنما كتبها غيره فلابد للقاضي من اختباره«.[21]

و يقول المستشار محمد الوافي العراقي في تعليقه على القرار: » بما أن شهادة اللفيف لا يحررها الشاهد بنفسه و إنما يكتبها العدلان المتلقيان منه نيابة عن قاضي التوثيق، لذلك تعين استفسار شهود اللفيف عن شهادتهم و لو لم يكن فيها إجمال و لا إبهام و لو مضت ستة أشهر على تلقي الشهادة منهم لما علل به الفقهاء من أن الاستفسار يتنزل منزلة التزكية «.

و أضاف: و بمقتضى ذلك فان استفسار شهود اللفيف المنزل بمنزلة تزكيتهم هو من تمام شهادتهم إن طلبه من توجه الحكم عليه بمقتضاه الأمر الذي يوجب على من بشهادة اللفيف أن يدلي باستفسارهم أيضا لتكون تامة يصح الاستناد إليها عند الحكم بها بعد سلامتها من القوادح و الطعون إن كانت.

و أضاف كذلك: إن ما عرضناه يوضح اتجاه المجلس الأعلى في هذا القرار من أن المدعى عليه لما طلب استفسار لفيفية المدعي كان من اللازم الاستجابة لهذا الطلب لتكون اللفيفية تامة من جانب المدلى بها و ليس من المنطق السليم أن يكلف من أقيمت الشهادة اللفيفية ضده باستفسار شهودها الذين يحتج خصمه بشهادتهم عليه.[22]

و هنا يجب التمييز بين الاستفسار العدلي و الاستفسار القضائي. فالأول يتم بواسطة عدلين آخرين غير العدلين الذين تلقيا الشهادة فيكون الاستفسار غير مجدي لأنه يتم بناء على طلب من المشهود له. أما الاستفسار القضائي هو الذي يقوم به القاضي الذي يبث في النازلة بحضور الطرفين و دفاعهما و يتم الاستفسار بشكل موضوعي و تتحقق الغاية من الاستفسار.

و لقد اختلف الفقهاء حول اجل الاستفسار فالرأي الغالب يرى تحديده خلال اجل ستة أشهر لدفع إمكانية نسيان الشاهد الواقعة موضوع الشهادة. و منهم من أجاز الاستفسار حتى بعد مرور الأجل المذكور كما اختلفوا في بداية الأجل المذكور هل من تاريخ العلم أم من تاريخ أداء الشهادة.[23]

و تارة أخرى اعتبرت محكمة النقض الاستفسار أمرا اختياريا في سلطة قاضي الموضوع التقديرية، فله أن يأخذ به أو يتركه دون أن يلزم بتعليل قراره.

و تطبيقا لذلك جاء في قرار لها: » لكن، حيث إن اللفيفية عدد 116 الشاهد بملكية موروث الطاعنين يعتبر من الشهادات الاسترعائية التي نظمت قواعدها مقتضيات الفقه المالكي وفق ما جرى به عمل المتأخرين من فقهاء المالكية بالمغرب، و أن للقاضي أن يستريب منها لمجرد احتمال شيء كانت غير مستفسرة،

لأن شهودها لم يؤدوا شهادتهم لديهم و إنما أدوها أمام عدلين، مع أن الأصل في أداء الشهادة انه موكول إلى أمانة القاضي أو من يتق به ممن تكون فيه أهلية الضبط حينئذ فان الحق في الاستفسار الذي يعبر عنه بالاستفصال أيضا يرجع للقاضي بمحض سلطته التقديرية و له أن يثيره تلقائيا و بذلك فان المحكمة المصدرة للقرار المطعون بعدم اعتمادها اللفيفية 1116 الشاهدة بملكية موروث الطاعنين للأملاك موضوع مطلب التحفيظ لعدم استفسارها يعتبر بمثابة التزكية قد استعملت سلطتها الموضوعية على الحجج المقدمة إليها و التي لا تخضع فيها لرقابة المجلس الأعلى «.[24]

و في قرار آخر لمحكمة النقض جاء فيه ما يلي: » لكن ردا على السبب أعلاه بكامله أوجهه فان المحكمة غير ملزمة بتتبع الأطراف في جميع مناحي أقوالهم التي لا تأثير لها على قضائها و أنها غير ملزمة بإجراء أي تحقيق إلا إذا كان ضروريا للفضل في النزاع…[25] «

كما اختلف القضاء حول أسباب الاستفسار فيرى بعضها أن الاستفسار يلجأ إليه إذا كان هناك إجمال و إبهام في شهادة اللفيف كما في قرار محكمة النقض عدد 58 بتاريخ 24 ماي 1977 ملف رقم 56359 [26] الذي جاء فيه: » إن الطعون الموجهة في الوسيلة الأولى إلى التلقية المذكورة لا أساس لها لان الاستفسار لا يكون لازما إلا إذا كانت الشهادة غير واضحة المدلول «.

و في أحيان أخرى يلجا القضاء إلى الاستفسار و لو لم يكن في الشهادة أي إجمال كما في القرار عدد 215 بتاريخ 9 فبراير 1988 الذي جاء فيه: » اللفيف لا يعمل به إلا إذا كان مستفسرا ولم يكن به إجمال و إبهام “.[27]

أما محكمة الاستئناف بالرباط فقد ذهبت إلى أن الاستفسار يلجأ إليه إذا تعارضت الحجج المدلى بها من قبل الأطراف، إذ ورد في قرار لها: » و حيث إن الاستفسار لا يتطلب إلا إذا كانت الحجة المعتمدة متعارضة مع أخرى مدلى بها من طرف الخصوم« .[28]

المبحث السادس: حجية لفيف الملكية أمام القضاء

لم يحسم العمل القضائي الموقف بخصوص حجية اللفيف عموما أمام القضاء.

فتارة يعتبره مجرد قرينة فقط[29]: » شهادة اللفيف تعتبر قرينة فعلية تخضع قيمتها كوسيلة إثبات لقضاء الموضوع في إطار سلطتهم التقديرية «.

و في قرار آخر اعتبرت محكمة النقض أن اللفيف العدلي مجرد لائحة شهود. قرار عدد 529 بتاريخ 21/9/1977 ملف مدني عدد 57424 مجلة المحاماة عدد 12 صفحة 80. ويضيف نفس القرار أن شهادة الشهود التي يعتبرها الفصل 444 من ق.ل.ع وسيلة من وسائل الإثبات هي الشهادة التي يدلي بها الشاهد أمام القضاء بعد أدائه اليمين القانونية.

و في قرار آخر اعتبرت محكمة النقض أن اللفيف ورقة رسمية من حيث الشكل و من حيث المحتوى مجرد شهادة.[30]

و ورد في قرار آخر: » إن شهادة اللفيف التي يتلقاها العدول نيابة عن القاضي و تسجل عليه هي بمثابة شهادة العدول في إثبات الحقوق و ليس مجرد لائحة شهود و لا يلزم شهودها بأداء اليمين. «[31]

و جاء في قرار لها أيضا: » إن اللفيف يمكن الاستئناس به لإثبات وقائع مادية و من يدعي عكس ذلك أن يثبته أمام قضاء الموضوع «.[32]

و قد يدلي الخصم بما يفيد عدم حوز المشهود له، إما بلفيف آخر، أو أحكام تقر الحيازة لغير المشهود له، أو شهود حضروا أمام المحكمة و أدوا اليمين القانونية و شهدوا بحيازة غير المشهود له.

و قد يثبت الخصم وجود المنازع بوثائق رسمية كأحكام قضائية عكس ما شهد به الشهود. كما يمكن له أن يثبت خروج الملك من يد المشهود له قيد حياته.

و في هذا قضت محكمة النقض: » إن المحكمة لم تناقش شهادة الشاهد اعراب عبد المومن بن عبد السلام الذي صرح في محضر المعاينة الذي اعتمده القرار المطعون فيه بان ورثة سعيد أو علي هم الذين يتصرفون في الملك إلى أن قاموا بتفويته للطاعن سنة 1993 و لم يسبق للمتعرضين أن تصرفوا في الملك… و هو ما كان يستدعي من المحكمة التأكد بالبحث عمن بيده الحيازة من الطرفين قبل شراء الطاعن و بعده لما لذلك كله من تأثير على الفصل في النزاع و هو ما لم تقم به فجاء قرارها ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه و عرضه بالتالي للنقض و الإبطال «.[33]

ففي القرار أعلاه لم يمنع لفيف الملكية محكمة النقض من إلزام محكمة الموضوع بالبحث و مناقشة شهادة الشهود بعين المكان للتأكد ممن بيده الملك. و المحكمة بذلك و في إطار ما لها من سلطة في تقييم الأدلة المعروضة عليها الأخذ بلفيف الملكية متى تبث لديها ما يناقض ما شهد به شهود اللفيف المذكور.

خاتمة

لا أحد منا يستطيع أن ينكر الإنجاز المهم الذي قدمته مدونة الحقوق العينية و التي استغرقت مدة طويلة لتخرج لحيز الوجود، فاستطاعت أن توحد القواعد الفقهية، حيث نظمت أهم المواضيع التي كانت تشغل فكر المطبق للقانون، فتناولت الحقوق العينية الأصلية و التبعية، و نظمت الحيازة و شروطها، و مدتها و قواعد البينات و الصدقة و الهبة و القسمة و الشفعة و غير ذلك. إلا أن هناك قواعد فقهية لا تقل أهمية مازال القضاء لم يحسم فيها الموقف كحجية اللفيف أمام القضاء و قواعد الاستفسار و آجاله وحالة اللجوء إليه و تراجع الشهود و غيرها من القواعد المرتبطة بلفيف الملكية.

و إذا كانت مدونة الحقوق العينية قد أحالت بموجب المادة الأولى على قانون الالتزامات و العقود في ما لم يرد به نص في المدونة فان لم يوجد نص يرجع إلى الراجح و المشهور و ما جرى به العمل في الفقه المالكي فإننا نأمل أن يتدخل المشرع من خلال نصوص إضافية في إطار هذه المدونة لسد النقص و توحيد موقف الفقه و القضاء بخصوص القواعد الفقهية التي لم تتناولها المدونة.

——————————————————————————-

[1] – الجريدة الرسمية رقم 5400 الصادرة بتاريخ فاتح صفر 1427 (2 مارس 2006)

وقد جاء في ديباجة القانون رقم 16-03 مايلي:

» تعتبر خطة العدالة محورا أساسيا في المنظومة القضائية ، لكونها من المهن القانونية والقضائية التي تزاول في إطار مساعدي القضاء ، هدفها الأساسي توثيق الحقوق والمعاملات ، والحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم ، وتحضير وسائل الإثبات ، التي تمكن القضاء من فض النزاعات والفصل في الخصومات ، بالإضافة إلى المساهمة في التنمية العقارية والاقتصادية والاجتماعية ، وتحصيل الموارد وضبط الواجبات المفروضة على المعاملات العقارية وغيرها ، وقد كان لها طيلة قرون دور فعال فيما يتعلق بتوثيق بيعة الملوك والسلاطين في علاقتهم مع رعاياهم ، وفيما يتعلق بتوثيق جلسات القضاء وضبط الأحكام وحفظها وتدوينها.

ونظرا لأهمية خطة العدالة ، فقد حظيت بعناية كبيرة ومكانة رفيعة في الفقه الإسلامي ، وأولاها الفقهاء والعلماء اهتماما كبيرا ، خاصة فقهاء المغرب والأندلس ، حيث جعلوها مهنة شريفة وارتقوا بها إلى مصاف المهن المنظمة ، التي تخضع في مزاولتها لمراقبة القضاء وتحت إشرافه ، كما امتهنها كثير من أكابر العلماء والفقهاء والقضاة والمفتين وغيرهم ، وأولاها ملوك الأمة وأمراؤها اهتماما خاصا واعتبارا متميزا ، ولاسيما ملوك الدولة العلوية الشريفة ، الذين ما فتئوا يصدرون ظهائر شريفة ومراسيم جليلة لتنظيمها ، راسمين لها قواعد شرعية وضوابط مرعية مستوحاة من نصوص الشريعة وروحها ، وواضعين لها مسطرة خاصة سواء من حيث الانخراط فيها أو من حيث ممارستها وكيفية تطبيقها ، ومن الظهائر الشريفة التي اهتمت بتنظيم خطة العدالة الظهير الشريف الصادر في 7 يوليو 1914 والظهير الشريف الصادر في 23 يونيو 1938 والظهير الشريف الصادر في 7 فبراير 1944. «

[2] – الجريدة الرسمية عدد 5687 الصادرة بتاريخ 2 ذو الحجة 1429 ( فاتح ديسمبر 2008)

وقد جاء في الفصل 18 من المرسوم المذكور: » يتعين على العدل عند تلفي الشهادات مراعات الشروط المقررة وكذا استحضار المستندات اللازمة.

إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ وجب على العدل التأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية من كونه ليس ملكا جماعيا أو حبسيا وليس من أملاك الدولة وغيرها. «

[3] – المحكمة الإدارية بأكادير قرار عدد 17/2011 بتاريخ 31/01/2011 ملف الإلغاء رقم 236/2013.

[4] – الدكتور عبد المجيد الكتاني، شروط إثبات الملك في مدونة الحقوق العينية وأحكام الفقه المالكي منشورات مجلة الحقوق عدد 2013- 7 ، ص 87.

قرار عدد 380 بتاريخ 8 فبراير 2006 ملف مدني رقم 3157- 3- 2004 (غير منشور).

[5] – قرار عدد 380 بتاريخ 8 فبراير 2006 ملف مدني رقم 3157-1-3-2004. ( غير منشور).

[6] – قرار 1116 بتاريخ 14 مارس 2000 ملف مدني رقم 2309- 14- 9- 59 (غير منشور).

– قرار عدد 977 بتاريخ 14 مارس 2001 ملف مدني رقم 2453-1 – 1- 2000 قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ العقاري للأستاذ عبد العزيز توفيق ص، 129.

– قرار محكمة النقض عدد 1930 بتاريخ 17 ماي 2001 في الملف المدني 985 – 3 – 93.

أشار إليه الدكتور محمد بادن دعوى الاستحقاق العقارية على ضوء الفقه المالكي والتشريع المغربي والعمل القضائي ، ص 308.

[7] – غير منشور.

[8] – قرار عدد 1289 بتاريخ 06/05/97 عدد 193 – 96 ( غير منشور ).

[9] – قرار عدد 179 بتاريخ 13 يناير 1999 في الملف رقم 264/96 التقرير السنوي للمجلس الأعلى لسنة 1999 . ( غير منشور ).

[10] – قرار محكمة النقض عدد 669 بتاريخ 20 فبراير 2002 ملف مدني 1873- 1 – 2000 قضاء المجلس الأعلى 61 ، سنة 2003 ، ص 21.

نظرية الاستحقاق في القانون المغربي، الدكتورة حليمة بنت المحجوب بن حفو، ص 171، طبعة دجنبر 2010.

[11] – نظرية الاستحقاق في القانون المغربي، الدكتورة حليمة بنت المحجوب بن حفو، ص 171، طبعة دجنبر 2010.

[12] – الدكتور عبد المجيد الكتاني، المرجع السابق، ص100 – 101.

[13] – منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد المزدوج 53.54 السنة 21 ،ص115.

[14]– غير منشور.

[15]– قرار 504 بتاريخ 09/04/1985، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى في مادة الأحوال الشخصية من إعداد المستشار إدريس ملين، و انظر أيضا: الدكتور عبد السلام العسري شهادة الشهود في القضاء الإسلامي ص.532-533.

[16] – غير منشور.

[17]– غير منشور.

[18]– غير منشور.

[19]– الدكتور عبد السلام العسري، شهادة الشهود في القضاء الإسلامي، ص.739

[20]– غير منشور.

[21]– غير منشور.

[22] . قضاء المجلس الأعلى عدد 27 ص.129.

[23] . يراجع كتاب شهادة الشهود في القضاء الإسلامي الجزء الثاني الدكتور عبد السلام العسري ص 739 و ما يليها.

[24]– قرار عدد 34 الصادر بتاريخ 6 فبراير 1980 ملف مدني 61405 مجلة رابطة القضاة العدد 6-7 يونيو 1983.

و انظر أيضا :

قرار 2408 بتاريخ 15 أبريل 1998 ملف مدني 3900/1/5/97 مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 53-54 السنة 96 ص.83.

قرار آخر عدد 4278 بتاريخ 23 يونيو 98 ملف مدني 72/94 قضاء المجلس الأعلى في الأحوال الشخصية والعقار من سنة 1957 إلى 2002 للأستاذ عبد العزيز توفيق ص. 301.

[25]– قرار عدد 212-1 المؤرخ في 16/04/2013 ملف مدني عدد 1844-1-1-2012.(غير منشور).

[26]– منشور بمجلة القضاء و القانون عدد 128.

[27]– غير منشور.

[28]– قرار عدد 627 بتاريخ 27 يناير 98 ملف عقاري 1464/97. أشار إليه الدكتور محمد بادن دعوى الاستحقاق العقارية على ضوء الفقه المالكي و التشريع المغربي و العمل القضائي صفحة 275-276-277.

[29] – القرار عدد 224 بتاريخ 11 يونيه 1974 ملف اجتماعي عدد151029 مجلة القضاء و القانون عدد 128 صفحة 103.

[30] – قرار عدد 809 ملف مدني عدد 47797 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 31 ص.45.

[31]– قرار عدد 354 بتاريخ 21/3/1987 ملف عقاري عدد 4218/84 قضاء المجلس الأعلى عدد 40 ص.149.

[32] – قرار عدد 717 بتاريخ 8/12/1976. ( غير منشور ).

[33] – قرار عدد 915 بتاريخ 01/03/2011 ملف مدني عدد 2448-1-1-2019. ( غير منشور)