من خلال استقراء الفقه الإسلامي نجد أن هذه الطرق كانت موجودة في تقليد القضاة ولكن بشروط مخصوصة ملائمة لروح الشريعة الإسلامية نوضحها بما يأتي :

أولاً. روى أبو عمر محمد بن يوسف الكندي عن ابن فريد قال حدثنا يحيى بن عثمان قال : [سألت أبا يعقوب يوسف بن يحيى البويطي عن سبب ولاية ابن المتكدر القضاء فقال : أمر ابن طاهر بإحضار أهل مصر فحضر الناس وكنت فيمن حضر فدخلنا على ابن طاهر … فقال: إن جمعي لكم لترتادوا لأنفسكم قاضياً] (1). وهذا يدلل على إعطاء الناس الحق في انتخاب من يرضونه للقضاء ما يسمى اليوم في الانظمة الحديثة الاقتراع العام .

ثانياً. ذكر الكندي أنه [لما صرف أبو عبيد عن القضاء بمصر ورد كتاب إلى جماعة من شيوخ مصر أن يختاروا رجلاً يتسلم الأمر من أبي عبيد، فوقع اختيارهم على أبي الذكر فتسلم منه] وهنا يقصر حق الانتخاب على فئة معينة (الشيوخ) (2).

ثالثا: لقد طبقت طريقة الانتخاب في عهد الدولة العثمانية ، فقد كان ممثلو القرى والمدن يشتركون في انتخاب قضاة البداية والاستئناف ويعين الوالي من حاز على الأكثرية في هذا الانتخاب مدة سنتين(3) .وقد ناقش الفقه الإسلامي شرعية ذلك ، فقد بين الماوردي أن تعيين أهل البلد على أنفسهم قاضياً عند وجود الإمام يُعد اعتداءً عليه وعلى سلطته الشرعية فالحكم هو بطلان تعيينهم حتى لو لم يكن هناك إمام إذا كان يرجى أن يوجد بعد وقت قريب(4).

والحقيقة يبدو أن الأدلة التي تم إيرادها لا يمكن عدّها أساساً للقول بجواز اعتماد طريقة الانتخـاب أو غيرها في تقليد منصب القضاء لأنها لا تصدر عن آراء فقهية مستندة إلى أساس من الشرع بل وجدنا – كما في رأي الماوردي – معارضة لها كما انه ليس ضرورةً ان يصدر الحاكم في الدولة الاسلامية في سلوكه ورأيه عن حكم الشرع الاسلامي ومن ثمّ انتفاء حجيتها ، إلاّ أن الصحيح أنه لا مانع من الشريعة الإسلامية يحول دون اللجوء إلى أي طريقة أخرى في تقليد القضاة غير التعيين إذا وجد أنها تحقق الغاية التي ترجوها الشريعة وهي إقامة العدل ، إذ إن لكل طريقة من هذه الطرق سلبياتها التي يجب أن تكون في محط الأنظار عند اللجوء إلى هذه الطريقة أو تلك ، التي سوف ندرسها في موضوع اختيار القضاة في القانون ، غير أن الأصل في الفقه الإسلامي أن يتم تقليد منصب القضاء عن طريق التعين من الإمام أو من يخوله ذلك.

____________________________

– الكندي ، كتاب الولاة وكتاب القضاة ، ص433 .

2- المصدر السابق ، ص481 .

3- د. توفيق الشاوي، محاضرات في المبادئ الأساسية للتنظيم القضائي في البلاد العربية ، 1957، ص19.

4- د. محي هلال السرحان ، القضاء في الإسلام ، مجموعة محاضرات ، بغداد 1990-1991 ، ص27 ،

و عن الماوردي ، أدب القاضي ،ج 1 ص 139-142 .

صيغة عقد القضاء (أمر التعيين) في الفقة الاسلامي

القضاء في الشريعة الإسلامية عقد من العقود الجائزة يكون بين الإمام و من يكلف بالقضاء وصيغة عقد القضاء تعدّ باللفظ حين الحضور ، وبالمكاتبة عند الغيبة أو بهما معاً ، أما لفظ العقد فقط فيكون صريحاً مثل [قلدتك القضاء] أو [وليتك] أو [استخلفتك] أو [استتبتك] وما إلى ذلك فهنا يقول الفقهاء لا ينعقد العقد إلاّ إذا اقترن بما يزيل الاحتمال كأن يقول له [فاحكم] أو [فأنظر] فيكون حكمه كالصريح . ولا تتم التولية إلاّ بقبول القاضي ، ويصدر العقد من الخليفة أو نائبه المخول بذلك أو من قاضي القضاة أو قاضي الأقاليم المخول أو أهل البلد إذا خولوا ذلك . فإذا صدر العقد من أمير متغلب أو حاكم كافر فإن أمكن إزالتهما فلا ينفذ هذا العقد وإلاّ جاز إذا كان الحكم يجري على مقتضى أحكام الشرع الحنيف ولم يتدخل فيه أحد(1). وهذا هو رأي الجمهور.

______________________

1- د. محي هلال السرحان ، المصدر السابق ، ص29 ، واثق محمد نذير الغلامي . النظام القضائي في الاسلام ، مجلة دراسات اسلامية ، العدد الثالث ، السنة الاولى ، 2000م ، ص 76-77 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .