ألزم المشرع العراقي فئة من الأشخاص وهم التجار بمسك الدفاتر التجارية من خلال نصوص وردت في تشريعات عدة، فقد نصت المادة (12) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984 بأن:

((على التاجر الذي لا يقل رأس ماله عن (30000) ثلاثين ألف دينار أن يمسك الدفاتر التي تستلزمها طبيعة تجارته وأهميتها بطريقة تكفل بيان مركزه المالي. وعليه في جميع الأحوال أن يمسك الدفترين الآتيين: 1- دفتر اليومية 2- دفتر الأستاذ)).

يتضح من هذا النص ان كل تاجر، شخصاً طبيعياً كان أم شخصاً معنوياً، يلتزم بمسك الدفاتر التجارية، ولا يقتصر الإلتزام بمسك الدفاتر التجارية على التجار الوطنيين بل يشمل أيضاً التجار الأجانب الذين يمارسون الأعمال التجارية على إقليم الدولة ولو كان قانونهم الشخصي يعفيهم من مسك الدفاتر التجارية، لأن مسك هذه الدفاتر يفرضه تنظيم الحرفة التجارية من الناحية القانونية(1). أما بالنسبة لغير التاجر، شخصاً طبيعياً كان أم معنوياً، فلا يلتزم بمسك الدفاتر التجارية ولو باشر العمل التجاري بصورة عرضية لأنه لا يكتسب صفة التاجر لانعدام شرط الاحتراف(2). الأصل ان كل تاجر يلتزم بمسك الدفاتر التجارية إلا ان القانون أعفى صغار التجار الذين لا يتجاوز رأس مالهم ثلاثين ألف دينار من مسك الدفاتر التجارية(3)، والحكمة من ذلك هي التخفيف على صغار التجار الذين لا تتحمل رؤوس أموالهم البسيطة نفقات مسك الدفاتر التجارية، وكذلك ضآلة الضرر من عدم مسكهم للدفاتر التجارية نتيجة لبساطة أعمالهم(4)، وهذا المبدأ قد اعتمده قسم من التشريعات فأعفى صغار التجار الذين لا يتجاوز رأس مالهم حداً معيناً من مسك الدفاتر التجارية(5)، وقد انتقد البعض هذا الحكم(6)، لأنه قد يضعنا أمام مشكلة إثبات رأس مال التاجر، ليحدد على ضوئه خضوعه أو عدم خضوعه لمسك الدفاتر التجارية، وتعيين الطرف المكلف بهذا الإثبات، كما ان ذلك يخلق مركزاً قانونياً وسيطاً بين أرباب الحرف الصغيرة وهم لا يعدون تجاراً، وبين التاجر الذي يخضع إلى عامة الإلتزامات المقررة على أقرانه، إذ سنكون أمام مركز قانوني (ثالث) هو تاجر مستثنى من مسك الدفاتر التجارية دون الالتزامات الأخرى، ويعود تحديد كون التاجر صغيراً أم كبيراً إلى القضاء الذي يقدر ما إذا كان نشاط التاجر استناداً إلى رأس ماله يقتضي عليه مسك الدفاتر التجارية أم لا(7)، ويلاحظ ان المشرع العراقي في المادة (12) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984 حدد مقدار الحد الأدنى لرأس مال التاجر الذي يلتزم بمسك الدفاتر التجارية بثلاثين ألف دينار، وهذا المبلغ لم يعد يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الحالية التي يمر بها القطر، لذا نرى ضرورة إعادة النظر بمقدار الحد الأدنى لرأس مال التاجر الذي يلتزم بمسك الدفاتر التجارية عند تعديل قانون التجارة. أما المشرع الفرنسي فقد ألزم كل شخص، طبيعياً كان أم معنوياً، له صفة التاجر بمسك الدفاتر التجارية وذلك في المادة (8) من قانون التجارة الفرنسي، وتعد هذه القاعدة عامة لا يرد عليها استثناء لأن القانون المذكور لا يعرف التفرقة بين تاجر كبير وتاجر صغير، ومع ذلك يجب الاعتراف أن المحاكم في الواقع العملي تتسامح مع صغار التجار بشأن مسك الدفاتر التجارية، وهذا التسامح مبرر من الناحية العملية(8)، وقد اعتمد قسم من التشريعات هذا المبدأ فألزم كل تاجر بمسك الدفاتر التجارية دون استثناء(9)، في حين أن القسم الآخر من التشريعات وإن كان قد اعتمد المبدأ المذكور، وذلك بإلزام التاجر شخصاً طبيعياً كان أم معنوياً بمسك الدفاتر التجارية، إلا انه في الوقت ذاته أعفى صغار التجار الذين يتعاطون تجارة صغيرة أو حرفة بسيطة ذات نفقات زهيدة من الإلتزام بمسك الدفاتر التجارية(10).

وإذا كان القانون يلزم كل تاجر لا يقل رأس ماله عن ثلاثين ألف دينار بمسك الدفاتر التجارية، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل ان الشريك المتضامن في شركات الأشخاص الذي يكتسب صفة التاجر ملزم بمسك الدفاتر التجارية، إذا كان لا يمارس تجارة مستقلة عن تجارة الشركة؟

اختلف الفقه في الإجابة عن هذا التساؤل، فذهب رأي في الفقه إلى التزام الشريك المتضامن بمسك دفاتر تجارية مستقلة عن دفاتر الشركة لأنه يعد تاجراً بحكم القانون، وكذلك اختلاف شخصيته القانونية عن شخصية الشركة، ولأهمية هذه الدفاتر عند تعرضه للإفلاس حيث يقيد فيها ما يحصل عليه من أرباح الشركة وما ينفقه من مصروفات شخصية وفي ذلك حماية لمصالح الغير(11)، في حين ذهب الرأي الراجح في الفقه إلى عدم التزام الشريك المتضامن بمسك الدفاتر التجارية وذلك اكتفاءاً بدفاتر الشركة لأنه يتولى التجارة تحت ستار الشخص المعنوي (الشركة)، لذا تعتبر تجارة ودفاتر الشركة هي تجارة ودفاتر الشريك المتضامن، فالأرباح التي يحصل عليها الشريك تُقَيَد في ميزانية الشركة ودفاترها أما المصاريف الشخصية فلا سبيل لأحد عليها ما لم يكن الشريك المتضامن مديراً للشركة، فإن كان كذلك فإن ما تعلق من المصاريف بإدارة الشركة يتم إثباته في دفاترها(12). أما نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم (2) لسنة 1985(13)، والذي تعتبر أحكامه مكملة لقانون التجارة في هذا الشأن، فقد عَيَنَ الأشخاص الذين يلتزمون بمسك الدفاتر التجارية على سبيل الحصر فلا يجوز لأي منهم التملص من مسك الدفاتر التجارية وليس للسلطة المالية أن تلزم شخصاً لم يرد ذكره ضمن فئات المكلفين بمسك الدفاتر التجارية المنصوص عليها في هذا النظام بمسك الدفاتر التجارية(14)، وعلى وفق النظام المذكور فإن الأشخاص المكلفين بمسك الدفاتر التجارية تم تصنيفهم كالآتي:

أولاً: الفئة الأولى:

يلتزم الأشخاص الذين يدخلون ضمن هذه الفئة بمسك الدفاتر التجارية المنصوص عليها في نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل وتقديم حساباتهم الختامية إلى السلطة المالية بعد تدقيقها وتصديقها من مراقب الحسابات(15)، ويدخل في هذه الفئة المكلفون الآتي ذكرهم:

الشركات الوارد ذكرها في المادة(6) من قانون الشركات رقم(36) لسنة 1983(16).

فروع الشركات والمؤسسات الاقتصادية الأجنبية المشمولة بنظام فروع الشركات والمؤسسات الاقتصادية الأجنبية رقم (17) لسنة 1984(17).

الشركة البسيطة المنصوص عليها في المادة (174) من قانون الشركات والمشاركات الأخرى أياً كان نوعها إذا كان رأس مال كل منها ثلاثين ألف دينار فأكثر.

الأشخاص المسجلون في الغرف التجارية من الصنفين الأول والثاني، والصناعيون الذين تبلغ كلفة مشروع كل منهم ثلاثين ألف دينار فأكثر.

 المستوردون الذين يبلغ مجموع استيراداتهم خلال السنة خمسين ألف دينار فأكثر، والمصدرين الذين يبلغ مجموع قيمة البضائع المصدرة من قبلهم خلال السنة خمسين ألف دينار فأكثر.

المقاولون والمتعهدون الأصليون والثانويون المصنفون من وزارة التخطيط.

أصحاب دور السياحة والتسلية والترفيه، كدور السينما والمنتديات والملاعب وكذلك الفنادق المصنفة بثلاثة نجوم فأكثر.

أصحاب المطاعم من الدرجتين الممتازة والأولى.

أصحاب المستشفيات الأهلية والمذاخر.

ويلاحظ ان المشرع العراقي في البند (أ، ب، ج) من الفقرة (1) من المادة (7) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم (2) لسنة 1985،قد ألزم الشركات الوارد ذكرها في المواد (6 ،174 ) من قانون الشركات وفروع الشركات والمؤسسات الاقتصادية الأجنبية بمسك الدفاتر التجارية بغض النظر عن طبيعتها سواء كانت مدنية أم تجارية لأن النص ورد مطلقاً والمطلق يجري على إطلاقه (18)، وبذلك يكون المشرع العراقي قد ألزم بعض الأشخاص الذين لا يكتسبون صفة التجار بمسك الدفاتر التجارية وذلك يعد استثناءاً من القاعدة العامة التي نصت عليها المادة (12) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984 والتي تفرض مسك الدفاتر التجارية على التجار دون غيرهم، فإذا اتخذت الشركة أحد الأشكال المنصوص عليها في قانون الشركات أياً كان الغرض الذي أنشأت الشركة من أجله تعين عليها مسك الدفاتر التجارية.

ثانيا –الفئة الثانية:

يلتزم الأشخاص الذين يدخلون ضمن هذه الفئة بمسك الدفاتر التجارية المنصوص عليها في نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل وتقديم حساباتهم الختامية إلى السلطة المالية دون اشتراط تدقيقها وتصديقها من مراقب الحسابات(19)، ويدخل في هذه الفئة المكلفون الآتي ذكرهم:

الشركة البسيطة المنصوص عليها في المادة (174) من قانون الشركات، وكذلك المشاركات الأخرى أياً كان نوعها إذا كان رأس مالها يقل عن ثلاثين ألف دينار.

الأشخاص المسجلون في الغرف التجارية من الصنف الثالث وما يليه الذين لا يقل رأس مالهم عن ثلاثين ألف دينار.

الصناعيون الذين تبلغ كلفة مشاريعهم الصناعية أقل من ثلاثين ألف دينار.

المستوردون الذين تقل قيمة استيراداتهم في السنة عن خمسين ألف دينار، والمصدرون الذين تبلغ مجموع البضائع المصدرة من قبلهم خلال السنة أقل من خمسين ألف دينار.

 المقاولون والمتعهدون غير المصنفين من وزارة التخطيط إذا زاد مجموع مبلغ المقاولات والتعهدات المحالة عليهم على خمسين ألف دينار.

أصحاب المطاعم من الدرجة الثانية.

أصحاب مكاتب التدقيق وتنظيم الحسابات وأصحاب المكاتب العلمية والاستشارية والمكاتب السياحية.

وكلاء القطاع الاشتراكي الذين تبلغ قيمة مشترياتهم في السنة مائة ألف دينار فأكثر سواء كانت هذه المشتريات من القطاع الاشتراكي أم المختلط أم الخاص.

الوكلاء بالعمولة ووكلاء الإخراج الكمركي ووكلاء التأمين.

أصحاب معارض السيارات.

أصحاب المزادات العلنية.

ويلاحظ ان المشرع العراقي في البند (أ،ج،د) من الفقرة (2) من المادة (7) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم (2) لسنة 1985، قد ألزم بعض الأشخاص بمسك الدفاتر التجارية بالرغم من ان مقدار رأس مالهم يقل عن مقدار الحد الأدنى لرأس مال التاجر الذي يلتزم بمسك الدفاتر التجارية والذي عينته المادة (12) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984 بثلاثين ألف دينار، وكذلك إلزامه مكاتب التدقيق وتنظيم الحسابات بمسك الدفاتر التجارية بالرغم من انها لا تكتسب صفة التاجر.

ثالثاً – الفئة الثالثة:

يلتزم الأشخاص الذين يدخلون ضمن هذه الفئة بمسك دفاتر محاسبية حسب النماذج المعدة من السلطة المالية وحسب طبيعة كل مهنة أو حرفة (20)، ويدخل ضمن هذه الفئة المكلفون الآتي ذكرهم:

المهنيون كالأطباء والمحامين والمهندسين.

الحرفيون كالحدادين والحلاقين والنجارين والخياطين.

أصحاب مكاتب دلالة العقار.

أصحاب الصيدليات والمختبرات والتحاليل والأشعة.

وقد أعدت السلطة المالية نماذج للدفاتر التي يلتزم بمسكها الأشخاص الذين يدخلون ضمن هذه الفئة، وهي على شكل إستمارات خاصة تتضمن بعض البيانات حسب طبيعة نشاط كل مهنة أو حرفة، استثناءاً من حكم المادة (1) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم(2) لسنة 1985، وقد وصف المشرع العراقي في المادة (10) من النظام ذاته النماذج المذكورة بأنها دفاتر تجارية بالرغم من إنها لا تدخل ضمن مفهوم الدفاتر التجارية، كما أن بعض الأشخاص الذين يلتزمون بمسكها لا يَصدُقْ عليهم وصف التجار.

_______________

1- د. علي حسن يونس، القانون التجاري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1970، ص228 .

2- د. علي سلمان العبيدي، دراسات في القانون التجاري المغربي، الطبعة الأولى، مطبعة الأمنية، الرباط، 1966، ص124.

3- أنظر: المادة (12) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984 .

4- د. أحمد زيادات – د. إبراهيم العموش، الوجيز في التشريعات التجارية الأردنية، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر، عمان، 1996، ص58 .

5- كالمادة (21) من قانون التجارة المصري، والمادة (7) من القانون التجاري التونسي، والمادة (1) من نظام الدفاتر التجارية السعودي.

6- د. عدنان أحمد ولي العزاوي، آراء وملاحظات حول قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984، مجلة العلوم القانونية والسياسية، كلية القانون والسياسة – جامعة بغداد، العدد الأول والثاني، 1986، ص416 .

7- نديم عبد الرحمن الصالحي – محمد علي درويش، الدفاتر التجارية، مطبعة دار السلام، بغداد، بدون سنة طبع، ص29 .

8- J. Hamel et G. Lagarde et A. Jauffret، op. cit، p. 403 .

9- كالمادة (9) من القانون التجاري الجزائري، والمادة (10) من القانون التجاري المغربي.

10- كالمادة (10) من قانون التجارة اللبناني، والمادة (10) من قانون التجارة السوري، والمادة (10) من قانون التجارة الأردني.

11- د. أكثم أمين الخولي، قانون التجارة اللبناني المقارن، الجزء الأول، دار النهضة العربية، بيروت، 1967، ص283 .

12- د. صلاح الدين الناهي، الجديد في قانون التجارة الجديد، مجلة القضاء، نقابة المحامين العراقية، العدد الرابع، السنة السادسة والعشرون، 1970، ص9،د. علي حسن يونس، القانون التجاري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1970،ص226-227.

13- صدر النظام استناداً إلى المادة (60) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982، ونشر بجريدة الوقائع العراقية بالعدد (3030) بتاريخ 28/1/1985.

14- نديم عبد الرحمن الصالحي – محمد علي درويش، المرجع السابق، ص29 .

15- الفقرة (1) من المادة (7) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم (2) لسنة 1985.

16- أُلغي القانون المذكور وحل محله قانون الشركات رقم(21) لسنة 1997.

17- أُلغي النظام المذكور وحل محله نظام فروع ومكاتب الشركات والمؤسسات الأقتصادية الأجنبية رقم (5)لسنة 1989.

18- تنص الفقرة (1) من المادة (7) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984 عل ان “يعتبر تاجراً كل شخص طبيعي او معنوي يزاول باسمه ولحسابه على وجه الإحتراف عملاً تجارياً وفق احكام هذا القانون”.

19- الفقرة (2) من المادة (7) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم (2) لسنة 1985.

20- الفقرة(3) من المادة (7) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم (2) لسنة 1985.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .