الطعنان 146 و147 لسنة 21 ق جلسة 25 / 3 / 1954 مكتب فني 5 ج 2 ق 104 ص 635 جلسة 25 من مارس سنة 1954

(104)
القضيتان رقما 146 و147 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت ومحمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، ومحمود عياد المستشارين.
————-
)أ ) شفعة.
الشفيع يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لطرفي عقد البيع سبب الشفعة. عدم جواز الاحتجاج عليه بغير العقد الظاهر. مثال.
)ب) حكم. تسبيبه.
محكمة الإحالة. مدى سلطتها بعد نقض الحكم.

————–
1 – استقر قضاء هذه المحكمة على أن الشفيع بحكم أنه صاحب حق في أخذ العقار بالشفعة يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لطرفي عقد البيع سبب الشفعة، فلا يحتج عليه بغير العقد الظاهر. وإذن فمتى كانت الأطيان المشفوع فيها مملوكة لمصلحة الأملاك الأميرية وأن لمالكيها الأصليين حق استردادها بحكم القانون في خلال فترة معينة ثم تنازلا عن هذا الحق إلى المشتري الذي تعاقد مع مصلحة الأملاك ولم يشر في هذا العقد إلا لإقراري تنازل صاحبي حق الاسترداد ولم يرد فيه ذكر للعقد الذي سبق إبرامه بين المتنازلين وبين المشتري والذي يتضمن أن مصلحة الأملاك تحرر عقداً لأحد المتنازلين وهذا يحرر بدوره عقداً للمشتري، وكان هذا المشتري لم يتمسك في دفاعه في أية مرحلة من مراحل التقاضي بأن الشفيع كان يعلم بالعقد المستتر حتى كان يصح الاحتجاج عليه بما ورد فيه، فإن النعي على الحكم بأنه مسخ نصوص العقد المستتر، أو أنه لم يلتزم نصوصه، أو أخطأ في تكييفه، أو أنه لم يبت في صوريته، كل هذا النعي يكون غير منتج لأن الشفيع لا يمكن أن يحاج به ما دام البيع الذي صدر من مصلحة الأملاك بوصفها بائعة إلى المشتري هو الذي تقام على أساسه دعوى الشفعة.
2 – إن مفاد نص المادة 444 من قانون المرافعات هو أن يكون لمحكمة الإحالة أن تقيم حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى الذي تحصله مما يقدم إليها من دفاع أو على أسس قانونية أخرى غير التي جاءت بالحكم المطعون فيه واستوجبت نقضه، متى كانت لا تخالف قاعدة قانونية قررتها محكمة النقض في حكمها الناقض.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر، ومرافعة المحامين عن الطاعنين والمطعون عليهما الأول والثانية والنيابة العامة وبعد المداولة؛
من حيث إن الطعنين واردان على حكم واحد وبين الخصوم أنفسهم، فقد تقرر ضم الطعن الآخر المقدم من إسماعيل فتح الله الجيار وهو الطعن رقم 147 سنة 21 ق إلى الطعن المقدم من الأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي وهو الطعن رقم 146 سنة 21 ق.
ومن حيث إنهما قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – في أن المطعون عليه (أمين قنديل) وجه في 13 من مارس سنة 1944 إنذاراً إلى الأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي ومدير مصلحة الأملاك الأميرية النائب عن وزير المالية يقول فيه إنه علم بأن الأستاذ راضي اشترى من مصلحة الأملاك الأطيان المبينة بالإنذار بثمن قدره 6110 جنيهات دفع جزءاً منه، وأنه شفيع فيها، وأنه يمهل المعلن إليهما خمسة عشر يوماً للإجابة على هذا الإنذار بالقبول أو بالرفض أو بمناقشة صحة البيانات المدونة بهذا الإنذار. وفي أول إبريل سنة 1944 رفع الشفيع الدعوى على المشتري ومصلحة الأملاك بوصفها البائعة لدى محكمة الإسكندرية الابتدائية وقيدت برقم 574 سنة 1944 كلي طلب فيها الحكم بأحقيته في أخذ العقار المبيع بالشفعة وقدره 53 فداناً و17 قيراطاً و6 أسهم مقابل مبلغ 6110 جنيهات من الملحقات وعند الاقتضاء بالثمن الحقيقي وملحقاته. وبجلسة 8 من يونيه سنة 1944 دفع محامي الطاعن (الأستاذ راضي) الدعوى “بأنه لم يشتر، وأن الصفقة نقلت إليه بمقتضى الأمر الصادر بصيانة الثروة العقارية. وبيان ذلك أن واحدة اسمها نفيسة نزعت ملكيتها والمدعى عليه الأول (الأستاذ راضي) استردها، لأنه قريب لها ونفيسة تنازلت لابنها إسماعيل أفندي الجيار، وإسماعيل تنازل إلى المدعى عليه الأول (راضي)، وهذا العقد وأوراقه تحت يد الحكومة فالشفعة منعدمة”. وقد أعلن الطاعن (راضي) مصلحة الأملاك في 2 من سبتمبر سنة 1944 لتقديم ما لديها من مستندات وهي “الطلبات المقدمة من الست نفيسة محمد عمار وإسماعيل فتح الله الجيار من أوراق رد الأطيان للست نفيسة وأوراق التنازل الحاصل من إسماعيل فتح الله الجيار إلى الطالب”. وبجلسة 2 من نوفمبر سنة 1944 طلب إسماعيل فتح الله الجيار دخوله خصماً ثالثاً في الدعوى وقال الحاضر عنه “مصلحة الأملاك لم تبع للمدعى عليه الأول، ولكنها باعت للست نفيسة محمد عمار بعقد يرجع تاريخه إلى فبراير سنة 1941 والست نفيسة تنازلت لي بوصف أني ولدها بعقد لاحق على عقد فبراير سنة 1941 وأنا بدوري تنازلت عما خصني بعقد بدل وسأقدمه، وقال إن مصلحة الأملاك تلقت ملكية هذه الأرض على أساس تخفيف الأعباء عن المدنيين بقانون سنة 1935 وتقدمت الست نفيسة واستردت الأطيان والعملية ليست عملية بيع، والتحليل أن الملكية أعيدت لأصحابها” والأستاذ إسماعيل حمزة (عن الأستاذ راضي) قال “إن جميع الوقائع التي قالها طالب التدخل صحيحة ما عدا وهو أن الست نفيسة استردت الأطيان وتنازلت عن حقها في الاسترداد لابنها إسماعيل أفندي وإسماعيل تبادل معنا وقال صورة عقدي عند مصلحة الأملاك، وأنا أطلب من مصلحة الأملاك طلب الست المقدم باستعمال حقها في الاسترداد ثانياً: التنازل الحاصل منها عن هذا الحق إلى نجلها إسماعيل أفندي فتح الله الجيار، ثالثاً: التنازل الحاصل عن هذا الحق إلى محمد أفندي عبد الفتاح خيرت راضي، رابعاً: العقد الذي تم بين محمد أفندي عبد الفتاح وإسماعيل أفندي فتح الله وقدمته لمصلحة الأملاك لتحرير عملية الرد منها مباشرة، وبالجلسة المذكورة قدمت مصلحة الأملاك عقد البيع الابتدائي المبرم بينها وبين السيدة نفيسة محمد عمار في فبراير سنة 1941 وكذلك عقداً محرراً بين السيدة نفيسة هانم محمد عمار ونجلها إسماعيل فتح الله الجيار طرفاً أول والأستاذ الشيخ محمد خيرت راضي بك وولده الطاعن (راضي) طرفاً ثانياً يقرر فيه الطرف الأول بتنازلهما للطرف الثاني عن حق استرداد الـ 53 فداناً و17 قيراطاً و5 أسهم وإحلاله محلهما في هذا الاسترداد وفي دفع الثمن وتحرير العقد النهائي باسمه وتاريخه 23 من يناير سنة 1944” وفي 14 من يونيه سنة 1945 قضت المحكمة أولاً – بقبول إسماعيل فتح الله الجيار والست سقساقة حسن الجيار التي انضمت إلى الشفيع في طلباته خصوماً ثلثاً في الدعوى، ثانياً – برفض دعوى المدعي… استأنف الشفيعان هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية وقيد بجدولها العمومي برقم 1/ 1 ق بعريضة طلبا في ختامها وللأسباب الواردة بها الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وأحقية المستأنف الأول في أخذ الأطيان المبينة بعريضة الدعوى بالشفعة…. وفي 11 من يونيه سنة 1947 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وأحقية المستأنف الأول (أمين قنديل) في أخذ الأطيان المبينة الحدود والمعالم بعريضة دعوى الشفعة وقدرها 53 فداناً و17 قيراطاً و6 أسهم بالشفعة مقابل دفع الثمن المسمى في عقد البيع المشفوع فيه المحرر بتاريخ 31/ 1/ 1944 بين مصلحة الأملاك الأميرية والمشتري محمد أفندي عبد الفتاح خيرت راضي بخلاف مصاريف الإدارة التي تحددها البائعة بلا معارضة من قبله والمصاريف والملحقات وألزمت المستأنف عليه الأول محمد عبد الفتاح خيرت راضي بالمصاريف عن الدرجتين… الخ. وفي 17 من أكتوبر سنة 1947 طعن إسماعيل فتح الله الجيار بطريق النقض في هذا الحكم وقيد طعنه برقم 186/ 17 ق وفي 8 من أكتوبر سنة 1947 طعن محمد عبد الفتاح خيرت راضي بطريق النقض في الحكم نفسه وقيد طعنه برقم 187/ 17 ق وبعد أن قررت محكمة النقض ضم الطعن الثاني للأول حكمت في 9 من يونيه سنة 1949 بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة استئناف الإسكندرية. وفي 16 من نوفمبر سنة 1949 حرك المطعون عليه الأول والسيدة سقساقه استئنافهما وطلبا الحكم بطلباتهما السابق إعلان المستأنف عليهم بها. وفي 25 من فبراير سنة 1951 قضت محكمة الاستئناف بطلبات المستأنفين. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض.
“عن الطعن رقم 146 سنة 21 ق”:
من حيث إنه بني على ثلاثة أسباب يتحصل الأول منها في أن الحكم إذ قرر بأن عقد 23 من يناير سنة 1944 لم يكن بيعاً ولا بدلاً وقطع ما بين هذا العقد والعقد الصادر من مصلحة الأملاك إلى الطاعن في 31 من يناير سنة 1944 من وثيق الأسباب، وإذ قرر أن العقد الوحيد الذي يصح له اعتبار ووجود قانوني إنما هو عقد 31 من يناير سنة 1944، وأنه هو وحده الذي يصح أن يواجه به الشفيع، وإذ رتب على ذلك أن وصف عقد تمليك الطاعن بأنه عقد مستقل بذاته صادر من مصلحة الأملاك لهذا الطاعن فتصح فيه الشفعة، أخطأ في تكييف عقد تملك الطاعن وخالف أحكام القانون. ذلك أن الطاعن تمسك لدى محكمة الاستئناف بأن عقد تملكه إنما هو عقد أفرغ في وثيقتين الأولى وثيقة 23 من يناير سنة 1944 المبرمة بين المرحومة السيدة نفيسة محمد عمار وولدها إسماعيل فتح الله الجيار من ناحية وبين المرحوم الأستاذ محمد خيرت راضي وولده الأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي من ناحية أخرى. والثانية وثيقة 31 من يناير سنة 1944 المبرمة بين مصلحة الأملاك والأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي، وأن هاتين الوثيقتين تكوّنان وحدة لا انفصام لها لما يربطهما من أواصر قوية تستند إلى حقائق قانونية، وقد تمسك الطاعن بهذا الدفاع، وإلا أن المحكمة مسخته إذ أخذت تتحدث عن التنازل للطاعن عن حق الأولوية وغير ذلك من شروط العقد وهو أبعد ما يكون عن طبيعة دفاعه، كما أن الحكم إذ كيف حقوق السيدة نفيسة بوصفها طرفاً في عقد البدل المحرر في 23 من يناير سنة 1944 بقوله بأنه “سبق أن نزعت ملكيتها عن تلك الأطيان المشفوع فيها، وأنها بصفتها صاحبة الحق في استرداد الأطيان قد طلبت من مصلحة الأملاك استعمال هذا الحق وذلك في 16 من يونيه سنة 1937 أي قبل انتهاء الأجل المحدد للاسترداد وهو 27 من نوفمبر سنة 1940 فأجيبت إلى طلبها وصدر لها من مصلحة الأملاك في فبراير سنة 1941 عقد بيع ابتدائي برد الأطيان إليها ولكن هذا العقد لم يسجل”. وانتهى إلى “أنه ما دام عقد رد الأطيان للسيدة نفيسة المبرم في فبراير سنة 1941 لم يسجل فالملكية باقية لمصلحة الأملاك، وأن عقد فبراير سنة 1941 يظل مع هذا منشئاً لحقوق شخصية قبل مصلحة الأملاك تلتزم بمقتضاه أن تنفذه وترد الملكية للست المذكورة… غير أنه لم يبق لها حقوق بعد أن تنازلت في 31/ 12/ 1942 عن حقها في الاسترداد وأباحت لولدها إسماعيل فتح الله الجيار أن يحل محلها… ويخلص مما تقدم أن القانون قد أعطاها الأولوية في استرداد ملكية أطيانها إلا أنها بعد أن أظهرت رغبتها في استعمال هذا الحق لم تستكمل الإجراءات القانونية لنقل الملكية إليها وأكثر من هذا فقد تنازلت عن حق الأولوية وأفسحت الطريق لابنها لشراء الأطيان من مصلحة الأملاك، وبذلك تكون قد ألغت من جانبها عقد البيع الابتدائي الصادر لها في فبراير سنة 1941 وأسقطت حقها في الأولوية التي أتاحها لها القانون لاسترداد ملكيتها، وأباحت بذلك لابنها أن يستعمل حقه في ترتيب أولوية شراء هذه الأطيان، وإذ كيف الحكم حقوق السيدة نفيسة الناشئة عن عقد فبراير سنة 1941 بأنه ليس إلا مجرد حق استرداد الأطيان المنزوعة ملكيتها فإن هذا الحق قد استعمل في الواقع في سنة 1937 وأن عقد البيع كما قرر الحكم قد ظل منشئاً لحقوق شخصية والتزامات ركبت ذمة مصلحة الأملاك. بل إن طرفيه لا يستطيعان التحلل منه، لما فرضته عليهما قوانين صيانة الثروة العقارية من قيود كثيرة تجب مراعاتها ولا يمكن الخروج عنها. وإذ قرر الحكم “أن مصلحة الأملاك سكتت عن التمسك بعقد فبراير سنة 1941 فدلت بذلك على قبولها الضمني فسخ هذا العقد وقد تلاقت إرادة طرفي العقد المذكور اللذين عقداه على فسخه: الست نفيسة بإقرار التنازل الحاصل في 31/ 12/ 1942 لمصلحة الأملاك وهذه بالسكوت” إذ قرر الحكم ذلك، لم يعن بإيراد الدليل القانوني على هذا التفاسخ مع أن هذا العقد مشار إليه في مستهل عقد 31 يناير سنة 1944 كما أن مصلحة الأملاك احتفظت بصورة من عقد 23 من يناير سنة 1944 الذي هو سبب تصرف السيدة نفيسة والذي هو السبب القانوني لعقد 31 من يناير سنة 1944 في ملف المادة. أما ما ذهب إليه الحكم من أن سكوت مصلحة الأملاك عن عقد فبراير سنة 1941 يعتبر قبولاً ضمنياً منها لفسخه مع أن التفاسخ عقد يتعين على من يقول به أن يدلل على حصوله، إن الحكم إذ قرر ذلك يكون قد شابه قصور يبطله، هذا فضلاً عن أنه لو كان ثمة تفاسخ لسوّى الطرفان المتعاقدان حساب المبالغ التي دفعتها السيدة نفيسة محمد عمار من أقساط الثمن وقد بلغت 865 جنيهاً ولما كان هناك سبب لأن تثبت المصلحة بالمواد على عقد بيعها المطبوع هذه العبارة “هذه الأطيان هي المسبوق ردها للست نفيسة ثم تنازلت عنها لابنها إسماعيل أفندي فتح الله الجيار الذي تنازل عنها لحضرة المشتري بتاريخ 24 يناير سنة 1944″، مما يستفاد منه أن التنازل الصادر من السيدة نفيسة لم يكن عن حق استردادها بل عن الأطيان ذاتها، كما أن الأمر لم يكن في الواقع إلا موافقة على تصرف من جانب السيدة نفيسة عمار وولدها في تلك الأطيان المستردة أذنت به مصلحة الأملاك النائبة عن وزير المالية في شئون صيانة الثروة العقارية بالتطبيق لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 27 نوفمبر سنة 1935، على أنه من ناحية أخرى فإنه لو كان هناك تفاسخ لتحررت مصلحة الأملاك من التزاماتها قبل السيدة نفيسة وولدها ولكان لزاماً عليها بمقتضى أحكام قرارات مجلس الوزراء أن تطرح تلك الأطيان للبيع بالمزايدة بطريق المظاريف لا أن تسلمها للطاعن بنصف ثمنها، أما ما قرره الحكم في خصوص حقوق إسماعيل فتح الله بقوله “ويبقى لإسماعيل فتح الله الجيار من حقوق، فلقد تنازلت والدته عن حقها في استرداد الأطيان من مصلحة الأملاك بإقرار التنازل المؤرخ في 31/ 12/ 1942 وأتاحت له الحق في شرائها إلا أنه لم يستعمل هذا الحق بالسعي لاستصدار عقد له بالملكية من مصلحة الأملاك لا عرفي ولا مسجل إلى أن حل يوم 23 يناير سنة 1944 الذي تعاقد فيه مع محمد عبد الفتاح خيرت راضي ووالده المرحوم خيرت بك راضي بالعقد المحرر في التاريخ المذكور والذي نص فيه على تنازله عن حقه في استرداد الأطيان من مصلحة الأملاك لمحمد عبد الفتاح خيرت راضي، كما نص في موضع آخر من العقد على أنه باع هذا القدر إليه ولا يمكن القول بأنه كان له أكثر من حق يبيح له بحكم سلطة الأولوية المقررة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1937 باعتباره ابناً للمالكة المنزوعة ملكيتها التي تنحى عن شرائها أن يشتري هذه الأطيان بالأفضلية على باقي الأقارب والأصهار، وإذن يكون القول في عقد 23/ 1/ 1944 بأنه باع الأطيان مقابل ذلك الثمن وذلك القدر من الأطيان قولاً يجافي الحقيقة والواقع، لأنه لم يكن مالكاً حتى يبيع وكانت الملكية لا تزال كما كانت في يد الحكومة لم تنقلها إلى والدته التي كانت قد فسخت عقدها الابتدائي كما لم تنقلها إليه، بل لم يكن قد طلب منها أن تنقلها إليه حتى ذلك التاريخ ولم يحرر بشأنها بينه وبين مصلحة الأملاك أي اتفاق”. هذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه يخالف قواعد التفسير وأحكام التكييف ولا يستقيم مع ظروف الدعوى التي تفيد أنه قد تحولت حقوقه إلى إسماعيل، تلك الحقوق التي نشأت عن عقد فبراير سنة 1941 وأنه أصبح صاحب مركز قانوني ثابت، مما كان لا يصح معه للحكم أن يصف هذا الحق بأنه ليس إلا حقاً في استرداد الأطيان وأنه لم يستعمله، أما ما ذهب إليه الحكم من “أن عقد 23 من يناير سنة 1944 لم يكن بيعاً ولا معاوضة وليس فيه إلا التزام خاص تعمد إسماعيل فتح الله الجيار بمقتضاه أن يتنحى عن دوره في الأولوية في شراء الأطيان إلى شخص آخر من أقربائه في سلسلة الأولوية المبينة بقرار مجلس الوزراء سالف الذكر” وأن طرفي العقد “قد أرادا أن يجعلا لهذا التنازل عن حق الأولوية مقابلاً من مال وأطيان وأن يصل هذا المقابل إلى ما يعادل تقريباً ثمن الأطيان لدى مصلحة الأملاك فتضاعفت بذلك قيمة الصفقة، وأن ذلك لا يغير من وصف هذا العمل القانوني ويجعله بيعاً أو مقايضة مع ظهور انعدام ركن أساسي من أركان البيع والمقايضة وهو وجود الشيء المبيع في ملكية البائع لا في ملكية غيره، وقد أراد الطرفان في هذا العقد حمل مصلحة الأملاك على تحرير عقد بيع نهائي إلى إسماعيل فتح الله الجيار، ثم تحرير عقد منه إلى محمد عبد الفتاح خيرت راضي، ولكن مصلحة الأملاك لم تنفذ لهما هذا الاتفاق وأصدرت عقد البيع منها رأساً إلى محمد عبد الفتاح خيرت راضي بتاريخ 31/ 1/ 1944 ولم تشر فيه إلى عقد الاتفاق المؤرخ 23/ 1/ 1944 سالف الذكر وما جاء به من التنازل وكل ما ذكرته، وهذه الأطيان هي المسبوق ردها للست نفيسة محمد عمار ثم تنازلت عنها لابنها إسماعيل الذي تنازل عنها للمشتري في 24/ 1/ 1944 ولا يمكن تفسير السر في إيراد هذه العبارة في عقد البيع الصادر من مصلحة الأملاك للمشتري في 31/ 1/ 1944 إلا على سبيل القصص ليس إلا والتاريخ الأخير 24/ 1/ 1944 هو تاريخ الإقرار بالتنازل الذي اعتمدته مصلحة الأملاك” وهذا الذي ذهب إليه الحكم فيه مسخ وتحريف لنصوص عقد 23 من يناير سنة 1944 الذي تضمن تاريخ الأطيان المتعاقد بشأنها ونزع ملكيتها وطلبت السيدة نفيسة الاحتفاظ بها واستردادها وكيف أصبح من حق السيدة نفيسة استردادها من الحكومة ثم تنازلها عن هذا الحق لنجلها إسماعيل وتنازل الاثنين للطاعن وشروط إحلاله محلهما وبيان الثمن المتفق عليه والتزامات المشتري الأخرى وبيع الشيخ خيرت راضي إلى إسماعيل فتح الله الجيار 21 فدان و6 قراريط و18 سهماً بسعر معين والاتفاق على تقديم نسخة من هذا العقد إلى مصلحة الأملاك لإثبات مشتملاته في العقد النهائي مما يستفاد منه أن نية الطرفين قد انصرفت في صراحة إلى التقايض في أطيان الصفقة المستردة مقابل ال 21 فداناً وكسور التي باعها المرحوم محمد بك خيرت راضي لإسماعيل فتح الله الجيار من أملاك الأول ومقابل مبلغ 1171 جنيهاً و400 مليم دفعها الأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي لإسماعيل فتح الجيار مقابل قيام الأستاذ راضي بدفع باقي أقساط المبالغ التي تطلبها مصلحة الأملاك وإذا طرح الحكم كل هذه النصوص الواضحة فإنه يكون قد جانب قواعد التفسير – فضلاً عن أن ما قرره الحكم في خصوص عدم إشارة مصلحة الأملاك في عقد 31/ 1/ 1944 إلى العقد المبرم في 23/ 1/ 1944 غير صحيح ذلك أن العقد الأخير حينما تعرض لاتفاق الطرفين على مطالبة مصلحة الأملاك تحرير عقد يشمل خلاصة ما جاء بعقد 23 من يناير سنة 1944 إنما كان يتحدث عن إيراد ذلك في العقد النهائي في حين أن العقد الذي حرر بين مصلحة الأملاك والطاعن في 31 من يناير سنة 1944 لم يكن إلا عقداً ابتدائياً – كما أن صورة منه كانت في حوزة مصلحة الأملاك بملف المادة مما لا يمكن معه القول بأن مصلحة الأملاك لم تنفذ للمتعاقدين هذا الاتفاق أو أن يعاب عليها عدم إشارتها إليه عند تعاقدها مع الطاعن في 31 من يناير سنة 1944.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه عاره بطلان جوهري إذ شاع في أسبابه الغموض والتناقض والتخاذل وعدم مواجهة نقط النزاع مواجهة صريحة مما يجعل أسبابه تشبه الأسباب في ظاهرها ولكن لا مقطع فيها برأي مما يعيبه ويبطله ذلك أنه إذ حاول تكييف عقد تملك الطاعن للأطيان المشفوع فيها أخطأ فيما أنزله عليه من أوصاف قانونية فخلط بين الحقوق الناشئة عن عقد فبراير سنة 1941 وبين حق الاسترداد الذي كان قد استعمل وانتهى بذلك العقد وبين حقوق الأولوية في الاسترداد والتي لم يعد بعد محل لبحثها بعد أن انتهى الأجل الذي حدده لها قرار مجلس الوزراء. وانطلق يقول إن السيدة نفيسة قد تنازلت عن تلك الحقوق لولدها إسماعيل مما كان يتعين معه أن تستقر تلك الحقوق كما هي في ذمة إسماعيل إلا أن الحكم لا يلبث أن يقول إن السيدة نفيسة التي حولت حقوقها في عقد فبراير سنة 1941 لولدها قد ألغت في الوقت ذاته من جانبها عقد البيع الابتدائي المذكور – كما أن المحكمة – إذ تحدثت عن عقد 23 من يناير سنة 1944 في حكمها – على زعم صوريته مرددة أقوال الشفيع وأدلته عليها فإنها فضلاً عن كونها لم تشر في أسبابها إلى ردود الطاعن عليها. فإنها وقفت عند حد ترديدها دون أن تقول كلمتها فيها مع وجوب ذلك ليستقيم حكمها.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم إذ قرر جواز الشفعة فيما تبيعه مصلحة الأملاك الأميرية من أطيان صيانة الثروة العقارية على أساس أنه في حقيقة تكييفه القانوني إنما هو تقايل في البيع الأول الناتج عن إجراءات نزع الملكية وتراد للمالك الأصلي المنزوعة ملكيته متى وقع البيع لذلك المالك الأصلي ولكنه متى وقع لغير ذلك المالك المنزوعة ملكيته ممن يليه في الترتيب الوارد في قرار مجلس الوزراء الصادر في نوفمبر سنة 1953 يقع بيعاً تجوز فيه الشفعة إذ قرر الحكم ذلك يكون قد خالف القانون. ذلك أن هذا البيع إنما يستمد طبيعته من طبيعة عقدي البيع والهبة معاً فهو ليس بيعاً خالصاً تجوز فيه الشفعة.
عن الطعن رقم 147 سنة 21 ق:
ومن حيث إنه مقام على سببين: يتحصل الأول منهما في أن الحكم شابه القصور في التسبيب من الأوجه الآتية: (الوجه الأول) – إذ قرر أن الست نفيسة تنازلت في ديسمبر سنة 1941 عن حقها “في الاسترداد” أو عن (حق الأولوية في استرداد الأطيان) وأفسحت الطريق لابنها لشراء الأطيان من مصلحة الأملاك وأباحت له أن يستعمل حقه في ترتيب أولوية الشراء. وإذ رتب على ذلك قوله إن الست نفيسة قد تفاسخت عن عقدها مع مصلحة الأملاك وأن ابنها إسماعيل الجيار لم يحل محلها في البيع الصادر لها ولم يكسب أي حق يتعلق بذات الأطيان – مع أن صيغة التنازل صريحة في أنها إنما تنزل لابنها عن الأطيان التي استردتها بحيث يصير هو المسئول وحده عن كل ما يطلب من أقساط وأموال وليكون عقد البيع النهائي باسمه مع أنه لو كان المراد هو التفاسخ عن العقد الابتدائي والنزول عن مجرد الأولوية في طلب الاسترداد لقيل ذلك ولقيل إن المتنازل إليه يكون هو المسئول عن الثمن لا عن الأقساط الباقية ولنص على كتابة عقد ابتدائي جديد للمتنازل إليه ولما كانت عبارة التنازل واضحة لا تحتمل التفسير الذي ذهبت إليه المحكمة من أن المراد به هو مجرد إفساح الطريق لإسماعيل الجيار لكي يطلب باسمه استرداد الأطيان من جديد باعتباره صاحب أولوية فإنه ما كان يجوز للمحكمة أن تنحرف عن هذا المعنى الظاهر. وإذ هي فعلت ذلك. فإنها تكون قد خالفت المادة 150 من القانون المدني (والوجه الثاني) – إذ قرر الحكم أن عقد 23 من يناير سنة 1944 الصادر من الست نفيسة وإسماعيل الجيار إلى الأستاذ راضي ووالده لم يكن بيعاً ولا معاوضة وليس فيه التزام خاص تعهد إسماعيل الجيار أن يتنحى بمقتضاه عن دوره في الأولوية في شراء الأطيان إلى شخص آخر من أقربائه” – إذ قرر الحكم ذلك مسخ العقد الصريح في معنى الشراء والمقايضة (والوجه الثالث) أغفل الحكم ما تمسك به الطاعن (ومعه الأستاذ راضي) أمام محكمة الموضوع من أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 2 من نوفمبر سنة 1935 ينص على أنه إذا ما انقضت الخمس سنوات التي أقرها مجلس الوزراء في 16 من مارس سنة 1937 – دون أن يتقدم أصحاب الأولوية في شراء أي صفقة لاستردادها تباع تلك الصفقة بالمزايدة بطريق المظاريف المقفلة على أن يكون الثمن الأساسي ما تقدره اللجنة كما تمسك الطاعن بأنه لو أن التنازل الحاصل في 31 ديسمبر سنة 1942 من الست نفيسة إلى ابنها إسماعيل والتنازل الحاصل من إسماعيل إلى الأستاذ راضي في 24 يناير سنة 1944 كان مقصوداً منهما مجرد النزول عن الأولوية في استرداد الأطيان – مع خروج المتنازل عن الصفقة – لما كان أيّ من هذين التنازلين مقبولاً لانتهاء المدة المقررة لطلب الاسترداد ولأن الأستاذ راضي ليس من أصحاب الأولوية وإن يكن قريباً لإسماعيل الجيار ومن ثم ما كان يصح للمحكمة أن تقرر بأن كتابة عقد البيع للأستاذ راضي كان منقطع الصلة بعقد البيع الأول الذي صدر للست نفيسة (والوجه الرابع) أغفل الحكم ما تمسك به الطاعن من أن والدته بعد أن تنازلت له عن الأطيان ظلت حائزة لها تستغلها وتدفع الأموال عنها وتسدد فوائد باقي الثمن المتفق عليه في العقد الصادر لها مما ينتفي معه القول بأن ذلك العقد قد حصل التفاسخ عنه بينها وبين مصلحة الأملاك. وأغفل الحكم أيضاً ما تمسك به الطاعن من أن التنازل الصادر منه في 24 يناير سنة 1944 قد نص فيه على التنازل للأستاذ راضي عن معجل الثمن وكافة المبالغ التي سبق دفعها لمصلحة الأملاك مما يدل على أن المصلحة قد استبقت بيدها هذه المبالغ بموجب عقد البيع الصادر منها للست نفيسة ولم تتفاسخ عن هذا البيع كما يدل على أن تلك المصلحة حين حررت عقداً ابتدائياً للأستاذ راضي في 31 يناير من سنة 1944 لم تصدر له تصرفاً جديداً مستقلاً عن الاسترداد السابق إتمامه (والوجه الخامس) كذلك أغفل الحكم ما أقرت به مصلحة الأملاك الأميرية أمام المحكمة وتمسك به الطاعن وزميله في الخصومة من أن إسماعيل الجيار قدم لها العقد المبرم بينه وبين الأستاذ راضي في 23 من يناير سنة 1944 لكي يحرر على أساس شروطه العقد النهائي المزمع إصداره للأستاذ راضي وأنها قد وافقت على التنازل عن الأطيان للأستاذ راضي وأن المستردين قد أعطي لهم الحق في بيع الأرض جميعهاً أو جزء منها للغير بعد موافقة المصلحة وأن للطرفين في هذه الحالة أن يتفقا على الثمن الذي يرتضيانه وإذا كان عقد البيع النهائي لم يحرر فيمكن تحريره مباشرة للمشتري الأخير ولا يذكر فيه إلا الثمن الذي تبيع به المصلحة للمسترد إلا إذا رغب الطرفان أن يتضمن العقد النهائي الثمن الحقيقي للبيع أو ما يكون بينهما من اتفاقات خاصة فعند ذلك ينص في العقد النهائي على ما يرغبانه من شروط – وهذا إقرار هام لو أن المحكمة ألقت إليه بالاً لتغير وجه الرأي في الدعوى – ويتحصل السبب الثاني في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من ثلاثة أوجه: الأول – إذ فهم أن للتسجيل أو للملكية شأناً في موضوع النزاع وأن لعدم تسجيل العقد الابتدائي الصادر للست نفيسة ولكون الملكية باقية لمصلحة الأملاك ولعدم صدور عقد بالبيع من هذه المصلحة لإسماعيل الجيار شأناً في عدم إمكان تصرفهما في الصفقة لغيرهما وفي اعتبار المصلحة هي صاحبة الصفقة الوحيدة في التصرف فيها لمثل الأستاذ راضي وفي اعتبار أن البيوع الصادرة منها هي البيوع التي لا يكون الاستشفاع إلا فيها دون سواها – مع أن الصحيح أن البيع غير المسجل وإن لم ينقل الملكية ينشئ بين العاقدين كل حقوق البائع والمشتري الشخصية بما فيها الالتزام بنقل الملكية وأن للمشتري أن يبيع الصفقة لغيره عن طريق التنازل له عنها أو حوالة الحقوق والالتزامات الناشئة منها إليه ولذلك يكون للسيدة نفيسة أن تتنازل عن الصفقة لابنها إسماعيل دون أن يصدر له عقد بيع جديد من مصلحة الأملاك. وكان لإسماعيل أن يتصرف فيها بالبيع أو المقايضة للأستاذ راضي دون أن يكون لمصلحة الأملاك أي شأن في ذلك إلا مجرد الموافقة على التنازل أو عدم الموافقة عليه تطبيقاً لنص المادة الرابعة في البيوع الصادرة منها (والثاني) – أخطأ الحكم في تكييفه ورقة التنازل المقدمة من الست نفيسة في 31 من ديسمبر سنة 1942 – إذ قرر أنها تتضمن تفاسخاً عن العقد مع أن التفاسخ عن عقد هو اتفاق بين طرفيه على إبراء كل منهما الآخر من جميع حقوقه المتولدة منه ويراد به حل عقدته فيما بينهما ويقتضي إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل انعقاده – أما تنازل العاقد عن حقوقه الناشئة من العقد إلى شخص ثالث فإنه إذا قبله الطرف الآخر والمتنازل إليه لا يكون فسخاً للعقد وإنما يكون حوالة بالحقوق والالتزامات عند الاقتضاء إلى من حصل له التنازل وإحلالاً في العقد محل المتنازل – وهذا هو الذي عرضته السيدة نفيسة على مصلحة الأملاك في 31 ديسمبر 1942 – ومفاده استبقاء العقد الابتدائي واستبقاء جميع آثاره مع إحلال الابن محل والدته في حقوقها والتزاماتها – وفي الواقع فإن قرار مجلس الوزراء الصادر في 27/ 11/ 1935 وكذلك العقد الابتدائي الصادر للست نفيسة وكل عقد آخر تصدره مصلحة الأملاك تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء لم يستعمل كلمة “تنازل” إلا في المعنى الظاهر وهو التصرف في الأطيان ببيعها للغير أو حوالة الحق فيها – على أنه من ناحية أخرى – فإن محكمة النقض حين عرضت لنقد حكم محكمة الاستئناف الأول فيما ورد به دالاً على أنه توهم حصول التفاسخ بين الست نفيسة ومصلحة الأملاك اعتبر إسماعيل الجيار قد كسب حقوق والدته نتيجة لتنازلها إليه عن عقدها واعتبرته صاحب شأن في الصفقة وطرفاً لازماً في كل اتفاق يحصل التصرف به فيها ويدعي التفاسخ به عنها بقوله “… مع أن هذا القول لا يتحقق إلا إذا تبين أن إرادة الست نفيسة وابنها إسماعيل الجيار ومصلحة الأملاك قد استقرت على التحلل من هذا العقد الأول وعلى إغفال التنازل الصادر من الست نفيسة إلى ابنها إسماعيل الجيار”. وعلاوة على ما تقدم فإن مصلحة الأملاك قد أقرت صراحة في مذكرتها المقدمة لجلسة 28 من مايو سنة 1950 بعدم حصول أي تفاسخ عن العقد الصادر منها إلى الست نفيسة في فبراير سنة 1941 وبأن التنازل الذي حصل من الأخيرة إلى نجلها هو بيع صريح في معناه وافقت عليه المصلحة عملاً بحكم البند الرابع من عقد البيع مما ينهار معه قول الحكم بأن مصلحة الأملاك قد وافقت ضمناً على التفاسخ (والثالث) أخطأ الحكم في تكييف العقد الابتدائي الذي أصدرته مصلحة الأملاك للأستاذ راضي في 31 من يناير سنة 1944 إذ اعتبره بيعاً مستقلاً ومنقطع الصلة عما سبقه من عقد صدر للست نفيسة وتنازل عن الأطيان صدر منها لابنها إسماعيل وبيع أو مقايضة صدرت منها ومنه للأستاذ راضي، مع أن هذا التكييف الخاطئ ينقضه، أولاً أن الأستاذ راضي لم يتقدم إلى مصلحة الأملاك كراغب في الشراء منها ولكن قدمه لها إسماعيل الجيار ووالدته بإقرار التنازل الصادر منهما إليه في 24 من يناير سنة 1944 تنفيذاً للاتفاق الذي عقداه في 23 منه وقدماه لمصلحة الأملاك الأميرية كي تحرر العقد النهائي للأستاذ راضي على مقتضاه ولشروطه، ثانياً، إن مصلحة الأملاك ما كان لها أن تتعاقد مع الأستاذ راضي على أساس الشروط الخاصة بالاسترداد، كما فعلت، إلا على أساس أن الرد قد تم للسيدة نفيسة وأنه هو قد حل محلها ومحل ابنها إسماعيل بشراء الصفقة منهما أو مقايضة عليها ذلك أن الأستاذ راضي ليس بنفسه من أصحاب حق الاسترداد، وأن الحق في طلب الاسترداد قد انقضى على كل حال بانتهاء مدته في 27 من نوفمبر سنة 1940 ولم يكن في قرابة الأستاذ راضي للسيدة نفيسة ما يغير هذا الوضع وينقضه أخيراً إن مصلحة الأملاك قد حرصت على أن تذكر في العقد الصادر منها للأستاذ راضي أن الأطيان هي المسبوق ردها للست نفيسة ثم تنازلت عنها لابنها إسماعيل الذي تنازل عنها لحضرة المشتري في 24 من يناير سنة 1944 وفي هذا ما فيه من معنى الإقرار بأن رد الأطيان للسيدة نفيسة قد تم ولا صلة لمصلحة الأملاك بها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن التصرف الصادر من مصلحة الأملاك إلى الطاعن (الأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي) هو بيع تجوز فيه الشفعة قال: “وحيث إنه بالنسبة للنزاع الخاص بجواز الشفعة، أو عدم جوازها من الجهة الأولى وهل العقد الصادر من الحكومة يعتبر رداً منها لأرض تملكتها بقصد ردها إلى أصحابها الذين نزعت ملكيتهم منها بطريق الأولوية بالثمن الذي رسا عليها وما تكلفته في إدارتها مضافاً إليه 10% نظير المصاريف أو إلى أقاربهم وأصهارهم بترتيب الأولوية المنصوص عليها في القرارات الوزارية. فإن محكمة النقض قد فصلت في هذا الخلاف بأحكام ثلاثة انتهت منها إلى أن البيع من قبل الحكومة إلى المالك الأصلي هو تقايل وتراد في البيع الأول للمالك الأصلي المنزوعة ملكيته ولا شفعة فيه (16 مايو سنة 1946 القضية رقم 127 س 15 ق) وأن البيع إلى غير المالك الأصلي ممن يليه في الترتيب الوارد في قرارات مجلس الوزراء الخاصة بصيانة الثروة العقارية هو بيع تجوز فيه الشفعة ولو حصل بطريق التنازل إليه من المالك الأصلي أو ممن يليه (حكم النقض الصادر في 16 مايو سنة 1946 القضية رقم 36 س 15 ق) وأن التقايل والتراد للمالك الأصلي الذي نزعت ملكيته لا يتم بمجرد إبداء طلب الاسترداد من المالك في الميعاد، بل لا بد من إفراغ الملكية إليه من مصلحة الأملاك الأميرية بعقد مسجل حتى تنتقل الملكية إليه (حكم النقض الصادر في 16 من مايو سنة 1946 القضية رقم 144 س 15 ق) ويبين من مراجعة حكمي النقض الأولين أنهما فصلا في كافة ما يثيره الخصوم في هذه الدعوى حول صفة وقوة قرارات مجلس الوزراء الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1931 و27 من نوفمبر سنة 1935 و16 من مارس سنة 1937، وأن هذه القرارات إدارية لا تشريعية وفيما ذكره الحكمان المذكوران ترى المحكمة أنه أبلغ وأكفى رد على كل ما أثاره الدفاع عن المشتري وإسماعيل فتح الله الجيار (الطاعنان) في هذا الخصوص، وعلى ذلك يكون ما ذكره الدفاع المذكور خاصاً بأن هذه القرارات تعتبر في مقام النصوص التشريعية الناسخة لحق الشفعة نسخاً ضمنياً يعتبر مردود بما ورد في حكمي النقض سالفي الذكر كما أن ما أورده الدفاع المذكور من هذه الناحية أيضاً خاصاً بأن عملية الرد في الحدود التي رسمتها القرارات الوزارية تبعد التكييف القانوني لعملية الرد عن البيع بالمعنى القانوني وتجعلها في نطاق العقود ذات الصفة الخاصة التي لا تقتصر على نقل الملكية بمقابل، بل يكون نقل الملكية فيها مشتركاً بين البيع والهبة وأنه لا يغير من هذه الحقيقة القانونية تحرير هذه العقود في شكل بيع بغية التسجيل، إذ العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وأن تفاهة الثمن للاعتبارات المتقدمة كافية لتعيين القصد من هذه العقود ومن أنها مشتركة بين البيع والهبة، كل هذا الذي ذكره الدفاع قد رد عليه حكما النقض سالفا الذكر بما لا يدع مجالاً لإعادة الجدل فيه ويخلص مما تقدم أن الشفعة جائزة في البيع الصادر من مصلحة الأملاك الأميرية إلى المشتري محمد عبد الفتاح خيرت راضي”، وهذا الذي قرره الحكم صحيح ولا مخالفة فيه للقانون، ومن ثم يكون السبب الثالث من أسباب الطعن رقم 146 س 21 ق على غير أساس.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه في خصوص ما أثاره الطاعنان من نزاع حول القول بعدم جواز الشفعة في هذه الصفقة لأن التصرف فيها قد تم بموجب بدل لا عقد بيع، أو أن البائعين الحقيقيين إلى المشتري هما: السيدة نفيسة محمد علي عمار وابنها إسماعيل الجيار لا مصلحة الأملاك الأميرية، فإن الحكم قال في خصوص ذلك، “وترى هذه المحكمة أنه لتحري وجه الحق في هذا الدفاع الذي يثيره المشتري وإسماعيل فتح الله الجيار بتعين بحث حقوق الست نفيسة محمد عمار وابنها، فبالنسبة للست نفيسة قد طلبت هذه السيدة وهي المنزوعة ملكتها وصاحبة الحق الأول في استرداد الأطيان من مصلحة الأملاك استعمال هذا الحق في 16 يونيه سنة 1937 أي قبل انتهاء الأجل المحدد للاسترداد وهو 27 من نوفمبر سنة 1940 فأجيبت إلى طلبها وصدر لها من مصلحة الأملاك في فبراير سنة 1941 عقد بيع ابتدائي برد الأطيان إليها، ولكن هذا العقد لم يسجل، والقول بعدم لزوم التسجيل لأن العملية مقررة للتملك لا منشئة له في غير محله لأن محكمة النقض قررت في حكمها في القضية رقم 127 س 15 ق أن رد الملكية من الحكومة إلى المنزوعة ملكيته هو تقايل في البيع القديم وتراد في المبيع والثمن، وقضت بحكمها رقم 144 س 15 ق أن التقايل في عقد من العقود هو اتفاق بين الطرفين على إلغائه ورفع آثاره، وهذا الاتفاق هو عقد جديد فاسخ للعقد الأول فإذا كان العقد الأول قد ترتب عليه حق انتقال الملكية في عقار فإن التقايل فيه من شأنه أن ينقل هذا الحق ممن آل إليه إلى صاحبه الأصلي ومن ثم يكون تسجيله لازماً عملاً بالمادة الأولى من قانون التسجيل، وما دام أن عقد فبراير سنة 1941 الصادر برد الأطيان من مصلحة الأملاك للست نفيسة محمد عمار لم يسجل فالملكية باقية لمصلحة الأملاك ويبقى بعد هذا القول بأن عقد فبراير سنة 1941 يظل مع هذا منشأ لحقوق شخصية قبل مصلحة الأملاك تلتزم بمقتضاه أن تنفذه وترد الملكية للست المذكورة غير أنه لم يبق لها حقوق بعد أن تنازلت في 31/ 12/ 1942 عن حقها في الاسترداد وأباحت لولدها إسماعيل فتح الله الجيار أن يحل محلها ويخلص مما تقدم أن القانون قد أعطاها الأولوية في استرداد ملكية أطيانها إلا أنها بعد أن أظهرت رغبتها في استعمال هذا الحق لم تستكمل الإجراءات القانونية لنقل الملكية إليها وأكثر من هذا فقد تنازلت عن حق الأولوية وأفسحت الطريق لابنها لشراء الأطيان من مصلحة الأملاك، وبهذا تكون قد ألغت من جانبها عقد البيع الابتدائي الصادر لها في فبراير سنة 1941، وأسقطت حقها في الأولوية التي أتاحها لها القانون في استرداد ملكيتها، وأتاحت بذلك لابنها أن يستعمل حقه في ترتيب أولوية شراء هذه الأطيان، وسكتت مصلحة الأملاك عن التمسك بعقد فبراير سنة 1941 فدلت بذلك على قبولها الضمني بفسخ هذا العقد، فقد تلاقت إرادة طرف العقد المذكور اللذين عقداه على فسخه: الست نفيسة بإقرار التنازل الحاصل في 31/ 12/ 1942 لمصلحة الأملاك وهذه الأخيرة بالسكوت، ومتى تقرر هذا يكون واضحاً وضوحاً تاماً أن الست نفيسة محمد عمار في يوم 23/ 1/ 1944 لم يكن لها أي حق يمكن أن تتنازل عنه للمشتري محمد عبد الفتاح خيرت راضي، وعلى ذلك يكون ما ذكر بعقد 23/ 1/ 1942 عن تنازلها له عن حقها في استرداد الأطيان لا قيمة له قانوناً ويبقى بعد هذا بحث ما لإسماعيل فتح الله الجيار من حقوق، فقد تنازلت والدته عن حقها في استرداد الأطيان من مصلحة الأملاك بإقرار بالتنازل المؤرخ 31/ 12/ 1942، وأتاحت له الحق في شرائها إلا أنه لم يستعمل هذا الحق بالسعي لاستصدار عقد له بالملكية من مصلحة الأملاك لا عرفي ولا مسجل إلى أن حل يوم 23 من يناير سنة 1944 الذي تعاقد فيه مع محمد عبد الفتاح خيرت راضي ووالده المرحوم خيرت راضي بالعقد المحرر في التاريخ المذكور والذي نص فيه على تنازله عن حقه في استرداد الأطيان من مصلحة الأملاك لمحمد عبد الفتاح خيرت راضي كما نص في موضع آخر من العقد على أنه باع هذا القدر إليه، ولا يمكن القول بأنه كان له أكثر من حق يبيح له بحكم سلسلة الأولوية المقررة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1935 باعتباره ابناً للمالكة المنزوعة ملكيتها والتي تنحت عن شرائها أن يشتري هذه الأطيان بالأفضلية على باقي الأقارب والأصهار، وإذن يكون القول في عقد 23/ 1/ 1944 بأنه باع الأطيان مقابل ذلك الثمن وذلك العوض من الأطيان قولاً يجافي الحقيقة، والواقع لأنه لم يكن مالكاً حتى يبيع وكانت الملكية لا تزال كما كانت في يد الحكومة لم تنقلها إلى والدته التي كانت قد فسخت عقدها الابتدائي كما لم تنقلها إليه بل لم يكن قد طلب منها أن تنقلها إليه حتى ذلك التاريخ ولم يتحرر بشأنها بينه وبين مصلحة الأملاك أي اتفاق. ويخلص من كل ما تقدم أن عقد 23/ 1/ 1944 لم يكن بيعاً ولا معاوضة وليس فيه إلا التزام خاص تعهد بمقتضاه أن يتنحى إسماعيل الجيار عن دوره في الأولوية في شراء الأطيان إلى شخص آخر من أقربائه يليه في سلسلة الأولوية المبينة بقرار مجلس الوزراء سالف الذكر.” ثم قال “وقد أراد الطرفان في هذا العقد حمل مصلحة الأملاك على تحرير عقد بيع نهائي إلى إسماعيل فتح الله الجيار ثم تحرير عقد منه إلى محمد أفندي عبد الفتاح خيرت راضي، ولكن مصلحة الأملاك لم تنفذ لهما هذا الاتفاق وأصدرت عقد البيع منها رأساً إلى محمد أفندي عبد الفتاح خيرت راضي بتاريخ 31/ 1/ 1944 ولم تشر فيه إلى عقد اتفاق 23/ 1/ 1944 سالف الذكر وما جاء به عن التنازل”. وكل ما ذكرته عن عبارة “وهذه الأطيان هي المسبوق ردها للست نفيسة محمد عمار ثم تنازلت عنها لابنها إسماعيل أفندي فتح الله الجيار الذي تنازل عنها للمشتري في 24/ 1/ 1944، ويخلص من هذا أن عقد 23/ 1/ 1944 لم يكن محل اعتبار عند إصدار عقد البيع من مصلحة الأملاك للمشتري في 31/ 1/ 1944 بل كان إقرار التنازل المؤرخ 24/ 1/ 1944 هو مبعث التعاقد بالبيع من المصلحة إلى غير المالكة المنزوعة ملكيتها بعد أن تنازل هو عن أولويته بهذا الإقرار، كما يخلص أن عقد 23/ 1/ 1944 لم يكن جزءاً متمماً لعقد البيع الصادر من مصلحة الأملاك في 31/ 1/ 1944 بحيث لا يمكن الفصل بينهما ومواجهة الشفيع به، كما يقول المشتري وإسماعيل فتح الله الجيار، ويخلص من كل ما تقدم أن عقد 31/ 1/ 1944 هو عقد البيع الذي تم به التعاقد توطئة لنقل الملكية من مصلحة الأملاك للمشتري محمد عبد الفتاح خيرت راضي مباشرة، وأن هذا الأخير لم يحل محل الست نفيسة محمد عمار ولا محل إسماعيل الجيار بأي معنى من المعاني القانونية في معرض نقل الملكية بالبيع، ويكون هذا العقد وحده هو الذي يجابه به الشفيع”. ويبين من هذا الذي قاله الحكم المطعون فيه إنه إذ انتهى إلى أن عقد 31 من يناير سنة 1944 هو وحده الذي يواجه به الشفيع دون عقد 23 من يناير سنة 1944 أقام قضاءه على أنه لم يكن للسيدة نفيسة أو ابنها إسماعيل فتح الله الجيار – وقد تخليا عن الصفقة وأصبح لا شأن لهما بها، وأن لمصلحة الأملاك حق التصرف فيها أن يعتبرا نفسيهما بائعين للأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي وأن عقد 23 من يناير سنة 1944 لم يكن محل اعتبار عند إصدار عقد البيع من مصلحة الأملاك للمشتري في 31/ 1/ 1944 بل كان إقرار التنازل المؤرخ في 24/ 1/ 1944 هو مبعث التعاقد بالبيع من المصلحة إلى غير ابن المالكة المنزوعة ملكيتها، وأن عقد 23/ 1/ 1944 لم يكن جزءاً متمماً لعقد البيع الصادر من مصلحة الأملاك إلى الأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي بحيث لا يمكن الفصل بينهما ومواجهة الشفيع به وأن مصلحة الأملاك لم تنفذ ما ورد في عقد 23 من يناير سنة 1944 الذي كان يتضمن أن مصلحة الأملاك تحرر لإسماعيل الجيار عقداً بالبيع، وهذا يحرر بدوره عقداً إلى محمد عبد الفتاح خيرت راضي، بل أصدرت عقد البيع منها مباشرة إلى المشتري في 31 من يناير سنة 1944 ولم تشر فيه إلا إلى ورقة التنازل الصادرة في 24 من يناير سنة 1944 وعلى ذلك لا يصح أن يواجه الشفيع إلا بعقد 31 من يناير سنة 1944 وهذه الأسس المستمدة من أوراق الدعوى تكفي لحمل الحكم؛ ومن ثم لا تكون ثمة جدوى من النعي على ما أورده الحكم المطعون فيه من تقريرات أخرى يقوم الحكم بدونها، كما أنه لم يكن ثمة جدوى من البت في النزاع الخاص بصورية عقد 23 من يناير سنة 1944. وذلك متى كان الحكم قد انتهى إلى أن هذا العقد لا يواجه به الشفيع وسلامة هذه الأسس وصحة النتيجة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه واضحة من أوراق الدعوى إذ يبين من عقد الاتفاق المبرم بين الأستاذ محمد عبد الفتاح ومصلحة الأملاك الأميرية في 31 من يناير سنة 1944 أن كل ما أثبت فيه هو أن الطرف الثاني (راضي) قدم طلباً بتاريخ 24 من يناير 1944 للمصلحة برغبته في شراء الـ 53 فداناً و17 قيراطاً و5 أسهم بناحية ببيان وهي المسبوق نزع ملكيتها واشترتها الشركة العقارية المصرية لحساب الحكومة من البنك العقاري المصري في 9 من يناير سنة 1933 وذلك بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1935 وأن الطرف الأول (مدير عام مصلحة الأملاك) قد باع بصفته إلى الطرف الثاني (محمد عبد الفتاح خيرت راضي الأطيان المشار إليها (ويقر المشتري بأنه واضع يده على الأرض ويعفي البائعة من تسليمها، وهذه الأطيان هي المسبوق ردها للست نفيسة محمد عمار ثم تنازلت عنها لابنها إسماعيل أفندي فتح الله الجيار الذي تنازل عنها لحضرة المشتري بتاريخ 24 من يناير سنة 1944 ويبين من مطابقة عبارتي التنازل المشار إليهما في العقد والصادر أولهما من السيدة نفيسة عمار إلى ابنها ومن الأخير إلى الأستاذ راضي أن الأولى حررت بالصيغة الآتية “أنا نفيسة محمد علي عمار بناحية خربتا مركز كوم حمادة بحيرة أقر وأنا بكامل عقلي وصحتي وبمحض إرادتي تنازلي عن الأطيان استردادي من إدارة صيانة الثروة العقارية البالغ قدرها 53 فداناً و17 قيراطاً و5 أسهم بناحية ببيان مركز كوم حمادة إلى ولدي إسماعيل فتح الله الجيار بحيث يصير هو المسئول عن كل ما يطلب من أقساط وأموال وإجراءات ورسوم تسجيل وخلافه وهذا تنازلاً منى بذلك ليكون عقد البيع النهائي باسمه”. وأن الثاني حرر في 24/ 1/ 1944 في صورة خطاب موجه من إسماعيل فتح الله الجيار إلى مدير مصلحة الأملاك بالصيغة الآتية: “أقرر أنا الموقع على هذا إسماعيل فتح الله الجيار ابن المرحوم الشيخ فتح الله الجيار ابن حسن الجيار المقيم بناحية خربتا مركز كوم حمادة بحيرة بأني قد تنازلت عن حقي في استرداد مقدار 53 فداناً و17 قيراطاً و5 أسهم الكائنة بزمام ناحية ببيان مركز كوم حمادة التي استردتها مصلحة الأملاك الأميرية من الشركة العقارية لصالح الست والدتي نفيسة محمد عمار بنت المرحوم محمد علي عمار المقيمة بناحية خربتا والتي سبقت أن تنازلت لي الست والدتي عن حقها في استرداد تلك الأطيان في 31 من ديسمبر سنة 1942 بمقتضى إقرار التنازل المودع بدوسيه المصلحة وإني بمقتضى ذلك أقرر بتنازلي عن حقي في استرداد الأطيان المذكورة بكافة مشتملاتها وما هو تابع لها وما هو قائم عليها من مبان وخلافه وعن معجل الثمن وكافة المبالغ التي سبق دفعها وكذلك عما دفع من رسوم التسجيل والفوائد وغيرها، وهذا التنازل إلى حضرة محمد أفندي عبد الفتاح خيرت راضي نجل حضرة محمد خيرت راضي بك الذي هو ابن بنت عمي المرحوم مبارك بك الجيار أخو والدي وأحللته محلي في كافة الحقوق والاشتراطات التي تقررها المصلحة وبمقتضى ذلك يحق له أن يتعاقد مع مصلحة الأملاك بشأن هذا القدر من الأطيان وقد تحرر هذا إقرار بذلك” وقد وافقت السيدة نفيسة محمد علي عمار على هذا التنازل بتوقيعها عليه وأشر عليه من مصلحة الأملاك الأميرية في 26 منه بتنفيذه حالاً، ولما كان الشفيع على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة بحكم أنه صاحب حق في أخذ العقار بالشفعة يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لطرفي عقد البيع سبب الشفعة. ومن ثم لا يحتج عليه بغير العقد الظاهر وقد أخذت هذه المحكمة بهذا في الطعن رقم 132 سنة 17 ق، إذ قررت بأنه “إذا كان الثابت أن هناك عقداً ظاهراً يقول طالب الشفعة أنه هو الذي علم به وحده وبنى عليه طلبه الأخذ بالشفعة وهو العقد النهائي المسجل وآخر يقول إنه كان مستتراً عنه وقت الطلب وهو العقد الابتدائي الذي قدمه المشتري أثناء سير الدعوى واعتمده الحكم. وكان العقدان مختلفين في بيان ثمن الصفقة إذ هو في العقد الابتدائي أكثر منه في العقد المسجل فللشفيع أن يتمسك بما جاء من الثمن في العقد الأخير حتى ولو كان صورياً ذلك أن الشفيع بحكم أنه صاحب حق في أخذ العقار بالشفعة يعتبر من طبقة الغير بالنسبة إلى ورقة الضد المحررة بين البائع والمشتري ومن حقه أن يتمسك بالعقد الظاهر سواء أكانت ورقة الضد ثابتة التاريخ أم غير ثابتة التاريخ ما دامت لم تسجل”، كما أخذت به أيضاً في الطعنين رقمي 172 و179 سنة 20 ق من “أن الشفيع بحكم أنه صاحب حق في أخذ العقار بالشفعة هو من طبقة الغير بالنسبة إلى الطرفين المتعاقدين البائع والمشتري، فله أن يتمسك بالعقد الظاهر دون المستتر. ومن ثم لا يجوز أن يحاج بالعقد المستور إلا إذا كان هذا العقد مسجلاً أو كان هو عالماً بصورية العقد الظاهر أو بوجود ورقة ضد” كما أخذت به في الطعن رقم 322 سنة 20 ق إذ قررت أن الشفيع الذي يطالب بأخذ عقار مبيع من شركة إلى آخر لا يمكن أن يحاج بأن البائع للمشتري لم يكن في الواقع هو الشركة وإنما هو شخص تلقى الملك عنها، تأسيساً على أن الشفيع يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لطرفي العقد سبب الشفعة، ومن ثم لا يحتج عليه إلا بالعقد الظاهر الصادر من الشركة وبالثمن المسمى به.
ومن حيث إنه لما كان العقد المبرم بين الطاعن (الأستاذ راضي) ومصلحة الأملاك الأميرية في 31 من يناير سنة 1944 هو العقد الظاهر إذ لم يرد فيه ذكر إلا لإقراري التنازل السابقة الإشارة إليهما (وهو أن هذه الأطيان هي المسبوق ردها للست نفيسة محمد عمار ثم تنازلت عنها لابنها إسماعيل فتح الله الجيار الذي تنازل عنها لحضرة المشتري بتاريخ 24 يناير سنة 1944) ولم يشر فيه إلى عقد 23 من يناير سنة 1944 المبرم بين طرفيه الطرف الأول منهما الأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي (الطاعن الأول) ووالده الشيخ محمد خيرت راضي، والطرف الثاني منهما إسماعيل فتح الله الجيار ووالدته السيدة نفيسة محمد عمار، وكان إقرارا التنازل المشار إليهما لا يفيدان على ما أثبته بحق الحكم المطعون فيه إلا تخلياً من المتنازلين عن الصفقة من شأنه أن يكون لمصلحة الأملاك وحدها الحق في أن تتصرف في الأطيان إلى الأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي وهي الأطيان محل التنازل وأن يحرر عقد البيع باسمه، وقد تصرفت مصلحة الأملاك الأميرية فعلاً على موجب هذا التخلي إلى الأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي بوصفه مشترياً ومصلحة الأملاك الأميرية باعتبارها بائعة كما يبين في العقد الثمن الذي انعقد به البيع، لما كان ذلك وكان الطاعنان لم يتمسكا في دفاعهما في أية مرحلة من مراحل التقاضي بأن الشفيع كان يعلم بعقد 23 من يناير سنة 1944 حتى كان يصح الاحتجاج عليه بما ورد فيه – لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بأنه قد مسخ نصوص عقد 23 من يناير سنة 1944 أو أنه لم يلتزم نصوصه، أو أنه أخطأ في تكييفه أو خالف قواعد التسجيل أو أنه لم يبت في صورية عقد 23 من يناير سنة 1944 كل هذا النعي غير منتج ما دام الحكم المطعون فيه قد انتهى بحق إلى أن الشفيع لا يحاج بعقد 23 من يناير سنة 1944 وأن البيع وقد صدر للطاعن (الأستاذ راضي) من مصلحة الأملاك بوصفها بائعة وللطاعن (الأستاذ راضي) بوصفه مشترياً، وأن هذا العقد وحده هو الذي تقام على أساس دعوى الشفعة، كما أن النعي على الحكم بمسخ ورقتي التنازل المؤرختين في 31/ 12/ 1942 و24 من يناير سنة 1944، لا تأثير له على النتيجة الصحيحة التي انتهى إليها الحكم وهي أن الورقة الأولى تفيد تخلي السيدة نفيسة عن الصفقة، والورقة الثانية صريحة أيضاً في تنازل السيدة نفيسة وابنها عن الصفقة، إذ من شأن هذا التنازل أن يكون لمصلحة الأملاك وحدها الشأن في التصرف في هذه الأطيان بالبيع، وأنها وقد تصرفت على موجب هذا التخلي تعتبر هي البائعة التي تقام عليها دعوى الشفعة، أما ما يعيبه الطاعنان على الحكم من أنه خالف مقتضى حكم النقض السابق فهو مردود بأن المادة 444 من قانون المرافعات وقد نصت على أنه إذا كان الحكم قد نقض لغير ذلك من الأسباب (مخالفة قواعد الاختصاص) تحال القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه للحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم وفي هذه الحالة يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها هذه المحكمة، ومفاد هذا النص أنه يكون لمحكمة الإحالة أن تقيم حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى الذي تحصله مما يقدم إليها من دفاع أو على أسس قانونية أخرى غير التينهأ جاءت بالحكم المطعون فيه واستوجبت نقضه، متى كانت لا تخالف قاعدة قانونية قررتها محكمة النقض في حكمها الناقض. ولما كان يبين من الحكم السابق صدوره في الطعنين رقمي 186 و187 سنة 17 ق أنه قد نقض الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في 11 من يونيه سنة 1947 في الاستئناف رقم 1 سنة 1 ق لقصور أسبابه من وجهين: “أنه إذ قرر أن البائعة هي مصلحة الأملاك وأن الشفيع لا يحاج بعقد البدل المؤرخ في 23 من يناير سنة 1944، استناداً إلى أن عقد البيع الأول الصادر من مصلحة الأملاك إلى الست نفيسة في فبراير سنة 1941 وإلى أن عقد البيع الثاني الصادر من مصلحة الأملاك إلى المشفوع منه في 31 من يناير سنة 1944 صدر مستقلاً عنه وعن عقد البدل. ولكن الحكم لم يبين ماذا عناه بعدم نفاذ العقد الأول مع ثبوت صدوره ودفع الست نفيسة بموجبه جزءاً من الثمن ومع إشارة مصلحة الأملاك إليه في العقد الثاني مما لا يجوز معه القول بعدم نفاذه، أما إن كانت المحكمة قصدت بذلك أن تقرر أن تفاسخاً تم بين الست نفيسة ومصلحة الأملاك، فكان واجباً عليها أن تبين إذن وجه استنباط هذا التفاسخ وما هي أدلتها عليه، والثاني أن الحكم المطعون فيه لم يبين أيضاً وجه قوله باستقلال العقد الثاني عما سبقه مع تلك الإشارة فيه إلى العقد الأول، ومع أن هذا القول لا يتحقق إلا إذا تبين أن إرادة الست نفيسة وابنها إسماعيل الجيار ومصلحة الأملاك قد استقرت على التحلل من هذا العقد الأول وعلى إغفال التنازل الصادر من الست نفيسة إلى ابنها إسماعيل الجيار وعلى اعتبار مصلحة الأملاك هي البائعة الأصلية للمشفوع منه وأن تصرفها بالبيع له لم يقصد به مجرد إجازة منها لتنازل الست نفيسة إلى ابنها وتنازل ابنها المشفوع منه عن تلك الإجازة التي نص عليها في البند الرابع من العقد الأول”. فلما أعيدت القضية إلى محكمة الإحالة قضت فيها على أساس ما قدم إليها من دفاع حاصله أن الشفيع لا يحاج بعقد 23 من يناير سنة 1944، وأن السيدة نفيسة وولدها إسماعيل قد تخليا عن الصفقة وأفسحا الطريق للأستاذ محمد عبد الفتاح خيرت راضي فتعاقد بنفسه ومباشرة مع مصلحة الأملاك كما هو صريح نص تنازل 24 من يناير سنة 1944 الموقع عليه من المتنازلين، فقرر الحكم أن السيدة نفيسة بتنازلها عن الصفقة في 31/ 12/ 1942 لابنها إسماعيل ألغت من جانبها عقد البيع الابتدائي الصادر لها في فبراير سنة 1941 وأن سكوت مصلحة الأملاك عن التمسك بهذا العقد دل على قبولها الضمني فسخ العقد وهذا الذي قرره الحكم، وإن كان لا يتعارض مع حكم محكمة النقض السابق، كما سبق البيان، فهو من الأسباب الناقلة التي يقوم الحكم بدونها وخلص بعد مناقشة أوراق الدعوى وللأسباب التي أوردها إلى أن عقد 23 من يناير سنة 1944 لم يكن محل اعتبار عند إصدار عقد البيع من مصلحة الأملاك للمشتري في 31 من يناير سنة 1944، بل كان إقرار التنازل المؤرخ في 24 من يناير سنة 1944 هو مبعث التعاقد للبيع من المصلحة… كما خلص إلى “أن عقد 23 من يناير سنة 1944 لم يكن جزءاً متمماً لعقد البيع الصادر من مصلحة الأملاك في 31/ 1/ 1944 بحيث لا يمكن الفصل بينهما ومواجهة الشفيع به كما يقول المشتري وإسماعيل فتح الله الجيار”، وليس في هذا الذي قرره الحكم ما يحوي مخالفة لحكم محكمة النقض السابق.
ومن حيث إن ما يأخذه الطاعنان على الحكم من أنه لم يلق بالاً إلى ما تمسكا به من دفاع حاصله أنه إذا ما انقضت الخمس سنوات التي أقرها مجلس الوزراء في 16 من مارس سنة 1937 دون أن يتقدم أصحاب الأولوية في شراء أي صفقة لاستردادها تباع تلك الصفقة بالمزايدة بطريق المظاريف المقفلة، على أن يكون الثمن ما تقدره اللجنة، وأنه يوم أن تنقضي الخمس سنوات المنصوص عليها أي ابتداء من 27 من نوفمبر سنة 1940 ينتهي كل حق في الاسترداد ويصبح حديث الأولوية والتنازل عنها خبراً في ذمة التاريخ، هذا النعي غير منتج، إذ لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى بعد أن أقام الحكم قضاءه على الأسس السابق إيرادها، واعتبر مصلحة الأملاك هي البائعة للأطيان المشفوع فيها، بعد أن تخلى المتنازلان عن الصفقة وخرجا منها وقبلت مصلحة الأملاك منهما هذا التنازل وتصرفت على موجبه، فإذا كان ثمة عيب في إجراءات أقرها مجلس الوزراء في 16من مارس سنة 1937111 البيع إلى الطاعن الأول من مصلحة الأملاك فإنه لا تأثير له على حق الشفعة الذي تولد عن عقد البيع الصادر في 31 من يناير سنة 1944، هذا فضلاً عن أنه متى كان من الثابت أن الشفيع لا يواجه، قانوناً، إلا بالعقد الظاهر، وهو عقد 31 من يناير سنة 1944 فلا يجدي بعد ذلك البحث في تكييف التصرفات المستترة بين الخصوم ما دامت هذه التصرفات المستترة لا يصح أن يواجه بها الشفيع.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعنان على غير أساس ويتعين رفضهما.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .