لايتحقق تصحيح العقد ، في هذه الحالة ، إلا اذا وجد نص تشريعي يقضي بزوال التهديد بالبطلان عن طريق إضافة الى عنصر من عناصره، فالعقد لايبقى على حاله ، من حيث عناصره . فهنا نكون امام وسيلة تشريعية تتضمن معنى التغيير بالأضافة ،يترتب عليها زوال التهديد بالبطلان ، وذلك بعدم السماح لمن له مصلحة في التمسك بالبطلان، أن يطالب به بعد أجراء ذلك التغيير. ويتحقق هذا ، في الفقرة الأولى من المادة (1077) من قانوننا المدني ، والتي اجازت للمدعى عليه أن يوقف سير دعوى نقض القسمة للغبن الفاحش ، ويمنع إجراء القسمة من جديد ، اذا أكمل للشريك المدعي الذي لحقه غبن فاحش مانقص من حصته(1). وتقابلها في القانون المدني المصري ، المادة (845) منه ، إذ اجازت للمتقاسم الذي لحقه غبن يزيد على الخمس أن يطلب نقض القسمة واعادتها من جديد ، وللمدعى عليه ، في هذه الحالة ، إنقاذ العقد مما يتهدده من بطلان ،ويوقف سير دعوى نقض القسمة اذا أكمل للمدعى عليه نقداً أو عيناً ما نقص من حصته . ووفقاً لقانوننا المدني يعد الغبن فاحشاً إذا كان بمقدار ربع العشر من الدراهم ونصف العشر في العروض والعشر في الحيوانات والخمس في العقار(2).

أما في القانون المدني المصري ، فالغبن الذي يعطي للشريك حق طلب نقض القسمة الاتفاقية ، هو مازاد على الخمس في جميع الاحوال(3).استناداً الى ما تقدم ، فأن الغبن لوحده ، يجعل عقد القسمة قابلاً للنقض ،وليس من الضروري ، أن يَصحبه تغرير أو استغلال ، فالغبن وحده كافٍ لجعل عقد القسمة مهدداً بالبطلان ، إذ يتحقق البطلان بناء على طلب الشريك المغبون ، وقد أراد المشرع بهذا الحكم التيسير على المتعاقد المغبون في القسمة الأتفاقية ، الذي لاتعطيه القواعد العامة حق إبطال العقد ، إلا اذا صاحب الغبن الفاحش تغرير أو أستغلال ، وهذا يرجع الى ان القسمة قائمة على اساس تأمين العدالة والمساواة بين الشركاء(4).وفي القانون المدني العراقي والمصري ، يقتصر هذا الحكم على القسمة الاتفاقية فقط ، وقد تم تبرير ذلك بأنه يفترض في القسمة القضائية أن كل الاحتياطات والضمانات قد أُتخذت أمام القضاء لمنع الغبن ، وبما يكفل تحقيق المساواة بين المتقاسمين ، بينما وفقاً للفقه الأسلامي فأنه يجوز نقض القسمة للغبن الفاحش ، حتى لو كانت هذه القسمة قضائية ، لان الرضا لم يوجد من قبل الشركاء ولان تصرف القاضي مقيد بالعدل ولم يوجد(5).

وكذا الحكم في القانون المدني الفرنسي ، إذ يكفي غبن يفوق الربع لرفع دعوى ابطال القسمة من قبل المتقاسم الذي لحقه ذلك الغبن ، سواء كان ذلك الغبن تحقق في المنقول أو العقار وسواء كانت القسمة قضائية أم اتفاقية ، بموجب المادة (887) من القانون المدني الفرنسي، ويكفي للتخلص من خطر البطلان ، اكمال الشريك المتقاسم(المدعى عليه ) ما نقص من حصة الشريك المغبون في القسمة بموجب المادة (891) منه(6). وعلى هذا ، يجوز للمتقاسم المغبون في عقد القسمة ، في القانون العراقي والمصري ، أن يتمسك ببطلان عقد القسمة ، الا ان القانون لم يجعل العقد مهدداً بالبطلان لمدة غير محددة ، بل قيد حق التمسك ببطلان العقد ورفع دعوى بذلك ، خلال مدة معينة حددها ، وهي ستة اشهر في القانون العراقي ، وسنة في القانون المصري ، تبدأ من يوم انتهاء القسمة على وفق القانونين(7). وهذه المدة هي مدة سقوط فلا يرد عليها وقف أو انقطاع ، فأذا مضت سقط الحق في الطعن ، واستقر عقد القسمة صحيحاً بزوال ما كان يتهدده(8). أما القانون المدني الفرنسي ، فلم يحدد مدة خاصة تتعلق بالقسمة ، ينقضي بأنتهائها حق التمسك بالأبطال ، وانما ترك الأمر للقاعدة العامة في سقوط ذلك الحق بتقادم دعوى البطلان النسبي بمرور خمس سنوات من يوم القسمة ، وهي مدة تقادم وليست مدة سقوط(9).

يتضح مما تقدم ،ان القسمة الاتفاقية ، والتي هي عقد كسائر العقود ، تعد عقداً صحيحاً نافذاً فيما بين المتعاقدين ، على الرغم من وجود الغبن ، إلا انه في الوقت نفسه ، يكون عقداً مهدداً بالبطلان ، خلال المدة المحددة قانوناً لذلك ، ويكون البطلان أو النقض مقرراً لمصلحة المتعاقد المغبون ، الذي له ، وحده ، حق التمسك بالبطلان ، وله كذلك النزول عن هذا الحق بالأجازة أو بمضي المدة دون ابداء الأجازة أو النقض ، إلا ان المتعاقد المغبون في هذه الحالة لايحصل على مايسد النقص الحاصل في حصته ، إذ يترتب على الاجازة والتقادم زوال التهديد بالبطلان دون زوال العيب ، فالتصحيح بالأجازة والتقادم لايعيد التوازن العقدي بين الاطراف ، لذا قد يلجأ المتعاقد الى طلب بطلان عقد القسمة ، وارجاع الطرفين الى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ، وإعادة القسمة من جديد . لذا ومن أجل إنقاذ العقد من البطلان الذي يتهدده ومايترتب عليه ، قرر المشرع إمكانية تصحيح العقد والأبقاء عليه ، وذلك إذا أكمل المدعى عليه ( بقية الشركاء) ما نقص من حصة الشريك المغبون ، عندها يُصَحَحْ العقد بزوال التهديد بالبطلان، وفي الوقت نفسه ، يحصل الشريك المتعاقد على ما نقص من حصته ، وهو ما لم يتحقق عن طريق الاجازة أو التقادم . وهذا يعني ، بأن زوال التهديد بالبطلان يتم عن طريق التغيير في عنصر من عناصر العقد ، تمثل ذلك بالأضافة أو تكملة نصيب الشريك الى الحد الذي يرفع الغبن كلياً ، بحيث يجعل نصيبه في القسمة مساوياً لقيمة حصته الشائعة(10). (( وهذا ، يختلف عن التغيير بالأضافة الذي يترتب عليه تصحيح عقد المعاوضة المعيب بعيب الاستغلال وفقاً لاحكام المادة (129/ف3) من القانون المدني المصري ، والتي بموجبها يتم تصحيح العقد اذا عرض المتعاقد المستغِل ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن ، فأذا كنا امام عقد بيع، ورأى القاضي إن الزيادة التي عَرضَها المشتري تكفي لرفع الغبن ، إكتفى بها وإمتنع عن إبطال العقد ، وبذلك يتحقق زوال التهديد بالبطلان ، فلا يشترط ان تكون تلك الزيادة ، بحيث تجعل الثمن معادلاً لقيمة الشيء تماماً ، بل يكفي ان تجعل الغبن الذي يتحمله البائع لايصل الى حد الغبن الفاحش)) (11). بينما التغيير بالأضافة في عقد القسمة لايكون مُصحِحاً للعقد وفقاً للقانون ، إلا إذا كان قد تضمن إكمال ما نَقَص من حصة الشريك المغبون نقداً أو عيناً.

ومع ذلك ، فأن هذا لايعني بأن كل تغيير يتضمن أضافة او زيادة الى عنصر من عناصر العقد يعد تصحيحاً له ، بل يشترط ان يترتب على ذلك التغيير زوال التهديد بالبطلان . وعلى هذا ، نرى ، أن تكملة الثمن الى أربعة اخماس ثمن المثل ، لرفع الغبن الفاحش في حالة بيع عقار مملوك لشخص لاتتوافر فيه الأهلية(12) ، لايعد تصحيحاً للعقد عن طريق التغيير بالأضافة ، فهذا التغيير المتمثل بتكملة الثمن يعد تعديلاً للعقد بالأضافة وليس تصحيحاً له ،وذلك يرجع الى ان هذا العقد لايُعد عقداً قابلاً للابطال ، فالغبن الفاحش لايجعل العقد مهدداً بالبطلان(13). وإنما يُعد سبباً لتكملة ثمن البيع ، فالمشرع لايسمح أن يُباع عقار غير كامل الأهلية بأقل من أربعة اخماس قيمته ، فأذا بيع بأقل من ذلك ، لم يُبْطَلْ البيع ولم يكن قابلاً للابطال ، ولكن يجوز للبائع أن يطلب إكمال الثمن الى أن يصل الى هذا الحد ، فلم تكن تكملة الثمن انقاذاً للعقد من التهديد بالبطلان ، وانما تعديل له بتكملة الثمن(14). يتضح من كل ما تقدم ، بأن التغيير بالأضافة ، يجب أن يستند الى نص تشريعي يعد مصدراً له ، وكذلك يجب ان يترتب على تلك الأضافة زوال التهديد بالبطلان والعيب المسبب لذلك ، معاً،وهذا الأمر لايقتصر على التغيير بالأضافة ، بل يمكن ان يحصل عن طريق التغيير بالأنقاص في عنصر من عناصر العقد .

____________________

1- ويقصد بقسمة الشيء الشائع ،عملية تهدف الى انهاء حالة الشيوع واختصاص كل شريك بجزء مفرز من الشيء الشائع يعادل حصته الشائعة فيه قبل القسمة .الاستاذ محمد طه البشير ،د. غني حسون طه /الحقوق العينية /الجزء الاول/كلية القانون /جامعة بغداد/سنة1982/ص117.

2- انظر ذلك الفقرة (2) من المادة (1077) من قانوننا المدني . وقد أُعتمد في تحديد الغبن الفاحش بهذا الشكل على المادة (165) من مجلة الاحكام العدلية

3- المادة (845/1) من القانون المدني المصري .

4- وهذا الحكم مقرر ايضاً في الفقه الاسلامي ، إذ ان الغبن لوحده كافٍ لجعل عقد القسمة قابلاً للنقض . انظر الاستاذ شاكر ناصر حيدر /الوجيز في الحقوق العينية الاصلية /الجزء الاول في حق الملكية /مطبعة العاني /بغداد/1969 /ص519 هامش(2).

5- انظر في ذلك /الاستاذ شاكر ناصر حيدر /الوسيط في شرح القانون المدني الجديد /الجزء الاول/مطبعة المعارف/بغداد/1959/ص477.

6- RERRE’ ،SIMLER et LEQUETTE ،op .cit ، p.396 .

وكذلك انظر في ذلك ،الفقيه جاك غستان / المطول في القانون المدني/تكوين العقد/ترجمة منصور القاضي /الطبعة الأولى/المؤسسة الجامة للدراسات والنشر والتوزيع/2000/ص882.

7- انظر المادة (1077/ف1) من قانوننا المدني ، والمادة (845/ف2) من القانون المدني المصري .

8- الاستاذ محمد طه البشير ، د.غني حسون طه: الحقوق العينية /الجزء الاول / كلية القانون / جامعة بغداد /1982 /ص131 ، ومع ذلك ،يجوز للمتعاقد المغبون ان يجيز عقد القسمة خلال هذه المدة ، وعندها يُصحَح العقد بالأجازة ، انظر في هذا ، د. مأمون احمد الشامي /قسمة الملك الشائع في القانون المدني اليمني مع المقارنة بالفقه الأسلامي والقانون المدني المصري /رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق بجامعة القاهرة /1993 /ص117. وانظر في تصحيح عقد القسمة بالأجازة الصادرة من المتعاقد المغبون ، ما أشير اليه في هذا المصدر من قرارات لمحكمة النقض المصرية ومنها الصادر في 7/11/1982 رقم (483)/السنة 49 ق /مجموعة المبادئ القانونية لمحكمة النقض /الجزء التاسع /ص1480.

9- انظر في ذلك ، الفقيه الفرنسي جاك غستان /تكوين العقد /مصدر سابق /ص822. وقد اورد في ص886 ، قراراً لمحكمة النقض الفرنسية ، يتضمن تحديد مدة رفع دعوى البطلان ، لخمس سنوات تبدأ من يوم القسمة ، وهو القرار الصادر من الغرفة المدنية الاولى في محكمة النقض الفرنسية/النشرة المدنية /رقم36/ص30، في 20/1/1982 /المجلة الفصلية للقانون المدني /1983/ص169/رقم 5.

10- وهذا ما تضمنته صراحة المواد (1077) مدني عراقي/( 845مدني مصري /(891) مدني فرنسي.

11- انظر في ذلك الاستاذ الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد / نظرية الالتزام بوجه عام / الجزء الاول/ القاهرة/ مطبعة جرينبرغ /1952ص373،وبنفس المعنى د. سمير عبد السيد تناغو: مصادر الالتزام/القاهرة/1999-2000/ص67-68.

12- فقد نصت المادة (425/ف1) من القانون المدني المصري (( اذا بيع عقار مملوك لشخص لاتتوافر فيه الاهلية وكان في البيع غبن يزيد على الخمس ، فللبائع أن يطلب تكملة الثمن الى أربعة اخماس ثمن المثل )).

13- وهذا ماتضمنه صراحة قرار لمحكمة النقض المصرية /إذ جاء فيه(( التمسك بالغبن في البيع، شرطه ،م(425) مدني ،توافره وثبوت صحته ،لايؤدي الى ابطال العقد وإنما هو سبب لتكملة الثمن))/الطعن رقم 1610، السنة 57 ق،جلسة 19/2/1992، مجموعة الاحكام الصادرة من الدوائر المدنية والتجارية ودائرة الاحوال الشخصية/السنة 47 /الجزء الثاني/1996/ص398.

14- انظر في هذا المعنى د. السنهوري /الوسيط في شرح القانون المدني /الجزء الرابع /مصدر سابق/ص399-400 ، د. محمد علي الخطيب : سلطة القاضي في تعديل العقد في القانون اليمني والمصري والفقة الأسلامي / رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق / جامعة عين شمس /1992/ص82.د. عصام أنور سليم : مبدأ عدم تجزئة العقد في الشريعة الاسلامية والقانون / منشأة المعارف /الاسكندرية/1994/ص401.

وعلى هذا ، لانتفق مع مَنْ يرى بأن تلك التكملة تعد تصحيحاً للعقد ، ومن هؤلاء د. السنهوري /الوسيط في شرح القانون /الجزء الاول /مصدر سابق/ص502 هامش(2) ، د. صاحب عبيد الفتلاوي : تحول العقد في ضوء متطلبات التحول الاشتراكي / رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون /جامعة بغداد/ مسحوبه على آلة الرونيو /1986/ص197. د. عبد العزيز المرسي حمود : نظرية إنقاص التصرف القانوني في القانون المدني المصري ” دراسة تحليلية وتأصيلية مقارنة ” /رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق / جامعة عين شمس / 1988/ص17.د. ابراهيم الدسوقي ابو الليل / المفهوم القانوني لأنقاص التصرفات القانونية / مجلة الحقوق الكويتية / السنة الاولى/ العدد الثاني / 1987 /ص117هامش (2).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .