يستهدف المتعاقدان من ادراج الشرط المألوف تحقيق مصلحة معينة يكمن فيها الغرض المقصود من التعاقد(1)، والذي يعد جزء لايتجزء من النيه المشتركة للمتعاقدين وبماان الغرض جزء من النية ، يجب ان يرد الشرط المألوف متوافقاً معه ، اما اذا حدث تعارض بينهما ، فالغرض هو الذي يرجح ، لان الشرط وسيلة والغرض غاية ، وعندما تعارض الوسيلة مع الغاية ، ترجح الغاية (2). واذا كان الشرط يحمل معنيين ، فيؤخذ عندئذ بالمعنى الذي يرتب اثراً ويكون في الوقت نفسه متفق مع الغرض المقصود من التعاقد ويهمل الاخر(3).

والغاية من توافق الشرط مع الغرض هي ، ان أعمال أي شرط يتم في ضوء الغرض الذي يهدف اليه المتعاقدين ، فاذا تبين اثناء الاعمال ان الشرط من شأنه عدم تحقيق الغرض ، يطرح حكم الشرط جانباً ، وبعبارة اخرى ان الشرط المألوف عندما يعمل به في العقد يجب ان يكون دالاً على الغرض ومطابقاً له ولطبيعة العقد ، اما اذا تبين العكس فان الشرط لايترتب عليه أي اثر ، مثال ذلك لو اشترط المشتري في عقد البيع ان يقوم البائع بتصليح المبيع اذا حدث فيه خلل خلال مدة معينة ، فيتم أعمال الشرط اذا حدث خلل في المبيع يجعله غير صالح للعمل دون تمييز بين ان يكون الخلل عيباً يوجب الضمان او لم يكن كذلك (4).

والمقصود بالخلل الذي يوجب أعمال الشرط هو الخلل التلقائي الذي يتفق مع طبيعة العقد ، اما الخلل الذي يحدث بفعل المشتري او الغير فلا يعمل به ، لعدم توافقه مع طبيعة العقد ولا الغرض المقصود منه (5). مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الشرط المألوف لوحده لايحقق الغرض المقصود من التعاقد، وانما يجب اتفاقه مع شروط العقد الاخرى ، والتي من خلالها يتحقق غرض المتعاقدين ، لذلك يجب على القاضي ان يعمل هذه الشروط مجتمعه وصولاً الى الغرض، كما ينبغي عليه ان لايقف عند الشرط المألوف لوحده دون النظر الى بقية الشروط ، لان من شأن ذلك ان يؤدي الى تجزئة شروط العقد والذي يعد بمثابة تجزئة للنية المشتركة للمتعاقدين (6). فعلى القاضي ان يؤخذ بنظر الاعتبار كل الشروط الواردة في العقد والمستندات العقدية الاخرى ، واذا حاول بناء حكمه على احد الشروط المدرجة متجاهلاً الشروط الاخرى ، فأن ذلك يؤدي الى تحريف الغرض المقصود من التعاقد (7).

ومما تجدر الاشارة اليه ان الغرض المقصود من التعاقد قد يستخلص من عبارات العقد ذاتها ، كما يمكن للقاضي ان يستخلصه من الوقائع المحيطه بالدعوى وما تعارف عليه الناس في العقود(8)، مثال ذلك في عقود تأجير البضائع ، يدرج شرط ينص على صلاحية الشئ للغرض الذي استأجر من اجله ، فلو استأجر شخص زورق لمدة ساعتين ، وبعد ساعة من تأجيره اشتعل الزورق لهباً ، ادى الى اصابة المستأجر بضرر ، فيحق للمستأجر في هذه الحالة ان يطالب بالتعويض عن الضرر الذي اصابه من جراء اخلال المتعاقد بالغرض المقصود من التعاقد، والذي يمكن للقاضي ان يستدل عليه من وقائع القضية المعروضة (9). ومما تقدم نستنج ، ان الشرط المألوف مهما بلغ درجة من الوضوح ، فلا يعمل به الا اذا اتفق مع الغرض المقصود من التعاقد ، واذا تبين تعارض الشرط معه مما يسبب غموضاً في مضمون العقد ، تعين على القاضي جلاؤه عن طريق التفسير مراعياً في ذلك الغرض المقصود من التعاقد.

___________________

1- وقد اشار التقنين المصري السابق الى اهمية الغرض المقصود من التعاقد ، حيث قرر في 138/199 منه ( يجب تفسير المشارطات على حسب الغرض الذي يظهران المتعاقدين قد قصدوه، مهما كان المعنى اللغوي للالفاظ المستعملة فيها) تاكيداً لهذه الاهمية فقد نصت م 215/2 من المشروع التمهيدي للقانون المدني انه ( اذا كان هناك محل لتفسير العقد ، وجب البحث عن النية المشتركة لمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للالفاظ ، مع الاستهداء بطبيعة التعامل وبالغرض الذي يظهر ان المتعاقدان قد قصداه ) ولكن اللجنة حذفت العبارة الاخيرة ، اكتفاء بعبارة ( فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ) وهذا يدل على ان الغرض المقصود من التعاقد يمثل النية ، انظر مجموعة الاعمال التحضريه – للقانون المدني المصري –ج2- مصادر الالتزام – مصر – مطبعة دار الكتاب العربي – بلا تاريخ نشر – ص 298 .

2- برهان زريق – نظرية العقد في القانون المدني والاداري – الاسكندرية – منشأة المعارف – 2005 – ص 58 .

3- انظر م (158) مدني عراقي – م(216) مدني اردني – م( 1157) مدني فرنسي- اما القانون المدني المصري والجزائري واليمني فقد خلو من الاشارة لمثل هذا النص.

4- د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط -ج4- البيع والمقايضة – دار النشر للجامعات المصرية – 1960-ص 757وص758 – هامش (3) .

5- كما ينبغي عند اعمال الشرط المألوف مراعاة نوع العقد بالاضافة الى طبيعة والغرض المقصود منه ، لان مفهوم عبارات العقد وشروطه تختلف تبعاً لنوع العقد ، واتفاق المتعاقدين على نوع العقد يفيد رضائهما بالاحكام والشروط المتناسبة معه ، لذا فاعمال الشرط المألوف يختلف من عقد لاخر تبعاً لنوعه مثال ذلك شرط البراءة من العيب الوارد في عقد البيع ، اذا ثار نزاع بين المتعاقدين على كيفية أعماله وما يجب ان يلتزم البائع بضمانه من العيوب ، فيتم أعماله بالرجوع الى نص م (567) من القانون المدني العراقي والتي نصت (اذا اشترط البائع براءته من كل عيب او من كل عيب موجود بالمبيع وقت البيع ، صح البيع والشرط ولكن في الحاله الاولى يبرأ من العيب الموجود وقت البيع ومن العيب الحادث بعده وقبل القبض ، وفي الحالة الثانية يبرأ من العيب الموجود دون الحادث ) وهذا يعني ان شرط البراءة في حالة اشتراطه من قبل البائع يشمل العيوب الموجوده قبل البيع وبعده ولكن قبل القبض ، اما اذا ورد الشرط في عقد الايجار واشترط المؤجر براءته من كل عيب ، فانه يبرأ من العيب الموجود وقت التسليم وبعد التسليم ، ومن هنا يتضح الفارق بين التزام البائع بضمانها وبين التزام المؤجر بضمانها، انظر د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط – ج6-مج1- دار النهضة العربية – 1963 – ص 434 ومابعدها .

6- د. احمد شوقي عبد الرحمن –تفسير العقد ومضمونه وفقاً لقواعد الاثبات – الاسكندرية – منشأة المعارف -2003- ص 29 .

7- د. عبد الحكم فودة – تفسير العقد في القانون المدني المصري والمقارن – اطروحة دكتوراه – حقوق الاسكندرية – منشأة المعارف – ط1 – 1985 – ط2 – 2002 ص467 .

8- وقد قضت محكمة النقض المصرية في قرار لها بهذا الشأن ، جاء فيه ( لايلزم ان يكون الغرض وارد في نفس العقد ،بل للمحكمة ان تستخلصه من وقائع الدعوى وما تعارف عليه الناس). الطعن رقم 21 ق ، جلسه 2/4/1953 – د معوض عبد التواب – ج1 – الاسكندرية- منشأة المعارف – 1996 – 2000 – ص354 .

9- انظر تفصيل ذلك شيشير – فيفوت – فيرمستون – احكام العقد في القانون الانكليزي – ترجمة هنري رياض- بيروت – دار الجبل – الخرطوم – بلا تاريخ نشر – ص 332 – 333

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .