يوسف الفراج
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

انتفاع الراهن بالرهن
من المسائل المهمة في موضوع الرهن ما يتعلق بالانتفاع به، فهل للراهن نفسه “أي المدين “ أن ينتفع بالعين المرهونة مع أنه قدمها رهنا لصاحب الدين، وهل للمرتهن “صاحب الدين “ أن ينتفع بالعين المرهونة، هذا ما سنشير إليه في هذا المقال والذي يليه على عجالة مع الإعراض عن التفاصيل والخلافات التي محلها كتب الفقهاء. في عملية التمويل، إما أن يكون التمويل بصورة الإجارة المنتهية بالتمليك – وهي أغلب صور التمويل في السنوات الأخيرة -، وهنا لا يرد الحديث عن الرهن كثيرا كما سبقت الإشارة إليه في المقالات السابقة، لأن الممول قد ضمن الحق بأمر أكثر من الرهن وهو الإبقاء على العين في ملكه ولم ينقلها إلى ملك المتمول إلا بعد وفاء جميع الأقساط، وأما إذا اشتملت الصورة على انتقال العين المرهونة إلى ملك المتمول فهنا لابد أن يلجأ الممول في الغالب إلى الرهن لضمان المديونية، وكذلك: فإن الرهن يحتاج إليه الممول في حال قدم تسهيلات للمتمول في غير العقار فهو يحتاج إلى أصول يقدمها المتمول سواء كانت عقارا أو غيره يرهنها لصالح صاحب الحق، فما حكم الانتفاع بالرهن منهما؟ .

أما انتفاع الراهن وهو صاحب الملك بالرهن فهذا جائز كما هو قول جمهور الفقهاء، وذلك لأن العين ملكا له فلا يمنع من الانتفاع بها، ودليل ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يغلق الرهن على صاحبه له غنمه وعليه غرمه “، وأشرت إلى أن ذلك هو قول الجمهور لأن الحنفية خالفوا في ذلك فمنعوا الراهن من الانتفاع بالرهن حتى يتم الوفاء خشية من نقص قيمته، وهو قول غير صحيح ولا يمكن العمل به، ويأتي على قواعد الحنفية المضيقة في مجال المعاملات مما أدى بالدولة العثمانية المتمذهبة بالمذهب الحنفي إلى الأخذ بالمذهب الحنبلي في بعض مسائل المعاملات، وبالذات في الشروط والعقود وذلك عند صياغة مجلة الأحكام العدلية .

وقد قيد جمهور الفقهاء جواز انتفاع الراهن بالرهن بما لا يضر بالعين المرهونة وهو قيد مهم، وذلك لأنه في حال أدى انتفاعه بها إلى النقص من قيمتها فإن في هذا تأثيرا على حق المرتهن في حال احتاج الوفاء من العين، ومثلوا على ذلك باستخدام الثوب المرهون أو السفر بالمركوب المرهون، ومثله السيارة في وقتنا الحاضر. وفي مشروع الرهن العقاري المقترح في المملكة – وهو الآن يدرس في مجلس الشورى- فقد نصت المادة الثالثة عشرة على أن على الراهن أن يلتزم بضمان سلامة العقار المرهون حتى تاريخ وفاء الدين، وأن للمرتهن الاعتراض على كل ما من شأنه إنقاص قيمة المرهون أو تعريضه للهلاك أو العيب، وله أن يتخذ من الإجراءات التحفظية النظامية ما يضمن سلامة حقه وله الرجوع بالنفقات على الراهن “، كما قررت المادة السادسة عشرة من المشروع أن للمرتهن أن يطلب من المحكمة وقف العمل التي يقوم بها الراهن في العين المرهونة ومن شأنها أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو العيب.

ومن هذا يلاحظ أن المشروع أخذ في هذه المسألة بالمشهور من الأقوال الفقهية، وما أخذه يحقق المصلحة في السوق العقارية ويعد داعما للعملية التمويلية، وبالتأكيد فإن شركات التمويل ستتجه إلى طلب التأمين على الأعيان المرهونة لضمان سلامتها والمحافظة عليها إلى حين الوفاء بالدين.

انتفاع المرتهن بالرهن
خلاصة المقال السابق هو أن الراهن له الحق في التصرف في عقاره بما لا يؤثر في حق المرتهن, وبما لا يؤثر في العقار ويؤدي إلى التقليل من قيمته هذا حكم انتفاع الراهن, فما حكم انتفاع المرتهن, هل له أن ينتفع بالعين المرهونة بأي نوع من الانتفاع أم أن ذلك ممنوع عليه؟ بموجب عقد الرهن، فللمرتهن سلطة على العين المرهونة, تمكنه من تقييد حرية الراهن في التصرف في ملكه بما يؤدي إلى الإضرار بالرهن, كما تجعل للمرتهن الحق في التنفيذ على الرهن في حال لم يوف الراهن بالدين, أما أن ينتفع المرتهن بالرهن فليس من حقوقه في الأصل لأنه لا يوجد ما يوجب ذلك, وعقد الرهن لا يقتضيه, وموازين العدالة تقتضي أن له ما يضمن دينه من العين وهذا يتحقق بالمنع من بيعها أو التصرف فيها بما ينقص من قيمتها مثلا, فإلى هذا الحد تقف سلطة المرتهن.

وعند الحديث عن انتفاع المرتهن بالرهن فإن الفقهاء يفرقون بين ما إذا كان سبب الرهن قرضا أم مبايعة, فإن كان الرهن حصل مقابل دين قرض فإن الجمهور يمنعون من انتفاع المرتهن لأنه في حال انتفع فإنه يكون مشمولا بقاعدة كل قرض جر نفعا فهو ربا, وإن كان بعض الفقهاء أجاز ذلك إلا أنهم قلة, وسبق أن أفردت لهذه الصورة مقالا باسم “بيع العقار وفاء”, وأما إذا كان مقابل الرهن مبايعة فالأصل أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن إلا في حالة أن يكون محتاجا إلى ذلك, وكان ينفق على المرهون لما روى البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة”.

وفي مشروع نظام الرهن العقاري الذي يدرس في مجلس الشورى السعودي النص – كما في المادة العشرين- على أنه لا يجوز الاشتراط في عقد الرهن على أن منافع المرهون تكون للمرتهن, ومعنى ذلك أن المنع يسري على الشرط ولو وافق عليه الراهن لما في ذلك من إخلال بالقواعد الشرعية, وقد قرر النص أن العقد صحيح والشرط فاسد, وقد أجاز النص أن يحصل المرتهن غلة المرهون نيابة عن الراهن فقط دون الانتفاع بها.

وقد ورد في المشروع في المادة الثانية عشرة قاعدة عامة بهذا الخصوص, وهي أن غلة الرهن لمالكه ونفقته عليه, وهي قاعدة فقهية كما سبقت الإشارة إليه.