جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية والجريمة الاقتصادية
محكمة التحقيق المركزية / الرصافة
المقدمة
اعتادت معظم الكتابات القانونية على تقديم الدراسة القانونية بشرح المشكلة القانونية المطلوب وضعها موضع البحث والدراسة ولأهمية الموضوع المطلوب مناقشته وتحليله ولأغراض الفائدة العلمية فسنتولى بيان المصطلحات القانونية التي سنتولى فيما بعد دراستها بنبذة من التعريف بمعناها وبيان المقصود منها ومع أننا نؤمن بأن إيراد تعريف الجرائم كنظام قانوني خاص قد يخلق نوعاً من الاضطراب الفقهي في فهم الجريمة موضوع التعريف وقد تخرج بعض الأفعال الجرمية الخطرة من نطاق التعريف رغم انصراف العناصر المؤلفة لها إلى ذات الغاية الجرمية التي تهدف إليها الأفعال الجرمية المنظوية تحت هذا التعريف مما يخلق مشكلة عند نقل المنهج النظري إلى التطبيق العلمي .

إلا أن ضرورات الوقوف على المعنى الاصطلاحي لبعض الجرائم تلزم أن نقف أمام وصف لمعنى هذه الجريمة أو الجرائم التي يمكن وصفها بالحداثة على مجتمعنا بعد أن عصفت هذه الجرائم بمجتمعات عديدة وأصبحت منذ زمن بعيد محل لأنظمة قانونية جزائية استلزمتها ضرورة مكافحتها ومن ابرز هذه الجرائم الجريمة الإرهابية والجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية .

ويطرح مسألة الإرهاب في هذا الإطار , باعتبار أن الإرهاب كأحد صور أو وسائل العنف التي عرفها المجتمع الإنساني منذ أمد بعيد , وتطورت هذه الوسيلة مع تطور المجتمعات والعلاقات الاجتماعية لوسائل وأساليب العنف أفرزتها التطورات العلمية والتكنولوجية في مجال الأسلحة واستخدام المتفجرات والقنابل .

وإذا كان الاتفاق حاصلاً حول تعريف الجريمة بكونها فعل غير مشروع يقرر له القانون عقوبة أو تدبيراً احترازياً , فان تعريف الإرهاب ليس بهذه السهولة والوضوح بمكان , فمصطلح ” الإرهاب” يتسم بالغموض ويفتقر إلى درجة من اليقين كما انه ويجسد ظاهرة وصفها أسهل من تعريفها وفي هذا السياق فقد اتجه المشرع العراقي في إقليم كردستان وبموجب قانون مكافحة الإرهاب رقم (3) لسنة 2006 إلى تعريف الإرهاب بقوله (( هو كل استعمال منظم للعنف وتهديد به وتحريض عليه وتمجيده يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي أو عشوائي القصد منه إيقاع الرعب والخوف والفزع والفوضى للإخلال بالنظام أو تعريض امن وسلامة المجتمع والإقليم وحياة المواطنين وحرياتهم ومقدساتهم للخطر أو إيذاء الأفراد أو إلحاق الضرر بالبيئة أو احد الموارد الطبيعية أو الأملاك العامة أو الخاصة لتحقيق مآرب سياسية أو فكرية أو دينية آو طائفية أو عنصرية.))

أما إذا عرجنا على القانون رقم 13 لسنة 2005 فإننا نرى بان المشرع لم يخرج بعيداً عن فلك الاتفاقيات والمفاهيم الوارد ذكرها في أعلاه وانه سار على ذات النهج , وان كان قد توج المادة الأولى منه بعنوان تعريف الإرهاب والتي جاء فيها (( كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع الأضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار أو الوحدة الوطنية أو إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس أو إثارة الفوضى تحقيقاً لغايات إرهابية))

مدلول عموم هذا النص بين الأركان الواجب توافرها للقول بتوافر الجريمة الإرهابية أو لدخول النشاط الإنساني المجرم ضمن طائلة قانون مكافحة الإرهاب . وان النظر بموضوعية لتحديد مفهوم الإرهاب .

بحاجة إلى وجود مدخل للتعريف بالإرهاب ومعنى الجريمة الإرهابية عن طريق إيجاد أسس معينة لمكونات التعريف وهي مهمة للتوصل من خلالها إلى تحديد مفهوم الإرهاب وتمييزه عن باقي الجرائم وبمعنى أدق أن نتوقف قليلاً عند إشكالية التكييف القانوني لجريمة الإرهاب وتحليل عناصرها فالمقصود بالتكييف القانوني للوقائع إذن : هو إدراج حالة واقعية معينة داخل إطار فكرة قانونية .

ويوضح الفقه القانوني إن عملية التكييف: تقتضي من القائم بها جهداً مزدوجاً في خصوص عنصري الوقائع والقانون , فبالنسبة لعنصر القانون نلاحظ انه مهما بلغت درجة تحديد النصوص التشريعية أو اللائحية في تعريفها للوقائع , فأن هذه النصوص تظل تتسم بالعمومية والتجريد , وعلى من يقوم بالتكييف أن يسعى للتوصل إلى استخلاص قاعدة تطبيقية من هذا النص العام المجرد , وهو يتوصل إلى ذلك عن طريق تخصيص أو تجسيد النص – أي إعطائه معنى أكثر تحديداً واقل عمومية .

أما بالنسبة لعنصر الواقع , فأنه على العكس يجب العمل على تجريد الحالة الواقعية والعمل على رفعة الواقعة الفردية إلى مستوى عمومية نص القانون , وذلك عن طريق إغفال كل العناصر عديمة الجدوى , والعمل على إبراز الصفات التي تميز الواقعة من وجهة النظر القانونية .

وبعد تلك المقدمة للولوج إلى موضوع تكييف الوقائع القانونية للقول بعد ذلك بكون النشاط الإنساني يدخل ضمن مفهوم الجريمة الإرهابية من عدمه سواء أكان معاقباً عليه وفقاً لقانون العقوبات أم لقانون مكافحة الإرهاب وهكذا فأنه عن طريق تخصيص القاعدة القانونية وتجريد الواقعة المادية يمكن التوصل إلى قيام التطابق بينهما .

وحال الجريمة الإرهابية لا يختلف عن حال باقي الجرائم بشكل عام ومن حيث وجوب توافر أركانها العامة من ركن مادي وركن معنوي وركن قانوني يتمثل بنص القانون أي أن ترد سمات هذه الجريمة ضمن نصوص قانون مكافحة الإرهاب للقول بكون الجريمة هي جريمة إرهابية 1 إما عناصر الركن المادي للجريمة الإرهابية فان الجرائم الإرهابية الواردة ضمن قانون مكافحة الإرهاب متنوعة ومتعددة أوردها قانون الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 على سبيل الحصر لا المثال بنص المادة الثانية منه

وللتوضيح نورد إحدى الجرائم الواردة ضمن قانون مكافحة الإرهاب وتشترط كل صورة من صور الجريمة الإرهابية توافر النشاط الإنساني سلبياً كان أو ايجابياً والنتيجة الإجرامية وتوافر العلاقة السببية

ونشير في هذا المجال إلى ما ذهب إليه استاذنا القاضي سالم روضان 2 من القول إن المشرع العراقي قد تبنى نظرية تعادل الأسباب في مسألة العلاقة السببية وحسبما جاء بنص المادة 29 من قانون العقوبات النافذ ذي الرقم 111 لسنة 1969 المعدل فالقضاء العراقي ( ومع احترامنا وإجلالنا لرأي الأستاذ سالم روضان)

اظهر من خلال تطبيقاته لما نصت المادة 29 عقوبات حضوراً واسعاً وشاملاً لنظرية السبب الملائم بخلاف نظرية تعادل الأسباب ففي حادثة عرضت على محكمة التمييز مفادها حصلت منازعة آنية قررت محكمة الجنايات إدانة احد المتهمين فيها عن جريمة قتل المجني عليه عمداً لثبوت لطلاقه عياران نارية من بندقية وإصابته له ووفاته جراء ذلك في حين أدانت المحكمة المتهم الآخر في القضية نفسها عن جريمة الإيذاء وفق المادة 413 ف1 من قانون العقوبات لثبوت اعتدائه على المجني عليه نفسه بالمكوار وإحداثه له جرحاً رضياً في رأسه لم يكن سبباً لوفاته 3

ومع أن هذا الموضوع يعد من الإشكاليات التي اختلف عليها كتاب الفقه الجنائي وبرأيي المتواضع إن القضاء العراقي قد تبنى نظرية السبب الكافي أو الملائم ومن ذلك إن استخدام الجاني لعصا خشبية ضرب بها المجني عليه على يده أدت إلى كسر يده وأدى انقلاب سيارة الإسعاف التي أقلت المجني عليه إلى وفاته فلا يمكن أن يسأل الجاني إلا عن جريمة الاعتداء دون جريمة القتل ولكن في حقيقة الأمر فأن هذا النقاش لا يمكن أن يكون له ذات الأثر عند التعرض إلى الجريمة الإرهابية فبنصوص قانون مكافحة الإرهاب فأن العنصر المعنوي في هذه الجريمة اثر بالغ في التكييف القانوني للجريمة

ومعاقبة الجاني فمتى ما انصرفت نية الجاني إلى تحقيق الرعب والفزع بين الناس كان فعل الجاني منطبقاً وأحكام قانون الإرهاب عند توافر عناصر الركن المادي والقانوني المشار إليها أعلاه وقد ذهبت محكمة التمييز في قرارها المرقم 6793/الهيئة الجزائية الأولى /2007 في 3/2/2008 إلى القول ( إن تاريخ الحادث ذو اثر مهم في هذه الدعوى للتوصل إلى القانون الواجب التطبيق وهل هو قانون العقوبات أم قانون مكافحة الإرهاب النافذ في 9/11/2005)

كما تناول المشرع العراقي في المادة الثانية الفقرة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب الجرائم التي عدها من الأفعال الإرهابية ونص على أن من ضمن هذه الأفعال العمل بالعنف والتهديد على إثارة فتنة طائفية أو حرب أهليه أو قتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين أو حملهم على التسليح ولعدم الإطالة في هذا الموضوع فسنأخذ هذه الجريمة كمثال بسيط لشرح أركان الجريمة الإرهابية .

الركن المادي لهذه الجريمة أو النشاط الذي جرمته المادة 2/4 من قانون مكافحة الإرهاب يتمثل في كل سلوك يتسم بالعنف أو بالتهديد به يستهدف إثارة فتنة طائفية أو حرب أهلية أو على أن يتم هذا الفعل بتسليح المواطنين أو حملهم على التسلح بعضهم بعضاً أو تحريضهم على ذلك أو تمويلهم لذلك ومن ثم فالركن المادي يتحقق في هذه الجريمة بالصور الآتية :

1- تسليح المواطنين العراقيين ويتم ذلك بتزويدهم بالسلاح اللازم للحرب الأهلية .

2- تحريضهم وحملهم على التسلح دون النظر في نوع السلاح أو عدد المسلحين والضغط عليهم وتشجيعهم على الفتنة سواء بالخطب أو الفتاوى لحمل السلاح في مواجهة الفئة الأخرى من المجتمع.

3- تمويل المواطنين لغرض التسلح لمحاربة الفئة الأخرى ويتم ذلك إما مباشرة أو بتحويل الأموال إلى أي جهة أخرى لها علاقة بعمليه التسلح لإثارة الفتنة أو الحرب الأهلية , وكان الأجدى بالمشرع العراقي أن يعالج هذه الوسيلة كجريمة مستقلة لها أهميتها الخاصة اليوم في دعم العمليات الإرهابية وعدم الاكتفاء بالإشارة إليها في صورة وسيلة داخلة في نشاط إجرامي .

في حين يظهر الركن المعنوي في هذه الجريمة في صورة انصراف نية الفاعل إلى إثارة الفتنة بين مكونات الشعب سعياً إلى تحقيق الصراع الطائفي أو المذهبي أو الحرب الأهلية عالماً بما يقدم عليه , ويقدم على فعله وهو مريد له غير مكره عليه , ودون الالتفات إلى الغاية التي يسعى إليها فيما لو كانت سياسية أو ثقافية أو دينية أو عقائدية .

وتتحقق الجريمة سواء تحقق ما يصبو إليه الفاعل أم لا وفي هذا يشير أستاذنا القاضي سالم روضان إلى التقسيم الفقهي للجرائم باعتبارها إما من جرائم الضرر أو من جرائم الخطر ولما ينطوي عليه النشاط الإنساني في الجريمة الإرهابية من خطورة إجرامية فان فعل التحريض أو إثارة الفتنة التي يسعى مرتكب هذه الجريمة الى تحقيقه يبقى نشاطاً مجرماً حتى لو لم تقع الفتنة الطائفية او الاقتتال الذي يسعى لحصوله لما ينطوي عليه هذا النشاط من خطورة اجرامية .

ويظهر الركن القانوني بصورة نص المادة الثانية من قانون الارهاب وبدون هذا الركن يمثل النشاط الإنساني صورة التحريض على ارتكاب الجريمة وهي احدى وسائل الاشتراك الواردة في قانون العقوبات والتي لا يمكن مسائلة المتهم عنها ما لم تقع الجريمة بناءاً على هذا التحريض بينما يصح مسائلة المتهم وفقاً لقانون مكافحة الارهاب حتى ولو لم تقع الجريمة حرض المتهم على ارتكابها وكما أسلفنا في أعلاه .

وبالتالي فأن العناصر التي يلزم توافرها بهيئة مكونات لينطبق التكييف القانوني والجريمة الإرهابية تتألف من جملة من المكونات وهي :

أولاً : الرعب : كونه صورة للأفعال الإرهابية ويأخذ هذا الرعب كافة صور النشاط الإنساني المجرم قانوناً ويأخذ هذا النشاط الإنساني في الجريمة الإرهابية أهمية كبيرة كون هذا النشاط محدد وفقاً للقانون العراقي بأفعال جاءت على سبيل الحصر وفي هذا المجال نقول ان قانون الإرهاب قد اضاف الى القوانين العقابية السابقة مبدأ جديد يتمثل بتأثير الوسيلة المستخدمة في ارتكاب الجريمة

فالثابت انه لا اثر للوسيلة المستخدمة في ارتكاب الجريمة فالثابت انه لا اثر للوسيلة المستخدمة في ارتكاب الجريمة في التكييف القانوني لهذا النشاط فيستوي مثلاً ان يستخدم الجاني مسدساً او سكيناً في قتل المجني عليه ولا يكون لهذه الوسيلة إلا الأثر في استخلاص القصد الجنائي لدى الجاني واستخلاص الخطورة الإجرامية لديه وهذين العنصريين هما المعول عليهما في تكييف الجريمة القانوني اما في نطاق قانون الارهاب فأن النص قد حدد ان تكون الوسيلة المستخدمة مصممة لإزهاق الأرواح كصورة مستقلة للجريمة الارهابية وان مجرد حيازتها يكون كافياً لانطباق النص القانوني ومن ذلك ان القاء القبض على المتهم وهو يحوز سيارة ملغمة معدة لارتكاب عملية انتحارية كاف لانطباق النص القانوني وفقاً لقانون الارهاب.

ثانياً : الضحايا المقصودين لذاتهم : باعتبارهم هدفاً للعملية الإرهابية او كوسيلة لإرهاب الآخرين وموجودين ضمن منطقة الهدف وقد تتسع دائرة شمول ضحايا الإرهاب لتصل الى شعوباً بكاملها ويستوي بعد ذلك ان يكون المجني عليهم معلومين من قبل الجاني ام لا وفي حقيقة الامر فأن الثابت من الإحصائيات فأن الغالب العام من الضحايا لمثل هذه الجرائم هم من الأطفال والنساء وما جريمة تفجير مطعم عبد الله في كركوك وخلال أيام عيد الأضحى المبارك الا مثال صارخ على وحشية هذه الجرائم وبشاعتها .

ثالثاً : أهداف اولية محددة توجه اليها الافعال الارهابية :يمثل هذا العنصر في فقه القانون الجنائي القصد العام وهو ازهاق الروح او تدمير المنشات العامة او الخاصة او اثارة الفتن الطائفية او تسليح المواطنين ومن ذلك ان تعريض حياة احد افراد الشرطة للخطر ان هدف في اوله الى ازهاق روح هذا الشرطي فأنه رسالة تهديد الى كافة افراد الشرطة كقصد خاص واحداث الرعب والفزع بين الناس كباعث على ارتكاب الجريمة وان كان الهدف من الاعمال الارهابية يتمثل في بعض الاحيان بمجموعة غير محددة باشخاصهم وانما بانتماءاتهم وفكرهم وعقيدتهم كاستهداف الزائرين للأضرحة المقدسة والساكنين في رقعة جغرافية معينة او العاملين فيها .

رابعاً : استخدام العنف بصوره المختلفة :وقد حدد قانون مكافحة الارهاب في المادة (ثانياً) هذه الافعال مثل العنف او التهديد واعمال التخريب مثل هدم وإتلاف المباني , ومن يترأس او ينظم قيادة عصابة مسلحة ارهابية , ومن يعمل على اثارة الفتنة الطائفية , او الحرب الاهلية , ومن يعتدي على دوائر الجيش والشرطة , ومن يستهدف السفارات والهيئات الدبلوماسية , ومن يستخدم الاجهزة المتفجرة الحارقة لدوافع إرهابية , ومن يخطف ويقيد حريات الأفراد لأغراض مختلفة .

خامساً: ان يقصد الفعل الارهابي تحقيق أهداف متعلقة بنظام الحكم وطبيعته : وتكون موجهة في حقيقتها الى النظام السياسي وزعزعة الاستقرار الأمني وبث روح الخوف وانعدام الثقة بقدرة المؤسسات الحكومية على حماية الافراد واموالهم ومن ذلك ان تعمد المجاميع الارهابية الى ضرب اكثر المؤسسات الحكومية تحصيناً ومنها التفجير الذي حصل داخل مجلس النواب داخل المنطقة الخضراء المحصنة امنياً .

اما مفهوم الجريمة المنظمة وبنفس السياق حول ما ذكر حول عدم الاتفاق على وضع تعريفاً محدداً لها فقد وصفت أعمال منظمات هذه الجريمة بأنها (جماعة مشكلة من أكثر من شخصين تمارس مشروعاً اجرامياً , ينطوي على ارتكاب جرائم جسيمة لمدة طويلة او غير محددة , ويكون لكل عضو مهمة محددة , في إطار التنظيم الإجرامي الذي يهدف الى السطو وتحقيق الأرباح وتستخدم عند اللزوم في ارتكاب الجريمة

_ الأنشطة التجارية.

– ممارسة التأثير على الأوساط السياسية والإعلام والإدارة العامة والهيئات القضائية والاقتصادية .

– العنف وغيره من وسائل التخويف .

بقي لدينا ان نصف الجريمة الاقتصادية ويمكن تعريف الجريمة الاقتصادية على انها فعل او امتناع ضار له مظهر خارجي يخل بالأنظمة الاقتصادية او الائتمانية للدولة وبأهداف السياسة الاقتصادية فيها يحظره القانون ويفرض عليه عقاباً ,

ومن هنا فالجرائم الاقتصادية جرائم على مستوى عال من الخطورة لما فيها من تهديد لاقتصاد الدولة والمؤسسات الكبرى وما تعود به من كوارث مالية واجتماعية تهدد مصادر دخل العاملين في الدولة ومدخراتهم وتكمن خطورة الجرائم الاقتصادية بالدور المؤثر الذي تلعبه ضد برامج التنمية والنهضة خاصة مع متطلبات العصر الحديث التي تتطلب مواكبة ما هو جديد وطاريء في العالم مما يجعل الدول في حالة تراجع بدلاً من التقدم والتطور .

وللولوج في موضوع الدراسة وهدفها وهو إعداد المنهج النظري لمكافحة هذه الجرائم فقد تناولنا هذا الموضوع في محاور ثلاث المحور الأول : التحقيق في النشاط الإجرامي وملاحقته قضائياً والمحور الثاني إنشاء شبكة اتفاقات دولية لتسهيل التعاون في مكافحة الجريمة الدولية , أما المحور الثالث فهو وضع برامج لتوفير التدريب والمعونة التقنية للأجهزة التي تعمل في مكافحة هذه الجريمة وتحسين بنيتها التحتية القانونية وقدراتها في مجال تطبيق القانون وضمان حقوق الانسان .

المحور الأول

التحقيق في النشاط الإجرامي وملاحقته قضائياً

من ركائز حملة مكافحة الجريمة بشكل عام أن يتم ايلاء العملية التحقيقية الأهمية والعناية القصوى فكفاءة التحقيق ركن اساس في نجاح هذه الحملة وفي الحقيقة فأن تطور الأساليب المتبعة في الجرائم التي تحمل طابع الدولية يوجب ان تتم إجراءات التحقيق على قدر عالي من المهنية والحرفية

وان يصار إلى استخدام اكثر الوسائل العلمية والتقنية المتطورة حداثة وبشكل مطرد مع تطور الوسائل الاجرامية وينبغي ان تراعى عدة اعتبارات عامة في امر انشاء الجهات التحقيقية الى تتولى التحقيق في مثل هذه الجرائم ويشمل هذا الامر الجهاز التحقيقي متمثلاً بقضاة التحقيق والمحققين القضائيين واعضاء الضبط القضائي ومن هذه الاعتبارات :

أولاً : أن يكفل للاشخاص الذين يجري التحقيق معهم حد ادنى من الضمانات الاجرائية التي يحميها القانون االدولي والداخلي في جميع مراحل التحقيق وفقاً لمعايير حقوق الانسان ومفاد ذلك ان يتمكن المحققون من قواعد حقوق الانسان بذات القدر المطلوب توافره من تمكنهم من العلوم القانونية وان يكون لتمكن المحقق من هذه المباديء والحقوق الاثر الاكبر في مجال اختيار العناصر الكفوءة بشغل المناصب المختلفة في الاجهزة التي تتولى التحقيق في مثل هكذا جرائم .

ثانياً : ان يحصل المحققون على كادر كفوء من الموظفين التقنيين والاداريين وان يحصلوا كذلك على الوسائل العلمية والاجهزة الحديثة من وسائل الاتصال والتكنلوجيا التي تحقق القدر الاكبر من الدقة والموضوعية لضمان ان يسفر التحقيق عن ادلة مقبولة من اجل الاجراءات الجنائية اللاحقة .

ثالثاً : ينبغي ان يتلقى المحققون كافة ما يلزمهم من موارد وسلطات حكومية .

وينبغي اخيراً : ان يخول المحققون سلطة طلب المساعدة من المجتمع الدولي في شكل خبراء في الادلة الجنائية والطب وعلوم الطب الشرعي وبشكل سريع .

إضافة الى المباديء الأساسية لأي تحقيق سليم في أي جريمة هي الكفاءة والشمول والسرعة والنزاهة في التحقيق , مما ينبع من شروط في اختيار المحقق الكفء . ويمكن تطبيق هذه العناصر على أي تحقيق قانوني جنائي يتصف بالحداثة والتمكن من تتبع الجريمة ومطابقة الحقيقة القانونية للحقيقة الواقعية وينبغي ان تكون متكيفة مع جميع عمليات التحقيق في الجرائم الدولية منها والداخلية .

كل ذلك يعتمد على عاملي انتقاء العناصر الكفوءة ومن ثم تطوير القابليات والمهارات للوصول الى انشاء جهاز تحقيقي متكامل يملك كل عنصر من عناصره ما يملكه الباقي من العناصر فمن غير المنطقي او المقبول ان لا يملك من يتولى التحقيق في الجرائم الارهابية على سبيل المثال قدرة وكفاءة في تحليل الادلة او قدر معين من الطب الشرعي الحديث الكفيل بتحليل التقرير الطبي الصادر من اهل الخبرة او معاينة لمسرح الجريمة

وبذلك يكون توفير القدر اللازم من العلمية القانونية متزامناً مع قدر يماثله في الكم والنوع من العلمية في جوانب التحقيق الاخرى من مهارات حرفية مهنية وخبرة في قراءة مسرح الجريمة وتبين هوية الضحية , والحصول على مواد استدلالية تتعلق بالادلة المادية وحفظها لكي تساعد في تحديد هوية محتملة للأشخاص المسؤولين , وتبين هوية الشهود المحتملين والاستماع الى اقوالهم بشأن الجريمة , وتقرير سبب الوفاة , وطريقة حدوثها , والمكان والزمان اللذين حدثت فيهما , وكذلك أي نمط او اسلوب حدثت بهما الوفاة .

فتحديد الطبيعة الارهابية للجريمة امر ضروري مهم في تحري الجريمة ودخولها ضمن اطار الجهة التحقيقية المختصة في التحقيق في جرائم الارهاب دون باقي الجرائم وما هي الاسلحة او الوسائل المستخدمة وبأي طريقة استخدمت وما الى ذلك من امور تحقيقية دقيقة لا غنى للمحقق من الالمام بها .

واذا كان التحقيق في اطار مفهوم الجريمة الارهابية فأن التحقيق في اطار الجريمة المنظمة كغسل الاموال والاتجار بالمخدرات يتطلب اضافة الى مجمل الاعتبارات المذكورة آنفاً خبرات ومهارات تستلزمها مثل هكذا جرائم تتعلق بضمانات النظام المالي في البلد لضمان عدم السماح بادخال الاموال الملوثة الى داخل السوق المحلية وتطبيق نظام صارم فيما يتعلق بالمعلومات المتوافرة بالعميل

وانشاء نظم مالية وطنية تتعاون مع سلطات المكافحة من خلال امدادها بكافة المعلومات المتوافرة لديها عن العمليات المشبوهة التي تتشكك فيها , وحتى يمكنها ذلك لابد لها من الالتزام بالضوابط والمعايير المتعارف عليها عالمياً لمواجهة تلك الجريمة ومن بينها تطبيق ( مبدأ اعرف عميلك)

_ الاحتفاظ بملفات العملاء للمادة التي قررها القانون وجهاز مختص بمكافحة تلك الجريمة : وقد تم بالفعل انشاء وحدة مستقلة لمكافحة جرائم غسل الاموال في البنك المركزي العراقي ضمت العديد من الخبراء المتخصصين في كافة المجالات المالية لتحقيق الاشتباهات الواردة اليها من المؤسسات المالية والجهات الاخرى

ونؤكد في هذا المجال مطالبتنا السابقة بأن تكون هذه الوحدة نواة لهيئة عامة مستقلة لمكافحة غسيل الاموال على غرار هيئة النزاهة لما تشكله هذه الجريمة من افة خطيرة تهدد اقتصاديات البلد لا سيما اذا ما علمنا ان اخر الاحصائيات الدولية الرسمية تشير الى عوائد المنظمات الاجرامية الدولية من وراء هذه الجريمة تأتي بالمرتبة الثانية بعد تجارة المخدرات نعلم مدى الخطر الذي يمكن ان يلحق باقتصادياتنا بسبب هذا النشاط الاجرامي ومن الضروري كذلك ان يصار الى تعاون دولي لمكافحة جريمة غسل الاموال ؛

حيث انها جريمة ذات طبيعة دولية خاصة وان نقل الاموال من دولة الى اخرى صار لا يحتاج سوى دقائق معدودة وهو ما يتطلب اجراءات سريعة من الدول لمواجهة تلك التحويلات المشبوهة , وان تتظافر الجهود المبذولة في مجال تفعيل مكافحة هذه الجريمة للانظمام الى مجموعة الايجمونت ؛ وهي تجمع دولي يشارك فيه وحدات غسل الاموال بدول العالم حتى يمكن تبادل المعلومات اللازمة وتنسيق الجهود لمكافحة جريمة غسل الاموال في كافة الدول الاعضاء بتلك المنظمة