دستورية نص المادة 137 من قانون الاثبات ( امانة الخبير)

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الموافق الثاني من مارس سنة 2008، الموافق الرابع والعشرين من صفر سنة 1429ه .

برئاسة السيد المستشار / ماهر عبد الواحد رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصى وماهر سامى يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه وسعيد مرعى عمرو.

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمي رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 165 لسنة 28 قضائية “دستورية”

المقامة من
السيد/ أحمد محمود أحمد عطا الله

ضد
1- السيد رئيس الجمهورية

2- السيد رئيس مجلس الوزراء

3- السيد وزير العدل

4- السيد/ محمود فرج إسماعيل فرج

الإجراءات

بتاريخ السابع من نوفمبر سنة 2006، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (137) من قانون الإثبات الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى كان قد تشارك مع المدعى عليه الرابع- في الدعوى الماثلة- في نشاط (مزرعة تسمين عجول)، وإذ رأى الأخير أنه منذ تاريخ بدء نشاط الشركة استأثر الأول بجميع ما يخص الشركة من بيع وإدارة مما ألحق خسائر بها، الأمر الذي حدا به إلى إقامة الدعوى رقم 3435 لسنة 2005 مدني كلى الإسكندرية طلبا للحكم بفسخ عقد الشركة المؤرخ 10/7/2003، وبجلسة 20/6/2005 قضت المحكمة برفض الدعوى. طعن المحكوم ضده بالاستئناف رقم 5539 لسنة 61 ق الإسكندرية، وأثناء تداول الاستئناف قدم المستأنف صورة ضوئية من إقرار منسوب صدوره للمستأنف ضده يقر فيه بأن المستأنف لم يتعامل ببيع أو شراء أو معاملات مباشرة أو غير مباشرة في الفترة منذ بدء نشاط الشركة حتى 31/12/2004 بينما قرر المستأنف ضده بصحة توقيعه على الإقرار إلا أنه وقعه على بياض ولم يحرر بياناته،

وطعن عليه بالتزوير مودعاً مذكرة بشواهده بعد تصريح المحكمة له بذلك وقبولها شواهد التزوير، وبجلسة 7/6/2006 قضت المحكمة- وقبل الفصل في الموضوع- بندب خبير لبيان كاتب عبارات الإقرار المطعون عليه بالتزوير، وقدرت مبلغ 500 جنيه كأمانة على ذمة أتعاب ومصاريف الخبير ألزمت الخصم الذي طعن بالتزوير بأدائها فلم يفعل، وأثناء تداول الدعوى دفع المستأنف ضده- المدعى في الدعوى الدستورية- بعدم دستورية نص المادة (137) من قانون الإثبات، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة، غير أن المحكمة مضت في نظر الدعوى وقضت بجلسة 8/5/2007 في موضوع الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى تأسيساً على خلو صحيفتها من تحديد بياناتها الجوهرية، فإن الثابت من مطالعة صحيفة الدعوى أنها تضمنت تحديداً واضحاً للنص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، وكذلك نصوص الدستور المدعى مخالفتها، وأوجه تلك المخالفة على النحو الوارد تفصيلاً بالصحيفة، ومن ثم تكون الدعوى الدستورية المعروضة قد استوفت أوضاع قبولها من حيث الشكل طبقاً لأحكام المواد 29/ب ، 30 ، 34 من قانون المحكمة الدستورية الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، ويضحى دفع قضايا الدولة في غير محله متعيناً طرحه والالتفات عنه.

وحيث إن نص المادة (137) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968- المطعون عليه- ينص على أنه: ” إذ لم تودع الأمانة من الخصم المكلف إيداعها ولا من غيره من الخصوم كان الخبير غير ملزم بأداء المأمورية.

وتقرر المحكمة سقوط حق الخصم الذي لم يقم بدفع الأمانة في التمسك بالحكم الصادر بتعيين الخبير إذا وجدت أن الأعذار التي أبداها لذلك غير مقبولة”.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، وإذ كان النص المطعون فيه يجد له محلاً من التطبيق في الدعوى الموضوعية، باعتبار أن سقوط حق الخصم المكلف بإيداع الأمانة في التمسك بالحكم التمهيدي الصادر بندب خبير يحول بين هذا الخصم- المدعى في الدعوى الدستورية- وإحالة النزاع إلى خبير يحسم أمر المسألة الفنية المثارة في دعوى الموضوع، الأمر الذي تتحقق معه مصلحة المدعى الشخصية المباشرة في الطعن على نص المادة 137 محل الدفع بعدم الدستورية . ويتحدد نطاق هذه الدعوى -تقيداً بمصلحة المدعى فيها- فيما تضمنه النص المطعون عليه من تقرير سقوط حق الخصم الذي لم يقم بدفع الأمانة في التمسك بالحكم الصادر بتعيين الخبير إذا لم تودع الأمانة من المكلف بإيداعها، وذلك إذا وجدت المحكمة أن الأعذار التي أبداها لذلك غير مقبولة- وهو ما يستوجب الالتفات عما دفعت به هيئة قضايا الدولة من عدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة.

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه عدوانه على الملكية الخاصة بفرض أعباء مالية على المتقاضين الذين كفل لهم الدستور حقهم في التقاضي، ومصادرته حق الدفاع، وإخلاله بحق التقاضي، وإهداره مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين الخصوم، وتناقضه مع التزام الدولة بسيادة القانون، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد 8 ، 34 ، 40 ، 57 ، 65 ، 68 ، 69 ، 82 ، 165 ، 166 من الدستور

وحيث إن مانعاه المدعى على النص المطعون عليه – من مخالفته للمادة 34 من الدستور لعدوانه على الملكية الخاصة، فهو مردود بأن النص المشار إليه وقد رتب على عدم إيداع مبلغ الأمانة من الخصم المكلف بها سقوط حقه في التمسك بالحكم التمهيدي الصادر بندب الخبير، لا يكون قد انتهك الحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة، إذ إن الإخلال بهذه الحماية لا يتحقق إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلاً بمقوماتها، وقد اتخذ المشرع من مبلغ الأمانة دليلاً على جدية طلب الاستعانة بأهل الخبرة للوصول إلى الحقيقة في النزاع الموضوعي المطروح على المحكمة، فضلاً عن أن مبلغ الأمانة يمثل إسهاماً من المتقاضين في تسيير مرفق العدالة سيما إذا كان المكلف صاحب مصلحة في استجلاء الحقيقة عن طريق الاستعانة بأهل الخبرة.

وحيث إن النعي على النص المطعون فيه بمصادرة حق الدفاع والإخلال بحق التقاضي –مردود، بأن الأصل في السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وأن التنظيم الإجرائي للخصومة القضائية، لا يمكن أن يعكس أنماطاً موحدة، وإذ كان النص السالف بيانه قد تضمن سقوط حق الخصم المكلف بإيداع الأمانة في التمسك بالحكم التمهيدي الصادر بتعيين الخبير إذا وجدت المحكمة أن الأعذار التي أبداها لذلك غير مقبولة، فإن المشرع يكون قد استهدف تنظيم حق التقاضي، ومساهمة المتقاضين في تسيير مرفق العدالة دون إرهاق أو تعسير، خاصة أن الالتجاء إلى خبير في الدعوى ليس هو السبيل الوحيد لإثبات ما يدعيه الخصم،

ذلك أن المحكمة تملك سلطة تقديرية في تحقيق النزاع واستجلاء وجه الحق خلاف إحالة الأمر للخبير، كما أن المدعى إذا لم يقدم أعذاراً لإقالته من سداد الأمانة، أو قدم أعذاراً لم تقبلها المحكمة، فإن ذلك لا يحول بين المحكمة وندب خبير في الدعوى تقّدر هي وجه الحاجة إليه، ثم إن المشرع لم يضع حداً أدنى للأمانة وترك أمر تقديرها للقاضي بموجب نص المادة 135 من قانون الإثبات، فضلاً عن أن نص المادة 57 من قانون تنظيم الخبرة أجاز إعفاء الخصم المعسر من دفع الأمانة إذا تبين من قيمة الدعوى وظروفها ما يبرر ذلك. ومؤدى ما تقدم أن المشرع لم يتجاوز حدود سلطته التقديرية في تنظيم الحقوق بل كفلها لأصحابها دون إخلال بأي من حق التقاضي أو حق الدفاع.

وحيث إن باقي أوجه النعي السابق الإشارة إليها قد وردت من مجملها في غير محلها ذلك أنه فيما يتصل بادعاء إهدار النص المطعون عليه لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، فمردود- بأن المساواة- طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- ليست مساواة حسابية، وأن مناط التسوية بين الأفراد هو تماثل مراكزهم القانونية، ولا كذلك الخصم المكلف من قبل المحكمة بإيداع الأمانة بالنسبة لباقي الخصوم، لأن التكليف الصادر له بذلك يرتبط في تقدير محكمة الموضوع بمصلحته في أمر الإحالة لخبير فني. أما أن النص المذكور يخل بمبدأ تكافؤ الفرص فهو نعى غير سليم، إذ إن هذا المبدأ لا يثور إعماله إلا عند التزاحم على الفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، ومؤدى إعمال الحماية المقررة لهذا المبدأ في نطاق تطبيق النص المطعون فيه يكون منتفياً، إذ لا صلة له بفرص يجرى التزاحم عليها.

وحيث إن نعى المدعى على النص المطعون عليه بمخالفة نص المادة 57 من الدستور- جاء في غير موضعه، ذلك أن النص المذكور لا يتضمن اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور، كما لا يمس النص المطعون عليه استقلال السلطة القضائية أو استقلال القضاة ولا ينال من خضوع الدولة للقانون على نحو ما أقحمه المدعى في مناعيه من مخالفة النص المطعون عليه لنصوص المواد 65، 165، 166 من الدستور.

وحيث إنه تأسيسا على ما تقدم يكون النص المطعون فيه قد جاء متفقا مع نصوص المواد 8، 34، 40 ، 57، 65، 68، 69، 82، 165، 166 من الدستور – كما أنه لا يخالف أي نص آخر من نصوص الدستور، بما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

وحيث إن المحكمة لا يفوتها أن تشير إلى أن محكمة الموضوع – بعد تقدير جدية الدفع الذي أثير أمامها، والتصريح برفع الدعوى الدستورية، واتصال الأخيرة بولاية المحكمة الدستورية العليا، ودخولها في حوزتها – قد عادت إلى نقض قرارها بتقدير الجدية، وعدلت عنه، ومضت في نظر الدعوى، ثم فصلت فيها، وهو ما يمثل عدواناً على الولاية التي ناطها الدستور بالمحكمة الدستورية العليا، ذلك أن الأصل المقرر قانوناً – وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – أن اتصال الخصومة الدستورية بها من خلال رفعها إليها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، يعنى دخولها في حوزتها لتهيمن عليها وحدها، فلا يجوز بعد انعقادها، أن تتخذ محكمة الموضوع إجراء أو تصدر حكماً يحول دون الفصل في المسائل الدستورية التي تثيرها. وإلا كان قضاؤها عدوانا على ولاية المحكمة الدستورية العليا وتسليطا لقضاء أدنى على أحكام المحكمة الدستورية العليا التي تتصدر التنظيم القضائي في مصر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وإلزام المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.