التحكيم وفق قانون قضايا إدارة الدولة المؤقت

من القوانين الحديثة التي اصدرتها الحكومة في منتصف هذا العام قانون ادارة قضايا الدولة رقم 14 لسنة 2010 ، هذا القانون المؤقت وان كان العديد من الباحثين يعتبرونه قفزة الى الامام في مجال الدفاع عن قضايا الدولة نظرا لما كان يرافق قضايا الدولة من صعوبات واشكاليات وفق قانون دعاوى الحكومة رقم 25 لسنة 1958 الا ان بعض الباحثين والقانونين يخشون من ان يؤدي ذلك القانون الى نوع من انواع الخصخصة في طريقة التعامل مع قضايا الدولة.

العديد من الجهات الحكومية او شبه الحكومية تاحذ بنظام توكيل محامين لقضاياها بشكل مباشر وحسب قوانينها التي تسمح بذلك ولا داعي لتعداد هذه الجهات فهي كثيرة وبخلاف تلك الجهات فان قضايا الدولة تخضع حاليا لقانون قضايا ادارة الدولة الذي اوجد طريقة تعامل جديدة مع تلك القضايا والغى هذا القانون قانون دعاوى الحكومة الذي استمر صامدا ما يقارب الخمسين عاما.

حديثي عن القانون ليس من باب تناول كافة احكامة ولا من باب الانتقاد او المدح لكن من اجل التعرض الى موضوع مستحدث ورد في هذا القانون الا وهو موضوع التحكيم في قضايا الدولة ، وتناولي لهذا الموضوع في هذا الوقت الذي يشهد حراكا تشريعيا بحكم انتخاب وتعيين مجلسي النواب والاعيان الجديدين ووجوب عرض القوانين المؤقتة التي اصدرها مجلس الوزراء في الامور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التاخير او تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتاجيل وفق احكام المادة 94 من الدستور على مجلس الامة لاقرارها او تعديلها وعليه وما دام ان هذا القانون سيدخل في مرحلة الدراسة التشريعية من قبل مجلس الامة فكان لزاما عليّ ان ابدي وجهة نظري في بعض النواحي العملية التي نشأت بسبب هذا الحكم المستحدث محاولا التنبية لها تحاشيا للوقوع في عواقب هذا النص.

المادة المراد بحثها وهي فقرة مستحدثة وردت في المادة 11 من القانون وهي المقابلة للمادة 9 من قانون دعاوى الحكومة الملغي ولكن تتميز المادة 11 في فقرتها ( ب ) المستحدثة بوجود اجراءات ومدد اخرى وكذلك ايراد موضوع احالة القضايا على التحكيم او الموافقة على ذلك حيث جاءت بقولها: ( ب. يجوز إجراء تسوية ودية في الخلافات المحالة الى إدارة قضايا الدولة أو الدعاوى التي تتولاها أو إحالة أي من تلك الخلافات أو الدعاوى الى التحكيم وفق الشروط والإجراءات التالية :

1. أن يكون كل من وزير المالية والوزير المختص بدائرة الدولة المعنية أو رئيس مجلس إدارتها أو مديرها العام موافقاً على إجراء هذه التسوية أو إحالة الخلاف أو الدعوى الى التحكيم.

2. أن توافق لجنة القضايا على إجراء هذه التسوية أو إحالة الخلاف أو الدعوى الى التحكيم مع بيان الأسباب المبررة لذلك ، وعلى العضو المخالف تثبيت أسباب مخالفتة في محضر اجتماع اللجنة.

3. إذا كانت قيمة الخلاف أو الدعوى تزيد على خمسين ألف دينار ، فيتعين عرض التسوية أو الإحالة الى التحكيم على المجلس أي (مجلس إدارة قضايا الدولة ) لإقرارها ، وإذا كانت قيمة الخلاف أو الدعوى تزيد على مائتي ألف دينار فيتعين رفع قرار المجلس بشأن التسوية أو الإحالة الى التحكيم الى مجلس الوزراء للمصادقة عليه.

ج. لا يجوز لدوائر الدولة إجراء تسوية في الخلافات المحالة الى إدارة قضايا الدولة أو الدعاوى التي تتولاها أو إحالة أي منها الى التحكيم إلا وفق الشروط والإجراءات الواردة في هذا القانون ، وتعتبر باطلة كل تسوية أو إحالة الى التحكيم تتم خلافاً لأحكام هذا القانون. )

ابتداء يجب القول بانني مع الرقابة على اجراء التسويات الجديدة التي نظمت بموجب هذا القانون سواء التي تجري امام القضاء او بقرار من مجلس ادارة قضايا الدولة او امام التحكيم حتى نتحرى دقة القرار وصحته وتدرجه على كافة المستويات من اجل الوصول الى القرار الصائب من الجهة صاحبة الاختصاص الاصيل ، ولكن موضوع احالة النزاع على التحكيم ووجوب ان يتطلب كافة هذه الاجراءات من وجهة نظري يعتبر اشكالا قانونيا يجب التنبه اليه حيث انه يتعارض مع الارادة التعاقدية الحرة من صاحب الاختصاص الاصيل التي وجدت عند ابرام العقد ابتداء بما تضمنه من شرط اللجوء للتحكيم ، حيث ان التفسير الحرفي لهذه المادة يعني انه يجب حصول موافقة كل من وزير المالية و والوزير المختص بدائرة الدولة المعنية أو رئيس مجلس إدارتها أو مديرها العام وكذلك أن توافق لجنة القضايا على إحالة الخلاف أو الدعوى الى التحكيم مع بيان الأسباب المبررة لذلك وإذا كانت قيمة الخلاف أو الدعوى تزيد على خمسين ألف دينار ، فيتعين عرض الإحالة الى التحكيم على المجلس أي (مجلس إدارة قضايا الدولة ) لإقراره ، وإذا كانت قيمة الخلاف أو الدعوى تزيد على مائتي ألف دينار فيتعين رفع قرار المجلس بشأن الإحالة الى التحكيم الى مجلس الوزراء للمصادقة عليه.

ومع تعارض هذا النص مع الفكرة الرئيسية التي يقوم عليها التحكيم وهي مبدأ الارادة كان لزاما علينا بيان اثارة بعض المواضيع التي يمكن ان يرتبها النص واثارة التساؤلات القانونية والعملية التالية.

ـ اولها هل الموافقة شرط للانعقاد ام شرط للنفاذ حيث نعلم ان للعقد ركن واحد وهو ارتباط الايجاب بالقبول وتوافقهما على وجه يثبت اثره في المعقود عليه ويرتب التزام كل منهما بما وجب عليه للاخر ، نقول هذا الامر لان اللجوء للتحكيم اساسه ومصدرة الاتفاق او العقد سواء بشكل شرط او مشارطة الامر الذي ينبني عليه انه يجب بحث شرط موافقة الوزير هل هي شرطا للانعقاد ام ان العقد او الاتفاق على التحكيم ينعقد ابتداء ولكن يبقى موقوفا على موافقة الوزير سندا لاحكام المادة 171 الى 175 من القانون المدني.

ـ هل موافقة الوزير او الشخص المفوض عند التعاقد الاساسي وتضمن هذا العقد شرطا يقضي باحالة اي نزاع يمكن ان ينشأ على التحكيم فهل تكفى تلك الموافقة ام ان النص الجديد اشترط ان توجد موافقة الوزير على احالة الخلاف بعد نشوء الخلاف او بعد معرفة الوزير بحيثيات ذلك النزاع.

ـ على من يطبق هذا النص هل يطبق على الشركات الحكومية او المملوكة بالكامل للحكومة وهل تعتبر مشمولة بهذا النص وهل تعتبر من اشخاص القانون العام وبالتالي مرفق عام ام يشمل كافة الجهات الملزمة بتوريد الفوائض المالية وفق قانون الفوائض المالية ام نحن ملزمين فقط بالتعريف الوارد في قانون ادارة قضايا الدولة الوارد في المادة الثانية منه والذي عرف دوائر الدولة بانها ( الحكومة وأي مؤسسة رسمية أو عامة تمثلها إدارة قضايا الدولة بمقتضى أحكام هذا القانون أو أي قانون آخر ) وبالتالي لا يسري هذا القانون الا على القضايا التي لديها.

ـ هل هذا النص المستحدث ينطبق على شرط التحكيم او مشارطة التحكيم المنعقدة قبل صدور هذا النص سواء حدث نزاع ام لم يحدث ، وهل ينطبق على الشروط او الاتفاقات السابقة ولكن حدث النزاع الذي يجب حله بواسطة التحكيم لاحقا بعد صدور القانون باعتباره نصا ينظم الاجراءات وبالتالي هو الاولى بالتطبيق ام يبقى هذا النص متعلق بالارادة وشروط العقد ويبقى من القواعد الموضوعية وليست الشكلية.

ـ هل هذا النص يطبق على كافة نزاعات الدولة حتى التي تتولاها الدوائر القانونية الخاصة بهذه الجهات الرسمية ، ام هو ونظرا لوروده في المادة 11 التي رتبت طرق حل النزاع فهو يطبق فقط على الدعاوى او النزاعات التي تحال الى ادارة قضايا الدولة وبالتالي فان كافة القضايا الموجودة لدى دوائر الدولة والتي لم تحال الى دائرة قضايا الدولة لا تخضع لتلك الاجراءات.

ـ ان نص المادة 11 فقرة ( ج ) تؤكد على بطلان كافة اجراءات اللجوء الى التحكيم اذا لم تتم وفق احكام هذا القانون اي اذا تمت دون الحصول على موافقة الوزير المسبقة على الاحالة وبالتالي ماذا يمكننا القول او تفسير هذا الشرط هل هو شرط للانعقاد يترتب عليه عدم انعقاد هذا العقد ( اي شرط احالة النزاع الى التحكيم باعتبار هذا الاتفاق اصلا عقد يتم بالارادة ) ابتداءا ، ام يمكن القول بان هذا الشرط هو للنفاذ لان الاتفاق على التحكيم كشرط يختلف عن الاحالة كاجراء وبالتالي فان العقد انعقد ولكن يعتبر موقوفا على تلك الموافقة فان وجدت نفذ وان لم توجد اعتبر باطلا وتقرر اعادة الحال الى ما كانت عليه.

ـ العديد من التساؤلات يطرحها هذا النص ولكن يجب القول ان هذا النص يتعارض مع قانون التحكيم المادة الثالثة منه التي قررت سريان احكام قانون التحكيم على كل تحكيم اتفاقي يجري في المملكة ويتعلق بنزاع مدني او تجاري بين اطراف اشخاص القانون العام او القانون الخاص ايا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع ، عقدية كانت او غير عقدية ، اي ان قانون التحكيم لم يضع اي شرط على اللجوء للتحكيم أو احالة النزاع على التحكيم بعد ان يكون الاتفاق على التحكيم قد تم التعاقد عليه ابتداءا هذا مع الاشارة الى احكام المادة 22 من قانون التحكيم التي أكدت على انه يعد شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الاخرى ، ولا يترتب على بطلان العقد او فسخه او انهائه أي اثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه اذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته.

ـ وعليه ما الوضع القانوني ان حدث نزاع يوجد فيه اتفاق على التحكيم الا ان الوزير لم يوافق على الاحالة هل يكون اختصاص تعيين المحكم وفق المادة 16 من قانون التحكيم الى محكمة الاستئناف المختصة ، ان اجبنا بنعم وهي الاجابة القانونية الاقرب على ضوء تفسير تلك المواد مجتمعة فما الحاجة الى هذه النصوص الجديدة المستحدثة في قانون قضايا ادارة الدولة.

سنقوم في القريب العاجل بشرح بعض النصوص والتفصيلات المتعلقة بالاحكام القانونية التي يثيرها هذا النص من اجل الوقوف على كافة الاشكاليات التي يمكن ان تنشأ عنه ولكن يجب القول بان هذا النص من بين النصوص التي تحتاج الى دراسة قانونية معمقة من قبل مجلس الامة قبل اقرارها ونتمنى كما عهدنا من كافة الجهات المختصة أخذ هذا الموضوع بعين الدراسة والاهتمام.

المركز الوطني للقانون

اعادة نشر بواسطة محاماة نت