بحث ودراسة هامة في التقادم الخمسي وقانون التسجيل الجديد

نشرت لنا المحاماة مقالاً تحت عنوان تأثير قانون التسجيل على قضايا الشفعة قلنا فيه إن عقد البيع لم يصبح مطلقًا بعد صدور قانون التسجيل من العقود الشكلية التي أوجب القانون لانعقادها أو لصحتها إفراغها في شكل كتابي خاص كالهبة أو الرهن العقاري، بل بقي كما كان من عقود التراضي وإن اشتراط التسجيل لم يرد على حكم انعقاد البيع أو صحته ليكون شرط انعقاد أو شرط صحة وإنما ورد على حكم انتقال الملكية فجعله متراخيًا إلى ما بعد التسجيل بعد أن كان يقع فورًا بمجرد التراضي.
ونشرت المحاماة في العدد السابع من السنة السادسة مقالاً نفيسًا تحت عنوان (قانون التسجيل الجديد) للأستاذ عبد السلام بك ذهني أوضح به أن عقد البيع لا يزال كما كان من العقود الرضائية التي تتم وتفيد أحكامها من يوم العقد إلا حكم نقل الملكية فقد اشترط القانون له التسجيل بعد أن كان يقع فورًا بمجرد العقد ولكنه عند تطبيق هذا الأصل في أحكام التقادم الخمسي ألحق العقد غير المسجل بالعقود الباطلة بطلانًا مطلقًا فلم يجز اعتباره سببًا صحيحًا.
ونحن لا نستطيع موافقة الأستاذ في ذلك ويجب علينا قبل إبداء ما عندنا من الأسباب لمخالفته أن نقول إن الصورة التي نبحث فيها في وجوب اشتراط تسجيل العقد وعدم تسجيله هي الصورة التي يبيع فيها شخص غير مالك عقار لآخر ويضع المشتري يده عليه خمس سنوات معتقدًا أنه تلقاه عن مالكه ثم يجيء المالك الحقيقي فينازع المشتري ويتزاحمان هذا بسنده ويده وذاك بأصل ملكيته فيراد معرفة ما إذا كان للمالك أن يحتج على المشتري بعدم تسجيله عقده للوصول إلى عدم اعتباره سببًا صحيحًا يصح بناء وضع اليد عليه أم لا.
أما إذا بيع العقار لشخصين سجل أحدهما عقده ووضع الآخر الذي لم يسجل عقده يده على المبيع خمس سنوات فالأولوية بينهما تكون بالتسجيل لأنهما تلقيا الملك من عاقد واحد ولأن أحكام التقادم المبني على السبب الصحيح لا تطبق في هذه الصورة.

تنحصر إذن مسألتنا فيما إذا كان يجب أن يكون السبب الصحيح مسجلاً ليحتج به المشتري من غير مالك على المالك الحقيقي أم لا، وبعبارة أخرى هل كان يجب على هذا المشتري قبل صدور قانون التسجيل الجديد وأيام العمل بأحكام انتقال الملكية الواردة في القانون المدني أن يسجل عقده للاحتجاج به على المالك الحقيقي أم لا؟ وهل كان هذا المالك الحقيقي من الغير الذين يجوز لهم الاحتجاج بعدم التسجيل أم لا؟ وإذا أجبنا عن ذلك بالنفي فهل من شأن قانون التسجيل الجديد أن يغير هذا الجواب أم لا؟ ولما كان شارعنا المصري قد نقل أحكام التقادم الخمسي عن القانون الفرنسي وهو استمدها من القانون الروماني وجب أن ندرس المسألة فيهما وعلى نورهما.
كان للرومانيين تقسيم للأموال لا يرجع إلى طبيعتها كتقسيمها إلى (منقول وثابت وحسي ومعنوي) بل يرجع إلى أحكامها المتغايرة في قانونهم المدني وهو تقسيمها إلى أموال منيسبية (RES MANCIPI) وغير منسيبية (MANCIPI RES NEC) والأولى معروفة عندهم بالحصر بنص القانون وهي العقارات الموجودة بإيطاليا وحقوق الارتفاق الزراعية الخاصة بها والعبيد ودواب النقل والجر ومن فوائد هذا التقسيم الصناعي أن ملكية هذه الأموال المنسيبية لا تنقل إلا بطريقة الإفراغ العلني (MANCIPATIO) لا بمجرد المناولة (TRADITIO) (راجع ديدييه بابيه صحيفة 142 – 143 جزء أول).

ولم يكن للرومانيين في بادئ أمرهم إلا نوع واحد للملكية هو الملكية الرومانية وكانوا لا يعرفون من أسباب نقلها إلا تلك الطرق الشكلية المشتملة على أقوال وأعمال مخصوصة يعلنون بها للكافة نقلها وانتقالها من مالك لآخر ولكن الضرورة اضطرت قضاتهم إلى الاعتراف بنوع آخر من الملكية يمكن انتقاله بغير تلك الطرق الشكلية وإلى استنباط الوسائل القضائية لحمايته وقد أطلقوا على تلك الملكية (IN BANIS) إشارة إلى أن المالك يتمتع فيها تقريبًا بجميع حقوق الملاك إلا ما بقي من المزايا الضئيلة لاسم المالك ملكية رومانية، وفي الواقع فإنهم رأوا تعامل الناس في الأموال بغير اتباع الأوضاع الشكلية المعروفة وخروج هذه الأموال بالفعل من يد أصحابها إلى غيرهم برضائهم واستمرار هؤلاء على الانتفاع بها والتصرف فيها فاضطروا للاعتراف بهذه التصرفات وحموا واضعي اليد بما وضعوه لهم من وسائل دفع التعرض وأكسبوهم الملكية بالتقادم بشروط مخصوصة وخولوا لهم دعوى تشبه دعوى الاستحقاق أسموها (L’ACTION PUBLICIENNE) وأبقوا للمالك الأصلي مزايا قليلة الأهمية تبقى له تحت اسم مالك الرقبة (NUDUNA JUS QUIRITUM).

وكان مما استنبطوه أن اعتبروا المناولة (TRADITIO) المبنية على سبب صحيح إذا وقعت على مال من الأموال المنسيبية من أسباب اكتساب الملكية النافعة (IN BONIS) والمراد بالسبب الصحيح في باب المناولة نية الطرفين على الإفراغ والاكتساب المدلول عليها بعمل قانوني سابق لا تتعلق صحته بصحتها (راجع (167) إلى (170) من الكتاب المتقدم ذكره).
وكذلك كان من استنباطهم التقادم بالمدة القصيرة (USUCAPIO) وكان من شأنه أن يجعل المالك لشيء ملكية نافعة (IN BONIS) مالكًا ملكية رومانية سواء أكان واضع اليد تلقى المال المعدود من الأموال المنسيبية من مالكه بمجرد المناولة أم أي مال آخر بأي سبب آخر كما كان من شأنه عندهم أن يحيل وضع اليد القانوني ملكية نافعة إذا كان واضع اليد استلم المال المنسيبي من غير مالك.

وكان من شروط هذا التقادم عندهم أن يكون لواضع اليد سند صحيح والمراد به عندهم كل تصرف قانوني يدل بنفسه على رغبة المتعاقدين في الإفراغ والاكتساب ويفترضون فيه دائمًا أنه لا يجعل بنفسه المتصرف إليه مالكًا إما لوقوعه على مال منسيبي (RES MANCIPI) بغير الأوضاع المطلوبة أو لوقوعه من مناول لم يكن مالكًا ليكون التقادم سبيلاً إلى إفادة معنى جديد (صـ (183)، (184) من الكتاب نفسه).
وأنت ترى من كل هذا أن الرومان لم يشترطوا في السبب الصحيح الذي يجب أن يبنى عليه وضع اليد إلا أن يكون دالاً بنفسه على رغبة المتعاقدين في الإفراغ والكسب وأن لا يكون صادرًا من المالك الحقيقي بالأوضاع الحقيقية الناقلة للملكية بالفعل حتى يكون التقادم مفيدًا لمعنى جديد ومثمرًا، ولذلك لم يشترطوا في السبب الصحيح الوارد على مال منسيبي أن يقع بالأوضاع الشكلية الواجب اتباعها في نقل الملكية الرومانية.
وإلى مثل هذه النتيجة بلغ الفقهاء الشارحون للقانونين الفرنسي والمصري، فقد قالوا إن المراد بالسبب في باب التقادم الخمسي كل تصرف قانوني يكون بطبيعته لذاته صالحًا لنقل الملكية بقطع النظر عما إذا كان من أصدره مالكًا له ولاية التصرف بنقل الملك أم لا.

وقال بوتيه إن العقود المتضمنة الالتزام بإعطاء شيء من بيع أو هبة تصلح لأن تكون سببًا في هذا الباب وإن ليس المراد بكون السبب صحيحًا أن يكون سببًا صحيحًا مفيدًا لأحكامه وإنما المراد بكونه صحيحًا أن يكون صالحًا للاطمئنان به عند تناول العين من يد صاحبها الظاهر.
وقال بودري ما معناه أن القانون لم يلاحظ عند تقرير حكم اكتساب الملكية بوضع اليد بالسبب الصحيح أن يكون السبب هو الذي ينقل الملكية على أن يكون سندها فيها وإنما ليصبغ به وضع اليد مدة الخمس سنوات فيكون له من القوة ما يجعله من أسباب التمليك.
ولذلك اكتفوا في التصرف أن يكون منعقدًا منع من إفادته الملك مانع هو بوجه عام كونه صادرًا من غير مالك (راجع دوهلس نوتة 117 و118 تحت كلمة التقادم).

ورأيتهم لا يعتبرون العقود غير المنعقدة أو الباطلة بطلانًا أصليًا سببًا صحيحًا ويعتبرون العقود الباطلة بطلانًا نسبيًا كبيع القاصر والمكره لأن المانع فيهما من نقل الملك هو قصر المتصرف أو وقوع التصرف تحت سلطان الإكراه وكلاهما قائم بشخص المتصرف له وحده الاحتجاج به في طلب البطلان.
والأستاذ عبد السلام بك ونحن على اتفاق في أن عقد البيع غير المسجل هو عقد صحيح مفيد لجميع أحكامه إلا نقل الملك فهو إذن صالح لأن يطمئن به المشتري في تلقي العين ممن هي تحت يده لتضمنه الالتزام بنقل ملكيتها إليه وإن لم ينقلها له بالفعل.
على أنه لما أدخل قانون 23 مارس سنة 1855 في فرنسا نظام تسجيل العقود الناقلة للملكية لإمكان الاحتجاج بها على الغير بحث الفقهاء فيما إذا كان من شأن هذا القانون أن يوجب اشتراط تسجيل السبب الصحيح لإمكان الاحتجاج به في وجه المالك الحقيقي أم لا.
فذهب قليل من العلماء إلى اشتراط التسجيل محتجًا بنص المادة (3) من قانون (23) مارس سنة 1855 التي خولت حق الدفع بالاحتجاج بعدم التسجيل لكل من له حق عيني على العقار (راجع دومولب فقرة (462) الجزء الأول الخاص بالعقود وهو رأي لوران جزء (32) صـ 395).
ورجح أغلب الفقهاء عدم اشتراط التسجيل وحجتهم أن القانون لم يشترط في التملك بالتقادم إلا أن يكون لواضع اليد سبب صحيح فحسب وأن مقصود الشارع من اشتراط السبب الصحيح لم يكن لينقل به الملك (ولذلك أجاز أن يكون صادرًا من غير مالك) وإنما ليطبع به وضع اليد بطابع ظاهر من حسن النية وليسدل عليه به من الحل ما يؤبد به حالة واقعية ظاهرة مستمرة (راجع نوتة (674) و(677) من كتاب بودري في التقادم الطبعة الرابعة وأوبري ورو جزء (2) المسألة (209) في المتن والهامش (106)).
ولقد دفعوا حجة خصومهم بقولهم إن العقود المقصودة بقانون (1855) هي العقود التي يجب أن تنقل الملكية بنفسها وتكون وحدها سبب إفادة التمليك لمن صدرت إليهم ولم يكن السبب الصحيح في باب التقادم الخمسي هو سبب التمليك (وكيف يكون كذلك والمفروض فيه أنه صدر من غير مالك) وإنما كان السبب في اكتساب الملكية هو وضع اليد المبني على السبب الصحيح، أما اعتمادهم على ظاهر المادة (3) التي تجيز لكل ذي حق عيني حق الدفع بعدم تسجيل العقود الناقلة للملكية فغير صحيح لأن الغرض من إيجاب تسجيل العقود الناقلة للملكية هو توطيد الأمن والثقة بالمعاملات العقارية عند أولئك الذين نالوا حقًا عينيًا وحفظوه بالتسجيل ولا يمكن اعتبار المالك في مزاحمته لمن تملك بالتقادم الخمسي من أولئك الذين كان يهمهم تسجيل السبب الصحيح لإعلامهم بالتصرف الوارد به ليتقوا الدخول معه في تصرفٍ ما على هذا العقار لأن خروج العين من يده وتركه إياها تحت يد الغير كافيان لإعلامه وإنذاره (راجع أوبري ورو جزء (2) المسألة (209) في المتن والهامش (106) ومتن دالوز تحت كلمة تقادم فقرة (535) وراجع على الأخص أسباب حكم مونبيليه 8 نوفمبر سنة 1881 وحكم محكمة كان 17 مارس سنة 1891 المنشورين في هذا الكتاب الأخير صـ 185).

وقد رجع هذا الرأي موسوعات دالوز والبنديكت وكارينتيه وهو رأي جويار جزء (2) نمرة (529) وبواليه جزء (7) على المادة (2265) ولرودي بريتاني جزء (2) نمرة (892) في مؤلفه في التسجيل) وهو رأي كولان وكابيتان صـ (968) طبعة ثالثة.
وهو المجمع عليه فقهًا وقضاءً في مصر (راجع هالتون جزء أول 200 – 201 دوهلس فقرة (127) وكامل بك مرسي صـ 400 من مذكراته في الملكية والأحكام الكثيرة المنشورة في مجموعات المحاكم الأهلية والمختلطة).
وأنت ترى أن فقهاءهم وفقهاءنا وقضاءهم وقضاءنا مع ما يعلمون من حكم القانون من إيجاب تسجيل العقود الناقلة للملكية العقارية والحقوق العينية لإمكان الاحتجاج بها على الغير لم يروا مع ذلك وجوب تسجيل السبب الصحيح في باب التقادم الخمسي لعدم اعتبارهم المشتري من الغير الذين يسمح لهم القانون بالاحتجاج بعدم التسجيل.
فهل جاءنا قانون التسجيل بجديد في هذا الباب؟ وهل يصح الآن للمالك الحقيقي أن يحتج على من يدعي اكتساب ملكه بالتقادم الخمسي بعدم تسجيل سببه الصحيح أم لا؟
لا نظن ذلك للاعتبارات الآتية:

أولاً: لأن قانون التسجيل الجديد وهو قانون خاص بأحكام انتقال الملكية العقارية بالعقود لم يلغِ من أحكام القانون المدني إلا ما كان من مواده متعلقًا بذلك ولهذا كانت المواد التي ألغاها لا تندرج إلا تحت أحكام الفصول المنعقدة لاكتساب الملكية بالعقود كالمادة (47) من الفصل الأول المنعقد للعقود والمادة (52) من الفصل الثاني المنعقد لعقد الهبة و(550) من الباب العاشر الخاص بالرهن والمواد (606) و(609) و(611) و(612) و(613) و(615) و(616) و(617) و(618) و(619) من الباب الثاني المنعقد لإثبات الحقوق العينية في حق مالكها السابق وحق الغير بالعقد الناقل للملكية (راجع المادة (606) التي تقرأ فيها (في جميع المواد تثبت الملكية أو الحقوق العينية في حق مالكها السابق بعقد انتقال الملكية… إلخ).
ولذلك لم تكن المادة (76) الخاصة بحكم انتقال الملكية بالتقادم الخمسي من هذه المواد الملغاة ولا يمكن لقانون التسجيل أن يلحقها بأي تأثير من إلغاء ضمني أو فسخ جزئي لمخالفة موضوعها لموضوعه.
وقد بينّا فيما سبق أن ليس السبب الصحيح في التقادم الخمسي هو الذي يكسب الملكية لصاحبه (فكيف يكون سندًا للملكية والمفروض فيه أنه لا ينقلها بالفعل لصدوره من غير المالك) وأن الذي يكسبه إياها هو وضع اليد المدة القانونية مبنيًا على سبب صحيح اشترطه القانون لتقرير حالة غير شرعية مستمرة زمنًا.

ثانيًا: لأنه ظاهر من مطالعة المواد الملغاة والمواد الجديدة أن الشارع لم يقصد إلا تقرير أحكام العقود الصادرة على الملكية العقارية من مالكيها فيما بين المتعاقدين وبالنسبة للغير ولا يمكن أن يتعرض لتسجيل أحكام العقود الصادرة من غير الملاك لأنه قرر بطلانها من قبل بالمادة (264) فلا يمكن أن نأخذ إذن من قانون التسجيل حكم إيجاب لتسجيل السبب الصحيح الصادر من غير المالك.

ثالثًا: ولا يقال إن قانون التسجيل أوجب تسجيل جميع العقود الصادرة بين الأحياء على الملكية والحقوق العينية ورتب على عدم تسجيلها عدم اعتبارها ناقلة ولا منشئة ولا مغيرة ولا مزيلة للحقوق العينية لا بين المتعاقدين ولا بالنسبة لغيرهم وأن لا يكون لها من الأثر إلا التزامات شخصية بين المتعاقدين – لا يقال إن قانون التسجيل الذي أوجب هذه الأحكام هو الذي أوجب تسجيل السبب الصحيح بعد أن لم يكن واجبًا لأنه يحاجج به المالك الحقيقي وهو من أصحاب الحقوق العينية على العين التي وضع صاحب السبب اليد عليها مدة الخمس سنوات.
لا يقال ذلك لأن الغرض من إيجاب تسجيل التصرفات الواقعة على العقار هو إذاعتها وإعلامها لمن يتعاملون عليها حتى يستطيع من يرغب قبول أي تصرف فيها أن يتعرف من أقلام التسجيل ما يوجد عليها من التسجيلات العقارية – وقد عين هذا الغرض لهم معنى الغير قانونًا في باب التسجيل فقالوا إنهم أولئك الذين تلقوا من عاقد واحد الملكية أو أي حق عيني آخر وحفظوه بالتسجيل من مشترٍ أو مرتهن أو صاحب اختصاص حتى تمكن المزاحمة بينهم ويتفاضلون بالتسجيل ولذلك أخرجوا أولئك الذين قد تكون لهم مصلحة في الدفع بعدم تسجيل العقد ممن لم يكن لهم حق عيني أصالةً أو كان لهم حق وتلقوه من عاقد آخر غير الذي تصرف فيها لصاحب العقد غير المسجل فلم يخولوا للدائن العادي عند التنفيذ على عقار مدينه حق الدفع بعدم تسجيل عقد من تلقاه من مدينه بشراء غير مسجل كما لم يجيزوا لمن تلقى عقارًا من زيد على أنه ملكه أن يحتج على من تلقاه من بكر على أنه مالكه بعقد غير مسجل وجعلوا الفصل في ذلك لمن تثبت له ملكية العقار في الواقع ونفس الأمر.
ولهذا لم يجيزوا للمالك الحقيقي أن يدفع بعدم تسجيل السبب الصحيح لأنه لا يمكن اعتباره مع صاحب السبب الصحيح خليفتين لعاقد واحد يتزاحمان على عقار واحد بعقدين متعارضين.

وبعد فهل فوت عدم تسجيل السبب الصحيح على المالك الحقيقي العلم به حقيقةً ثم دخل بسبب عدم إذاعته بالتسجيل مع (المتصرف بالسبب الصحيح) في معاملة جديدة تتعلق بالعقار؟ اللهم لا:
( أ ) لأن المالك الحقيقي لم يتلقَ من البائع حقًا عينيًا على العقار كان لا يتلقاه منه إذا علم بالسبب الصحيح.
(ب) ولأنه لا حاجة به إلى العلم بالسبب الصحيح من طريق التسجيل لأن انتزاع العين منه ووضع يد الغير عليها واستمراره على ذلك خمس سنوات أبلغ في الإعذار إليه من العلم بالتصرف من طريق التسجيل.
(جـ) على أنه مع ذلك لا يستطيع التثبت من خلو ملكه من التسجيلات الواقعة عليه من غيره لاستغراق هذا الغير ولأن الشهادات العقارية لا تزال تحرر من أسماء المتصرفين لا من العقار نفسه.

وكيف نوجب تسجيل السبب الصحيح لمجرد اشتراط القانون التسجيل لإفادة حكم نقل الملكية بين المتعاقدين وغيرهم ونحن نعلم أن السبب الصحيح لا ينقل ملكًا ما حتى إذا سجل لأنه صادر من غير مالك ولأن العقد لا ينقل للمشتري أكثر من حقوق البائع ألا يكون اشتراط تسجيل السبب الصحيح لإفادة الملك من العبث الذي يجب أن يتنزه عنه الفقيه إذ لا التسجيل ولا السبب الصحيح لا مجتمعين ولا منفردين يفيدان الملك لواضع اليد والذي أكسبه إياه هو في الواقع وضع اليد مدة الخمس سنوات.
حامد فهمي
المحامي