دراسة وبحث قانوني في قانون الاسترداد الجديد وطريقة تطبيقه في المحاكم الأهلية

دفعني إلى خوض هذا البحث ما يصدر كل يوم من أحكام المحاكم الأهلية تطبيقًا لهذا القانون وقلّ أن ترى بينها حكمين صادرين من محكمتين وبينهما توافق وإجماع على تطبيق هذا القانون حسب قصد الشارع منه، وقديمًا كانت دعوى الاسترداد عقبة كؤودًا في سبيل تنفيذ الأحكام وكان نقص النص في قانون المرافعات الأهلي مما يدعو إلى الأسف والنقد فبينما كان ذلك القانون يتطلب الحكم في هذه الدعوى على وجه الاستعجال لم يضع لها قواعد خاصة بالطعن في الحكم الصادر فيها ولا هو أعطى المحكمة حقًا خاصًا في أن تشمل حكمها بالنفاذ المعجل ولم يلتفت إلى إمكان رفع دعاوى أخرى لاسترداد نفس الأشياء التي استُردت من قبل وأوقف استردادها البيع وأيضًا كان الحكم في دعوى الاسترداد التي يجب أن يحكم فيها في أول جلسة قدمت إليها قابلاً للاستئناف بحسب النصاب وميعاد الاستئناف إما ثلاثون أو ستون يومًا بحسب الأحوال، وكانت المعارضة جائزة في الحكم الغيابي الصادر فيها ولا ينقضي ميعادها إلا بعد علم الخصم بالتنفيذ وتنفيذ الحكم الغيابي القاضي برفض دعوى الاسترداد يكون طبعًا بإعلان البيع فإذا عارض الغائب يوقف البيع لأن المعارضة توقف التنفيذ وميعاد الاستئناف بعد ذلك موقف للتنفيذ أيضًا فلما ضج المتقاضون من هذا النظام الذي لا يتفق مع مبدأ حسن سير العدالة واحترام الأحكام الواجبة التنفيذ تنبه الشارع إلى وضع القانون الصادر في 9 يوليه سنة 1925 المعدل لنص المادتين (478) و(479) مرافعات أهلي وأحاطه بسياج متين من القيود التي لا مطمع من ورائها لمشاكس غير جاد في دعواه، ولكن ظهر أن طريقة تطبيقه في مختلف المحاكم كما ذكرنا أثبتت أن العلاج لا يزال غير شافٍ للداء ولا وافٍ بالمرام وسنقتصر هنا على إيراد ما به من الغموض الذي جر إلى تضارب آراء القضاة وتباين مذاهبهم في تطبيقه وندع ما عدا ذلك من أوجه النقد إلى فرصة أخرى:

حتم القانون الجديد أنه (يجب أن تشتمل صحيفة دعوى الاسترداد على بيان دقيق لأدلة الملكية أو على صورة مستند التمليك إن كان وإلا كانت باطلة ولا يزول هذا البطلان بحضور الأخصام) فكان من أثر ذلك أن بعض المحاكم ترى القانون قد طُبق تطبيقًا صحيحًا إذا أتى المسترد في صحيفة دعواه ببيان موجز لمستنداته كذكر التاريخ والنص على إن كان ثابتًا أو غير ثابت وإن كانت مسجلة أم غير مسجلة وأسماء المتعاقدين وإشارة بسيطة إلى موضوع التعاقد (وهذا هو المعقول) ولكن بعض المحاكم من جهة أخرى يذهب بها التطرف إلى أقصى حد وأبعد مدى فتحتم نقل صورة المستند الذي يرتكن عليه المسترد وإثباته في صحيفة دعواه سطرًا سطرًا وكلمةً كلمة وإلا كانت الصحيفة في نظرها باطلة، وبعض المحاكم تكتفي إن ذكر المسترد بعريضة دعواه أنه يعتمد في إثبات ملكيته للمنقولات المستردة على البينة أو شهادة الشهود، وترى في هذا كل الكفاية لنفاذ قصد الشارع ولكن البعض من جهة أخرى ترى أن البينة أو شهادة الشهود (لفظ عام مبهم) ويجب تسمية الشهود وما سيشهدون به حتى يقال إن القانون قد طُبق تطبيقًا صحيحًا وإلا فصحيفة الدعوى باطلة، وما أغرب هذا الرأي الذي لا يدل إلا على استنتاج سقيم فإنه فضلاً عن أن ذلك لا يؤخذ من عبارة الشارع فإنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيشهد به الشاهد إذ ربما اعتقد أن الشاهد عالم بحقيقة دعواه وسيشهد لمصلحته فتأتي النتيجة بالعكس (وكثيرًا ما يحصل ذلك) فضلاً عن الخطر في تعرف خصمه لشهوده إذ ربما يصل إلى التأثير عليهم وكثيرًا ما يحصل ذلك إذا كان للخصم نفوذ.
وكذلك نص هذا القانون أيضًا على أنه إن قُضي برفض دعوى الاسترداد فإن الكفالة المنصوص عليها في المادة (478) تصادر على سبيل الغرامة، فجرى كثير من المحاكم على اتباع ذلك حتى في حالة الحكم ببطلان صحيفة الدعوى مع أن ذلك لا يؤخذ من منطوق النص ولعل السبب راجع إلى فهم كثير من القضاة من أن القانون الجديد إنما وُضع لمصلحة الحاجز فقط لا لمصلحة العدالة أصلاً ثم تأتي مصلحة الحاجز تبعًا – فجرَّت المغالاة في تطبيقه بهذا الفهم إلى ما ترى من التناقض في الأحكام – والرأي عندي أنه ما دام المسترد قد برهن لآخر لحظة أنه جاد في دعواه غير مسخَّر وما دام قد قام بما فرضه عليه القانون من دفع جميع الرسوم والكفالة الباهظة التي ينوء بحملها الكثيرون وأشار إشارة واضحة إلى مستنداته أو إلى الطريق الذي سيتخذه في إثبات ملكيته ثم قام بعد ذلك بقيد الدعوى (لا كما كان يتبع قديمًا من أنه يرفع الدعوى ويترك الحاجز يقيدها) فيجب حتمًا بعد ذلك افتراض حسن النية فيه وتناقش مستنداته أو أدلته بروح من التساهل يتفق مع قصد الشارع كما ذكرت، وما أحوجنا والحالة هذه إلى إصدار قانون تفسير أو تعديل يقضي على الخلاف القائم ويضمن قيام العدل وصيانة الحقوق – والله الهادي إلى أقوم سبيل.

سليم إبراهيم سلام
المحامي بالمنصورة