دراسة وبحث قانوني رائد حول جرائم البورصة في التشريع الجزائري

المقدمة
المبحث التمهيدي: بورصة الأوراق المالية.
المطلب الأول: ماهية بورصة الأوراق المالية.
الفرع الأول: مفهوم بورصة الأوراق المالية.
الفرع الثاني: نظام تشغيل بورصة الأوراق المالية.
الفرع الثالث: قواعد وإجراءات التعامل في البورصة.
المطلب الثاني: بورصة القيم المنقولة في الجزائر.
الفرع الأول: فكرة إنشاء بورصة الجزائر.
الفرع الثاني: القيم المنقولة.
الفرع الثالث: بورصة القيم المنقولة.
الفصل الأول: أحكام المسؤولية الجزائية في جرائم البورصة.
المبحث الأول: أهمية الحماية الجزائية لبورصة الأوراق المالية.
المطلب الأول: الجدل الفقهي حول تدخل القانون الجزائي في البورصة.
الفرع الأول: الاتجاه المعارض لتدخل القانون الجزائي في البورصة.
الفرع الثاني: الاتجاه المؤيد لتدخل القانون الجزائي في البورصة.
المطلب الثاني: رأى الفقه حول نوع الجزاء في تشريعات البورصة.
الفرع الأول: ضرورة الأخذ بجزاءات غير جنائية.
الفرع الثاني: أهمية الجزاءات الجنائية.
المبحث الثاني: طبيعة الركن المعنوي في جرائم البورصة.
المطلب الأول: رأى الفقه وموقف القانون من تطلب القصد الجنائي في جرائم البورصة.
الفرع الأول: الخلاف الفقهي حول طبيعة الركن المعنوي.
الفرع الثاني: موقف القانون من تطلب القصد الجنائي في جرائم البورصة.
المطلب الثاني: انتفاء الركن المعنوي في جرائم البورصة.
الفرع الأول: الغلط كسبب لانتفاء الركن المعنوي في جرائم البورصة.
الفرع الثاني: موقف القانون من انتفاء الركن المعنوي في جرائم البورصة.
المبحث الثالث: المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية في جرائم البورصة.
المطلب الأول: ضرورة تقرير المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم البورصة وموقف التشريعات من ذلك.
الفرع الأول: ضرورة تقرير المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم البورصة.
الفرع الثاني: موقف التشريعات من تقرير المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم البورصة.
المطلب الثاني: شروط المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم البورصة.
الفرع الأول: ارتكاب الجريمة بواسطة عضو أو ممثل للشخص المعنوي وأن يكون الفعل داخلا في اختصاصه الوظيفي.
الفرع الثاني: ارتكاب الفعل المجرم لصالح الشخص المعنوي مع توافر الركن المعنوي.
الفصل الثاني: صور التجريم والعقاب المقررة من قبل المشرع الجزائري في مجال بورصة القيم المنقولة.
المبحث الأول: جريمة العالم بأسرار الشركة.
المطلب الأول: أركان الجريمة.
الفرع الأول: صفة الجاني والمعلومات المتوفرة لديه.
الفرع الثاني: الركن المادي للجريمة.
المطلب الثاني: قمع الجريمة.
الفرع الأول: الجزاء المقرر لهذه الجريمة.
الفرع الثاني: مسألة الإختصاص.
المبحث الثاني: جريمة نشر المعلومات الخاطئة أو المضللة.
المطلب الأول: أركان الجريمة.
الفرع الأول: الركن المادي للجريمة.
الفرع الثاني: الركن المعنوي للجريمة.
المطلب الثاني: قمع الجريمة.
الفرع الأول: الجزاء المقرر للجريمة.
الفرع الثاني: مسألة تعدد الأوصاف.
المبحث الثالث: جريمة القيام بأعمال غير مشروعة في سوق البورصة.
المطلب الأول: أركان الجريمة.
الفرع الأول: الركن المادي للجريمة.
الفرع الثاني: الركن المعنوي للجريمة.
المطلب الثاني: قمع الجريمة.
الفرع الأول: الجزاء المقرر للجريمة.
الفرع الثاني: مسألة تعدد الأوصاف.
خاتمة.

مقدمة

منذ العصور القديمة بحث الإنسان عن كيفية كسب الثروة وذلك من أجل تنمية وتطوير تجارته، ولكل حقبة من حقب التاريخ البشري نظامها الاقتصادي والمالي، فلقد شهد العالم ولا يزال يشهد حركات تحول مستمرة لهذه النظم ولا يخفى أن إرادة الإنسان تتجه دائما إلى العمل على تكوين ثروة ينتفع بها في المستقبل لأن حاجته للإنفاق والاستهلاك مستمرة ومتجددة في حين أن دخله من عمله قد ينخفض أو يختفي بسبب العجز.
ولما كانت النقود لا تحتفظ دوما بنفس قوتها الشرائية فقد يرى الفرد أو المصرف أو الشركة إيداعها في البنوك أو إقراضها للغير مقابل فائدة ثابتة، إلا أنه رغم الفوائد ومخاطر القرض المحدودة، فإن التضخم عادة ما يكون أكبر قدرا من هذه الفوائد، ولتفادي ذلك يقبل المدخر تحمل بعض المخاطر عن طريق شراء أسهم شركات تتداول لدى البورصة.
ولقد أسس أول سوق مالي أطلق عليه إسم البورصة حيث إشتق هذا الإسم من تاجر بلجيكي الأصل اسمه فان دي بورص كان يمتلك فندقا في بلجيكا يلتقي فيه التجار لإتمام عملياتهم التجارية في القرن الخامس عشر، حيث أن البضائع في هذه السوق لم تكن متواجدة بشكل فعلي، بل يلتزم البائع نحو المشتري بتسليم البضاعة في تاريخ محدد، وبسعر ومكان متفق عليهما.
وبناء على ذلك فإن للبورصة دورا اقتصاديا تمويليا لا يستهان به حيث تعد المركز الأول لخلق السيولة داخل البلاد عن طريق تداول القيم المنقولة المقيدة فيها، ويسمح سوق البورصة بدخول مدخرين جدد محل حملة الصكوك الذين يريدون التصرف فيها، مما يحقق هذه السيولة النقدية.

وفي ظل الأزمنة المالية العالمية الحالية عندما أعلن بنك (ليمان بروذرز) إفلاسه سلك جميع حملة الأسهم في البورصات العالمية سلوك أسراب الطيور، وهكذا طغت أوامر الشراء على عمليات التداول وخسرت الأسهم أسعارها بغض النظر عن قيمتها الفعلية هذا، ما جعل الحكومات تتدخل لإنقاذ المصارف الكبرى من الإفلاس سواء عن طريق الإستحواذ على جزء من رأس مال تلك المصارف أو بمدها بالسيولة اللازمة لمواصلة عملية الإقراض، وهكذا تجاوزت جميع البورصات في العالم الخطوط الحمراء، وهذا النوع من البورصات يسمى بورصة الأوراق المالية أو بورصة القيم المنقولة، حيث يتم التعامل فيها على الأسهم والسندات بخلاف أنواع أخرى من البورصات، وهي بورصة البضائع أو البورصة التجارية، حيث يتم التعامل فيها على بضائع معينة، كالصوف والقطن والبن والقمح، هذا ولا يمكن للمستثمر في البورصة، تداول القيم المنقولة إلا عن طريق وسطاء ماليين.
وتكمن أهمية المعاملات في البورصة في أن المشرع حدد القائمين على تنفيذها لخطورة هذه العمليات، حيث أنها تستوجب قدرا عاليا من المعرفة لأسرار سوق رأس المال وحرفية جيدة لإتمام هذه العمليات على أحسن وجه لاسيما أن موضوع هذه المعاملات يكون في أغلب الأحيان أموالا طائلة، بحيث إن أدنى خطأ في تنفيذ أوامر العميل قد ينتج عنه خسائر كبيرة يصعب في أغلب الأحيان تداركها.
إلا أن تحديد المشرع للقائمين على تنفيذ معاملات البورصة قد يستغله بعض الوسطاء لتحقيق بعض الأرباح غير المشروعة لهم أو للغير، مما يؤثر على السير السليم للمعاملات في البورصة، وقد حدث من التلاعب صور مختلفة في البلدان المتقدمة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان الأوروبية وهو ما دفعهم إلى تدارك نقص تشريعاتهم الجنائية، وإرساء عقوبات لجرائم لم يكن لها وجود في السابق، وذلك لما تمثله هذه الممارسات من خطورة على إقتصاد البلاد وسياسته المالية، ولما تمثله كذلك من خطورة على الاستثمار في البورصة، مما دفع العديد من التشريعات إلى إرساء المسؤولية الجزائية عن جرائم عمليات البورصة، حيث إن مثل هذا التلاعب لا يؤثر فقط على القواعد العملية لسوق رأس المال بل إنه يؤثر كذلك على شفافيتها أيضا، فمثلا التجربة الجزائرية مع بنك الخليفة جعلت الموطنين يدركون خطر عدم الشفافية.
والمشرع الجزائري تناول بورصة القيم المنقولة من خلال صدور المرسوم التشريعي رقم 93-10 المؤرخ في: 23-05-1993 المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-10 المؤرخ في 14-01-1996 وبالقانون رقم 03-04 المؤرخ في 17-02-2003 المتعلق ببورصة القيم المنقولة والذي ينظم سوق الأوراق المالية وقد تضمن هذا المرسوم تجريم بعض السلوكيات غير المشروعة التي قد تقع في بورصة القيم المنقولة، ونص على توقيع بعض الجزاءات الجنائية على مركبتها.
فحماية بورصة الأوراق المالية من الأولويات الأساسية لبناء إقتصاد وطني قوي خاصة أن هذه الأسواق قد أصبحت عرضة لتقلبات كثيرة بسبب اتجاهها إلى العالمية، واستخدامها الكثيف لمعطيات ثورة المعلومات ومن هذا المنطلق تطفوا تساؤلاتنا على السطح كالتالي:
– ما مفهوم بورصة الأوراق المالية؟ وكيف يتم تشغيلها ؟
– ما هي قواعد وإجراءات التعامل في البورصة ؟
– كيف نشأت بورصة القيم المنقولة في الجزائر ؟
– ما أهمية الحماية الجنائية لبورصة القيم المنقولة ؟
– ما طبيعة الركن المعنوي في جرائم البورصة ؟
– ما مدى مسؤولية الأشخاص المعنوية في هذا النوع من الجرائم ؟
– ما هي صور التجريم والعقاب التي قررها المشرع الجزائري في مجال بورصة القيم المنقولة؟
وهذا ما سنحاول الإجابة عليه في معرض بحثنا هذا بالتفصيل من خلال الخطة المعتمدة:

أهمية الدراسة:
تشكل دراسة الجرائم المتعلقة بالبورصة أهمية نظرية وأخرى تطبيقية فمن الناحية النظرية تثير الجرائم التي تقع في بورصة القيم المنقولة مشاكل قانونية جديرة بالدراسة العلمية بهدف إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشاكل واستكمال النقص التشريعي في قوانيننا الموجودة، ولاسيما أن التشريعات المنظمة للبورصة في الجزائر لا ترجع إلى وقت بعيد وبالتالي لا توجد سوابق قضائية وتعليقات فقهية يمكن الاستفادة منها في إيجاد هذه الحلول.
ومن الناحية التطبيقية تأتي أهمية هذه الدراسة في أنها تتعرض إلى موضوع من أهم الموضوعات التي تهم الاقتصاد الوطني وهو موضوع بورصة القيم المنقولة نظرا لما تقوم به من أدوار متنوعة في النشاط الاقتصادي، ولاشك أن الممارسة العملية يمكن أن تفرز العديد من السلوكات الضارة التي قد تعيق عمل بورصة القيم المنقولة مما يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني، مما يقتضي رصد هذه السلوكيات الضارة والعمل على تجريمها بهدف وضع نظام قانوني حمائي يساعد على استقرار المعاملات البورصية وشيوع الثقة، وعلى جانب أخر فإن هذا البحث يتناول جانبا من المقارنة بين كل من الحماية الجنائية للبورصة في الجزائر وفي فرنسا وكذلك عند بعض الدول العربية كمصر وتونس بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك أكبر أسواق الأوراق المالية في العالم وأكثرها تقدما، وقد تناولت هذه الحماية منذ عهد بعيد.

أهداف الدراسة:
1- تحديد الهيئات الواجب حمايتها في البورصة، وإظهار أهمية الحماية الجنائية في هذا المجال.
2- تحديد صور التجريم التي نص عليها المشرع الجزائري في المادة 60 من المرسوم التشريعي رقم 93-10 المؤرخ في 23-05-1993 المتعلق ببورصة القيم المنقولة المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-10 المؤرخ في 14-01-1996 وبالقانون رقم 03-04 المؤرخ في 17-02-2003 مع المقارنة ببعض التشريعات، حتى يمكن الحكم على مدى كفاية نصوص التجريم في القانون الجزائري وبيان ما يشوبها من قصور.
3- تبيان أهمية الحماية الجنائية لبورصة القيم المنقولة مع دراسة طبيعة الركن المعنوي في جرائم البورصة.
4- التعرض لموضوع توسيع دائرة المسؤولية الجزائية في جرائم البورصة بإقرار مسؤولية الأشخاص المعنوية جزائيا، ومساءلة الأشخاص القائمين على الإدارة والإشراف في الشركات المصدرة للأوراق المالية.

منهج الدراسة:
سوف تعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي –التحليلي بهدف استجلاء الملامح والجوانب المختلفة لموضوع البحث المتمثل في جرائم البورصة في التشريع الجزائري، وقد اعتمدنا على عدد من الأدوات الرئيسية التي تلقي الضوء على جوانب الموضوع، والتي تتمثل في مجموعة من المراجع العربية والأجنبية والدراسات والأبحاث والتقارير التي تناولت الموضوع، وأهمها الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الثاني، لمؤلفه أستاذي الدكتور أحسن بوسقيعة.
كما تعتمد هذه الدراسة على المنهج المقارن بدراسة التشريعات الخاصة ببورصة الأوراق المالية في بعض الدول كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، واستعراض تعليقات الفقه على تلك التشريعات والأحكام، مع مقارنة ذلك بما عليه الوضع في التشريع الجزائري بهدف الوصول إلى بعض التوصيات التي نأمل أن تساهم في إثراء هذا الموضوع.

خطة الدراسة:
تعكس خطة البحث اهتمامات هذه الدراسة وقد استهللنا هذه الدراسة بمبحث تمهيدي لبيان ماهية بورصة الأوراق المالية من خلال التطرق لمفهوم بورصة الأوراق المالية، ونظام تشغيلها ثم بورصة القيم المنقولة في الجزائر، وهو ما يساهم في فهم موضوع الدراسة وبيان إطارها.
أما الموضوع الذي يشكل لب هذه الدراسة وجوهرها فسوف نتناوله في فصلين وسنخصص الفصل الأول لأحكام المسؤولية الجزائية في جرائم البورصة، وسنتناول خلاله أهمية الحماية الجنائية في هذا المجال، وسنبين كذلك طبيعة الركن المعنوي في جرائم البورصة، كما نتعرض للمسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية في جرائم البورصة، وسنخصص الفصل الثاني لصور التجريم والعقاب التي قررها المشرع الجزائري من خلال التطرق لجريمة العالم بأسرار الشركة، وجريمة نشر معلومات خاطئة أو مغالطة، وجريمة القيام بأعمال غير مشروعة في سوق البورصة.

المبحث التمهيدي: بورصة الأوراق المالية

على الرغم من أن الأسواق المالية تعتبر حديثة العهد بالنسبة للأسواق الأخرى إلا أنها تطورت في الآونة الأخيرة تطورا كبيرا، سواء من حيث التنظيم، أومن حيث الإمكانيات والتسهيلات المتاحة للمتعاملين فيها، ويرجع ذلك لضخامة الاستثمارات المالية التي يتم تبادلها في هذه الأسواق التي تعرف بأنها الميكانيكية التي تستخدم في جميع بائعي ومشتري الأصول المالية بغرض تسيير عمليات التداول.
وقد تزايد الدور الاقتصادي للأسواق المالية حيث أصبح يطلق عليها بالبورصات أين أصبحت منتشرة في أنحاء العالم، وسنعالج في هذا المبحث التمهيدي ماهية بورصة الأوراق المالية في مطلب أول ثم نتطرق إلى بورصة الجزائر في مطلب ثاني.

المطلب الأول: ماهية بورصة الأوراق المالية

تلعب بورصة الأوراق المالية دورا هاما في تنشيط الوضع المالي العام للدولة من خلال الثروة التي تنتج عن إرتفاع قيمة الأسهم التي يتم إنفاق جزء منها على الاستهلاك والجزء الآخر على الاستثمار وسنتطرق في هذا المطلب الأول إلى مفهوم بورصة الأوراق المالية في فرع أول ثم نظام تشغيل بورصة الأوراق المالية في فرع ثاني على أن نتطرق في الفرع الثالث إلى قواعد وإجراءات التعامل في البورصة.

الفرع الأول: مفهوم بورصة الأوراق المالية
هي سوق منظمة للأوراق المالية، حيث يتم فيها إصدار الأسهم والسندات والتداول فيها بالبيع والشراء في إطار نظام تقني محكم إلى قسمين أساسين:

أولا: بورصة الأوراق المركزية: ويقصد بها ذلك السوق الذي يتعامل في الأوراق المالية المسجلة لدى لجنة الأوراق المالية والبورصة وبصرف النظر عن الموقع الجغرافي للمنشآت المنظمة لتلك الورقة مثل بورصة طوكيو وبورصة نيويورك للسهم وهي أكبر سوق للأوراق المالية في العالم.

ثانيا: بورصة الأوراق المالية المحلية: ويقصد بها ذلك السوق الذي يتعامل في الأوراق المالية المسجلة لمنشآت صغيرة تهم جمهور المستثمرين في النطاق الجغرافي للبورصة، وفي المناطق القريبة منها، ويمكن أن تتعامل في الأوراق المالية المعروفة في البورصات المركزية، كما أنها تؤدي خدمات مميزة للعديد من الأطراف، حيث أنها تتيح للسماسرة غير القادرين على الحصول على مقعد في إحدى البورصات المركزية، كذلك كبار المستثمرين يفضلونها لأن عمولة السمسرة فيها أقل مما هي عليه في البورصات المركزية.

الفرع الثاني: نظام تشغيل بورصة الأوراق المالية
البورصة تتمثل في قاعدة كبيرة تنتشر فيها مناضد على شكل حرف (U) ولكل منضدة مجموعة من الشبابيك مخصصة للتعامل بالأسهم التي تتميز بنشاط ملحوظ، أما الأسهم غير النشطة وكذلك السندات فيتم التعامل بها في ملحق داخل البورصة وتتوفر البورصة على العديد من أشكال الهواتف النقالة، وكذلك أجهزة الإعلام الآلي الموصلة بالانترنت لتسير الإتصال بين مكاتب السمسرة بالخارج وبين الأعضاء المنتشرين داخل البورصة وهو الأمر الذي أثر إيجابيا في حجم وسرعة التعامل في الأوراق المسجلة.

أولا: الهيكل الإداري للبورصة
1- لجنة تسيير البورصة: وهي المشرف الأساسي على العمل في البورصة وتتكون من وسطاء أو ممثلين عن الشركات المسجلة أسهمها في السوق وأعضاء من السماسرة وممثلين للحكومة (وزارة المالية).
2- اللائحة الداخلية: يقصد بها نظام العمل الداخلي للبورصة وعملها:
– تحديد مواعيد العمل وأيام العطل.
– تحديد جداول الأسعار.
3- المقصورة (الصالة): وهي المكان الذي يتم فيه تنفيذ الأوامر بالبيع والشراء للأوراق المالية، ويدخل إليها الوسطاء، السماسرة المعتمدين في البورصة.
4- غرفة المقاصة: هي الغرفة التي يتم فيها تسوية كافة الإجراءات الإدارية والمالية بين الوسطاء الدائنين وهذا بعد التعامل بالبيع والشراء.
5- نقابة الوسطاء (السماسرة): وهي هيئة تهدف إلى حماية حقوق السماسرة وتأمين إنتظام المعاملات داخل البورصة.
6- مندبو أو ممثلو الحركة: وظيفتهم مراقبة تنفيذ اللوائح والقوانين ويجب أن يكون حاضرا كل مندوب في جميع الاجتماعات التي تعقدها اللجنة.

ثانيا: الوسطاء المرخص لهم بالعمل في البورصة:
لهم مقاعد مخصصة ولهم عضوية غير مجانية إذ ينبغي دفع مبلغ كبير للحصول عليها، وللعضو الحق في التصويت في انتخابين في مجلس اللجنة المشرفة على البورصة.
1- سماسرة الوكيل: وهنا السمسار يحمل عضوية البورصة ويعمل ****ل لأحد بيوت السمسرة التي تمنحه قرضا برسم العضوية، ويضل القرض قائم دون حاجة إلى سداده وقد يعمل السمسار ****ل لأحد بيوت السمسرة الكبيرة لضخامة معاملاتها.
2- سماسرة الصالة (المقصورة): يطلق عليهم أحيانا سماسرة السماسرة يقدمون خدماتهم لسماسرة آخرين داخل السوق، حيث أنهم يقومون بالمعاملات بدلهم ويتحصلون على جزء من المعمولة.
3- المتخصصون: يقصد بهم أعضاء السوق حيث يتخصص كل منهم التعامل بورقة مالية أو بمجموعة محدودة من الأوراق، ويدفع المتخصص رسم العضوية من ماله الخاص ويجمع بين نشاط السمسرة والاتجار، ويعمل المتخصصون بطريقة تحقق الأداء المنظم والمستمر للبورصة.
4- تجار الطلبيات الصغيرة: هم التجار الذين يقومون بشراء الأوراق المالية في طلبيات بكميات ثم تبيعونها لمن يريد الشراء بكميات صغيرة، ويتقاضى هؤلاء التجار عمولة الفرق بين سعر البيع والشراء.

الفرع الثالث: قواعد وإجراءات التعامل في البورصة
تعد قواعد وإجراءات التعامل في البورصة الأساس الذي تحكم تصرفات المتعاملين ومن ثم فإن دقة صياغتها وسهولة مهامها هما مطلبان أساسيان لتسيير الاتصال بين الأطراف المعنية.

أولا: الأوامر التي يصدرها العملاء
قبل قيام السمسار بتنفيذ عمليات البيع والشراء ينبغي أن يتسلم تعليمات أو أوامر محددة من العميل، وفي هذا الصدد يمكن تقسيم الأوامر إلى أربعة مجموعات رئيسية.
1- الأوامر المحددة لسعر التنفيذ: هي التي يكون فيها السعر الذي يحدده العميل هو الفاصل في تنفيذ الصفقة من عدمه.
2- الأوامر المحددة لوقت التنفيذ: يقصد بها تلك الأوامر التي يكون الزمن فيها هو الفيصل في التنفيذ من عدمه، وقد تكون مدة الأوامر يوم أو أسبوع أو شهر وقد يكون الأمر مفتوحا أي لا يوجد تاريخ محدد التنفيذ.
3- الأوامر التي تجمع بين السعر ووقت التنفيذ: هناك الأوامر المحددة للسعر خلال فترة معينة قد تكون يوما أو شهر أو أكثر وهناك الأوامر المفتوحة في حدود سعر معين يحدده المستثمر أو سعر أفضل منه.
4- الأوامر الخاصة: من أبرزها أوامر الإيقاف وأوامر الإيقاف المحددة وأوامر التنفيذ حسب مقتضى الأحوال.

ثانيـًا: إجراءات المعاملات وتصفية الحسابات.
نفترض أن أحد العملاء قرر شراء كمية غير كسرية من أسهم منشأة ما، في هذه الحالة ما عليه إلا أن يتصل بالسمسار أو المدير التنفيذي لبيت السمسار المسجل في المنظمة لسؤاله عن أسعار تلك الأسهم وبمجرد إتمام الاتصال يقوم السمسار أو المدير التنفيذي بالحصول على المعلومات المطلوبة عن تلك الأسهم من خلال يمين الحاسوب وتكون عادة تلك المعلومات تمثل السعر الحالي وأعلى سعر وأدنى سعر خلال اليوم وسعر آخر لصفقة أبرمت، إضافة إلى أقصى سعر يمكن أن يبيعه به وبالطبع يتم إبلاغ العميل بتلك المعلومات والتي على أساسها سوف يتخذ القرار، وإذا كانت الأسعار مشجعة يسجل المدير التنفيذي المعاملات عن الأمر على مطبوعات خاصة ثم يقوم الكاتب المختص بالاتصال بالسمسار والوكيل وإبلاغه بوصول الأمر وبعد تنفيذ الأمر يرسل السمسار تقريرا عنه مباشرة إلى الإدارة التجارية بنفس الطريقة التي استلمه بها والتي ترسل بدورها نتيجة التقرير إلى المدير التنفيذي المحلي لكي يبلغه إلى العميل ثم ترسل الإدارة التجارية بالبريد خطابا إلى العميل لتأكيد تنفيذ الأمر وهنا مخطط لسير الأمر بداية من العميل ثم نهاية عند العميل أيضا.

المطلب الثاني: بورصة القيم المنقولة في الجزائر

لقد انتهجت الجزائر في الآونة الأخيرة سياسة الإصلاحات الاقتصادية التي تمثلت في التوجه نحو اقتصاد السوق بطريقة تدريجية وحذرة قائمة على التنظيم والمنافسة، وهذا ما تطلب إعادة هيكلة القطاعين الفلاحي والصناعي وتنظيم قطاع الخدمات، وجعل هذه القطاعات تتماشى والقوانين والتنظيمات العالمية باعتبار أن الجزائر أبدت رغبتها في الانضمام إلى المنظمة العلمية للتجارة (O.M.C).
ونظرا للأهمية التي يكتسبها القطاع المالي وفي مقدمتها البنوك والتأمينات باعتبارها المصدر الأساسي لجلب رؤوس الأموال قصد تمويل المشاريع الاستثمارية فقد عملت الجزائر على إصلاح المنظومة المصرفية وذلك نتيجة الضغط الذي عانت منه البنوك نتيجة اتساع دائرة الاستثمارات الداخلية والخارجية فعملت الدولة على عرض بعضها إلى الخوصصة ودمج وهيكلة البعض الآخر بعد تدقيق حساباتها والعمل على قبول إعتمادات أجنبية تكسب الخبرة الدولية في مجال التعاملات المصرفية المالية، لكن الأهداف والأبعاد التي ترمي إليها السياسة الاقتصادية جعلها تفكر في وسيلة أخرى هي بورصة القيم المنقولة باعتبارها قاعدة من قواعد اقتصاد السوق.

الفرع الأول: فكرة إنشاء بورصة الجزائر.
إن فكرة إنشاء بورصة الجزائر مر بعدة مراحل
المرحلة الأولى: (1990-1992) في هذه المرحلة اتخذت الحكومة عدة إجراءات بعد أن حصلت معظم المؤسسات الحكومية عن استغلالها المالي وتمتعها بالشخصية المعنوية، وكذلك إنشاء صناديق المساهمة، ومن جملة هذه الإجراءات أنشأت مؤسسة سميت: شركة القيم المنقولة (S.V.M).
حيث قامت السلطات تماشيا مع الإصلاحات الجديدة بوضع إطار قانوني خاص بتأسيس سوق للقيم المنقولة في الجزائر، وذلك باتخاذ قرار في أكتوبر 1990 بفضل وجود عضو مناسب هو الجمعية العامة لصناديق الاستثمار والمكون من وزراء، هذا القرار يتعلق بخلق مؤسسة وإعطائها اسم مؤقت هو مؤسسة القيم المنقولة، وكان الهدف الاجتماعي للقيم المنقولة هو التنظيم المادي للتعاملات على هذه القيم والتي تسير من طرف مجلس الإدارة المتكون من 08 أعضاء (كل عضو يمثل صندوق المساهمة)، مع وجود مدير عام يستدعى من طرف مجلس الإدارة للاهتمام بالسير الطبيعي للمؤسسة، أما العضو المكلف باتخاذ القرار، هو المجلس العام للمساهمين والذي يجتمع مرة كل نهاية سنة أو في حالات استثنائية بطلب من المجلس.
المرحلة الثانية: (1992 إلى يومنا هذا)
في الأصل عند تأسيس شركة القيم المنقولة قدر رأسمالها الاجتماعي بنفس الحد الأدنى المطلوب لأي شركة ذات أسهم حسب ما نص عليه القانون التجاري لسنة 1975.
ونظرا لعدة أسباب رفع رأس المال الاجتماعي للشركة لم يدخل حيز التطبيق الفعلي إلا خلال الثلاثي الأول لسنة 1992.
كما أن المهام التي أوكلت لهذه الشركة قد ترجمت بصفة مغايرة من طرف العديد من الأشخاص، ممن يهمهم الانطلاقة الفعلية لهذه المؤسسة بالنسبة للبعض، هذه الشركة لا تتحلى بصفة البورصة، في حين البعض الآخر يؤكدون العكس وذلك اعتمادا على قرار الجمعية العامة لصناديق المساهمة، ولرفع الالتباس قرر المجلس العام الاستثنائي للشركة في بداية 1992 اتخاذ موقف تغيير تسمية شركة القيم المنقولة إلى بورصة القيم المنقولة، بالإضافة إلى الهدف الاجتماعي فقد تم إكماله بإعطاء كل التفاصيل اللازمة لتوضيح ميزة البورصة المطابقة لنفس البورصات الأجنبية.

الفرع الثاني: القيم المنقولة
المادة 715 مكرر 30 من القانون التجاري عرفت القيم المنقولة كالآتي:
” القيم المنقولة هي سندات قابلة للتداول تصدرها شركات المساهمة وتكون مسعرة في البورصة أو يمكن أن تسعر، وتمنح حقوقا مماثلة حسب الصنف وتسمح بالدخول بصورة مباشرة أو غير مباشرة في حصة معينة من رأسمال الشركة المصدرة أو حق مديونية عام على أموالها.
وتكتسي القيم المنقولة التي تصدرها شركات المساهمة شكل سندات للحامل أو سندات اسمية”.
إذا القيم المنقولة عبارة عن:
– سندات تمثل دين مترتب عن الدولة (فرع، بلدية…) إذ يطلق عليها اسم (سندات الريوع).
– تمثل دين مترتب عن الشركات الخاصة وتسمى في هذه الحالة سندات أو إلتزامات.
– أو يمكن أن تكون حصة في شركة تجارية أو صناعية أو مالية وهذا ما يسمى بالأسهم.
ومن ثم فإن القيم المنقولة تتمثل أساسا في الأسهم وسندات الاستحقاق وقد عرفت المادة 715 مكرر 40 من القانون التجاري السهم على أنه ” سند قابل للتداول تصدره شركات المساهمة كتمثيل لجزء من رأسمالها “.
أما سند الاستحقاق عرفته المادة 715 مكرر 81 من القانون التجاري على أنه ” سند قابل للتداول يخول بالنسبة للإصدار الواحد نفس حقوق الدين بالنسبة لنفس القيمة الاسمية “.
وأهم ما يميز سند الاستحقاق عن السهم هو أن السند يمنح لحائزه حق الحصول على مبلغ نقدي ثابت في فترات زمنية محددة (عموما كل سنة) وذلك إلى غاية تاريخ استحقاق السند (يتراوح عموما بين سنة و 05 سنوات) في حين يمنح السهم لحامله حق الحصول على مبالغ دورية حسب أرباح السهم.

الفرع الثالث: بورصة القيم المنقولة
عرفها المرسوم التشريعي رقم 93-10 المؤرخ في 23-05-1993 المتعلق ببورصة القيم المنقولة المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-10 المؤرخ في 10-01-1996 وبالقانون رقم 03-04 المؤرخ في 17-02-2003 في المادة الأولى منه: (تؤسس بورصة للقيم المنقولة وتعد بورصة القيم المنقولة إطار التنظيم وسير العمليات فيما يخص القيم المنقولة التي تصدرها الدولة والأشخاص الآخرون من القانون العام والشركات ذات الأسهم).
وطبقا لنص المادة 02 من نفس المرسوم (تعقد بورصة القيم المنقولة في مدينة الجزائر).
وتشتمل بورصة القيم المنقولة على الهيئتين الآتيتين:
– لجنة تنظيم ومراقبة لعمليات البورصة تشكل سلطة سوق القيم المنقولة.
– شركة لتسيير بورصة القيم.
وتعد لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها سلطة ضبط مستقلة لتنظيم عمليات البورصة ومراقبتها، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.
وتتكون من رئيس و 06 أعضاء (المادة 20).
ويعين الرئيس وأعضاء اللجنة حسب قدراتهم في المجالين المالي والبورصى لمدة أربع (04) سنوات وفق الشروط المحدد عن طريق التنظيم وتبعا للتوزيع الآتي:
– قاضي يقترحه وزير العدل.
– عضو يقترحه الوزير المكلف بالمالية.
– أستاذ جامعي يقترحه الوزير المكلف بالتعليم العالي.
– عضو يقترحه محافظ بنك الجزائر.
– عضو مختار من بين المسيرين للأشخاص المعنويين المصدرة للقيم المنقولة.
– عضو يقترحه المصف الوطني للخبراء المحاسبين ومحافظي الحسابات والمحاسبين المعتمدين. (المادة 22).
وتتولى اللجنة مهمة تنظيم سوق القيم المنقولة ومراقبتها، بالسهر خاصة على:
– حماية الادخار المستثمر في القيم المنقولة أو المنتوجات المالية الأخرى التي تتم في إطار اللجوء الفعلي للادخار.
لا تخضع لرقابة اللجنة المنتوجات المالية المتداولة في السوق التي هي تحت سلطة بنك الجزائر.
– السير الحسن لسوق القيم المنقولة وشفافيتها.
وبهذه الصفة، تقدم لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها تقريرا سنويا عن نشاط سوق القيم المنقولة إلى الحكومة (المادة 30).

أولا: الوظيفة القانونية للجنة
تقوم اللجنة بتنظيم سير سوق القيم المنقولة، وبسن تقنيات متعلقة على وجه الخصوص بما يأتي:
– رؤوس الأموال التي يمكن استثمارها في عمليات البورصة.
– اعتماد الوسطاء في عمليات البورصة والقواعد المهنية المطبقة عليهم.
– نطاق مسؤولية الوسطاء ومحتواها والضمانات الواجب الإيفاء بها اتجاه زبائنهم.
– الشروط والقواعد التي تحكم العلاقات بين المؤتمن المركزي على السندات والمستفيدين من خدماته المذكورة في المادة 19 مكرر 2 أعلاه.
– القواعد المتعلقة بحفظ السندات وتسيير وإدارة الحسابات الجارية للسندات.
– القواعد المتعلقة بتسيير نظام التسوية وتسليم السندات.
– شروط التأهيل وممارسة نشاط حفظ وإدارة السندات.
– الإصدار في أوساط الجمهور وتنظيم عمليات المقاصة (المادة 31).

ثانيا: وظيفة المراقبة والرقابة للجنة.
– تتأكد اللجنة من أن الشركات المقبول تداول قيمتها المنقولة في بورصة القيم المنقولة، تتقيد بالأحكام التشريعية والتنظيمية السارية عليها ولاسيما في مجال القيم المنقولة وعقد الجمعيات العامة وتشكيلة أجهزة الإدارة والرقابة وعمليات النشر القانونية (المادة 35).
– تجري اللجنة عن طريق مداولة خاصة، وقصد ضمان تنفيذ مهمتها في مجال المراقبة والرقابة تحقيقات لدى الشركات التي تلتجئ إلى التوفير علنا، والبنوك والمؤسسات المالية والوسطاء في عمليات البورصة ولدى الأشخاص الذين يقدمون نظرا لنشاطهم المهني، مساهماتهم في العمليات الخاصة بالقيم المنقولة أو في المنتوجات المالية المسعرة أو يتولون إدارة مستندات مالية (المادة 37).
– يمكن لرئيس اللجنة في حالة وقوع عمل يخالف الأحكام التشريعية أو التنظيمية ومن شأنه الإضرار بحقوق المستثمرين في القيم المنقولة، أن يطلب من المحكمة إصدار أمر للمسؤولين بامتثال لهذه الأحكام ووضع حد للمخالفة أو إبطال آثارها، ويحيل نسخة من طلبه على المجلس القضائي للغرض الذي يقتضيه القانون (المادة40).
– وتفصل الجهة القضائية المختصة في الأمر استعجاليا، بل ويمكنها أن تتخذ تلقائيا أي إجراء تحفظي، وتصدر قصد تنفيذ أمرها غرامة تهديدية تحيلها إلى الخزينة العمومية، ويمكن لرئيس اللجنة أن يتأسس كطرف مدني في حالة وقوع جرائم جزائية.

ثالثا: الوظيفة التأديبية والتحكيمية للجنة.
تنشأ ضمن اللجنة غرفة تأديبية وتحكيمية تتألف زيادة على رئيسها من:
– عضوين منتخبين من بين أعضاء اللجنة طوال مدة إنتدابها.
– قاضيين يعينهما وزير العدل ويختاران لكفاءتهما في المجالين الاقتصادي والمالي.
ويتولى رئيس اللجنة رئاسة الغرفة (المادة 51).
وتكون الغرفة مختصة في المجال التأديبي لدراسة أي إخلال بالواجبات المهنية وأخلاقيات المهنة من جانب الوسطاء في عمليات البورصة وكل مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية المطبقة عليهم (المادة 53)، وفي هذا الإطار العقوبات التي تصدرها الغرفة هي: الإنذار- التوبيخ- حظر النشاط كله أو جزئه مؤقتا أو نهائيا- سحب الاعتماد أو فرض غرامات يحدد مبلغها بعشرة ملايين دينار أو بمبلغ يساوي المغنم المحتمل تحقيقه بفعل الخطأ المرتكب.
ترفع المخالفات المعاقب عليها بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين 59 و60 أدناه أمام الجهات القضائية العادية المختصة.
وتعد قرارات الغرفة الفاصلة في المجال التأديبي قابلة للطعن بالإلغاء أمام مجلس الدولة خلال أجل شهر (1) واحد من تاريخ تبليغ القرار موضوع الإحتجاج، ويحقق ويبث في الطعن خلال ستة (6) أشهر من تسجيله.

الفصل الأول: أحكام المسؤولية الجزائية في جرائم البورصة

المسؤولية الجزائية هي إلتزام الشخص بتحمل النتائج التي رتبها القانون على أعماله غير المشروعة، فالمسؤولية هي الشرط القانوني الضروري لتطبيق العقوبة على الجريمة المرتكبة.
ولا تقوم هذه المسؤولية إلا بتوافر أركان الجريمة وإسناد الجريمة إلى شخص تتوفر فيه الأهلية، ويتمثل أثر قيام المسؤولية في رد الفعل الاجتماعي، إزاء الجريمة ومرتكبها في شكل الجزاء الجنائي أيا كانت صورته.
ولا تختلف دراسة هذه العناصر في كثير من جوانبها فيما يتعلق بجرائم البورصة عما هو معمول به في جرائم القانون العام وعلى ذلك فستقتصر دراستنا على ما تتميز به هذه الجرائم من أحكام خاصة بالإضافة إلى التطرق في هذا الفصل إلى أهمية الحماية الجزائية في هاته الجرائم.
وعلى هذا النحو نقسم الدراسة من خلال هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أهمية الحماية الجزائية لبورصة الأوراق المالية.
المبحث الثاني: طبيعة الركن المعنوي في جرائم البورصة.
المبحث الثالث: المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية في جرائم البورصة.

المبحث الأول: أهمية الحماية الجزائية لبورصة الأوراق المالية

استعرضنا فيما سبق في المبحث التمهيدي لمفهوم بورصة القيم المنقولة وتطرقنا إلى لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة ووظائفها القانونية والتأديبية والتحكيمية كحماية إدارية ومدنية، وانتهينا إلى أن تلك الأنواع من الحماية قد تكون غير ملائمة في بعض الأحيان في مواجهة بعض السلوكيات غير المشروعة التي قد تقع في البورصة، والآن سوف نتناول خلال هذا المبحث أهمية الحماية الجنائية في البورصة من خلال عرض الجدل الفقهي حول تدخل القانون الجزائي في البورصة ورأي الفقه حول نوع الجزاء في تشريعات البورصة.

المطلب الأول: الجدل الفقهي حول تدخل القانون الجزائي في البورصة

الفرع الأول: الاتجاه المعارض لتدخل القانون الجزائي في البورصة
هناك اتجاه في الفقه يرى أن أسواق الأوراق المالية تحكمها قاعدتا العرض والطلب، والمنافسة بين هذه الأسواق، وهناك خشية أن يترتب على تدخل السلطات العامة في سوق الأوراق المالية، الإخلال بالسير الطبيعي للعمل فيها خاصة إذا كان هذا التدخل عن طريق قانون العقوبات.
ويبين أصحاب هذا الإتجاه وجهة نظرهم في أن تدخل القانون الجزائي قد يقود إلى عرقلة السير الطبيعي لسوق البورصة وذلك بالقول بأن تجريم استعمال المعلومات المميزة قبل إعلانها للجمهور مثلا، قد يدفع الكثير إلى الإبتعاد عن الاستثمار في سوق الأوراق المالية، إذ قد يستند إلى توقعاته وتحليلاته الخاصة بالموقف المالي لإحدى الشركات فيقدم على صفقة معينة تتعلق بأسهم هذه الشركة، ويثبت الواقع أنها صفقة ناجحة ولكنه قد يتهم بارتكاب جريمة استعمال معلومات مميزة، وفي هذا السياق فإن هذه الجريمة يمكن أن تقضي على فئة أساسية في سوق الأوراق المالية وهي فئة السماسرة والمستشارين الماليين، فهؤلاء لممارسة مهنتهم يقومون بتوجيه النصح للمساهمين بالاستثمار في أسهم هذه الشركة أو تلك، وعلى قدر صدق توقعاتهم وتحليلاتهم يتحقق نجاحهم ويزداد عملاؤهم، ولكن هذا النجاح قد يكون ثمنه الاتهام بارتكاب هذه الجريمة، بل إن هذا التدخل قد يقود إلى وقف كثير من الصفقات وتعطيل العمل في البورصة.
كما أن هناك اتجاهات تشريعية وآراء فقهية حديثة تنادي باستبعاد التجريم عن بعض السلوكات التي يعتبرها قانون العقوبات جرائم، ونزع الصفة العقابية عن الجزاءات، بحيث تصبح هذه الجرائم غير معاقب عليها أو تتحول العقوبات القائمة إلى مجرد جزاءات غير جنائية.
ومقتضى هذه الاتجاهات والآراء أنه إذا كان لابد من وجود جزاءات جنائية فإن هذه الأخيرة لا يكون لها تطبيق إلا عندما تكون الجزاءات المنصوص عليها في القوانين الأخرى غير كافية، أي أن القانون الجزائي هو حارس القوانين الأخرى أو هو بعبارة أخرى الإجراء الأخير الذي يجب اتخاذه.
كما أنه في سياق هذا الاتجاه، فإن هناك من يرى أن كثير من السلوكيات غير المشروعة التي قد تقع في البورصة يمكن مواجهتها واستئصال الخطورة الإجرامية من مرتكبيها عن طريق اللجوء إلى توقيع جزاءات غير جنائية مثل إيقاف تراخيص مهنة السمسرة أو إلغائها وإصدار أوامر الكف عن المخالفات.
كما قد ينظر إلى القانون الجنائي على أنه قد لا يستطيع في بعض الحالات مواجهة التغيرات المتلاحقة التي تحدث في بورصة الأوراق المالية، على أساس أن السلوكيات غير المشروعة التي قد تحدث ولا تكون حاضرة في ذهن المشرع وقت وضع التشريع، كما أن هذه السلوكيات تتميز بدرجة عالية من الابتكار والتطور في وسائل وطرق ارتكابها، هذا فضلا عن أن بعض هذه السلوكيات تحتاج إلى معالجة سريعة وهذا لا يمكن تحقيقه عن طريق القضاء الجزائي بإجراءاته المعقدة.
ولذلك قد يكون اللجوء إلى القانون الجزائي عديم الجدوى في مواجهة هذه الطرق والأساليب الجديدة في ارتكاب السلوكيات غير المشروعة، وما قد يستجد من هذه السلوكيات، كما أنه لا يحقق السرعة المطلوبة لمواجهة بعض السلوكيات التي تحتاج إلى التدخل السريع.

الفرع الثاني: الاتجاه المؤيد لتدخل القانون الجزائي في البورصة
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن القانون الجزائي يتدخل ليس لعرقلة السير الطبيعي والعادي للسوق كما يرى البعض، وإنما بالحفاظ على ذلك بالقضاء على التدخلات التي من شأنها تعطيل البورصة وعرقلة سيرها الطبيعي، وهو في هذا الصدد لا يتدخل إلا بالقدر اللازم والمقيد، مما يؤكد أن تدخل القانون الجنائي يساعد على تحقيق أمن وشفافية البورصة.
كما أنه قد حدث تحول في الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الستينات من القرن الماضي في القوانين التي كانت تعتمد على وسائل علاجية غير جنائية كالقانون المدني، وذلك بعد ظهور انحرافات في الشركات وإهمالها عن طريق موظفيها، وأصبحت هذه القوانين تعتمد على الوسائل الجنائية بالإضافة إلى الوسائل غير الجنائية.
كما يمكن القول بأن التطور الذي شمل كل شيء في المجتمع يحبذ ضرورة إفراد قانون عقابي جديد يختص بتنظيم أخلاقيات التعامل التي تتم بين الناس في صورتها التقليدية والحديثة، فقد أصبحت الجريمة وعلى وجه الخصوص بالنسبة للدول النامية تشكل أحد معوقات التنمية في المجتمع، وبصفة خاصة بعد أن اتخذت أساليب أكثر ذكاء وأدق تنظيما، بل وأخذت صورا منظمة تتفق مع التطور التكنولوجي في المجتمعات الحديثة.
كما أن وسائل الاتصالات الحديثة والتي تستخدم في بورصة الأوراق المالية لإجراء كثير من المعاملات والصفقات، أدت بلا شك إلى ظهور أشكال جديدة من الجرائم، بل وساعدت أيضا على تنامي ظاهرة الإجرام المنظم في هذا المجال، وها هو الواقع العلمي يثبت ارتكاب العديد من جرائم التلاعب في أسعار الأوراق المالية عن طريق بعض العصابات الإجرامية في سوق الأوراق المالية في العديد من الدول، فكيف يمكن مكافحة هذه الأفعال عن طريق الوسائل المدنية والإدارية فقط ؟
فإذا كانت هناك وسائل إدارية ومدنية تصلح لردع كثير من أنواع السلوك غير المشروع، فهل يمكن لهذه الوسائل أن تنجح في مواجهة الأنماط الجديدة من الجرائم المرتكبة بواسطة العصابات الإجرامية المنظمة ؟
فهذه الجرائم تسللت إلى الشركات وبورصات الأوراق المالية، واستطاع مرتكبوها تحقيق الكثير من المكاسب والأرباح غير المشروعة على حساب جمهور المستثمرين، وقد تمكنت السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية من ضبط العديد من هذه الجرائم، ومما لاشك فيه أنه يترتب على إرتكاب هذه الجرائم نتائج في غاية الخطورة على الاقتصاد الوطني.
كما يجب أن نضع أمام أعيننا أن بورصة الأوراق المالية من المجالات الخصبة لمرتكبي جرائم تبييض الأموال والخسائر التي يمكن أن تترتب عن هذه الجرائم التي تفوق بكثير الخسائر الناتجة عن الجرائم العادية.
والرأي الذي ينادي بخطورة تدخل القانون الجنائي في مجال البورصة يتجاهل حقيقة هامة، وهي ما يمكن أن تحققه الجزاءات الجنائية في تشريعات بورصة الأوراق المالية من ردع الكثير ممن تسول لهم أنفسهم مخالفة القوانين المنظمة للبورصة، وخاصة أن مرتكبي هذه الأنواع من الجرائم من أصحاب الأعمال، ولذلك يكون لهذه الجزاءات فائدة كبيرة في ردع هؤلاء.
وينظر للقانون الجنائي في بعض الأحيان على أنه قانون أزمة أو معالجة أزمة معينة والتاريخ يشير أن النص على جريمة يعد أحيانا وسيلة أو طريقة لعلاج أزمة ما، فالمشرع الجزائي يتدخل عندما يتضح له أن هناك اعتداء على مصلحة جوهرية من المصالح التي يقوم عليها بنيان المجتمع، وهذا الاعتداء الحالي أو المحتمل يمثل أساس وجود هذا النظام العقابي وعلة قيامه، ولا شك أن سوق الأوراق المالية تعد جزءا من الاقتصاد الوطني ومن هنا فإنه من اللازم تدخل القانون الجنائي لحمايتها.
إن أهم ما يمكن أن يؤثر على فاعلية الحماية الجنائية للبورصة هو عدم مقدرتها في بعض الأحيان على مواجهة المتغيرات المتلاحقة التي تحدث فيها، ويمكن إزالة هذا القصور عن طريق منح الأجهزة القائمة على تنفيذ القوانين المنظمة للبورصة سلطة إصدار اللوائح اللازمة لمواجهة هذه المتغيرات وأيضا عن طريق النصوص الواسعة والمرنة التي تستوعب تلك المتغيرات.
كما أن بعض السلوكيات التي تقع في البورصة تحتاج إلى معالجة سريعة مما قد يؤثر على فاعلية الحماية الجنائية في البورصة، ويمكن تلاقي هذا القصور عن طريق الأخذ بصور الحماية الأخرى إلى جانب الحماية الجنائية لتحقيق رد الفعل السريع لبعض السلوكيات غير المشروعة التي تحتاج سرعة التدخل.
المشرع الجزائري لم يتناول الحماية الجزائية لبورصة القيم المنقولة حتى سنة 1993 من خلال المرسوم التشريعي رقم 93-10 المؤرخ في 23-05-1993 المتعلق ببورصة القيم المنقولة.

المطلب الثاني: رأي الفقه حول نوع الجزاء في تشريعات البورصة

اختلف الفقهاء حول نوع الجزاء المناسب للجرائم التي تقع في بورصة الأوراق المالية، فهناك اتجاه في الفقه يرى عدم جدوى الجزاءات الجزائية لهذه الجرائم، ويرى ضرورة الأخذ بجزاءات غير جنائية، بينما يذهب اتجاه آخر إلى ضرورة الأخذ بالجزاءات الجنائية في هذه الجرائم.

الفرع الأول: ضرورة الأخذ بجزاءات غير جنائية
هناك من يشك في جدوى الجزاءات الجنائية في الجرائم التي تقع من متعامل البورصة بدعوى أنه ليس هناك ضرورة لردع واستئصال الخطورة الإجرامية وإعادة تأهيل مرتكبي هذه الجرائم، وهي من أهم وظائف الجزاءات الجنائية.
ويوضح صاحب هذا الرأي وجهة نظره بالقول بأن مرتكبي جرائم بورصة الأوراق المالية والجرائم الاقتصادية بصفة عامة، لا تتوافر فيهم النزعة الإجرامية في كثير من الأحوال، وحتى في حالة وجودها، فإنه يمكن استئصالها عن طريق توقيع جزاءات غير جنائية، كالجزاءات الإدارية والمدنية التي نصت عليها قوانين الأوراق المالية، وبالتالي فإن هذا الرأي يشكك في فائدة الجزاءات الجنائية التي توقع على مرتكبي جرائم البورصة، نظرا لعدم وجود خطورة إجرامية لديهم، ويستطرد أصحاب هذا الرأي القول بأن إعادة التأهيل يرتبط بتحويل المجرم إلى عضو نافع ومفيد في المجتمع، وبالتالي فإن فرض جزاءات جنائية قد يحرم المجتمع من كثير من الإسهامات التي يمكن أن يقدمونها له بطرق أخرى.
كما أن هناك اتجاها يدعو إلى تقليص المكان المخصص للعقوبات السالبة للحرية حيث اتجه البحث نحو إيجاد بدائل لهذه العقوبات، ومما شجع على ذلك تطور أبحاث علم الإجرام، وظهور ما يسمى (بفقه الإجرام الراديكالي) والعدول عن تخصيص عقوبات في مجال إصلاح المجرم.
وفي هذا الإطار يرى بعض الفقهاء أن إدانة المجرمين في مجال البورصة يطرح للمناقشة مسألتين على جانب من الأهمية، المسألة الأولى تتعلق بدرجة الإثم الجنائي الذي يرتبط بمرتكبي الجرائم الاقتصادية، والمسألة الأخرى تتعلق بالحساسية الخاصة لهؤلاء المجرمين للإدانة والعقوبات.
ففيما يتعلق بدرجة الإثم الجنائي لدى مرتكبي الجرائم الاقتصادية، فإنها يمكن أن تكون أقل من درجة الإثم لدى غيرهم من مرتكبي الجرائم العادية لأسباب عديدة منها:
1- جشع المجني عليه في كثير من الجرائم الاقتصادية، حيث يلاحظ أن كثيرا من الجرائم الاقتصادية يساعد على وقوعها رغبة المجني عليهم في الثراء وعلى ذلك يمكن القول بأن الأخطاء التي تقع من المجني عليهم في مثل هذه الجرائم تقلل من درجة الإثم لدى الجاني.
2- إن السلوك المؤدي إلى قيام الجريمة الاقتصادية غالبا ما لا يكون مختلفا في نوعه ومظهره عن أنواع السلوك المقبولة اجتماعيا، وكما يقول أحد الفقهاء: (إن السلوك المحظور بمقتضى القوانين التنظيمية كالقواعد الاقتصادية ليس من السهولة بمكان تمييزه مباشرة عن أشكال السلوك التجاري، والتي لا تكون مقبولة اجتماعيا فحسب، بل ومرغوبة أيضا في ظل النظام الاقتصادي القائم على الحرية وباعث الربح).
وفيما يتعلق بالحساسية الخاصة للمجرمين في البورصة، يرى البعض أن مجرد تحريك الدعوى الجنائية ضد مجرمين يحتلون مراكز اقتصادية مميزة يشكل عقوبة بالغة القسوة لهم، ولذلك فإنه يكفي إصدار أحكام مع وقف التنفيذ أو تغريم المحكوم عليهم ماليا.
فنظام المعيشة داخل السجون، يمارس تأثير أكبر على هؤلاء المجرمين من غيرهم من ذوي الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الأدنى، وذلك بسبب الفارق الشاسع بين نظام الحياة الخاصة بهم ونظام الحياة داخل السجن، وعلى ذلك فإن مرتكبي جرائم البورصة يعانون ويقاسون أكثر من غيرهم من مجرد الاتهام أو إجراءات المحاكمة أو الإدانة، كما أن تلك الإجراءات يمكن أن تؤدي إلى خسارتهم وظائهم.
وفي هذا المجال ظهرت بعض الدراسات الحديثة تنادي بتدعيم وتطوير الأفكار لإصدار وإنشاء مدونات أخلاقية لقواعد السلوك في مجال الأعمال تساهم في وضع أحكامها الشركات العاملة في المجال الاقتصادي وتلزم نفسها وتابعيها بهذه الأحكام، وقد أخذت بهذا الاتجاه قوانين الأوراق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تنص هذه القوانين على إلزام الجهات ذات التنظيم الذاتي، كبورصات الأوراق المالية بوضع نظام خاص بها يحتوي على مجموعة من القواعد التي تساعد على تأكيد الالتزام بأحكام قوانين الأوراق المالية والبورصة، على أن يحتوي هذا النظام على مجموعة من الجزاءات التأديبية التي يمكن تطبيقها على الشركات والسماسرة وكافة العاملين في مجال الأوراق المالية، عند ارتكاب أي فعل مخالف للقوانين التي تنظم هذا المجال.
كما يلاحظ أنه خلال العقدين الآخرين من القرن الماضي تنامي ظاهرة استخدام الوسائل المدنية والإدارية كأداة لتحقيق الردع لكثير من الأفعال غير المشروعة.

الفرع الثاني:أهمية الجزاءات الجنائية
هناك اتجاه يحبذ إنتهاج سياسة عقابية أكثر تشددا، وأن تطبق الجزاءات الجنائية على نطاق واسع في الجرائم الاقتصادية، وكما أشار أحد الباحثين إلى أن (الصدمة الحادة القصيرة الناجمة عن الحبس، من الممكن أن تكون ردعا فعالا في حالة المجرمين غير التقليديين في مجال الأعمال الاقتصادية).
كما أنه من الملاحظ أن قانون العقوبات الاقتصادي يميل نحو التشديد في الجزاءات القانونية التي يقررها، بالنظر إلى الحد الأقصى والحد الأدنى المقرر لكل جريمة، وفيما يتعلق أيضا بحرمان القاضي من بعض الأساليب التي تمكن من العمل على تخفيف العقوبة في الحدود القانونية، ويمكن تبرير هذا الإتجاه في تشديد العقاب بأهمية إيجاد وسيلة تهديدية أمام هؤلاء الأفراد الذين لا يقدرون مدى خطورة تلك الجرائم، وخاصة أن الدافع إلى ارتكابها دائما مادي، مما قد يدفع الآخرين إلى اتخاذ نفس السبيل ما لم يجدوا أمامهم مانعا قوي الأثر وهو في هذا الفرض العقوبة التي يفرضها المشرع.
وفيما يتعلق بالأنظمة الخاصة بقواعد التنظيم الذاتي للمهنة والتي ينادي بها أصحاب الرأي الآخر، فإن هناك من يشكك في قدرة هذه الأنظمة على تحقيق الغرض منها في مكافحة السلوكيات غير المشروعة التي تقع في بورصة الأوراق المالية، وذلك على أساس أن الشركات ذات التنظيم الذاتي تستفيد ماديا من الاشتراكات والمبالغ المالية التي يلتزم بدفعها الأعضاء المكونين لها، وبالتالي فإنه من المشكوك فيه أن تقوم هذه المنظمات بفرض جزاءات على هؤلاء الأعضاء.
حتى أنه في الأنظمة القانونية التي كانت تعتمد على الوسائل المدنية في ملاحقة الأفعال غير المشروعة، فإنها بدأت في تغيير سياستها والاتجاه إلى الوسائل الجنائية، عندما ازدادت الجرائم التي ترتكب في سياق الأنشطة الاقتصادية وأصبح ارتكابها أكثر تعقيدا، كما قام المشرع والقضاء بزيادة العقوبات التي تفرض على تلك الأفعال، والتي كانت فيما سبق مجرد أساس لإقامة الدعوى الجنائية وعرضة لتوقيع أقصى العقوبات عليها.
إلا أنه يلاحظ أنه عندما يتم ملاحقة مرتكبي جرائم بورصة الأوراق المالية جنائيا، فإنهم يعاملون بمحاباة، وتوقع عليهم عقوبات أقل من تلك التي توقع على مرتكبي الجرائم العادية، حتى في الحالات التي ينتج عنها أضرار واسعة النطاق وذلك كما تشير إليه بعض الدراسات التي أجريت في هذا الشأن.
وقد قام كثير من الباحثين بعمل العديد من الدراسات التي تركز على التفاوت في المعاملة بين مرتكبي جرائم البورصة وبين مرتكبي الجرائم العادية، بينما اهتمت بعض الدراسات القليلة بالتفرقة بين الجرائم المختلفة التي ترتكب في البورصة، ففي إحدى الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ركزت الاهتمام على المقارنة بين العقوبات التي تفرض على مرتكبي الجرائم المتعلقة بالأوراق المالية وبين العقوبات التي تفرض على مرتكبي جرائم الفساد بصفة عامة، تبين أنه خلال عام 1979 كانت نسبة المحكوم عليهم في الجرائم المتعلقة بالأوراق المالية تمثل 1.7% فقط من إجمالي المحكوم عليهم في جرائم الفساد.

المبحث الثاني:طبيعة الركن المعنوي في جرائم البورصة

إن الركن المعنوي ضروري لقيام الجريمة قانونا، فلا يكفي توافر الركن المادي، وإنما يلزم أن تكون الماديات التي يتكون منها هذا الركن لها إنعكاس في نفسية الجاني، أي يجب أن توجد رابطة نفسية بين النشاط الإجرامي ونتائجه وبين الجاني الذي صدر عنه هذا النشاط وهذه الرابطة هي التي يعبر عنها بالركن المعنوي.
وعلى ذلك سوف نتناول في دراستنا للركن المعنوي في جرائم البورصة ما يلي:

المطلب الأول: رأي الفقه وموقف القانون من تطلب القصد الجنائي في جرائم البورصة

الفرع الأول: الخلاف الفقهي حول طبيعة الركن المعنوي
إن الجرائم التي تقع في بورصة الأوراق المالية هي الجرائم الاقتصادية، بإعتبارها تمثل اعتداء على التنظيمات والأحكام القانونية الصادرة كوسيلة لتحقيق السياسة الاقتصادية الجديدة للدولة.
إن الإتجاه السائد في الفقه المقارن هو أن الشارع لا يتقيد في الركن المعنوي للجريمة الاقتصادية بنفس الأحكام المقررة في القانون العام ويعلل ذلك بأن للقوانين الاقتصادية من الأهمية ما يقتضي منتهى اليقظة في مراعاتها وإغلاق الباب أمام أسباب الخروج عليها، وإلا تعذر تنفيذ السياسة الاقتصادية.
وفي سياق هذا الإتجاه فإن هناك من يرى أن الرغبة في تقرير عقاب رادع للجريمة الاقتصادية تقود إلى الإكتفاء بالخطأ غير العمدي، وذلك لأن تطلب القصد الجنائي هو مقياس شدة النظام العقابي، فكلما كان النظام شديد كلما كان القصد غير متطلب.
وخلاصة ما ينادى به هذا الاتجاه هو أن الركن المعنوي في الجرائم الاقتصادية ضعيف، ويقصدون من وراء ذلك أن القصد الجنائي غير متطلب في هذه الجرائم، وإنما يكتفي في تكوين جرائمها بالخطأ غير العمدي.
لكن بعد تحول معظم دول العالم ومنها الجزائر إلى نظام الاقتصاد الحر أي اقتصاد السوق، فهل لهذا أثر على طبيعة الركن المعنوي في الجرائم الاقتصادية والتي منها جرائم البورصة ؟
الواقع أن الإجابة على هذا التساؤل تعتمد بصفة أساسية على بيان طبيعة تدخل الدولة في الاقتصاد.
الأصل أن الركن المعنوي في جرائم البورصة في ظل النظام الاقتصادي القائم على الحرية الاقتصادية يتطلب القصد، لذلك فإنه لا يوجد ما يستدعي الخروج على القواعد العامة في قانون العقوبات فيما يتعلق بالركن المعنوي في جرائم البورصة، وهذا ما يتفق مع ما للقانون من دور تربوي في الحياة الاجتماعية.

الفرع الثاني: موقف القانون من تطلب القصد الجنائي في جرائم البورصة
من الواجب أن نتطرق إلى موقف بعض القوانين من تطلب القصد الجنائي في جرائم البورصة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي فرنسا وفي الجزائر وكذا مصر وذلك وفقا للترتيب الآتي.

أولا: موقف القانون الأمريكي:
لقد نص القانون الأمريكي في المادة 32 منه على تطلب العمد لقيام المسؤولية الجنائية ضد أي شخص يرتكب أي فعل من الأفعال التي تقع بالمخالفة لأحكام القانون أو اللوائح أو القواعد الصادرة تنفيذا له، كما تطلب القانون في المادة المذكورة بالنسبة للحالات المتعلقة بالبيانات الكاذبة أو المظللة التي يتم إثباتها في الوثائق والتقارير التي يتطلب القانون تحريرها وإرسالها إلى الجهات الرقابية مثل لجنة الأوراق المالية والبورصة أو الجهات أو المنظمات ذات التنظيم الذاتي.
المشرع الأمريكي في تشريعات البورصة لم يخرج عن القواعد العامة في قانون العقوبات فيما يتعلق بالقصد الجنائي، فهذا الأخير يرتبط بثلاثة عناصر منفصلة للجريمة وهي: السلوك، ونتيجة هذا السلوك، والظروف المحيطة بالسلوك، وباستقراء الأحكام القضائية فيما يتعلق بجرائم البورصة يتبين أنها لم تركز على التفرقة بين ارتكاب الفعل عمدا وبين الفعل المرتكب مع العلم والإحاطة.
ومفاد ما تقدم هو أن المسؤولية الجنائية في جرائم بورصة الأوراق المالية طبقا للقانون الأمريكي لا تقوم إلا في حالة توافر صورة العمد، وهذا يعني أن المسؤولية الجنائية في جرائم البورصة تقوم كقاعدة عامة على العلم والإرادة.

ثانيا: موقف القانون الفرنسي
لقد تصدى المشرع الفرنسي لجريمة خرق مبدأ احتكار عمليات الوساطة في التداول في القيم المنقولة من خلال المادة الثانية من قانون 22 يناير 1988 وتطلب الركن المعنوي قصدا خاصا قوامه نية تملك الشيء، وقصدا عاما قوامه العلم والإدارة.
كما نصت الفقرة الثالثة من المادة 10-1 من الأمر67-833 المؤرخ في 28 سبتمبر 1967 على أنه (يعاقب بالحبس لمدة سنتين وبغرامة مالية تقدر بعشر ملايين فرنك، كل شخص عمد إلى ترويج معلومات زائفة أو مظللة بين العموم بأية طريقة كانت من شأنها أن تؤثر على الأسعار…) ومن نص هاته المادة يتبين أنه لا مجال لقيام الركن المعنوي دون توافر عنصر العمد في عملية ترويج المعلومة الكاذبة أو المظللة ويعلق القضاء الفرنسي أهمية على مسألة وجوب توافر عنصر العمد في هذه الجريمة لأنه يعدمه يعفى الوسيط المالي من المسؤولية الجنائية.
وفي جريمة نشر معلومات خاطئة كان المشرع الفرنسي يشترط توافر قصد خاص من خلال المادة 10-1 من الأمر رقم 67/833 التي تشترط أن يكون نشر المعلومات من أجل التأثير على سعر السندات، إلا أن المشرع أعاد النظر في هذا النص من خلال القانون المؤرخ في 22/01/1988 فاستبدال عبارة (من أجل التأثير على سعر السندات) بعبارة ألطف منها وهي (من شانه التأثير على الأسعار) أي مجرد توافر القصد العام.

ثالثا: موقف القانون الجزائري
في جنحة العالم بأسرار الشركة لا يشترط القانون لا الفائدة الناتجة عن العملية ولا سوء نية الجاني وكل ما يشترطه هو أن الجاني يكون واعيا بأنه يحوز على معلومات امتيازية.
أما في جنحة القيام بأعمال غير شرعية في سوق البورصة خلافا للنص الفرنسي الذي اشترط فيه المشرع لقيام الجريمة أن يكون الجاني قد تعمد فقصد الإخلال بالسعر العادي للأسعار في السوق، جاء النص الجزائري خال من مثل هذه الإشارة إذ لم يشترط المشرع التعمد ولا سوء نية الجاني خلافا لجريمة نشر معلومات خاطئة أين تقتضي هذه الصورة قصدا عاما يتمثل في تعمد نشر المعلومات.

رابعا: موقف القانون المصري
يتبين من استقراء نصوص التجريم في قانون سوق رأس المال أن المشرع المصري يتطلب صراحة القصد الجنائي في بعض الجرائم التي تقع في بورصة الأوراق المالية فنجد أن المادة 63 فقرة 3 من قانون سوق رأس المال تنص على أنه (..كل من أثبت عمدا) والمادة 63 فقرة 4 تنص على أنه (… كل من أصدر عمدا بيانات غير صحيحة عن الأوراق المالية…) ولم تنص بعض نصوص التجريم في القانون المذكور على تطلب أي صورة من صور القصد الجنائي كما في الفقرة 6 من المادة 63 والمواد 65-66-67.
وعلى ذلك فإن الركن المعنوي في جرائم البورصة في القانون المصري يقوم كقاعدة عامة على تطلب القصد، ويقوم على عنصرين هما العلم والإدارة.

المطلب الثاني: انتفاء الركن المعنوي في جرائم البورصة

إن الركن المعنوي ينتفي في جميع الأحوال التي لا يمكن أن يتطلب فيها من الجاني سلوكا مختلفا عن السلوك الفعلي المتحقق.
وسوف نقتصر في دراستنا على الغلط كسبب من أسباب إنتفاء الركن المعنوي في جرائم البورصة.

الفرع الأول: الغلط كسبب لإنتفاء الركن المعنوي في جرائم البورصة
إن الغلط هو حالة عقلية بمقتضاها يدرك الشخص موضوعا معينا على خلاف حقيقته التي يظهر عليها في العالم الخارجي، وهو بهذا يختلف عن الجهل الذي يتمثل في نقصان العلم أو المعرفة بموضوع معين، غير أن الجهل الذي يعتد به القانون هو فقط الذي يؤدي إلى غلط، ومن أجل هذا يذهب الراجح من الفقه إلى اعتبار الجهل والغلط إصطلاحين مترادفين في محيط دراسة الركن المعنوي.
وهناك من يرى أنه في مجال البورصة بالذات تظهر أهمية الاحتفاظ بالتفرقة بين الجهل والغلط، وقد اتجه بعض الفقهاء في محاولة منهم للتخفيف من حدة قاعدة لا يعذر أحد بجهل القانون إلى قبول الاعتداد بالغلط في القانون إذا ورد على قانون آخر من القوانين التي يبسط عليها قانون العقوبات حمايته مثل القانون المدني والتجاري وغيرهما، فبعض الجرائم لا تكتمل أركانها إلا إذا اكتسبت وقائعها تكييفا قانونيا معينا، نتيجة لتطبيق قواعد قانونية غير نابعة من قانون العقوبات، فإذا جهل الجاني هذا التكييف أو غلط فيه، ينتفي عن فعله وصف العدوان على المصلحة التي يحميها القانون.

الفرع الثاني: موقف القانون من انتفاء الركن المعنوي في جرائم البورصة.
لقد أخذ المشرع الأمريكي في تشريعات البورصة بالغلط في اللوائح، حيث نصت المادة 32 من قانون بورصة الأوراق المالية على أنه لن يكون الشخص عرضة لعقوبة السجن طبقا لهذه المادة إذا أثبت عدم علمه باللائحة التي يرتكز عليها الإتهام، ويتم بدلا من ذلك فرض عقوبة الغرامة المنصوص عليها في هذه الحالة.
ومعنى ذلك أن المشرع الأمريكي قد أخذ في قانون بورصة الأوراق المالية بعدم العلم باللوائح والقواعد الصادرة بناء على هذا القانون، وقد جاء هذا الحكم نتيجة عملية التوفيق بين مشروع القانون الذي تقدم به مجلس النواب الأمريكي، والذي كان يطالب بالعقاب على كل الجرائم بعقوبة السجن سواء وقعت هذه الجرائم بالمخالفة للقواعد واللوائح التي تصدرها لجنة الأوراق المالية والبورصة أم كانت نتيجة لمخالفة النصوص التشريعية، وبين المشروع الذي تقدم به مجلس الشيوخ الذي كان يميز بين الجرائم التي تتم بالمخالفة للنصوص التشريعية ويقرر لها عقوبة السجن، والجرائم التي تقع بالمخالفة للقواعد أو اللوائح التي تضعها اللجنة ويقرر لها عقوبة الغرامة.
ويلاحظ أن القضاء الأمريكي يفسر عبارة (عدم العلم) باللوائح تفسيرا ضيقا ففي قضية (United States V.Sloan) والتي تتخلص وقائعها في اتهام بعض الأشخاص بمخالفة لوائح لجنة الأوراق المالية والبورصة الصادرة بناء على المادة 17 فقرة 01 من قانون بورصة الأوراق المالية لعدم احتفاظهم ببعض الوثائق والتقارير وإرسالها للجنة، ورفضت المحكمة دفاع المتهمين المؤسس على عدم علمهم باللوائح الصادرة من اللجنة، على أساس المادة 17 تضع المتطلبات العامة المطلوب القيام بها.
وقد جاء في حيثيات حكم المحكمة في القضية السابقة أن عبارة (عدم العلم) قصد بها تهدئة مخاوف الكونجرس من منح لجنة الأوراق المالية والبورصة سلطة واسعة في إصدار اللوائح، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى صدور أحكام بالسجن على بعض الأشخاص الذين قد يجهلون تلك اللوائح، لذلك فإن الكونجرس اتجه إلى عدم التقيد الصارم بقاعدة افتراض العلم في هذه الحالات.
وقد عرض على القضاء الأمريكي مسألة ما إذا كان الاعتماد على رأي الخبرة يمكن أن ينفي القصد الجنائي أم لا، وقد أوضح القضاء أن الاعتماد على رأي مستشار قانوني أو خبير بصفة عامة يمكن أن ينفي القصد الجاني لدى المتهم بشروط معينة، ففي إحدى القضايا المتعلقة بإثبات بيانات كاذبة أوضحت المحكمة أنه يشترط لكي يمكن نفي القصد الجنائي في هذه الحالات توافر الشروط التالية:
1- إذا قام الشخص بحسن نية باختيار خبير كفء.
2- إذا قام الشخص بوضع كافة الحقائق المعلومة له أمام هذا الخبير.
3- إذا تلقى هذا الشخص الرأي القانوني الصحيح عن كيفية الإفصاح عن هذه البيانات.
4- إذا إلتزم هذا الشخص بالرأي الذي حصل عليه من الخبير وقام بإعداد البيانات طبقا له.
فإذا اجتمعت هذه الشروط، فإنه لا يمكن القول بأن هذا الشخص كان لديه العلم بكذب البيانات، أو أن لديه نية الغش والخداع، وقد توجد بعض الصور التي تنتفي فيها مسؤولية الوسيط المالي رغم أن بعض معاملاته تكون مبنية على معرفته المسبقة لمعلومات سرية امتيازية، وفي هذا الإطار جاءت محكمة النقض الفرنسية بمبدأ جديد، حيث رأت أن المعلومة التي على أساسها يتعامل الوسيط المالي، لا تكون إمتيازية إلا إذا كانت هي الباعث في العملية التي قام بها هذا الأخير في سوق رأس المال.

المبحث الثالث: المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية في جرائم البورصة

لقد اتجهت العديد من التشريعات الجنائية في بعض الدول إلى تقرير المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، وسوف نتناول في خلال هذا المبحث ما يلي:

المطلب الأول: ضرورة تقرير المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم البورصة وموقف التشريعات من ذلك.

الفرع الأول: ضرورة تقرير المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم البورصة.
إن الأسهم والسندات هي الأدوات الرئيسية التي يتم التعامل عليها في بورصة الأوراق المالية، والمتعاملين على هذه الأسهم والسندات غالبا ما يكونوا من المؤسسات الكبرى مثل شركات التأمين وشركات الاستثمار.
ومن ناحية أخرى فإن الشركات التي تقوم بعملية الوساطة بين المتعاملين في تلك الأدوات هي شركات السمسرة وشركات المقاصة والتسوية وشركات تكوين وإدارة محافظ الأوراق المالية.
إن التعامل في بورصة الأوراق المالية يغلب عليه الطابع المؤسسي أو الجماعي وهذا يعني تعاظم دور الأشخاص المعنوية في التعاملات التي تتم في البورصة غالبا ما تكون لصالح شركات مساهمة أو توصية بالأسهم وبالتالي إمكان ظهور أنماط جديدة من الجرائم التي ترتكبها الشركات والمؤسسات، والتي قد تضر بالمتعاملين والمستثمرين ومن ثم التأثير بالسلب على الاقتصاد القومي ككل فجرائم البورصة من الجرائم التي ترتكب بوساطة الشخص الطبيعي والشخص المعنوي، بل إنه غالبا ما ترتكب بوساطة الشخص المعنوي، وبذلك يكون من الملائم إقرار مثل هذه المسؤولية إلى جانب إقرار مسؤولية الشخص الطبيعي.
بالإضافة إلى ذلك فإن الجرائم الاقتصادية من الجرائم التي غالبا ما ترتكب بغرض الكسب، ولا يستفيد من ذلك شخص بعينه بل كل شخص له حقوق في مال الشخص المعنوي.
والفقه الذي يؤيد هذه المسؤولية يرى أن الشخص المعنوي له إرادة تمر بذات المراحل التي تمر بها الإرادة الفردية قبل ظهورها، ويبدو ذلك في الإتحاد بين الأشخاص الذين يتكون منهم الشخص المعنوي، وتبادل الرأي بينهم ثم تنفيذ الشخص المعنوي للفعل الذي انعقدت عليه إرادة الأعضاء.
كما يجب أن نضع في اعتبارنا التطور الحاصل في مجال الجريمة المنظمة، فالعديد من صورها تضطلع بها أشخاص اعتبارية كالمصارف والمؤسسات الخيرية والعديد من الشركات والمؤسسات التي تتخذ من حرية السوق ستارا تمارس من ورائه نشاطاتها غير المشروعة، ومن هنا يأتي دور المشرع في مواجهة هذا النقص الذي أفرزته المتغيرات الاقتصادية ونشوء الشركات الاقتصادية الكبيرة وانتشار الشركات متعددة الجنسيات، كما أنه من الأهمية بمكان استيعاب المعطيات المعاصرة المتعلقة بعولمة البورصة وثورة المعلومات وارتباط البورصات بعضها بالبعض الآخر وإقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية بجانب مسؤولية الشخص الطبيعي حتى يمكن تحقيق حماية جنائية فعالة للبورصة ومواجهة كافة الجرائم التي قد تقع فيها.
الفرع الثاني: موقف التشريعات من تقرير المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم البورصة
تناول المشرع الجزائري المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي من خلال تطرقه لمتابعة الشخص المعنوي في المواد من 65 مكرر إلى 65 مكرر 04 من القانون رقم 04-14 المعدل لقانون الإجراءات الجزائية، والعقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية من خلال المواد 18 مكرر إلى 18 مكرر 3 من قانون العقوبات.
وقد أخذ المشرع الأمريكي في تشريعات بورصة الأوراق المالية بمبدأ مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا، فنجد أنا قانون بورصة الأوراق المالية الصادر في سنة 1934 يستخدم مصطلح شخص ويشمل هذا التعبير الشخص الطبيعي والمعنوي كما يستفاد من نص المادة 23 من قانون بورصة الأوراق المالية أن المشرع يأخذ بمبدأ المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية حيث أن المادة تفرق بين قيمة الغرامة التي توقع على الشخص الطبيعي وتلك التي توقع على الشخص المعنوي.
ولقد ثار التساؤل عن تحديد الأشخاص الذين يمكن أن تنسب أعمالهم إلى الشخص المعنوي، وقد نصت المادة 20 فقرة ب من قانون البورصة على أنه (سوف يكون عملا غير مشروع بالنسبة لأي شخص يقوم بأي فعل مخالف لأحكام القانون أو اللوائح الصادرة تنفيذا له، من خلال أو بواسطة وسائل أي شخص آخر).
فالشركة تعمل من خلال مديريها وأعضاء مجلس إدارتها وممثليها التابعين وعلى الرغم من تقرير مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا في قانون بورصة الأوراق المالية فإن القضاء أدان، إحدى الشركات جزائيا استنادا إلى القواعد العامة الفيدرالية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، ولم تلجأ إلى الأحكام المتعلقة بالمسؤولية الجزائية الواردة في قوانين بورصة الأوراق المالية.
ففي إحدى القضايا التي اتهمت فيها إحدى الشركات بعمل مساهمات وتبرعات سياسية استندت المحكمة في قضائها على الأحكام العامة للقواعد الفيدرالية في المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية على الرغم من وقوع هذه الأفعال تحت طائلة المادة (21 فقرة هـ) من قانون الشركات القابضة والمادة (21 فقرة ب) من قانون بورصة الأوراق المالية.
– أما المشرع الفرنسي فقد نص في المادة 10-4 من الأمر الصادر سنة 1967 على أنه (يمكن أن يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا في الحالات المنصوص عليها في المادة 212-2 من قانون العقوبات، وذلك بناء على أحد الأفعال المنصوص عليها في المادة 10-1 المذكورة سابقا والتي تنص على أن كل من قام أو حاول القيام بنفسه أو عن طريق واسطة، بمناورة أو تدبير يرمى إلى المس بالسير السليم لسوق إحدى الأوراق المالية حاملا بذلك الغير على الغلط).
والعقوبات المرصودة للأشخاص المعنويين هي:
1- الغرامة بحسب ما هو منصوص عليه في المادة 131-8 من قانون العقوبات.
2- عقوبة أو أكثر من العقوبات المنصوص عليها في المادة 131-39 من قانون العقوبات.
وفي تونس نجد أن المشرع في المادة 40 من القانون رقم 117 المؤرخ في 14 نوفمبر 1994 المتعلق بإعادة تنظيم سوق رأس المال التونسي نص على مساءلة وسطاء البورصة أشخاصا طبيعيين كانوا أو معنويين ومسيريهم والعاملين تحت سلطتهم.
– أما في مصر نصت المادة 68 من قانون سوق رأس المال رقم 90 لسنة 1992 على أن تكون أموال الشركة ضامنة في جميع الأحوال للوفاء بما يحكم به من غرامات مالية، ويرى بعض الفقهاء أن المقصود من هذا النص هو تقرير نوع من المسؤولية الجنائية غير المباشرة للشخص المعنوي.

المطلب الثاني: شروط المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم البورصة.

يمكن القول بأنه يشترط لقيام هذه المسؤولية الشروط الآتية:
أولا: ارتكاب الجريمة بواسطة عضو أو ممثل للشخص المعنوي وأن يكون الفعل داخلا في اختصاصه الوظيفي.
ثانيا: ارتكاب الفعل المجرم لصالح الشخص المعنوي مع توافر الركن المعنوي

الفرع الأول: ارتكاب الجريمة بواسطة عضو أو ممثل للشخص المعنوي وأن يكون الفعل داخلا في اختصاصه الوظيفي.
أولا: ارتكاب الجريمة بواسطة شخص يعد عضوا أو ممثلا للشخص المعنوي.
في القانون الفرنسي يقصد بالأعضاء الممثلون القانونيون والشرعيون للشخص المعنوي فتعبير الأعضاء يشمل الرئيس والمدير ومجلس الإدارة والجمعية العامة للمشاركين أما الممثلون فيقصد بهم الأشخاص الطبيعيون الذين لديهم السلطة القانونية أو الاتفاقية في التصرف باسم الشخص المعنوي فقد يكون المدير العام بمفرده أو المدير الإداري أو رئيس مجلس الإدارة، وعلى ذلك فإن المناط في تحديد الأشخاص الطبيعيين الذين يمكن أن تنسب أعمالهم إلى الشخص المعنوي، هو أن يكونوا من الأعضاء المكونين له والذين يجسدون إرادته ويتخذون القرارات باسمه ولصالحه، أما غير هؤلاء فإن أعمالهم لا يمكن أن تنسب إلى الشخص المعنوي.

ثانيا: أن يكون الفعل المجرم داخلا في الاختصاص الوظيفي للعضو أو الممثل.
ويكون الفعل المجرم داخلا في الاختصاص الوظيفي للعضو أو الممثل في حالة توافر الشرطين الآتيين:
1- أن يكون الفعل من ضمن الأعمال التي عين هذا العضو أو الممثل لأدائها.
2- أن يتم الفعل في الوقت والزمن المرخص له بأدائه فيه.
وقد ذهب بعض الفقه الفرنسي إلى أنه إذا تجاوز عضو أو ممثل الشخص المعنوي حدود اختصاصه فإن مسؤولية الشخص المعنوي لا تثار، ولكن غالبية الفقه الفرنسي ترى أن شرط الاختصاص لم يستلزمه المشرع، وبالتالي فإنه في حالة تجاوز الممثل أو العضو حدود اختصاصه فلا تنتفي هذه المسؤولية لأن القول بغير ذلك يؤدي إلى وجود مساحة من عدم المسؤولية للأشخاص المعنوية من غير مبرر.
وبناء على ذلك فإنه إذا كان صدور الفعل داخلا في إطار اختصاصات الشخص الطبيعي، أمكن القول بإسناده للشخص المعنوي واعتباره فاعلا مع الشخص الطبيعي الذي يمثله كعضو له، أما إذا كان التصرف مجاوزا لاختصاصاته فيكون الشخص المعنوي مجرد شريك إذا ثبت توافر إحدى وسائل الاشتراك المقررة في القانون.

الفرع الثاني: إرتكاب الفعل المجرم لصالح الشخص المعنوي مع توافر الركن المعنوي.
أولا: ارتكاب الفعل المجرم لصالح الشخص المعنوي
ففي مجال بورصة الأوراق المالية قد يحدث على سبيل المثال أن يقوم عضو مجلس إدارة الشركة أو مديرها بملء الوثائق التي يتطلبها القانون وإرسالها إلى الجهات الرقابية كهيئة سوق المال في مصر أو لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها في الجزائر.
ويقومون بإدخال بعض البيانات غير الصحيحة في هذه التقارير بقصد إخفاء بعض الصفقات التي يقومون بها، ففي هذه الحالة فإن العمل قد تم داخل نطاق الوظيفة، ولكن من الواضح أنه لا يعود على الشركة بالفائدة وإنما تعود الفائدة على الأشخاص الطبيعيين أنفسهم، وبالتالي فإنهم يكونوا مسؤولين عن هذه الأفعال بصفة شخصية، ومن هنا يبدو ضرورة اشتراط أن يكون ارتكاب الفعل لصالح الشخص المعنوي، وهذا ما تؤكده إحدى المحاكم الأمريكية في حكم صدر من بين حيثياته (يجب أن يعمل العضو في نطاق وظيفته، وأن يترتب على سلوكه حدوث فائدة للشركة، وأن يكون هذا السلوك مرخصا به، ومصدقا عليه عن طريق إدارة الشركة أي الشخص المعنوي).

ثانيا: توافر الركن المعنوي لدى هذا الشخص
الشخص المعنوي له إرادة شرعية وهي إرادة الأشخاص الطبيعيين الذين يعدون بمثابة الأعضاء بالنسبة له، وأن هذه الإرادة يمكن أن تتجه لارتكاب فعل مخالف للقانون، وهذه الإرادة الإجرامية كما قد تتحقق في صورة القصد الجنائي لارتكاب جريمة عمدية، فإنها أيضا قد تكون في صورة الخطأ غير العمدي، أي ارتكاب جرمية غير عمدية.
تثير جرائم بورصة الأوراق المالية حالة خاصة فيما يتعلق بانتفاء التصور الإجرامي أو الركن المعنوي في هذه الحالة، وذلك لأن قانون بورصة الأوراق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية وقانون سوق رأس المال في مصر يلزم في بعض الأحيان الشركات بالاحتفاظ بسياسات داخلية لمنع وقوع الجرائم، ففي حالة قيام الشركة بعمل هذا الاحتياطات، والاحتفاظ بها يمكن أن تدفع الشركة بانتفاء الركن المعنوي.
وقيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية لا يؤدي إلى استبعاد المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين الفاعلين الأصليين أو الشركاء عن ذات الوقائع التي تقوم بها الجريمة.

الفصل الثاني: صور التجريم والعقاب المقررة من قبل المشرع الجزائري في مجال بورصة القيم المنقولة.

تناول المشرع الجزائري الجرائم البورصية في المادة 60 من المرسوم التشريعي رقم 93-10 المؤرخ في 23/05/1993 المتعلق ببورصة القيم المنقولة المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-10 المؤرخ في 14-01-1996 وبالقانون رقم 03-04 المؤرخ في 17-02-2003.
وتنص المادة أنفة الذكر على أنه (يعاقب بالحبس من ستة (06) أشهر إلى خمس (05) سنوات وبغرامة قدرها 30.000 دج ويمكن رفع مبلغها حتى يصل إلى أربعة أضعاف مبلغ الربح المحتمل تحقيقه دون أن تقل هذه الغرامة عن مبلغ الربح نفسه، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط:
– كل شخص تتوفر له بمناسبة ممارسته مهنته أو وظيفته، معلومات امتيازية عن منظور مصدر سندات أو وضعيته أو منظور تطور قيمة منقولة ما، فينجز بذلك عملية أو عدة عمليات في السوق أو يتعمد السماح بإنجازها، إما مباشرة أو عن طريق شخص مسخر لذلك، قبل أن يطلع الجمهور على تلك المعلومات.
– كل شخص يكون قد تعمد نشر معلومات خاطئة أو مغالطة وسط الجمهور بطرق ووسائل شتى عن منظور أو وضعية مصدر، تكون سنداته محل تداول في البورصة، أو عن منظور تطور سند مقبول للتداول في البورصة من شأنه التأثير على الأسعار.
– كل شخص يكون قد مارس أو حاول أن يمارس، مباشرة أو عن طريق شخص آخر مناورة ما بهدف عرقلة السير المنتظم لسوق القيم المنقولة من خلال تضليل الغير، تعد العمليات التي تنجز على هذا الأساس عمليات باطلة.
ومن نص هاته المادة يتبين أن الجرائم البورصية تأخذ ثلاث صور، وسوف نتناوله خلال هذا الفصل على النحو الآتي:
المبحث الأول: جريمة العالم بأسرار الشركة.
المبحث الثاني: جريمة نشر المعلومات الخاطئة أو المظللة.
المبحث الثالث: جريمة القيام بأعمال غير شرعية في سوق البورصة.

المبحث الأول: جريمة العالم بأسرار الشركة.

هي تلك الصورة التي نص عليها المشرع الجزائري في المادة 60 المذكورة سابقا الفقرة الأولى والتي جاء نصها كالآتي (يعاقب………..
– كل شخص تتوفر له ، بمناسبة ممارسته مهنته أو وظيفته، معلومات امتيازية عن منظور مصدر سندات أو وضعيته، أو منظور تطور قيمة منقولة ما، فينجز بذلك عملية أو عدة عمليات في السوق أو يتعمد السماح بإنجازها، إما مباشرة أو عن طريق شخص مسخر لذلك، قبل أن يطلع الجمهور على تلك المعلومات).
يلاحظ أن المتعاملون في بورصة القيم المنقولة هم أحد العناصر التي تقوم عليها البورصة، مما يقتضي ضرورة تدخل القانون لحمايتهم، وتتمثل هذه الحماية في تحقيق المساواة فيما بينهم، بتجريم قيام أي شخص بالتعامل بناء على معلومات جوهرية غير معلنة للكافة، وبصفة خاصة الأشخاص الذين تتاح لهم بسبب مواقعهم في الشركات المصدرة للأوراق المالية فرصة الحصول على معلومات جوهرية غير معلنة يمكن لهم استخدامها في إجراء تعاملات في البورصة على الأوراق المتعلقة بها هذه المعلومات.
فالمقصود بهذه الجريمة هو من يستعمل معلومات صحيحة يجهلها الجمهور، لإنجاز عمليات في سوق البورصة.
ومن الأمثلة على ذلك مديرو المؤسسة الذين تتوفر لديهم معلومات بأن المؤسسة مقبلة على تحقيق عملية جيدة من شأنها أن تؤدي إلى رفع قيمة أسهمها وسنداتها في بورصة القيم المنقولة، فيدفعون الغير إلى شراء أسهم وسندات قبل ارتفاع قيمتها، وكذلك المديرون في المؤسسة الذين يدفعون الغير لبيع أسهمهم قبل انخفاض قيمتها وذلك عشية نشر حساب ختامي سيء.
على ذلك فسوف نتناول خلال هذا المبحث أركان هذه الجريمة والجزاء المقرر لها على النحو التالي:
المطلب الأول: أركان الجريمة.
المطلب الثاني: قمع الجريمة.

المطلب الأول: أركان الجريمة

يشترط لقيام هذه الجريمة توافر الأركان الآتية.
1- صفة العالم بأسرار الشركة.
2- حيازة الجاني لمعلومات امتيازية من شأنها أن تؤثر على سوق البورصة.
3- استغلال المعلومة لإنجاز عملية في السوق بالتدليس أو السماح للغير بإنجاز عملية في السوق ولا يشترط القانون لا الفائدة الناتجة عن العملية ولا سوء نية الجاني، وكل ما يشترطه هو أن يكون الجاني واعيا بأنه يحوز على معلومات إمتيازية تفضيلية.

الفرع الأول: صفة الجاني والمعلومات المتوفرة لديه.

أولا: صفة الجاني.
بالرجوع إلى نص المادة 60 المذكورة آنفا فإن الجاني هو الشخص العالم بأسرار الشركة أو المطلع من خلال موقعه الوظيفي داخل الشركة على التوصل إلى المعلومات غير المعلنة للكافة أو السوق، إذ الغرض من هذه الجريمة هو منع من تتوفر لديهم أسرار الأعمال التدخل في سوق البورصة بدون مخاطرة بحكم إطلاعهم قبل غيرهم.
ولقد أضافت لجنة عمليات البورصة في فرنسا الغير المستفيد من المعلومات التفضيلية وكذلك وسع القضاء الفرنسي من نطاق تطبيق هذه الجريمة حيث أجاز تطبيق حكم الإخفاء على هذه الجنحة شرط أن يكون المخفي عالما بالمصدر التدليسي للمعلومات المستغلة.
وعلى هذا الأساس وجب التمييز بين المطلع على أسرار الشركة والغير المستفيد والمخفي.

1- المطلع على أسرار الشركة:
إن السمة الميزة للمطلع هي قدرته من خلال موقعه الوظيفي داخل الشركة على التوصل إلى المعلومات غير المعلنة للكافة أو للسوق، ولذلك فإن البحث يدور في الواقع في إطار المنوط بهم إدارة ورقابة أعمال الشركة وممثليهم ومعاونيهم وعائلاتهم وأصدقائهم، ومن ناحية أخرى فقد تنقل بعض البيانات والمعلومات والوثائق ذات الطبيعة السرية لعلم بعض الأشخاص الخارجين عن إطار الشركة بحكم وظائفهم التي تتصل بالضرورة أو عن طريق الصدفة بعمل هذه الشركة.
وعلى ذلك فإننا بصدد طائفتين من المطلعين:
أ- العالمون الأولون (بحكم القانون): ينتمي إلى هذه الطائفة مديرو الشركات، كالرئيس المدير العام وأعضاء مجلس الإدارة والمديرين العامين والقائمين بالإدارة ومن يضطلع في الشركة بوظيفة عضو في مجلس الرقابة أو بوظيفة الممثل الدائم للأشخاص المعنوية، وقد أضاف القانون الفرنسي إلى هؤلاء أزواجهم وهذا منذ تاريخ 03-01-1983.
ولا يوجد ضمن العالمون الأولون، الشركاء في الشركة ولا محافظ الحسابات.
ب- العالمون الثانويون (الفعليون): تشمل هذه الطائفة كل من تسمح له وظيفته أو مهنته الحصول على المعلومات الجوهرية سواء أثناء أو بمناسبة ممارسته لوظيفته أو مهنته ولا تقع على العاملون الثانويون أية قرينة ولو كانت بسيطة على علمهم بأسرار الشركة وليس للقاضي في هذه الحالة إلا أن يثبت بأن المعلومة التفضيلية التي تتوفر لهم قد اكتسبوها بعنوان وظيفي أو مهني.
وقد ينتمي لهذه الطائفة المدير المالي أو الإداري للشركة التي يجري التفاوض بشأن سنداتها بصفة غير شرعية بالإضافة إلى الأجير المطلع على الملفات السرية.
وتشمل هذه الطائفة أيضا مصفى الشركة وأجراء البنك والمحامون والمستشارون الذين ساهموا في المفاوضات أو في تحرير العقد، ومدير ديوان وزير وأعضاء لجنة البورصة الذين هم على الإطلاع بصفة منتظمة بالمفاوضات الجارية بين شركتين رغم أن هؤلاء لا ينتمون إلى الشركة.
ولا يوجد ضمن هذه الطائفة الصحفيون المحللون الاقتصاديون والماليون، لأن المعلومة التي تنشر في الصحف قد تكون ناتجة عن تكهن مؤسس على تحليل منطقي أو أنه تم الحصول عليها عن طريق الإتصال بأوساط الأعمال، ومع ذلك فقد أدين في فرنسا صحفي مختص في المسائل المالية يستغل معلومات جوهرية سرية لم تنشر بعد، تحصل عليها من مديري شركة إلتقى بهم بمناسبة إعداده لمقال صحفي، ثم قام هذا الصحفي بشراء سندات تلك الشركة عن طريق شخص مسخر لذلك بعدما علم بتقليص ديون تلك الشركة وحصولها على أرباح ثم قام ببيع السندات محققا بذلك ربحا.
ومن هذا المنطلق فإن هاته الجريمة لا يقوم بها مثلا مديرو الشركات وأعضاء مجلس الإدارة فقط، بل إن التعامل بناء على معلومات جوهرية غير معلنة يمكن أن يقع من هؤلاء أو من غيرهم، فهناك بعض الأحكام القضائية التي صدرت من القضاء الأمريكي، أدانت بعض الأشخاص الذين قاموا بالتعامل بناء على معلومات غير معلنة للكافة دون أن تكون هناك أية علاقة بين هؤلاء والشركة المرتبطة بها هذه المعلومات، وعلى سبيل المثال:
– أدان القضاء الأمريكي شريكا في أحد مكاتب الاستثمارات القانونية لشركة من الشركات التي تطرح أوراقا مالية في البورصة، عندما قام هذا الشريك بالتعامل في أسهم هذه الشركة بناء على معلومات جوهرية امتيازية غير معلنة.
– كما أدان أحد الأطباء الذي قام بالتعامل بناء على معلومات جوهرية غير معلنة تلقاها من أحد مرضاه.
– وأدان أيضا عامل المطبعة الذي كان يقوم بإعداد مستندات لإحدى الشركات التي تطرح أسهما لها في البورصة عندما قام بالتعامل على معلومات جوهرية غير معلنة خاصة بهذه الشركة.
– وكذلك أدان الكاتب الذي كان يعمل في إحدى الصحف والذي تعامل على معلومات امتيازية قبل نشرها على الكافة.
ومن ناحية أخرى يسجل لمحكمة النقص الفرنسية، توسيع مجال المساءلة الجنائية بالنسبة للعاملين في شركات الوساطة المالية، حيث إنها لم تكتف بمساءلة الممثل القانوني لها فحسب، وهو عادة ما يكون مديرها القانوني، بل تعدت ذلك إلى مساءلة المدير الفعلي لها، حيث إنه في هذه الصورة فحسب يمكن لشخص المدير القانوني الطعن في قرينة الإدارة المنصوص عليها في المادة 10-1 من الأمر رقم 67-833 المؤرخ في 28 سبتمبر 1967 خاصة إذا وجد تفويضا من الإدارة.
حيث ورد في إحدى أحكام محكمة النقض الفرنسية أنه (يمكن إعفاء مدير الشركة من المسؤولية الجنائية بثبوت وجود تفويض لسلطاته إلى طرف آخر يتمتع بالكفاءة والوسائل اللازمة لذلك……….. غير أنه حتى يمكن له الدفع بذلك يجب عليه ألا يكون مساهما بشكل شخصي في القيام بالجريمة).
ويشترط في المطلع على أسرار الشركة أن يكون شخصا طبيعيا.

2- الغير المستفيد:
القانون لا يجرم ولا يعاقب من يقوم بعمليات غير شرعية بناء على المعلومات التي تلقاها خارج أي نشاط وظيفي أو مهني ما عدا زوجة العالم بالسر في فرنسا، وإنما يعاقب العالم بالسر الذي سمح لغيره القيام بعمليات غير شرعية أو قام بالتعامل على معلومات تفضيلية غير معلنة خاصة بالشركة.
لكن المشكلة المطروحة هي صعوبة إثبات مصدر المعلومات الامتيازية، لذلك وجب على القاضي التثبت إذا ما كانت المعلومة قد وصلت بحكم المهنة أولا وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في أحد أحكامها إلى تكريس الخطأ المفترض، عمدا كان أو إهمالا وهو ما أدى إلى وجود إشكالية كبيرة في إثبات مصدر المعلومة الجوهرية التفضيلية.
مما جعل لجنة عمليات البورصة COB في فرنسا تصدر التنظيم رقم 08-90 لسد هذه الإشكالية حيث نصت في المادة 05 من هذا التنظيم على (معاقبة كل شخص تتوفر له معلومات امتيازية وهو يعلم بذلك).
وتبقى الصعوبة قائمة لإقامة الدليل والبرهان على أن الغير المستفيد يعلم أن المعلومات التي استغلها امتيازية من المفروض أن تبقى محفوظة لأنها جوهرية غير معلنة خاصة بالشركة.

3- المخفي:
القضاء الفرنسي وسع كثيرا من نطاق مجال المساءلة الجزائية في جريمة العالم بأسرار الشركة، فقد أجاز تطبيق أحكام الإخفاء على هذه الجريمة على من استغل معلومات جوهرية امتيازية تلقاها من المطلع أو العالم بأسرار الشركة وهو يعلم بالمصدر التدليسي لتلك المعلومات الامتيازية التي استغلها.
وفي ظل التشريع الجزائري يصلح تطبيق حكم الإخفاء على من استغل المعلومات الامتيازية التي تلقاها من العالم بأسرار الشركة وهو يعلم بذلك وذلك طبقا لأحكام المادة 387 من قانون العقوبات.

ثانيا: المعلومات المتوفرة لدى الجاني:

1- طبيعة المعلومات:
إن مواقع بعض العاملين في الشركات المصدرة للأوراق المالية تتيح لهم فرصة الحصول على بعض المعلومات المميزة، والتي يمكن لهم استغلالها في التعامل على أسهم الشركة في البورصة أو إفشاء تلك المعلومات للغير، وبالتالي تحقيق مكاسب لهم أو لغيرهم على حساب عامة المستثمرين.
وإذا كان القانون الفرنسي ونظيراه الجزائري والمصري وحتى التونسي قد منعوا استغلال هذا النوع من المعلومات فإنه لم يعطى تعريفا لها، وذلك ما حاول القضاء الفرنسي تبيانه، حيث لا تعد المعلومة الامتيازية بحسب المعنى الوارد في المادة 10-1 من الأمر رقم 67-833 المؤرخ في 28 سبتمبر 1967 والتي تقابلها في الجزائر الفقرة الأولى من المادة 60 المعدلة والمتممة بالقانون رقم 03-04 المؤرخ في 17 فبراير 2003 المتعلق ببورصة القيم المنقولة، إلا إذا كانت المعلومة محددة بدقة ومؤكدة وذات طابع خاص وسرية.
فالشائعات في سوق رأس المال لا يمكن لها أن تشكل معلومة امتيازية، ومن ثم لا يمكن أن يكون كل استغلال لمعلومة موضوع جريمة يعاقب عليها القانون إلا إذا كان لها طابع سري، وتكون كذلك طالما لم تنتشر على صعيد واسع للعموم إما عن طريق صحف واسعة الإنتشار، أو عن طريق بلاغ رسمي من مصدر هذه القيم المنقولة.
ولقد عمل القضاء الفرنسي على إعطاء معنى آخر لمفهوم المعلومة الإمتيازية التي يقوم باستغلالها الركن المادي لهذه الجريمة حيث أوجبت محكمة النقض توافر ثلاث شروط هي:
الشرط الأول: أن يكون هناك توافق بين محتوى المعلومة.
هذا ما نصت عليه المادة 10-1 من القانون المؤرخ في 28 سبتمبر 1967 أي يجب أن يكون محتوى المعلومة غير متيسر الحصول عليه إلا بالنسبة لأطراف معينة.
الشرط الثاني: أن تكون المعلومة محددة وسرية، بحيث يكون من شأنها التأثير على سعر القيمة المنقولة في عمليات البورصة موضوع هذه القيمة، وأخذها إلى إتجاه معين غير طبيعي، سواء بالارتفاع المفاجئ لكمية العمليات التي تكون موضوع هذه القيمة أو الإنخفاض الحاد لها.
الشرط الثالث: أن تكون الطبيعة الامتيازية للمعلومة غير ناتجة عن تحليل مالي قامت به إحدى الجهات المتخصصة، كما هو الحال بالنسبة للوسطاء الماليين الذين يجمعون مختلف معطيات السوق في وقت معين وينتهون عند تحليلها إلى نتيجة معينة.
أما واضعوا قوانين الأوراق المالية في الولايات المتحدة فقد عرفوا المعلومات الامتيازية الجوهرية بأنها (معلومات تتعلق بالشركة المصدرة للورقة المالية، ليست معلنة للكافة أو للسوق، والتي لو تم الإعلان عنها فإنها ستؤثر بطريقة واضحة أو جوهرية على سعر الورقة المالية الخاصة بالشركة، أو من الممكن أن تعتبر كذلك في نظر المستثمر العادي).

2- مضمون المعلومات:
يجب أن تنصب هذه المعلومات على:
أ- منظور مصدر سندات أو وضعيته:
يجب أن تكون المعلومة متعلقة بإحدى الجهات المصدرة لقيم منقولة متداولة في البورصة والمتمثلة في السندات أو في وضعية المصدر لهاته القيم المنقولة.
ب- منظور تطور قيمة منقولة:
إن هذه المعلومة تؤثر على سعر القيمة المنقولة في سوق البورصة وتأخذها إلى اتجاه معين غير طبيعي، سواء بالارتفاع المفاجئ لكمية العمليات التي تكون موضوع القيمة المنقولة أو الانخفاض الحاد لكمية العمليات في البورصة.
الفرع الثاني: الركن المادي للجريمة.
يعد الركن المادي للجريمة، الركن الأساسي لها، حيث يكاد الركن المعنوي لا يعتد به مما يدخل هذا الفعل في نطاق جرائم الخطر، حيث لا دخل للنية الإجرامية فيها ذلك أن المادة 60 الفقرة الأولى المذكورة أنفا لم تتطلب توفر النية الإجرامية للعالم بأسرار الشركة، ولم تهتم بالباعث في العملية في حد ذاته، كما لم تنص على وجوب توفر علاقة سببية بين العلم بالمعلومة وعملية البورصة محل النزاع، بل أنه يشترط في الجاني في هذه الجريمة أن يكون واعيا بأنه يحوز على معلومات امتيازية غير معروفة بالنسبة للعامة.
ويتمثل النشاط الإجرامي في إنجاز عملية في السوق باستعمال طرق تدليسية أو السماح للغير المستفيد بإنجاز عملية في هذه السوق.

أولا: إنجاز عملية في السوق بالتدليس:
القضاء الفرنسي اعتبر أن إعطاء أمر لأحد البنوك لبيع أو شراء أسهم يكفي لقيام الجريمة ويؤخذ هنا بتاريخ إعطاء الأمر وليس تاريخ التنفيذ.
وقضي أيضا بأن إعطاء الأمر وعدم إلغائه حين تأكد العالم بالسر بأن هذه المعلومات الامتيازية غير علنية يشكل الجريمة، مما أدى بالفقه والقضاء في فرنسا إلى الحديث حول واجب الامتناع الذي يقع على عاتق من تتوفر له معلومات تفضيلية، وهذا الواجب لا يقبل عذر عدم الاحتياط.

ثانيا: السماح للغير بإنجاز عملية في السوق:
المشرع جرم العالم بأسرار الشركة الذي يسمح للغير بإنجاز عملية في السوق أي فرض واجبان هما الامتناع الذي على عاتق من له معلومات جوهرية تفضيلية وكتمان السر.
غير أن المشرع يشترط في هذا المجال أن يكون الجاني متعمدا في السماح لغيره بإنجاز عملية في السوق، ولا يعذر العالم بأسرار الشركة على نقل المعلومات الامتيازية إلا في حالة الضرورة الوظيفية أو المهنية.

ثالثا: مفهوم السوق:
يقوم الركن المادي لهذه الجريمة إذا ما تحققت عملية التعامل المبنية على معلومات امتيازية بقطع النظر على نوع السوق التي جرى فيه التعامل، سواء أكان ذلك في السوق الرسمية وهو سوق البورصة أو رأس المال، أو في الأسواق الموازية.
وهو ما اضطر المشرع الفرنسي إلى استبدال عبارة (سوق البورصة) بعبارة (السوق) وهي نفس العبارة التي أخذ المشرع الجزائري بها.
وعلى هذا الأساس أدانت هيئة عمليات البورصة C.O.B الفرنسية السيد برجي (BERGER) في القضية المتعلقة ببعض الشركات، وذلك لاستغلال المعلومة المتوفرة لديه قبل أن يعلمها العموم، حيث عمل على بيع أسهمه التابعة لمجموعة هذه الشركات بالتراضي خارج البورصة، في حين أنه كانت لديه معلومات تفيد تدني حجم معاملات هذه المجموعة من الشركات ولقد أيد القضاء الفرنسي ذلك حيث إنه أقر العقوبة التأديبية.
وإن استغلال المعلومة للحساب الخاص أو لحساب الغير إذا ما كان موضوعه أسهما وطنية داخل إقليم البلد، من شأنه أن يؤدي لقيام الركن المادي لهذه الجريمة، الذي على أساسه تقوم المسؤولية الجنائية للعالم بأسرار الشركة في عملية البورصة، لكن أمام سياسة الانفتاح المالي التي عرفها العالم قد نجد أن بعض الأسهم التي أصدرتها شركة ما ، مقرها بلد معين، تتداول في بورصات أجنبية مقرها بلد آخر، وذلك يؤدي إلى التساؤل عما إذا كان الركن المادي لجريمة العالم بأسرار الشركة يقوم في حالة إذا ما تمت العملية في غير البلد الذي تنتمي إليه الشركة التي تتبعها القيم المنقولة موضوع العملية؟ أو بعبارة أخرى هل ينحصر مفهوم السوق في السوق الوطنية أم أنه يتسع ليشمل الأسواق الخارجية العالمية؟
لم ينص القانون الفرنسي ولا الجزائري ولا نظيرهما المصري على هذه النقطة، وذلك على الرغم من نص المشرع الفرنسي على إمكانية تداول الأسهم خارج نطاق البلاد بعد موافقة هيئة سوق رأس المال، إلا أن القضاء الفرنسي تعرض إلى ذلك بمناسبة النظر في القضية الشهيرة péchiney- triangle)) حيث أن محكمة النقض أخذت بالمفهوم الواسع للإقليم إذ عدت أن المحاكم الفرنسية مختصة بالنظر إذا ما كان أحد العناصر المكونة للركن المادي للجريمة قد حصل داخل الإقليم.
ويكفي أن أحد عناصر الركن المادي للجريمة ارتكب في فرنسا حتى تعد وكأنها قد ارتكبت بكاملها في الإقليم بحسب ما نصت عليه المادة 13-12 من قانون العقوبات الفرنسي ومن هنا تكون هيئة عمليات البورصة الفرنسية مختصة بالنظر في العقوبات التأديبية إزاء العالم بأسرار الشركة القائم بالفعل.

رابعا: وقت ارتكاب الجريمة:
لا ترتكب الجريمة إلا إذا كان الأمر بإنجاز عمليات أو تبليغ معلومات امتيازية قد تم خلال الفترة الزمنية التي كان فيها واجب الامتناع أو كتمان السر ساريا على الفعل.
ويبدأ سريان تلك الفترة من اللحظة التي تصبح فيها المعلومات التفضيلية دقيقة ومؤكدة وتسري ما دامت لم تعلن بعد للكافة.
ويخضع تحديد الطابع الدقيق والمؤكد للمعلومات الامتيازية للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع.
ويتم تحديد الطابع المحفوظ للمعلومات الامتيازية حسب العدد المحصور للأشخاص الذين لهم أن يعلموا بهذه المعلومات.
أما الشائعات في سوق رأس المال لا يمكن لها أن تشكل معلومة امتيازية، وإلا فإن المطاف سينتهي إلى الإحجام عن كل معاملة في البورصة، ومن ثم لا يمكن أن يكون كل استغلال لمعلومة موضوع جريمة يعاقب عليها القانون، إلا إذا كان لها طابع سري وتكون كذلك طالما لم تنشر على صعيد واسع للجمهور إما عن طريق إشهار قانوني أو عن طريق صحف واسعة الانتشار، أو عن طريق بلاغ رسمي من مصدر هذه القيم المنقولة.
أما بخصوص تقدير مدى الخسارة بالأرقام للشركة ولو بحدها الأدنى تشكل معلومات امتيازية جوهرية.

المطلب الثاني: قمع الجريمة

يتجه القضاء إلى جعل هذه الجريمة من الجرائم الشكلية لخطورتها على الاستثمار في البورصة، مما حدا به إلى الأخذ بالجانب المادي للفعل دون أن يقيم وزنا كبيرا للجانب المعنوي وقرر لها نوعين من الجزاءات.
وسوف نتناول في هذا المطلب الجزاء المقرر لهذه الجريمة بالإضافة إلى مسألة الإختصاص.

الفرع الأول: الجزاء المقرر لهذه الجريمة.
يتعرض مرتكب هذه الجريمة إلى نوعين من الجزاءات: عقوبات جزائية وجزاءات إدارية.

أولا: العقوبات الجزائية.
تنص المادة 60 من المرسوم التشريعي رقم 93-10 المؤرخ في 23-5-1993 المتعلق ببورصة القيم المنقولة المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-10 المؤرخ في 14-01-1996 وبالقانون رقم 03-04 المؤرخ في 17-02-2003 على معاقبة العالم بأسرار الشركة بالحبس من ستة (06) أشهر إلى خمس (5) سنوات وبغرامة مالية تقدر بـ 30.000 دج، مع إمكانية رفع مبلغ الغرامة المالية حتى تصل إلى أربعة أضعاف مبلغ الربح المحتمل تحقيقه، وذلك دون أن تقل هذه الغرامة عن مبلغ الربع نفسه، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
أما في فرنسا نصت المادة 10-1 من الأمر رقم 67-833 المؤرخ في 28 سبتمبر 1967 المتعلق بإعلام أصحاب القيم المنقولة والإشهار بالنسبة لبعض عمليات البورصة، المعدل والمتمم بالقانون 96-597 المؤرخ في 02 يوليو 1996 على أت العالم بأسرار الشركة (يعاقب لمدة سنتين حبسا وبغرامة مالية تقد بـ 10 ملايين فرنك أو بغرامة تتجاوز عشر (10) مرات الأرباح المحققة، أو دون ذلك، من غير أن تنخفض عن قيمة هذه الأرباح…)
– وتجدر الملاحظة في هذا المجال إلى أن تقدير مبلغ الغرامة المالية يكون بالنظر إلى الأرباح التي حققها الجاني من العملية، وذلك إلى حدود مستوى الحد الأقصى الذي نصت عليه المادة 60 المذكورة أعلاه.
هذا ويجب أن يكون هناك كسب من جراء العملية، حتى يمكن للقاضي الحكم بغرامة مالية أكثر من 30.000 دج، حيث إن ذلك يعد حدها الأدنى ويحكم بها على الجاني حتى ولو لم يحقق أرباحا من العملية، فإذا اشترى الجاني لحسابه قيما منقولة بناء على معلومات غير معلنة تفيد أنها ستشهد ارتفاعا، فإن الفرق بين ما كان عليه سعر هذه القيم المنقولة، وما وصل إليه لا يمكن عده ربحا طالما لم يلجأ الجاني إلى بيعها، ومن ثم تقتصر العقوبة على الغرامة حسب المادة 60 والتي تقدر بـ 30.000 دج.

ثانيا: الجزاءات الإدارية
تنص المادة 51 من المرسوم التشريعي المذكور أنفا على جزاءات إدارية تصدرها الغرفة التأديبية للجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها (COSOB) ضد العالم بأسرار الشركة تتمثل فيما يلي:
1- الإنذار.
2- التوبيخ.
3- خطر النشاط كله أو جزئه مؤقتا أو نهائيا.
4- سحب الاعتماد.
5- و/ أو فرض غرامات يحدد مبلغها بعشرة (10) ملايين دينار أو مبلغ يساوي الربح المحتمل تحقيقه بفعل الخطأ المرتكب، وتدفع هذه المبالغ إلى صندوق الضمان.
أما في فرنسا تتمثل الجزاءات الإدارية فيما يلي:
1- الإنذار.
2- التوبيخ.
3- السحب المؤقت أو الدائم للترخيص (الاعتماد)
4- ويمكن كذلك فرض غرامة مالية إذا ما نتج عن هذا الخرق تحقيق أرباح ولا يمكن أن تتجاوز الغرامة في جميع الأحوال ثلاث (03) مرات الربح المحقق وتدفع إلى خزينة الدولة.

الفرع الثاني: مسألة الاختصاص
طبقا لنص المادة 55 من المرسوم التشريعي المذكور سابقا فإنه ترفع المخالفات للأحكام التشريعية والتنظيمية المعاقب عليها بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين 59-60 أمام الجهات القضائية العادية المختصة.
وتنص المادة 40 من المرسوم على أنه يمكن لرئيس لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها أن يتأسس كطرف مدني في حالة وقوع جرائم.
أما مسألة الإختصاص تطرح التساؤل عما إذا كان الركن المادي لجريمة العالم بأسرار الشركة يقوم في حالة إذا ما تمت عملية في غير البلد التي تنتمي إليه الشركة التي تتبعها القيم المنقولة موضوع العملية؟
القانون الفرنسي والجزائري لم يتناول هذه النقطة بالذات، إلا أن القضاء الفرنسي تعرض إلى ذلك بمناسبة النظر في قضية péchainey التي تتخلص وقائعها كالتالي:
قام سمير طرابلسي ذو الجنسية اللبنانية بدور المفاوض لصالح الشركة الأمريكية triang le industries المسعرة ببورصة نيويورك في الاتفاقات التي تمت مع الشركة الفرنسية Péchiney فكان بذلك عالما بأسرار الشركة، وبحكم إقامة سمير بباريس أعتبر هذا الوسيط أعطى أوامر بورصية انطلاقا من فرنسا.
أي أن محكمة النقض أخذت بالمفهوم الواسع للإقليم، إذ عدت أن المحاكم الفرنسية هي المختصة بالنظر إذا ما كان أحد العناصر المكونة للركن المادي للجريمة قد حصل داخل الإقليم.
فيكفي أن أحد عناصر الركن المادي للجريمة أرتكب في فرنسا حتى تعد وكأنها قد ارتكب بكاملها في الإقليم، بحسب ما نصت عليه المادة 13-12 من قانون العقوبات الفرنسي.
بمعنى أن المحاكم المحلية تكون مختصة بمجرد أن يرتكب على التراب الوطني فعلا أو عنصرا مشكلا للركن المادي للجريمة.

المبحث الثاني: جريمة نشر المعلومات الخاطئة أو المضللة

لقد تناول المشرع الجزائري هاته الجريمة في الفقرة الثانية من المادة 60 من المرسوم التشريعي رقم 93-10 المعدل والمتمم بالقانون 03/04 المؤرخ في 17/02/2003 المتعلق ببورصة القيم المنقولة: وهذه الفقرة منقولة من المادة 10-1 فقرة 03 من الأمر رقم 67-833 المؤرخ 28 سبتمبر 1967 المتعلق بإعلام أصحاب القيم المنقولة والإشهار بالنسبة لبعض عمليات البورصة في فرنسا المعدل بالقانون رقم 96-597 المؤرخ في 02/01/1996.
ولقد جاء المشرع بهاته الصورة إثر تعديل 2003 حيث بمقتضاه (يعاقب ………
– كل شخص يكون قد تعمد نشر معلومات خاطئة أو مغالطة وسط الجمهور بطرق ووسائل شتى، عن منظور أو وضعية مصدر، تكون سنداته محل تداول في البورصة، أو عن منظور تطور سند مقبول للتداول في البورصة من شأنه التأثير على الأسعار.
وهذا الفعل قد يشكل جريمة المضاربة غير المشروعة المنصوص والمعاقب عليها في المادة 172/01 من قانون العقوبات.
وتعتبر المعلومات إحدى العناصر الهامة التي تقوم عليها بورصة الأوراق المالية، والأساس الذي يعتمد عليه المستثمر عند اتخاذ قراره الاستثماري في الأوراق المالية، ولذلك فقد حرص المشرع على إبراز كافة المعلومات عن الشركات المصدرة للأوراق المالية وجرم نشر التصريحات والاستشارات والأقوال الشفهية الكاذبة بهدف الحفاظ على مصداقية ودقة المعلومات.
– وسوف نتناول في هذا المبحث أركان هذه الجريمة ثم قمعها من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: أركان الجريمة.
المطلب الثاني: قمع الجريمة.

المطلب الأول: أركان الجريمة.

لا يمكن حماية الاستثمار وضمان حسن سير سوق رأس المال من دون تأمين المعلومات المتعلقة بالاستثمار والحيلولة دون نشرها بشكل مخالف لما هي عليه في الواقع، كأن تعمد شركة ما تتداول أسهمها في البورصة أو تزمع جعلها كذلك، لنشر معلومات خاطئة تتعلق بحالتها الاقتصادية، لابد من معاقبة الجاني في هذه الحالة.
ولقيام المسؤولية الجزائية في هذا الشأن لابد من توافر أركان هذه الجريمة:
الفرع الأول: الركن المادي للجريمة.
لقيام الركن المادي لهذه الجريمة يستوجب أن تكون المعلومة التي وقع عرضها وسط الجمهور من طرف الجاني كاذبة أو مغالطة، وذلك لا يكون إلا بتوافر عنصرين:
1- أن تكون المعلومة كاذبة أو مضللة، أي من شأن نشرها إيقاع المستثمر في الخطأ ومن ثم يتعرض للغش، بشكل أنه لو عرف حقيقة الوضع المالي لمصدر الأسهم لما اشتراها، هذا ويجب أن تكون هذه المعلومة الكاذبة أو المغالطة محددة، أي تتعلق بأشياء معينة في الشركة المصدرة للأسهم.
2- يجب أن تنشر هذه المعلومة للجمهور بأية وسيلة.

العنصر الأول: المعلومة الكاذبة أو المظللة.
إن القول بوجوب إصدار الجاني لمعلومة كاذبة أو مغالطة لقيام الركن المادي للجريمة، يستوجب بعض التوضيح خاصة مفهوم معنى المعلومة الكاذبة أو المغالطة.
فالمعلومة تعني خبرا له معنى، ولا يكون كذلك إلا إذا تكلم عن شيء محدد لذلك فلا يمكن القول بقيام الركن المادي لهذه الجريمة ما لم يكن لها قدر أدنى من الدقة ومن ثم فإن مجرد شائعة ذات صبغة عامة، أو رأي مصرح به من طرف الوسيط المالي أو بعض المحللين الاقتصاديين الماليين، لا يمكن أن يقوم به الركن المادي للجريمة.
والقضاء الفرنسي لم يكن متشددا في بعض أحكامه، ففي إحدى القضايا عمد مدير إحدى الشركات بعد قيد أسهم شركته لدى البورصة إلى الإدلاء بتصريحات تخص الوضع المالي للشركة، بشكل أكثر تفاؤلا مما هو عليه في الواقع رغم المؤثرات السلبية التي عليها الشركة، وذلك يقينا منه أنها ستكون أحسن في المستقبل عما هي عليه في الحاضر خاصة وأنه ينوي زيادة رأس مال الشركة في القريب.
ولم تعد المحكمة ذلك من قبيل نشر معلومات خاطئة رغم مواصلة تدهور الوضعية المالية للشركة خلافا لما صرح به، إلا بعد أن عمل على تدوين هذه المعلومات في محضر اجتماع الإدارة السنوي.
ونتيجة لذلك قام الركن المادي للجريمة، حيث لم تعد المحكمة تصريحاته قبل كتابة محضر اجتماع الإدارة السنوي، إلا نوعا من أنواع التخمينات لا يرقى إلى المعلومة الخاطئة أو المغالطة، ولم تأخذ هذا الشكل إلا بعد ورودها في محضر اجتماع مجلس الإدارة حيث أخذت شكلها العام بنشرها في هذا المحضر الذي يحق لكل الجمهور الإطلاع عليه.
ولقد رأت هيئة عمليات البورصة أن نشر إعلان يفيد تحقيق الشركة التي يديرها الوسيط المالي، لرقم يمثل صافي أرباح يقارب ما حققته السنة الماضية، نوعا من أنواع التسرع في الحكم والتفاؤل المبالغ فيه طالما أن تصريحات الشركة قائمة على تكهنات لما قد تكون عليه مسيرة أعمالها المستقبلية، وليس على أساس ما حققته حاليا، أو على وقائع مؤكد وقوعها في المستقبل القريب، لذلك غرمت هيئة عمليات البورصة الشركة على نشرها معلومات كاذبة، إذ كان على الشركة الإشارة في إعلانها إلى ما يفيد أن ما ورد فيه من تكهنات كان بناء على معطيات ليست مؤكدة الوقوع مستقبلا.
ولقد اتخذ القضاء الفرنسي المنهج نفسه حيث جاء في إحدى حيثيات أحد الأحكام ما يلي:
(إذا كان من الممكن تفهم عدم تمتع مدير الشركة بتجربة كبيرة في المجال المالي مما نتج عنه خطأ في تقديراته وتكهناته بمسار أمور الأعمال، مصرحا بذلك عن أشياء وأرقام تبين خطئها بعد ظهور التقديرات الصحيحة، فإن ذلك لا يمكن أن يبرر عدم تعديل ما وقع نشره في السابق على ضوء ما ظهر لاحقا من واقع الأرقام).
هذا وإن المعلومة الخاطئة لا تأخذ صورة إعلام الجاني العموم بأشياء هي في الواقع تكهنات على أنها حقيقة واقعة فحسب، بل إن المعلومة الخاطئة قد تأخذ صورة نشر مذكرة إعلان الجمهور تحتوي على معلومات صحيحة تتخللها بعض المعلومات الخاطئة.
ولقد أخذ القضاء الفرنسي ذلك من باب بث المعلومات الكاذبة أو المغالطة، ذلك أنه (إذا صرح عن رفع رأس مال الشركة إلى رقم معين، عن طريق طرح أسهم للإكتتاب من جهة، ووقع التصريح من جهة أخرى في نشرة نفسها بالإلتزامات الواقعة على الشركة المتمثلة في الديون التي عليها للغير، فإن ذلك يعد من باب بث معلومات خاطئة أو مضللة إذا اتضح أن رقم هذه الديون غير مطابق لما هو وارد في ميزانية الشركة، التي يديرها الجاني الذي وقع نشرها على العموم، إذ تبين أن مبلغ ديونها يفوق نصف رقم المبلغ الذي يمثل زيادة رأس مالها رغم صحة هذا الأخير).

العنصر الثاني: نشر المعلومة الكاذبة أو المغالطة للجمهور
ولقيام الركن المادي لجريمة نشر معلومة خاطئة أو مضللة، لا يكفي أن تكون المعلومة كذلك فحسب، بل يجب نشرها للجمهور بأية وسيلة، ذلك أن المشرع الفرنسي يتطلب فعلا إيجابيا لقيام الركن المادي للجريمة، وذلك ما يفهم من قراءة المادة القانونية التي تنص على هذه الجريمة (60 فقرة 02).
وتجدر الملاحظة أنه لا مسؤولية جزائية على الوسيط المالي الذي لا يجعل حدا لمعلومة يعلم أنها خاطئة أو مضللة ما لم يكن هو القائم بنشره خلافا لما إذا عمد إلى نشر معلومة يتخللها الكذب أو التضليل في أحد أجزائها فقط، مما من شأنه أن يجعل صورة الواقع المالي للشركة تصل إلى الجمهور بشكل يختلف عن ما هو عليه فعلا وذلك ما قد يجعل الوسيط المالي تحت طائلة المسؤولية الجزائية مما حدا بجانب من الفقه الفرنسي إلى المناداة بتجريم السكوت، رغم اعترافهم بصعوبة تطبيق ذلك على الصعيد العملي.
إلا أنه لا يمكن عده من باب بث معلومات خاطئة أو مضللة بحسب ما نصت عليه المادتان الرابعة والثامنة من القانون عدد 90/02 لهيئة عمليات البورصة الفرنسية والمتعلق بالالتزام بإعلام العموم (…إذا ما عمدت إحدى الجرائد نشر معلومات خاطئة أو مشوهة، حيث إنه ليس على مصدر القيم المنقولة التي نشرت المعلومة والتي ذكرت فعلا على لسان مدير الشركة في تصريح له أثناء انعقاد اجتماع مجلس الإدارة أية مسؤولية لهذا الأخير، حيث أن هذا النشر حصل دون تكليف منه، كما أنه لا يمكن عد ذلك من باب نشر معلومات على العموم، لأن هذا المجلس يعد دائرة ضيقة بالنسبة لمجموع المستثمرين في البورصة.
ومن الأمثلة التي يزخر بها القضاء الفرنسي لهذه الجريمة نجد أنه قضى بقيام أركان هذه الجريمة في حق مديري الشركة الذين قاموا عن طريق بلاغات صحفية بتقديم مجمعهم على أنه في طريقه إلى التسوية في حين أنه في حالة توقف عن الدفع.

الفرع الثاني: الركن المعنوي
بخلاف جريمة العالم بأسرار الشركة فإن جريمة نشر معلومات خاطئة أو مغالطة تستوجب توافر الركن المعنوي لقيام المسؤولية الجزائية للجاني أثناء قيامه بعمليات في سوق البورصة.
حيث نصت المادة 60 المذكورة سابقا في فقرتها الثانية (… يكون قد تعمد نشر معلومات خاطئة أو مغالطة…)
كما نصت المادة 10-01 الفقرة الثالثة من الأمر رقم 67-833 المؤرخ في 28-09-1967 الفرنسي أنه (… كل شخص عمد إلى ترويج معلومات زائفة أو مضللة بين الجمهور …)
كما نصت المادة 63 من القانون رقم 95/92 المتعلق بسوق رأس المال المصري على أنه (… كل من أصدر عمدا بيانات غير صحيحة…).
ولقد اتفقت جميع هذه القوانين على لزوم توافر العمد عند القيام بترويج أو نشر أو تسريب المعلومات الخاطئة أو المضللة بقطع النظر عن تحقيق الجاني لغايته من ذلك من عدمه، بل يكفي أن تكون طبيعة المعلومة من النوع المؤثر على أسعار القيم المنقولة.
ويعلق القضاء الفرنسي أهمية كبيرة على مسألة وجوب توافر عنصر العمد في هذه الجريمة الذي يتطلب إمكانية معرفة الشيء مسبقا حتى يمكن القول بأن الفاعل قد اتجهت إرادته للقيام بالفعل المجرم، والحديث عن العمد يؤدي إلى التعرض إلى عنصر العلم القائم بمعرفة الوسيط المالي بماهية فعله، حيث لا يقوم العمد دون علم، فإذا قام هذا الأخير فلا يمكن للوسيط إلا أن يكون متعمدا بث المعلومة الكاذبة، ذلك أنه إذا علم بعدم صحة المعلومة التي روج لها، فلا يمكن له إلا معرفة أثر ذلك المحتمل على سعر القيمة المنقولة، وما ينتج عنه من تغرير بالمستثمر، وأثر ذلك على صدق المعاملات في سوق البورصة، حيث لا يمكن للفاعل التذرع بعدم معرفة ما ينطوي عليه ذلك من أضرار، ذلك أن من أطلق هذه المعلومة الكاذبة داخل حلقة لتداول القيم المنقولة، لا يمكنه أن يكون جاهلا للانعكاسات السلبية الممكنة والمباشرة على القيمة المنقولة التي قصدتها المعلومة، وعلى القيم المنقولة الأخرى المتداولة لدى البورصة، نتيجة غياب صدق المعلومات.
والمشرع الجزائري لم يشترط القصد الخاص وذلك إقتداء بالمشرع الفرنسي الذي كان إلى غاية صدور قانون 22/01/1988 يشترط توافر القصد الخاص، فالمادة 10-01 من الأمر 67/833 الفرنسي، كانت تشترط أن يكون نشر أو تسريب المعلومات (من أجل التأثير على سعر السندات)، مما جعل وجود صعوبة كبيرة في المتابعة، الأمر الذي أدى بالمشرع إلى استبدال العبارة الأولى بعبارة ألطف منها هي (من شأنه التأثير على الأسعار).
أي أصبحت الجريمة تقوم بمجرد توافر القصد العام.

المطلب الثاني: قمع الجريمة

يتعرض الجاني في هذه الجريمة إلى عقوبات جزائية وكذلك إلى جزاءات إدارية مثل جريمة العالم بأسرار الشركة.
وتثار مسألة تعدد الأوصاف في جريمة نشر معلومات خاطئة أو مضللة، حيث من الجائز أن تشكل صورة من صور المضاربة غير المشروعة طبقا لنص المادة 172 فقرة 01 من قانون العقوبات.

الفرع الأول: الجزاء المقرر للجريمة.
يتعرض مرتكب الجريمة إلى نوعين من الجزاءات:

أولا: العقوبات الجزائية.
طبقا لنص المادة 60 من الأمر رقم 93-10 المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-10 وبالقانون 03/04 فإنه يعاقب على جنحة نشر معلومات كاذبة أو مغالطة بالحبس من ستة (06) أشهر إلى 05 سنوات وبغرامة مالية قدرها 30.000 دج، ويمكن رفع مبلغها حتى يصل إلى أربعة أضعاف مبلغ الربح المحتمل تحقيقه، دون أن تقل هذه الغرامة عن مبلغ الربح نفسه، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. وهي نفس العقوبة المقررة لجنحة العالم بأسرار الشركة.
القانون الفرنسي في جنحة نشر معلومات كاذبة أو مغالطة كذلك أسبغ لها نفس العقوبة المقررة لجنة العالم بأسرار الشركة، حيث نصت المادة 10-01 من الأمر رقم 67-833 المؤرخ في 28-09-1967 الفرنسي على أنه (يعاقب على جريمة نشر معلومات كاذبة أو مغالطة بالحبس سنتين وبغرامة مالية تقدر بـ 10 ملايين فرنك أو بغرامة قد تتجاوز عشر مرات الأرباح المحققة، أو دون ذلك من غير أن تنخفض عن قيمة الأرباح.

ثانيا: الجزاءات الإدارية
يتعرض الجاني إلى جزاءات إدارية تصدرها الغرفة التأديبية التابعة للجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها وتتمثل فيما يلي:
1- الإنذار.
2- التوبيخ.
3- حظر النشاط كله أو جزئه مؤقتا أو نهائيا.
4- سحب الاعتماد.
5- و/ أو فرض غرامات يحدد مبلغها بعشرة (10) ملايين دينار أو مبلغ يساوي المغنم المحتمل تحقيقه بفعل الخطأ المرتكب، وتدفع هذه المبالغ إلى صندوق الضمان.
أما في القانون الفرنسي، فالجزاءات الإدارية تتمثل فيما يلي:
1- الإنذار.
2- التوبيخ.
3- السحب المؤقت أو الدائم للترخيص.
4- ويمكن فرض عقوبة مالية إذا ما نتج عن هذا الخرق تحقيق أرباح ولا يمكن أن تتجاوز هذه العقوبة المالية في جميع الأحوال ثلاث (03) مرات الربح المحقق وتدفع إلى خزينة الدولة.

الفرع الثاني: مسألة تعدد الأوصاف
من الجائز أن تشكل جريمة نشر معلومات كاذبة أو مغالطة صورة من صور جريمة المضاربة غير المشروعة المنصوص عليها في القسم السابع من الفصل الخامس من الكتاب الثالث من الجزء الثاني من قانون العقوبات تحت عنوان الجرائم المتعلقة بالصناعة والتجارة والمزايدات العمومية المادة 172 فقرة 01 التي تنص على أنه (يعد مرتكبا لجريمة المضاربة غير المشروعة……..
– كل من أحدث بطريق مباشر أو عن طريق وسيط رفعا أو خفضا مصطنعا في أسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية العمومية أو الخاصة أو شرع في ذلك.
1- بترويج أخبار وأنباء كاذبة أو مغرضة عمدا بين الجمهور.
– ويعاقب على هذا الفعل بالحبس من ستة (06) أشهر إلى خمس (05) سنوات وبغرامة من 20.000 إلى 200.000 دج.
وتشترط جنحة المضاربة غير المشروعة لقيامها توافر العناصر التالية:
1- أن يقوم الفاعل بترويج أخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة عمدا بين الجمهور.
2- أن يؤدي استعمال هذه الوسيلة إلى إحداث بطريق مباشر أو عن طريق وسيط رفعا أو خفضا مصطنعا في الأسعار أو الشروع في ذلك.
3- أن تكون البضاعة محل الجريمة ليست من البضائع ذات السعر المقنن أو ذات هامش الربح المحدد عن طريق القانون أو التنظيم.
ومن ثم فإن جنحة المضاربة غير المشروعة تقتضي لقيامها أن تكون البضاعة محل الجريمة من البضائع ذات السعر الحر الذي يخضع لتقلبات السوق حسب قانون العرض والطلب، ومن ثم لا تقوم الجريمة إذا كانت البضاعة محل الجريمة من البضائع ذات السعر المقنن الذي تحدده السلطات العمومية عن طريق التنظيم.
وطبقا لنص المادة 174 من قانون العقوبات يعاقب الجاني بالمنع من الإقامة من سنتين إلى خمس سنوات وبالمنع من ممارسة حق أو أكثر من الحقوق المذكورة في المادة 14 من نفس القانون.
– ويجب على القاضي حتى ولو طبق الظروف المخففة أن يأمر بنشر حكمه وتعليقه طبقا لأحكام المادة 18 من قانون العقوبات.
ويجوز لقاضي الحكم أن يأمر بمصادرة القيم المنقولة محل الجريمة.
وتطبقا لنص المادة 175 مكرر من قانون العقوبات، يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن جريمة المضاربة غير المشروعة، وذلك طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر من نفس القانون.
وعند تحقق تعدد الأوصاف، فإن النص الواجب تطبيقه بالرجوع إلى المادة 32 من قانون العقوبات هو المادة 172 من نفس القانون، باعتباره الوصف الأشد، لأن الغرامة مقدرة ما بين 20.000 و200.000 دج، بينما في جنحة نشر معلومات خاطئة فالغرامة تقدر بـ 30.000دج.

المبحث الثالث: جريمة القيام بأعمال غير مشروعة في سوق البورصة.

هذا الفعل نصت عليه المادة 60 السالفة الذكر في فقرتها الثالثة إثر التعديل بالقانون رقم 03-04 المؤرخ في 17-02-2003 المتعلق ببورصة القيم المنقولة وهذه الجريمة منقولة من المادة 10-3 من الأمر الفرنسي رقم 67/833 المؤرخ في 28/09/1967.
وفي هذا الصدد تنص المادة 60 فقرة 03 على أنه (يعاقب………..
– كل شخص يكون قد مارس أو حاول أن يمارس، مباشرة أو عن طريق شخص آخر مناورة ما بهدف عرقلة السير المنتظم لسوق القيم المنقولة من خلال تضليل الغير…..)
وقد تناول المشرع الفرنسي هذه الجريمة في المادة 10-3 من الأمر رقم 67/833 المعدل بتاريخ 02 يوليو 1996 حيث نصت على أنه (يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 10-01……….
– كل من قام أو حاول القيام، بنفسه أو عن طريق واسطة، بعمل يهدف منه الإخلال بالسير المنتظم لسوق إحدى الأدوات المالية وإيقاع الغير في الخطأ).
وقد يشكل هذا الفعل جريمة المضاربة غير المشروعة طبقا لنص المادة 172 فقرة 04 من قانون العقوبات.
وسوف نتناول هذا المبحث من خلال التطرق إلى ما يلي.
المطلب الأول: أركان الجريمة.
المطلب الثاني: قمع الجريمة.

المطلب الأول: أركان الجريمة

إن الغاية من الدخول في معاملات البورصة هي الربح، إلا أن أسعار الأسهم في سوق رأس المال غير مستقرة، مما يجعل الكسب ليس مضمونا في الدوام، وفي سبيل الكسب السريع قد تعمد بعض الجهات إلى القيام بأعمال غير شرعية في سوق البورصة مما يؤدي إلى قيام المسؤولية الجزائية، ويقتضي ذلك توافر الركن المادي والمعنوي.

الفرع الأول: الركن المادي للجريمة.
لقد عملت مختلف التشريعات (الفرنسي، الجزائري، التونسي،…) على منع القيام بأعمال غير شرعية في سوق البورصة، لما في ذلك من إضرار بمعاملات سوق رأس المال وما ينتج عنه من سحب ثقة المستثمرين في البورصة، ولما لذلك من نتائج وخيمة على أوضاع بعض الشركات، التي تتداول أسهمها لدى البورصة.
فالركن المادي لهذه الجريمة يقوم على أساس وجود عمل معين أو مناورة تهدف إلى الحيلولة دون السير المنتظم لسوق القيم المنقولة وذلك من خلال تضليل أو إيقاع الغير في الخطأ، أي يتكون الركن المادي من ثلاث عناصر:

أولا: مناورات تهدف إلى الحيلولة دون السير المنتظم لسوق القيم المنقولة.
تتجسد هذه المناورات في أربعة أنواع من العمليات وهي:
1- العمليات التي تتمثل في إحداث عن طريق بيع على المكشوف حركات خفض معتبر في سعر القيمة المنقولة (أسهم شركة) لا يبرر وضع الشركة، تكون متبوعة بإعادة شراء كمية أكبر من السندات بسعر منخفض جدا.
2- العمليات التي تتمثل في دفع أسعار سند نحو الارتفاع وذلك قبل إصدار سندات رأس المال عن طريق إعادة الشراء أو بأية طريقة مقابلة وذلك برفع سعر العرض بالنسبة للسعر الذي يتطلبه السوق العادي.
3- العمليات التي تتمثل في القيام بنفس العملية عن طريق إذاعة أخبار أو شائعات، أو عن طريق عروض بيع مستواها قريبا جدا من مستوى الصفقات التي تعرف انخفاضا وذلك من أجل التعجيل في الانخفاض.
4- العمليات التي تتمثل في إنجاز نفس النوع من العمليات بطريقة تسمح بالاستفادة من المواقع التي سبق شغلها في السوق مفتوحة على عدة اختيارات.
وإن كان الوسيط المالي القائم بهذه المناورات أو الأعمال يهدف أساسا إلى تحقيق ربح غير مشروع، فإن واقعة تحقيق الربح ليست عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة، حيث إن هذا الأخير يكون متكاملا حتى ولو أن الوسيط المالي (الفاعل) لم يحقق أرباحا من جراء مناورته هاته.
إلا أن ذلك لا يعني أن مجرد صعود سعر القيمة المنقولة ونزولها بشكل مفتعل وغير طبيعي يكفي وحده لقيام الجريمة بل يجب أن توقع هذه الأعمال أو المناورات الغير في الغلط.
– وعبارة (مناورة ما) لا تقتضي ضرورة إقامة الرابطة السببية بين العمل المجرم ونتائجه في السوق، ويختلف الأمر لو استعملت عبارة (مناورة من شأنها).

ثانيا: مناورات من أجل تضليل الغير أو إيقاعهم في الخطأ.
يجب أن توقع هذه المناورات (بحسب لفظ المشرع الجزائري) أو الأعمال (بحسب لفظ المشرع الفرنسي) الغير في الغلط، فيقبل بشراء الأسهم، ظنا منه أن ارتفاع سعرها ناتج عن كثرة تداول هذه الأسهم، نظر لنجاح الشركة المصدرة لها في نشاطها التجاري.
ومثال ذلك أن يعمل الفاعل إلى إصدار عدد كبير من أوامر البورصة لشراء نوع معين من الأسهم من غير أن يكون تحت يده الغطاء المالي اللازم لذلك، لإقناع المستثمرين في سوق البورصة بوشك وقوع عملية ضخمة على قيمة منقولة معينة وهذا ما يسمى بعمليات البيع على المكشوف.

ثالثا: سوق القيم المنقولة.
المشرع الفرنسي بعد تعديل الأمر 67/833 في سنة 1988 تخلى عن عبارة البورصة من مصطلح (سوق البورصة) فأصبح يشير للسوق وحدها، لأن كثيرا من الصفقات كانت تنجز خارج البورصة، لذلك جعل الركن المادي لهذه الجريمة يقوم، بقطع النظر عن نوع السوق التي جرى فيها التعامل، سواء أكان ذلك في السوق الرسمية وهي سوق البورصة أو في الأسواق الموازية له.
أما المشرع الجزائري استعمل عبارة سوق القيم المنقولة.
ولا يفرق الركن المادي لهذه الجريمة بين ارتكاب هذا الفعل من قبل الجاني نفسه مباشرة أو عن طريق شخص آخر، وصورة ذلك أن يعمد الجاني إلى القيام بهذه المناورة عن طريق شركة سمسرة في الأوراق المالية لدى البورصة، طالما أنه ليس الاعتماد المفروض للقيام بنشاط الوساطة في تداول الأوراق المالية لدى البورصة، حيث إن ترخيصه صالح لإدارة الأوراق المالية فحسب، إلا أن ذلك لا يمنع من قيام مسؤوليته الجنائية، إذ أنه يعد هو الجاني، وما شركة السمسرة في الأوراق المالية إلا منفذ لما يرد لها من أوامر البورصة.
– وفي بريطانيا تمت إدانة مدير شركة مساهمة عند استعماله طرق احتيالية ومناورات لجعل العرض والصفقة تنجح في سوق الأوراق المالية، وعد ذلك تلاعبا بالسوق.

الفرع الثاني: الركن المعنوي للجريمة.
المشرع الجزائري لم يشترط العمد ولا سوء نية الجاني في هذه الجريمة وهو نفس التوجه الذي ذهب إليه المشرع الفرنسي إثر تعديل الأمر رقم 67/833 بتاريخ 02 يوليو 1996 حيث أصبح ينص على أنه (يعاقب….. كل من قام أو حاول القيام بنفسه أو عن طريق واسطة) بعدما كان ينص قبل التعديل على أنه (يعاقب…. كل من قام أو حاول القيام عمدا بنفسه أو عن طريق واسطة…).
ولقد عمد المشرع الفرنسي إلى إلغاء شرط العمد الذي تقوم عليه المسؤولية الجزائية في هذا الوضع- فهل أراد المشرع جعل جريمة القيام بأعمال غير مشروعة في سوق البورصة من الجرائم الشكلية، حيث تقوم بمجرد توافر الركن المادي للفعل دون الاهتمام بالركن المعنوي ؟
نصت المادة 10-3 قبل تعديلها على أنه: (كل من قام أو حاول القيام عمدا بنفسه أو عن طريق واسطة بعمل…)، ولفظ (عمل) هذا ينتابه الكثير من الإبهام والغموض ويقبل العديد من التأويلات والتفسيرات، علاوة على استلزام المشرع للقصد الخاص المتمثل في العلم والإرادة وامتداده إلى وقائع ليست في ذاتها من أركان الجريمة، كحصول الجاني على كسب من جراء قيامه بالأعمال غير المشروعة في سوق البورصة بإيقاع الغير في الغلط، الذي ليس من السهل إثباته بقطع النظر عن التفسير الذي سيعطيه قاضي الموضوع للفظ (عمل) طبقا لوقائع كل حالة، يجعل من الصعب تطبيق النص من الناحية العملية، علاوة على صعوبة إثبات الركن المعنوي للجريمة والقائم على إرادة الإضرار بالغير.
أما بعد التعديل في 02 يوليو 1996 فقد تم إلغاء الجانب العمدي للفعل وكأن المشرع الفرنسي قد عمد إلى عدم الاعتداد بالركن المعنوي لهذه الجريمة، رغم أن ذلك يتعارض مع روح قانون العقوبات الفرنسي الجديد، الذي يحاول القضاء على الجرائم المادية، مما يدعو للقول بوجود تناقض في موقف المشرع الفرنسي.
أما القانون المصري ونظيره التونسي فقد كان اتجاههما مخالفا لنظيرهما الفرنسي والجزائري فقد أوجبا عنصر القصد، أي توافر الركن المعنوي حتى يمكن القول بقيام المسؤولية الجزائية للفاعل في هذه الجريمة وذلك من خلال المادة 63 فقرة 06 من القانون رقم 95/92 الخاص بسوق رأس المال المصري، والمادة 81 فقرة 04 من القانون رقم 117/94 والمؤرخ في 14 نوفمبر 1994، المتعلق بإعادة تنظيم السوق المالية التونسية.

المطلب الثاني: قمع الجريمة

يتعرض الجاني في جريمة القيام بأعمال غير شرعية في سوق البورصة لجزاءات ذات طابع جزائي، وجزاءات ذات طابع إداري.
وعلى غرار جريمة نشر معلومات خاطئة أو مضللة فإنه قد تثار مسألة النص الواجب تطبيقه عند تعدد الأوصاف.

الفرع الأول: الجزاء المقرر للجريمة.
هناك عقوبات جزائية وجزاءات إدارية يتعرض لها الجاني الذي قام بأعمال غير شرعية في سوق البورصة سواء كان هو من مارس المناورة أو من حاول أن يمارسها.

أولا: الجزاءات ذات الطابع الجزائي.
طبقا لنص المادة 60 من المرسوم التشريعي رقم 93/10 المعدل بالقانون رقم 03-04 فإنه يعاقب على جريمة القيام بأعمال غير شرعية في سوق البورصة بالحبس من 06 أشهر إلى 05 سنوات وبغرامة مالية قدرها 30.000 دج أو بإحدى العقوبتين فقط.
ويمكن رفع مبلغ الغرامة إلى أكثر من المبلغ المذكور حتى يصل إلى أربعة أضعاف مبلغ الربح المحتمل تحقيقه، دون أن تقل هذه الغرامة عن مبلغ الربح نفسه.
أما القانون الفرنسي يعاقب على هذه الجريمة طبقا لنص المادة 10-1 بالحبس سنتين وغرامة مالية تقدر بـ 10 مليون فرنك أو أكثر من ذلك إلى حدود عشرة أضعاف قيمة الأرباح المحققة ومن دون أن تكون هذه الأرباح أقل من هذه الأخيرة.
المشرع التونسي في هذه الجريمة اكتفى بالعقوبات المالية (الغرامة) فحسب ولم يرصد عقوبات سالبة للحرية، حيث نصت المادة 81 فقرة 04 من القانون رقم 117/1994 على أنه (يعاقب بخطية (غرامة) تتراوح بين 1000 إلى 10000 دينار تونسي…..).

ثانيا: الجزاءات الإدارية
1- الإنذار.
2- التوبيخ.
3- حظر النشاط كله أو جزئه مؤقتا أو نهائيا.
4- سحب الاعتماد.
5- و/ أو فرض غرامات يحدد مبلغها بعشرة (10) ملايين دينار أو مبلغ يساوي الغنم المحتمل تحقيقه بفعل الخطأ المرتكب، وتدفع هذه المبالغ لصندوق الضمان (المادة 51 من المرسوم التشريعي رقم 93-10).

الفرع الثاني: مسألة تعدد الأوصاف
من الجائز أن تشكل هذه الجريمة صورة من صور جريمة المضاربة غير المشروعة المنصوص عليها في المادة 172 الفقرة 04 من قانون العقوبات والتي تنص على عقوبة (كل من أحدث بطريق مباشر أو عن طريق وسيط رفعا أو خفضا مصطنعا في أسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية العمومية أو الخاصة أو شرع في ذلك:
4- أو بالقيام بصفة فردية أو بناء على اجتماع أو ترابط بأعمال في السوق أو الشروع في ذلك بغرض الحصول على ربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي للعرض والطلب).
وهذا النص مأخوذ من المادة 419 من قانون العقوبات الفرنسي القديم الذي ظل إلى غاية تعديله في 03/12/1926 يحصر مجال هذه الجريمة في السلع والبضائع والأوراق المالية العمومية، ثم أضاف الأوراق المالية الخاصة إثر التعديل، ويقصد بالأوراق المالية الخاصة الأسهم والسندات التي تصدرها الشركات.
ولكن المشرع الفرنسي ألغى هذه المادة بموجب الأمر المؤرخ في 22/02/1986 المتعلق بالأسعار.
وتعاقب المادة 172 من قانون العقوبات على هذه الجريمة بالحبس من ستة (06) أشهر إلى خمس (05) سنوات، وبغرامة من 20.000 إلى 200.000 دج.
وطبقا لنص المادة 174 من قانون العقوبات يعاقب الجاني بالمنع من الإقامة من سنتين إلى حمس سنوات وبالمنع من ممارسة حق أو أكثر من الحقوق المذكورة في المادة 14 من نفس القانون.
ويجب على القاضي حتى ولو طبق الظروف المخففة أن يأمر بنشر الحكم وتعليقه ،كما يمكن لقاضي الحكم أن يأمر في حكمه بمصادرة القيم المنقولة محل الجريمة.
وفي ظل وجود وصفين وبالرجوع إلى نص المادة 32 من قانون العقوبات التي تنص على أنه (يجب أن يوصف الفعل الواحد الذي يحتمل عدة أوصاف بالوصف الأشد من بينها).
فالوصف الأشد هنا هو جريمة المضاربة غير المشروعة المنصوص عليها في المادة 172 من قانون العقوبات.

عرضنا خلال هذا البحث ملامح وركائز الحماية الجزائية لبورصة القيم المنقولة وقد اعتمدنا على المنهج الوصفي التحليلي، والمنهج المقارن لتحديد موقف التشريعات المنظمة للبورصة في كل من فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، مصر، وبدرجة أقل تونس وبريطانيا.
وحرصنا على استهلال هذا البحث بالتطرق لماهية بورصة الأوراق المالية، ونشأة بورصة القيم المنقولة في الجزائر، ثم أعقبنا ذلك بدراسة أهمية الحماية الجنائية لبورصة القيم المنقولة في هذا النوع من الجرائم، ثم سلطنا الضوء على صور التجريم والعقاب التي قررها المشرع الجزائري في مجال بورصة القيم المنقولة.
وعلى ضوء دراستنا وبحثنا في موضوع جرائم البورصة في التشريع الجزائري- دراسة مقارنة- فإننا نقدم بعض التوصيات آملين أن تُسهم ولو بالقليل في إثراء هذا الموضوع وتتمثل فيما يلي:
1- لابد من إتباع سياسات ذات مرونة عالية في جرائم البورصة لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، نظر لسرعة التغير والتطور الذي تتسم به.
2- إقرار نظام المصالحة في جرائم البورصة باعتباره وسيلة فعالة لتعويض الدولة عن الأضرار التي قد تلحق بها عند ارتكاب أية جريمة من هذه الجرائم، نظرا لصعوبة الإثبات فيها وإمكانية ارتكابها على نطاق عالمي مما يصعب معه ملاحقة هذه الجرائم عن طريق الإجراءات المعمول بها وبالتالي يظل الجاني دون عقاب.
3- دعوة المشرع الجزائري إلى تجريم بعض السلوكيات الضارة التي تقع في بورصة القيم المنقولة والتي قد تضر بها أو تهددها بالضرر والتي لم ينص على تجريمها في المادة 60 من المرسوم التشريعي رقم 93-10 المؤرخ في 23/05/1993 المتعلق ببورصة القيم المنقولة المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-10 المؤرخ في 14-01-1996 وبالقانون رقم 03-04 المؤرخ في 17-02-2003.
4- إقرار مسؤولية الأشخاص المعنوية جزائيا في جرائم البورصة نظرا لأهمية الدور الذي تلعبه هذه الأشخاص وتعاظم دورها في التعاملات التي تتم في بورصة القيم المنقولة.
5- أهمية التعاون الدولي في مجال مكافحة جرائم البورصة، حيث أنها أصبحت جرائم عابرة للحدود بفعل ظاهرة العولمة المصرفية والمالية من خلال تبادل الخبرات الدولية وإبرام الاتفاقيات، والاعتراف بالأحكام الجزائية الأجنبية.
وبناء على ما سبق فإنه يبقى هناك نقص تشريعي في القانون الجزائري، ولاسيما أن التشريعات المنظمة للبورصة في الجزائر لا ترجع إلى وقت بعيد، وبالتالي لا توجد سوابق قضائية يمكن الاستفادة منها، كذلك أن حوالي 85% من الشركات الخاصة غير مؤهلة لدخول بورصة الجزائر، لأن إطارها القانوني ونمط تسييرها لا يسمح بإدراجها في البورصة وهذا حسب تصريح المدير العام لبورصة الجزائر السيد مصطفى فرفارة.

1- المراجـع باللغـة العربيـة:
أ- المراجـع العامـة:

1- د. إبراهيم على صالح، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دار المعارف، القاهرة، 1990.
2- د. أحسن بوسقيعة، قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية، طبعة 2007-2008، منشورات بيرتي.
3- د. أحمد فتحي سرور، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1983.
4- د. حازم الببلاوي، دور الدولة في الاقتصاد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999.
5- د. حسني الجندي، القانون الجنائي للمعاملات التجارية، دار النهضة العربية، القاهرة.
6- د. شمعون شمعون- البورصة (بورصة الجزائر): دار هومه للطباعة والنشر. 1999.
7- د. طارق عبد العالي حماد، بورصة الأوراق المالية ، الدار الجامعية، الإسكندرية 2000.
8- د. فتوح الشاذلي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2001.
9- د. مأمون سلامة، قانون العقوبات، دار الفكر العربي، القاهرة 1990.
10- د. محمد بلقاسم بهلول- سياسة تخطيط التنمية وإعادة تنظيم مسارها، الجزء الثاني، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1999.
11- د. محمد سامي الشوا، القانون الإداري الجزائي، دار النهضة العربية، القاهرة 1996.
12- د. محمد صالح الحناوي، د. إبراهيم إسماعيل سلطان، الإدارة المالية والتمويل- الدار الجامعية، مصر، طبعة 1990.
13- د. محمد محي الدين عوض، أهم الظواهر الاقتصادية الانحرافية والإجرامية، مقال منشور في مجلة أكاديمية نايف العربية الأمنية الصادرة عن مركز الدراسات والبحوث، العدد 188، الرياض، 1996.
14- د. مصطفى راشدي شيحة- اقتصاديات النقود والمصارف والمال- الدار المصرية- جامعة مصر طبعة 1996.
15- د. منير إبراهيم هنيدي- إدارة الأسواق والمنشآت المالية- دار المعارف، مصر طبعة 1997.
16- د. منير هندي، أدوات الاستثمار، منشأة المعارف طبعة 1999.
17- مبروك حسين، المدونة النقدية والمالية الجزائرية، لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة، دار هومه، الطبعة الأولى، 2004.

ب- المراجع المتخصصة:

1- د. أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الثاني، دار هومه، الطبعة الرابعة، 2006.
2- د. حسن فتحي، تعاملات المطلعين على أسرار أسهم الشركة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996.
3- د. سلطان عبد السلام إبراهيم عبد السلام، الجرائم المالية في البورصات، جريمة التلاعب في السوق، دراسة تحليلية مقارنة بين النظام السعودي والبريطاني، دار الرياض، 2008.
4- د. صالح البربري، الممارسات غير المشروعة في بورصة الأوراق المالية، مركز المساندة القانونية، القاهرة، 2001.
5- د. عبد الرءوف مهدي، المسؤولية الجنائية عن الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن، دار النهضة العربية، القاهرة، 1980.
6- د. عمر سالم، الحماية الجنائية للمعلومات غير المعلنة للشركات المقيدة بسوق الأوراق المالية، دار النهضة العربية، القاهرة 1999.
7- د. عمر سالم، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية وفقا للقانون الفرنسي الجديد، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995.
8- د. محمد فاروق عبد الرسول، الحماية الجنائية لبورصة الأوراق المالية، دراسة مقارنة، دار الجامعية الجديدة، 2007.
9- د. محمود محمود مصطفى، الجرائم الاقتصادية، دار النهضة العربية، القاهرة،1989.
10- د. مصطفى منير، جرائم إساءة استعمال السلطة الاقتصادية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة. 2000.
11- د. منير بوريشة، المسؤولية الجنائية للوسطاء الماليين في عمليات البورصة، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2002.

2- المراجع باللغة الأجنبية:

1- Arnold H. Loewy. Criminal law. Third edition. West. Group. United States of America. 2000.
2- H. de Vauplane. Olide Simart. Delits boursiers propositions et reforme. Rd Bancaire N° 16. Mai/Juin 1997.
3- Hubert de vaupane- odile simart : delits bouresiers. Propositions et reforme RD. Bancaire et de la bourse N° 61 Mai/ Juin 1997.
4- Richard H. Wahker, testimony concerning the imvolvement of organized crime on wallstreet, U.S. Securities and exchange commission 2000.
5- Wilfrid jeandidiere, droit pénal des affaires. 3 éditions. Dalloz 1998.